دعونا نتعرّف على حرارة فلفل التشيلي الذي يجعلنا نشعر بحرقة حادّة في الفم، وعلاقتها بالكبساسين، من خلال وصفة "مطبوخة" حارّة جدًّا

تقاس أعشاب البهارات بالرائحة والمذاق التي تضفيها على الطبيخ، ويتميّز فلفل التشيلي والفلفل الأسود بشدّة الحرارة أو الحرقة. تُستقى جودة الجنجر والخردل والفجل الحارّ من مذاقها الحادّ في الفم ومدى إثارة الحكّة في الأنف. 

ليست حرارة الفلفل وغيره أحد المذاقات أو الروائح، وإنّما هي عبارة عن شعور بالإثارة يرتبط بالألم. سنتناول هذه المرّة الحرقة الناجمة عن فلفل التشيلي بشكل خاصّ. ينتمي الفلفل إلى العائلة الباذنجانيّة التي تشمل الباذنجان والبندورة والبطاطا. تتميّز نباتات هذه العائلة باستخدام الوقاية الكيميائيّة بواسطة مجموعة المواد المسماة ألكالوئيدات. تحتوي هذه المواد على الكبساسينات (Capsaicinoids) المسؤولة عن حرارتها. 

لقد تقلصت وسائل الوقاية لدى غالبية الثمار التي يتغذّى عليها الإنسان عبر أجيال كثيرة من التدجين. واعتنى الإنسان، بالمقابل، بإحدى وسائل الوقاية هذه وهي الكبساسين الحارّ الموجود في فلفل التشيلي والذي يحظى بشعبية كبيرة في شتى أرجاء العالم. اخترنا لكم وصفة لسلطة "المطبوخة" شديدة الحرارة لفهم آلية عمل الكبساسين وكيفيّة تأثيره على عمليّات الطهي في المطبخ.

أنواع من الفلفل. تصوير: dioimagens Shutterstock
تُسمّى المادة الفعّالة المسؤولة عن حرارة الفلفل كبساسين. أنواع من الفلفل. تصوير: dioimagens Shutterstock

المتطلبات

  • 15 حبة بندورة ناضجة متوسطة الحجم

  • رأس ثوم (حوالي 20 فص)

  • ½ كأس (أو أقل) زيت الزيتون 

  • ½1 ملعقة سُكّر

  • 2 حبات خضراء من الفلفل الحارّ منظفة ومُقطّعة قطعًا رفيعة (يمكن استخدام أنواع أخرى من الفلفل الحارّ ويمكن تغيير الكمّيّة حسب شدّة الحرارة المرغوبة)

  • ملعقة واحدة (أو حسب المذاق المرغوب)  من الملح 

الطريقة

  1. نُحَزّز، بالسكين، شكل إكس (X) في قاعدة حبّات البندورة. ندخلها إلى القِدر ونملأها بماء يغلي. نترك البندورة منقوعةً في الماء الساخن لمدّة دقيقة تقريبًا، ثمّ نخرجها من القدر ونتركها تبرد. عندما تصبح فاترةً، نُقشّر حبّات البندورة ونقطعها إلى مكعّبات. نصفّي مكعّبات البندورة للتخلّص من السوائل. 

  2. نُقشّر فصوص الثوم ونُقطّعها. نضع الفلفل والثوم في طنجرة ونقليها بالقليل من زيت الزيتون حتّى يصبح لون قطع الثوم مُذهّبًا (20 ثانية تقريبًا داخل الزيت الحارّ).

  3. نضيف البندورة والسكّر والملح وما تبقّى من زيت الزيتون. نخلط جيّدًا مع التسخين حتّى الغليان، ثمّ نخفض النار ونستمرّ في طهي الخليط داخل الطنجرة المكشوفة (بدون غطاء). يجب التحريك من حين لآخر لتجنّب احتراق الخليط في قاع الطنجرة. نستمرّ بعملية الطهي لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات إلى أن يصبح الخليط لزجًا ذا ملمس يشبه ملمس المُربّى. نلاحظ خلال عمليّة الطهي تقلُّص الخليط إلى حدّ كبير. يمكن، بعد الانتهاء من عملية الطهي، إزالة فائض الزيت بالملعقة والاحتفاظ به لطبخات أخرى.

مطبوخة | تصوير: Natalia Hanin, شاترستوك
ليست حرارة الفلفل أحد المذاقات وإنما هي نوع من الإحساس بالحرقة والألم. مطبوخة | تصوير: Natalia Hanin, شاترستوك

الجانب العلميّ

ينجم الإحساس بحرارة المأكولات عن عائلتين من المواد. تشمل العائلة الأولى مجموعة المواد المتطايرة المسمّاة ثيوسيانات الموجودة في النباتات الخردليّة مثل الفجل الياباني (الوسابي) والفجل الحارّ. عند هدم خلايا النبتة (خلال تقطيعها أو قضمها بالأسنان) تخرج هذه المواد وتنصبّ داخل الفم وتصل إلى الفجوات الأنفيّة فتُشغّل مُستقبِلاتٍ تنقُل بلاغًا إلى المخّ مفاده الألم والحرارة. تُسمّى المجموعة الثانية من المواد، وهي المسؤولة عن حرارة التشيلي وغيره من أنواع الفلفل، الكبسائي نوئيدات.  نشعر بحرارة هذه المواد داخل الفم وهي لا تصل إلى الأنف لأنّها أقلّ تطايرًا.

 تتواجد الكبسائي نوئيدات في ثمار قسم من نباتات العائلة الباذنجانيّة. ليست جميع الباذنجانيّات حارّةً، وتحتوي الحارّة منها على بضع مركّبات كبسائي نؤيد وخاصّةً الكبساسين بعينه. 

حرارة الثمار الحارّة هي ليست أحد المذاقات، وإنّما هي عبارة عن شعور بالحرقة والألم. توجد مستقبلات في أماكن عديدة في جسم الثدييات، بما فيها اللسان، تفَعَّلُ بواسطة العديد من العوامل المثيرة مثل درجة الحرارة العالية والحموضة والكحول و الكبساسين. تُرسِل هذه المستقبلات، عندما تُفعَّل، الإشعارات إلى المخ الذي يترجمها إلى حرارة شديدة، وقد يترجمها أحيانًا إلى ألمٍ. يؤدي تناول الكبساسين و جزيئات أخرى شديدة الحرارة  لفترات متواصلة لمدّة طويلة إلى تقليل كمية المستقبلات المسؤولة عن إرسال إشارات الألم إلى المخّ، الأمر الذي يُكسِب مناعةً ما للإحساس بحرارة الثمار الحارّة. هذا ما يُكسِب بعضًا من الناس القدرة على تحمُّل حرارة الثمار الحارّة أكثر من غيرهم، ناهيك عن الفروق الجينيّة بين شخص وآخر. 

يعتبر التشيلي أو فلفل تشيلي، الذي ينمو على شجيرات صغيرة مصدرها في جنوب أمريكا، البهار الأكثر رواجًا وشيوعًا في العالم. تحتوي ثمار التشيلي على كبساسين شديد الحرارة.  يتركّز الكبساسين في مشيمة ثمرة الفلفل وهي الأنسجة بيضاء اللون الموجودة في قلب الثمرة والتي تترسّخ عليها البذور، وقد تنتقل كمّيّة قليلة منها إلى البذور وإلى الأنسجة اللحميّة داخل الثمرة. يبدو أنّ وجود الكبساسين قد أُعدَّ لحماية الثمار من الثدييات. تبلع الطيور، وهي أقلّ حساسيّةً لتأثير الكبساسين إلى حدٍّ كبير بفضل طفرة جينيّة في المستقبِلات، الثمار كاملةً وتنثر البذور على بعد كبير من النبتة التي نمت داخلها أصلًا. تعاني الثدييات، بالمقابل، من حرارة الثمار عند أكلها إذ تمضغها بأسنانها وتأتي على البذور.  مع ذلك فقد عشق الإنسان ثمار التشيلي وهو المسؤول عن انتشارها الواسع أكثر من الطيور.

كيف تتحكّم بشدّة الحرقة؟

تتعلّق كمّيّة الكبساسين الموجودة في فلفل تشيلي بصفاته الوراثيّة وبظروف تنميته. قد يُعَجَّل إنتاج الكبساسين في التشيلي الذي ينمو في ظروف من القحل أو درجة الحرارة العالية كما يُعجَّل نضوجه. يبدأ تراكم الكبساسين في الثمرة من لحظة الإخصاب ويستمرّ حتّى نضجها. تقلّ شدّة حرارة الثمرة في مرحلة النضوج. تكون ثمرة الفلفل أشدّ حرقة إذا أكلناها في المرحلة التي يأخذ لونها الأخضر بالتحوّل إلى الأحمر.

طوّرَ الصيدلانيّ ولبور سكوفيل (Scoville) في العام 1912 السلم المعروف باسمه لقياس شدّة حرقة الفلفل. يعتمد هذا السلّم على التذوّق إذ يتمّ فحص درجة التخفيف المطلوبة حتّى لا يشعر خمسة من المتذوّقين المحترفين بحرقة الغذاء المفحوص. تكون درجة الحرقة أشدّ، وتبعًا لها يكون الرقم على سلم سكوفيل أعلى، كلّما ازداد تخفيف الخلاصة الغذائيّة. تتراوح قيمة سكوفيل للفلفل من نوع تباسكو بين  2500 و 5000 وحدات تخفيف. تصل حرقة بخاخ الفلفل المستخدم للدفاع عن النفس مستوى يتراوح ما بين نصف مليون وخمسة ملايين وحدات على سلم سكوفيل. تتوفّر اليوم طرقٌ مخبريّة دقيقة لتحديد قيمة سكوفيل للمواد، تغنينا عن الحاجة إلى اختبار التذوق غير الموضوعيّ والذي يفتقر إلى الإتقان. 

تُقلّل الحرقة الحادّة من حساسيّتنا للمذاقات المختلفة: الحموضة والحلاوة والملوحة والمرارة - ورائحة الطعام. تقتص الحرقة الحادّة جزءًا من مدى اهتمام المخّ بما يثيره من الأشياء الأخرى. من الجدير، لذلك، التحكّم بمدى حرارة المأكولات في المطبخ لئلّا تنغمر المذاقات فيها.

تتأثّر شدّة حرارة الغذاء بأربعة عوامل رئيسيّة: نوع فلفل تشيلي وكمّيّته وكمّيّة الكبساسين في أنسجة الثمرة والمدّة الزمنيّة التي حصل فيها التلامس بين الفلفل وبين سائر مُكوّنات الطعام. يمكن التقليل من شدّة الحرقة بواسطة قطع ثمرة الفلفل بطولها وإزالة الأنسجة الإسفنجيّة والبذور. ويمكن أيضًا إطالة عمليّة الطهي، كما فعلنا في وصفة المطبوخة. يعود ذلك إلى تقليل كمية الكبساسين الذي يمكن أن تمتصّه مستقبلات الفم نتيجة للطهي المتواصل. 

تزول الإثارة التي يكوّنها الكبساسين من تلقائها خلال ما يقارب ربع الساعة. يمكنكم التقليل، ولو بشكل مؤقّت، من شدّة الحرقة التي تشعرون بها في الفم إذا كنتم ممّن لا يحبّون الطعام الحارّ الحارق في حال تناولتموه، وذلك بواسطة أكل شيء بارد مُثلّج أو مضغ طعام صلب مكوّن من حبيبات مثل الأرز أو السكّر. يؤدّي المُثلّج إلى خفض درجة الحرارة في الفم بشكل مؤقّت لتصبح دون الدرجة التي تعمل بها المستقبلات، وتعمل حبيبات الطعام الصلب على تشويش نشاط الأعصاب التي تنبّه المخّ وتشعره بالإحساس بالألم وذلك عن طريق تكوين نوع آخر من الإثارة. يزول تأثير هذه الطرق وسرعان ما يعود الكبساسين المتربع على المستقبلات ليثير الشعور بالحرقة بمجرد عودة درجة الحرارة إلى ما كانت عليه. يمكن تهدئة الإحساس بشدّة الحرقة في الفم بواسطة تناول الطعام الدهنيّ مثل منتجات الحليب. لا تذوب جزيئات الكبساسين ذات البُنية الزيتيّة في الماء. تتوسّط بروتينات الحليب، المسمّاة كازئين، ما بين الكبساسين الزيتيّ والوسط المائيّ في الفم. تُغلف هذه البروتينات جزيئات الكبساسين وتبعدها عن محيط مستقبلات اللسان فتُقلّل من شدّة الحرقة أو تزيلها.

بقي عليكم اختيار شدّة الحرقة التي ترغبون بها في طبخاتكم.

صحتين وعافية!

0 تعليقات