رغم عدم وجود كلمة مقابلة له في اللغة العبريّة، إلا أنّ "الأومامي" (Umami) هو أحد المذاقات الخمسة الّذي يمكننا تذوّقه - ولا يوجد شيء مثل حساء الفطر اليابانيّ لفهم العِلم من وراء هذا المذاق

منذ تأسيس هذا القسم، قدّمنا لكم، قرّاءنا، وصفات علميّة بمجموعة متنوّعة من المذاقات والنكهات.  ولكن حتّى الآن، لم نتعمّق في تفصيل ماهيّة الذوق وكيف نختبره. ما هو الفرق بين الأطعمة الحلوة والمالحة، وبين الأطعمة  المرّة والحامضة؟ هل هناك علاقة بينها؟ وما هو "الأومامي"؟ هل من الممكن خَلق حاسّة التذوّق بشكلٍ مصطنعٍ؟

قام اليابانيّون على الأقلّ بالإجابة عن السؤال الأخير - تمّ الإبلاغ مؤخّرًا، عبر شبكة الانترنت، عن جهاز طوّره العالِم هوماي مياشيتا (Homei Miyashita) من جامعة ميجي (Meiji university) في اليابان، والّذي يسمح بإنشاء مجموعة متنوّعة من المذاقات الّتي نختبرها باللسان في كلّ تذوّق لمجموعة متنوّعة من الأغذية. لفهم كيف يكون هذا ممكنًا، سنركّز هذه المرّة على مذاق "الأومامي"، الّذي تمّ تعريفه لأوّل مرّة في اليابان، وسنقوم بتوضيحه باستخدام حساء الفطر.

פטריות, שום ובצל על קרש החיתוך | Ostranitsa Stanislav, Shutterstock
سنبدأ بالمكوّن الرئيسيّ، الفطر. الثوم، البصل والفطر على لوح التقطيع | اوسترانيتسا ستانيسلاف، Shutterstock
 

ماذا نحتاج؟

  • 3 ملاعق كبيرة من صلصة الصويا الخفيفة.

  • ½ ملعقة صغيرة من صلصة الصويا الداكنة.

  • ملعقة صغيرة من السكّر.

  • ملعقة كبيرة من خلّ الأرز. 

  • ¼ كأس من الماء. 

  • ملعقة صغيرة من نشا الذرة (Cornflour).

  • ملعقتان كبيرتان من الزيت. 

  • 500-600 غرام من فطر "ملك الغابة" (يُدعى أيضًا محاري ايرنغي)  أو فطر "بورتوبيلو" (يُدعى أيضًا غاريقون ثنائيّ البوغ)، مقطّع إلى مكعّبات.  

  • 3 شرائح زنجبيل رقيقة مطحونة. 

  • 3 فصوص ثوم مفرومة.

  • 4 رؤوس من البصل الأخضر (الجزء الأبيض فقط) مقطّعة إلى شرائح رقيقة.

  • ملعقة صغيرة من "فلفل السيتشوان" (Sichuan pepper) - من لا يحبّ الأطعمة الحارّة، يمكنه التخلّي عنه.

  • قدر 8 وحدات من الفلفل الحار المجفّف، المنقوع والمقطّع إلى شرائح.

  • كأس من الفليفلة الحمراء المقطّعة إلى مكعّبات. 

  • ½ ملعقة صغيرة من زيت السمسم.

  • ملعقة كبيرة من الفول السودانيّ المحمّص والمقشّر.
     

طريقة التحضير

  1. لتحضير الصلصة: نقوم بخلط الصويا، السكّر، خلّ الأرز، الماء ونشا الذرة في وعاء صغير.

  2. نضع ملعقة صغيرة من الزيت في المقلاة، ونقوم بتسخينه على نار متوسطة. يُضاف الفطر ويُقلى حتّى يتكرمل أو يتبخّر كلّ السائل. ننقل المزيج إلى وعاء ونضعه جانبًا.

  3. نضع ملعقة أخرى كبيرة من الزيت في نفس المقلاة، وبعد تسخينه، نضيف الزنجبيل، الثوم، البصل الأخضر، فلفل السيتشوان، والفلفل الحارّ المجفّف، ومن ثمّ نقوم بقلي المزيج لمدّة دقيقة تقريبًا. (احذروا من الإفراط في التسخين وحرق التوابل)، نضيف الفليفلة الحمراء ونستمرّ في القلي مع التحريك المستمرّ.

  4. نعيد إضافة الفطر المطبوخ إلى المقلاة، ونقلي جيّدًا على نار عالية.

  5. نخلط الصلصة جيّدًا ونضيفها إلى الحساء، ثمّ نقوم بتقليب المكوّنات معًا بحركاتٍ سريعةٍ، ومن بعدها تُرفَع عن النار.

  6. نضيف الفول السودانيّ وزيت السمسم.

 

والآن لننتقل للعِلم 

يُروَى أنّ الفيلسوف الصينيّ كونفوشيوس قال: "الجميع يأكل ويشرب، لكن قلّة منهم يقدّرون المذاق". وُلِدت حاسّة الذوق بفضل الحاجة التطوّريّة لمساعدتنا في تحديد جودة وصلاحيّة الطعام الّذي نستهلكه. يشير المذاق المرّ أو الحامض إلى نباتات سامّة أو أطعمة غنيّة بالبروتينات الفاسدة. بينما يشير المذاق الحلو والمالح بشكلٍ عامّ إلى الأطعمة الغنيّة بالعناصر الغذائيّة. 

يستطيع البشر التمييز بين خمسة مذاقات: مرّ، مالح، حامض، حلو و"أومامي". تتضمّن عمليّة التعرّف على المذاقات التواصل بين الخلايا في تجويف الفمّ والخلايا العصبيّة وطريقها إلى الدماغ. تتوزّع على لساننا حُلَيمات لسانيّة (Papillae) - الفقاعات الصغيرة الّتي نراها على اللسان. تحتوي كل حليمة على ما بين خمسين إلى مائة بُرعم تذوّق - خلايا تحتوي على مستقبِلات يتمّ تنشيطها بالتلامس مع المركّبات الكيميائيّة الموجودة في الأطعمة والمشروبات الّتي نستهلكها.

هناك أربعة أنواع من الحليمات، وبعكس ما هو متوقّع، فأكثرها شيوعًا لا تشارك في تحديد الطعم، إنّما تساهم في تثبيت الغذاء على اللسان، واستشعار الحرارة، القوام والألم. الأنواع الثلاثة الأخرى هي الّتي تسمح لنا بالتفريق بين المذاقات. تنقسم براعم التذوّق بداخلها أيضًا إلى عدّة أنواع من الخلايا، والّتي تستجيب للمركّبات الموجودة في الطعام أو الشراب وترسل إشارات إلى الدماغ. يقوم الدماغ بدوره بمعالجة كلّ هذه الإشارات ويُنتج حاسّة التذوّق منها.

مصدر معلومات حيويّ

علميًّا، يتمّ تعريف المذاق المرّ والحامض على أنّهما "مذاقان مضادان" لأنّنا نميل عادةً إلى تجنّبهما، بينما تُعرَّف المذاقات الأخرى - الحلو، المالح والأوماميّ - على أنّها "مثيرة للشهيّة"، ونميل للإعجاب بها. من المحتمل أن يكون تفضيل التذوّق لدينا قد تطوّر لأنّ جهاز التذوّق هو النقطة الأخيرة للقرار النهائيّ لتناول طعامٍ  معيّنٍ أم لا. الأساسيّات التوجيهيّة في الأكل هي: هل الغذاء غنيّ بالطاقة؟ هل هو سامّ؟ وهل يمدّ الجسم بالبروتينات؟ 

يُصنَّف المذاق الحلو تحت فئة الحاجة. في مرحلة الطفولة المبكّرة، يستجيب الطفل الّذي يتذوّق الطعام الحلو بابتسامة، في حين أنّ الطعام المرّ يدفعه إلى رفض الطعام. يشير المذاق الحلو إلى وجود الكثير من الطاقة، أو السعرات الحراريّة في الطعام، كما واعتُبِرَ علامة إيجابيّة للغاية خلال التطوّر البشريّ؛ لأنّه بدون طاقة لن نتمكّن من البقاء على قيد الحياة. لكن اليوم، نظرًا لأنّ مهمّة الحصول على الغذاء في البلدان الغنيّة أصبحت سهلة للغاية، فقد أصبح الاستهلاك المُفرط للأطعمة الحلوة مشكلة عالميّة تتجلّى في السمنة الزائدة والأمراض مثل مرض السكّريّ.

يُشير المذاق المالح إلى أنّ الأطعمة تحتوي على معادن مهمّة لأداء الوظائف في الجسم، مثل الصوديوم أو البوتاسيوم. يُعَدّ الملح مسؤولًا ليس فقط عن تزويد الطعام بالمذاق المالح، بل يُساهم أيضًا في تقليل المرارة وتعزيز الحلاوة. أصبح التناول المُفرط للملح أيضًا قضيّة مهمّة للنقاش في الصحّة العامّة، بسبب الأضرار الّتي يمكن أن يسبّبها الاستهلاك المفرط لمعادن معيّنة.

הטעם המתוק מאותת שבמזון יש הרבה אנרגיה אך בתזונה המערבית המודרנית צריכת יתר של סוכר הפכה לבעיית בריאות. ילדה מלקקת בלילה מתוקה | Jacob Lund, Shutterstock
يُشير المذاق الحلو إلى أنّ الطعام يحتوي على الكثير من الطاقة، ولكن في نظام الغذاء الغربيّ الحديث، أصبح استهلاك السكّر المُفرط مشكلة صحيّة. طفلة تلعق خليطًا حلو المذاق| Jacob Lund, Shutterstock

 

المذاق الأحدث 

على عكس المذاقات الأربعة الأولى، المألوفة لنا منذ بزوغ فجر البشريّة، تمّ تحديد مذاق "الأومامي" على أنّه مذاق أساسيّ منذ أكثر من قرنٍ تقريبًا. قام بتحديده العالِم اليابانيّ كيكوني إيكيدا (Kikunae Ikeda)، بعدما فحص حساءً مطبوخًا بالأساس من الطحالب. قام بتسمية المذاق الّذي وجده "أومامي"، والّذي يعني "لذيذ جدًّا" باللغة اليابانيّة. في الواقع، فإنّ الأومامي ليس لذيذًا بشكل خاصّ من تلقاء نفسه، ولكنّه يعزّز من مذاقات الأطعمة.

ينبع مذاق الأومامي من الأحماض الأمينيّة الجلوتامات (L-glutamate)، أو غلوتامات أحاديّ الصوديوم. يُعَدّ االحامض الأمينيّ أحد المنتوجات لتفكيك البروتينات الموجودة بشكل طبيعيّ في الأطعمة مثل اللحوم والحليب والفطر والطماطم. تُعتبر الأطعمة الغنيّة بالجلوماتات الحرّ، مثل الطماطم الناضجة، لذيذة بشكلٍ خاصّ. هذا هو أيضًا السبب في أنّ مذاق اللحوم المعتّقة معزّز أكثر من طعم اللحوم العاديّة - تتضمّن عمليّة التعتيق تفكيك البروتينات، والّتي تترك العديد من الأحماض الأمينيّة الحرّة في اللحوم.

يتعزّز مذاق الأومامي أيضًا بتأثير الملح، بسبب التفاعل بين مستقبِلات التذوّق المختلفة. لهذا السبب، يحبّ الكثير من الناس تتبيل الطماطم بالملح. يعزّز الأومامي بدوره المذاق الحلو، ويوازن المذاق المرّ والحامض. على غرار المذاق الحلو والمالح، يخدم تفضيل مذاق الأومامي أيضًا حاجة تطوّريّة، لأنّ جسمنا يحتاج إلى البروتينات لأداء وظيفته بشكل صحيح.

תבשיל פטריות מוקפץ בווק | Ostranitsa Stanislav, Shutterstock

مصدر مذاق الأومامي هو الأحماض الأمينيّة الجلوتامات (L-glutamate) الموجودة بشكل طبيعيّ في الأطعمة مثل اللحوم والحليب والفطر والطماطم. يخنة الفطر في المقلاة |  Ostranitsa Stanislav, Shutterstock

 

المذاق والرائحة

على الرغم من أنّ المذاق يتأثّر بشكل رئيسيّ من اللسان، فإنّ حاسّة الشمّ تساهم أيضًا في إدراك التذوّق. تعمل حاسّة الشمّ بطريقتين أثناء الأكل: يقوم الأنف باستيعاب المركّبات المتطايرة المنبعثة من الطعام بشكل مباشر، واستيعاب المركّبات المتطايرة الّتي تُفرَز من الطعام أثناء المضغ وتصل إلى الأنف من تجويف الفمّ. لدينا القدرة على تحديد آلاف الروائح، يقوم دماغنا بجمع المعلومات الّتي تأتي إليه من مستقبِلات الرائحة وبراعم التذوّق لتكوين حاسّة ذوق متطوّرة.

وهذه أيضًا لم تستوفِ الصورة الكاملة. يوثّر جهاز استشعار إضافيّ بشكل كبير على الطريقة الّتي نختبر بها الأطعمة الساخنة، المنكّهة، الباردة والحارقة. يوجد في مقدّمة الرأس عند الإنسان العصب الثلاثيّ الّذي يتحكّم، من بين أمور أخرى، في الإحساس في الوجه وحركات المضغ، العضّ والبلع. تستجيب الخلايا في العصب الثلاثيّ للمحفّزات الكيميائيّة في الفمّ، الحلق، الأنف وحتّى العينَيْن، ولذا فإنّ التعرّض لرائحة النعنع القويّة، على سبيل المثال، يثير الشعور بالبرودة بينما يتسبّب الواسابي في تهيّج الأنف و الدموع في العينَيْن.

توجد في أطراف خلايا العصب الثلاثيّ عائلة من القنوات الأيونيّة - بروتينات - تسمح للذرّات ذات الشحنة الكهربائيّة الموجبة أو السالبة بالدخول أو الخروج من الخلايا العصبيّة، ممّا يسمح بنقل الإشارات العصبيّة. هذه القنوات مسؤولة أيضًا عن استشعار اللمس ودرجة الحرارة - وهو اكتشاف أكسب العلماء الّذين أفادوا عنه جائزة نوبل في الطبّ لعام 2021. تستجيب هذه القنوات الأيونيّة، من ضمن أمورٍ أخرى، للكابسيسين، وهو العنصر النشط في الفلفل الحارّ. هذا هو السبب في أنّ الأطعمة مثل الكرين (Chrain) والواسابي والسحاوق (Zhug) تثير في أفواهنا شعورًا بالحرارة والحرقة الّتي  نعرفها بالطعم الحارّ.  جهاز كهربائيّ يعرض (يحاكي) المذاقات

המכשיר מחולל הטעמים שפיתח מיאשיטה | מתוך מאמר המחקר
من خلال خلط خمسة موادّ هلاميّة موصلة للتيّار في مذاقات مختلفة، من الممكن إنشاء مذاقات جديدة. جهاز كهربائيّ يعرض (يحاكي) المذاقات، طوّره العالِم هوماي مياشيتا | من ورقة البحث
 

خَلْق نكهات اصطناعيّة 

إنّ فهم العمليّات الكيميائيّة الّتي تنطوي عليها حاسّة التذوّق هو أيضًا الأساس الّذي بحسبه قام مياشيتا بتطوير جهاز مولّد المذاقات المذكور في بداية المقال. يحتوي الجهاز على خمسة موادّ هلاميّة موصلة للتيّار - مادّة واحدة لكلّ مذاق - بحيث يمكنك زيادة أو تقليل مذاق معيّن عن طريق تغيير شدّة التيار المتدفّق  في هلامه. عند مزج الموادّ الهلاميّة الخمس معًا، نحصل على نكهات مختلفة اعتمادًا على نسبة كلّ مادّة من هذه الموادّ في الخليط، على غرار الطريقة الّتي يمكن بها إنشاء مجموعة متنوّعة من الألوان من مصابيح LED عن طريق مزج اللون الأحمر، الأخضر والأزرق. 

من الممكن طبعًا طرح التساؤل - ما هو الهدف من هذا الجهاز؟ على كلّ حال، إذا كنت تريد، على سبيل المثال، طعم تفّاحة، فيمكنك أن تأكل التفاحة نفسها. لكن وفقًا للمطوّرين، إذا استطعنا إنشاء المذاقات المفضّلة لدينا بدون الأطعمة الّتي صنعَتْها، فيمكننا على سبيل المثال، أن نصنع من جديد المذاق المفضّل لمسلّي شعبيّ من الشوكولاتة بدون الكميّة العالية من السعرات الحراريّة الّتي يحتوي عليها. يذكّرنا هذا بما فعله ويلي وانكا في كتاب "تشارلي في مملكة الشوكولاتة" عندما طوّر علكة تحتوي على طعم وجبة مُشبِعة تتضمّن ثلاثة أطباق: حساء الطماطم، اللحوم و فطيرة التوت.

بالطبع، لا شيء يُقارَن بتجربة تناول الطعام الحقيقيّة، بغضّ النظر عن مدى دقّة الجهاز في محاكاة المذاق. تزوّد الإجراءات الميكانيكيّة مثل البلع والمضغ وحاسّة الشمّ والحواسّ الأخرى دماغنا بمعلومات مهمّة حيث يكون التذوّق جزءًا من تجربة كاملة متعدّدة الحواسّ. كل ما تبقّى لدينا هو الدخول إلى المطبخ، التقطيع، القلي والتتبيل. بالصحّة والعافية!

فيديو يوضّح كيفيّة عمل جهاز "محاكي" المذاقات:

 

0 تعليقات