الطحين، الماء، السكّر، القليل من الملح وبالطبع الخميرة- هذه المكوّنات البسيطة، والتفاعلات الكيميائيّة بينها، هي الأساس لكلّ المخبوزات المغذيّة واللذيذة
تقدّم لنا المخابز والأسواق الخُبز بأشكاله ونكهاته المتنوّعة- الأبيض، الأسود، القمح الكامل، الشيلم (Rye)، البريوش، الخبز الفرنسيّ "الباچيت" والمزيد. تتشارك جميع هذه الأنواع بالمكوّنات الأساسيّة الّتي يتمّ من خلالها صنع العجين الّذي سيصبح في النهاية رغيف خبز ذا رائحة شهيّة. يبدأ تحضير رغيف الخبز بإضافة الماء إلى الطحين مع الاستمرار بالعجن وانتفاخ العجين بمساعدة الخميرة، وينتهي بالخَبز، وبالطبع الأكل. هذه المرّة سوف ندرس دور المكوّنات الأساسيّة الّتي تصنع رغيف الخبز. أوّلًا، نحتاج إلى المكوّنات لوصفة صنع رغيف من الخبز الأسود التقليديّ.
ماذا نحتاج؟
-
2 ملاعق صغيرة من الخميرة الجافّة
-
1 ملعقة صغيرة من السكّر
-
300 چرام من طحين القمح الكامل
-
200 چرام من الطحين الأبيض
-
1 ملعقة صغيرة ملح
-
340 مل ماء فاتر
يزداد حجم العجين بشكل كبير أثناء التخمّر. الأرغفة في طريقها إلى الفرن | تصوير : دافنا مندلر
طريقة التحضير
-
نخلط جميع المكوّنات الجافّة جيّدًا في وعاء.
-
نضيف الماء ونعجن العجينة في الخلّاط بسرعة منخفضة لمدّة 15-10 دقيقة.
-
نقوم بتغطية العجين بنايلون لاصق، ونتركه في مكان دافئ لمدّة ساعة، حتّى ينتفخ. سيزداد حجم العجين بشكل كبير.
-
نقوم بتشكيل العجين بالشكل المطلوب- على سبيل المثال، بشكل رغيفَين طويلَين- ثمّ نثقب العجين باستخدام الشوكة.
-
نقوم بخَبز العجين في فرن مُحمّى مُسبقَا بدرجة حرارة 200 درجة مئويّة لمدّة 30 دقيقة. من الممكن التحقّق ما إذا كان الخُبز مخبوزًا، عن طريق الضغط على الجزء السفليّ من الرغيف بملعقة، إذا سُمع صوت أجوف، فهذا يعني أنّ الخُبز جاهز.
والآن لننتقل للعِلم!
كلّ مكوّن له دوره الخاصّ في صنع العجين، والعلاقة المتبادلة بينهما تؤثّر بشكل كبير في النتيجة النهائيّة.
الطحين
يُعدّ طحين القمح مكوّنًا رائعًا. عند خلط أيّ مكوّن مسحوق آخربالماء سيمنحنا نوعًا من المعجون الّذي لا يشكّل كتلة ثابته. ولكن عندما نخلط الطحين بالماء، بحيث يصبح الماء 40 في المائة من وزن العجين الناتج، يتمّ إنتاج شيء جديد. مع الوقت واستمرار العَجن، يندمج الخليط في عجينة يمكننا أن نشكّلها، نمدّدها ونكوّرها حسب رغبتنا، ونحصل على عجينة ذات مرونة (Elasticity) ولدونة (Plasticity). تسمح المرونة بأن تعود العجينة إلى شكلها الأصليّ بعد تطبيق قوّة خارجيّة مثل العَجن، بينما تسمح اللدونة بأن تأخذ شكلًا جديدًا عند تطبيق قوّة خارجيّة عليها. تميّز هذه الخصائص عجين القمح عن عجين الحبوب الأخرى مثل الذرة أو الأرز، وتمكّن صنع الأرغفة الخفيفة والطريّة، المخبوزات الهشّة والشعيريّة بأشكال عديدة.
يتمّ تحديد قوام المخبوزات والباستا من خلال الهياكل الّتي يتمّ إنشاؤها عن طريق خلط الطحين والماء. يوجد دور لبروتينات القمح، وخاصّة الچلوتين، في تكوين خليط متماسك إلى جانب النشا والماء. ستحدّد النسبة بين الطحين والماء بشكل أساسيّ ما إذا كنّا سنحصل على عجين متماسك أو خليط سائل. يحتوي العجين المتماسك عادةً على طحين أكثر من الماء لجعله متماسكًا بدرجة كافية للعَجن. يرتبط الماء بشبكة بروتينات الچلوتين وحبوب النشا، وتتكوّن شبكة متماسكة ثلاثيّة الأبعاد، ولكنّها طريّة بشكل كافٍ لعَجنها. من ناحية أخرى، يحتوي الخليط السائل على ماء أكثر من الطحين؛ لذلك يبقى سائلًا ويمكن سكبه.
إذا نظرنا تحت المجهر إلى عجائن الخُبز والكعك والمخبوزات الأخرى، فسنرى هياكل مرتّبة لشبكات ثلاثيّة الأبعاد تحتوي على فقاعات غاز صغيرة، ما يعطي حجمًا وهشاشة للمخبوزات. أثناء الخبز، تمتصّ حبيبات النشا الماء وتنتفخ وتشكّل بنية صلبة ودائمة. يتكوّن هذا الهيكل الصلب، في الخُبز والكعك، من شبكة اسفنجيّة من النشا والبروتين، والّتي تحتوي على ملايين الفقاعات الهوائيّة الصغيرة.
يتأثّر قوام الخُبز وطعمه بشكل كبير بنوع الطحين. يتمّ طَحن "طحين الخُبز" من القمح الغنيّ بالبروتينات (11-13 في المائة) ويتطلّب وقتًا طويلًا للعَجن لتطوير شبكة الچلوتين. والنتيجة هي أرغفة منتفخة وهشّة بمذاق غنيّ. أمّا الطحين الّذي يحتوي على نسبة أقلّ من البروتين (حوالي 10 في المائة) سوف يُنتج خبزًا أقلّ انتفاخًا، في حين أنّ قوام الخُبز المخبوز بالطحين الّذي يحتوي على نسبة بروتين أقلّ من 8 في المائة سيكون أكثر شبهًا بالكعك ويميل إلى التفتّت. كلّما كان الطحين يحوي المزيد من النخالة والقمح، فسيكون لونه أغمق وأكثر كثافة ويكون طعمه أشدّ.
يمتاز كلّ نوع طحين بخصائصه الفريدة. أنواع طحين متنوّعة | تصوير: Africa Studio, Shutterstock
الماء
تبدأ سلسلة من العمليّات عندما يلتقي الطحين بالماء، أو بمصدر آخر للرطوبة مثل الحليب أو البيض؛ بدايةً، تمتصّ بعض مكوّنات الطحين الماء. يحتاج النشا والچلوتين إلى بعض الوقت للتفاعل مع الماء من أجل تشكيل شبكة من الچلوتين والّتي تتشابك فيها جزيئات النشا. بالإضافة إلى ذلك، يسمح الماء بحبس ثنائي أكسيد الكربون المنبعث من الخميرة في شبكة الچلوتين. عندما نريد الحصول على خبز طريّ وهشّ، يوصَى بالحفاظ على نسبة 54 چرامًا من الماء لكلّ 100 چرام من الطحين، أي حوالي 40 بالمائة من الوزن الإجماليّ.
الخميرة
نحتاج إلى عامل تخمير من أجل الحصول على عجينة طريّة وهشّة. يقوم مسحوق الخبيز (Baking powder) وصودا الخبيز بتخمير العجين مرّة واحدة، في حين أنّ الخميرة هي كائنات حيّة تستمرّ في تخمير العجين طالما يتوفّر لديها طعام ودرجة حرارة دافئة وبيئة خالية من الموادّ الضارّة.
الخميرة هي نوع من الفطريّات أحاديّة الخليّة والّتي تمّ استخدامها لآلاف السنين في صناعة الخُبز و تخمير البيرة. تستهلك الخميرة الكربوهيدرات من أجل أن تنمو- على سبيل المثال الچلوكوز- بحيث تنتج منها الطاقة في عمليّة ينبعث فيها غاز ثنائي أكسيد الكربون. يتراكم الغاز في العجين على شكل فقاعات عديدة ويخلق قوامًا هشًّا.
تتراوح الكميّة الّتي يوصى بها من الخميرة الرطبة في عجينة الخُبز من 0.5 إلى 4 في المائة من وزن العجين. كلّما قلّت كميّة الخميرة، زاد الوقت المستغرق في الانتفاخ وكان للخبز مذاق خفيف أكثر. يكمن السبب في ذلك بأنّ للخميرة نفسها مذاقًا، وعند التخمير يتمّ إنتاج موادّ إضافيّة ذات نكهة لتحسين مذاق الخبز.
الكميّة الموصى بها: ما بين 0.5-4 في المائة من وزن الخُبز. خميرة طازجة (يسار) وجافّة (يمين) | تصوير: 13Smile, Shutterstock
السكّر
لا يعتبر السكّر مكوّنًا شديد الأهمّيّة لصنع خُبز شهيّ، ولكن إذا اخترت إضافة السكّر للعجين فسيكون لذلك تأثير في النتيجة النهائيّة بعدّة طرق؛ الطريقة الأولى واضحة- إضافة السكّر للخُبز يعطي مذاقًا حلوًا، على سبيل المثال، خبز الحلة أو البريوش. أمّا الطريقة الثانية- تحتاج الخميرة إلى السكّر لتنمو. توجد سكّريّات في الطحين، لكنّها غير متوفّرة بسهولة. على سبيل المثال، يتكوّن النشا من وحدات الچلوكوز أحادي السكّر، ولكن من أجل استخدامها؛ يجب على الخميرة أوّلًا تحليل النشا. لذلك، فإنّ إضافة السكّر للعجين يمدّ الخميرة بالتغذية المُتاحَة؛ ما يسهّل انتفاخ العجين. الطريقة الثالثة- يتحوّل لون العجين الّذي يحتوي على سكّر إلى اللون البنيّ بشكل أسرع في الفرن بسبب تفاعل ميلارد (Maillard reaction) والتكرمل (Caramelization)- وهما عمليّتا تحمير تحدثان في الخُبز.
الملح
يتواجد الملح أيضًا في معظم وصفات الخُبز، وتتمثّل وظيفته في تحسين جودة الخُبز. يؤثّر الملح بالطبع في المذاق الّذي قد يكون خفيفًا بدونه، كما أنّه يُثبط عمل الخميرة لأنّه يُعيق عمليّة التخمّر. لذلك؛ فإنّ إضافة الكثير من الملح للعجينة يوقف الخميرة عن النموّ. بينما يؤدّي التركيز المنخفض للملح فقط إلى إبطاء عمل الخميرة وبالتالي إلى تحسين المذاق. الكميّة الموصى بها من الملح هي 1.5-2 في المائة من وزن الطحين.