تعجّ رفوف السوبر ماركت ببدائل الحليب النباتيّة - الصويا، الشوفان، اللوز وغيرها. كيف تصنع مشروبًا من النبات، وما الفرق بينه وبين حليب البقر؟
تتزايد شعبيّة التغذية النباتيّة بشكل مستمرّ منذ عدّة سنوات حتّى الآن، نتيجة للاهتمام برعاية الحيوان والاعتبارات البيئيّة والصحّيّة. يمكننا ملاحظة ذلك في ثلّاجات منتجات الألبان الموجودة في محلّات الموادّ الغذائيّة، حيث تشغل بدائل الحليب النباتيّة حاليًّا حصة متزايدة من مساحة الرفوف، وذلك لرفاهيّة النباتيّين بيننا والأشخاص الذين لديهم حساسيّة تجاه سكّر اللاكتوز في الحليب. قبل أن نبدأ في التعرّف على بدائل الحليب وأوجه التشابه والاختلاف بينها مقارنةً بالحليب البقريّ العاديّ، اخترنا أن نقدِّم لكم وصفة لذيذة لحليب اللوز.
ماذا نحتاج؟
-
كوبًا من اللوز الطبيعيّ
-
4 أكواب من الماء (يمكنك تغيير الكمّيّة للتحكّم بقوام المشروب)
-
قليلًا من الملح
-
2 تمر كامل منزوع النوى (اختياريًّا)
-
ملعقة صغيرة من خلاصة الفانيليا (اختياريًّا)
طريقة التحضير:
-
يجب نقع اللوز في الماء البارد طوال الليل
-
ضعوا جميع المكوّنات في الخلّاط، وعندما يتحوّل الخليط إلى سائل كريميّ، استمرّوا في الخلط لمدّة دقيقة أو دقيقتيْن إضافيّتيْن.
-
ضعوا قطعة من القماش فوق وعاء عميق، ثمّ اسكبوا الخليط فوقها. اجمعوا زوايا القماش بأيديكم، ثمّ اعصروا السائل في الوعاء.
-
انقلوا السائل إلى زجاجة واحفظوه في الثلّاجة لمدّة أربعة إلى خمسة أيام. من المستحسن تحريك السائل قبل الاستخدام.
يتمّ الحصول على حليب اللوز وهو مناسب بشكل خاصّ للشرب وصنع مشروبات القهوة. زجاجة من بديل الحليب النباتيّ | Anna Puzatykh, Shutterstock
والآن للعلم
المستحلب (emulsion) هو خليط من سائليْن لا يختلطان ببعضهما، فبدلًا من أن يندمجوا، تتشكّل فقاعات صغيرة من أحد السائلين ويحيط بها السائل الآخر من جميع الجوانب. يصنَّف حليب البقر وجميع بدائله من المستحلبات، بحيث يتكوّن من فقاعات دهنيّة صغيرة متناثرة في الماء.
يتمّ هذا الفصل بفضل وجود المواد المستحلبة، وهي مركّبات يكون أحد جانبيها محبًّا للماء (hydrophilic) والجانب الآخر كارهًا للماء (hydrophobic). لهذا، يتوسّط المستحلب بين الماء والفقاعات الدهنيّة الصغيرة: حيث يواجه الجانب الكارِه للماء الفقاعات الدهنيّة، في حين أنّ الجانب المحبّ للماء يواجه الماء، ممّا يؤدّي إلى فصل الفقاعات الدهنيّة عن الماء المحيط بها. لذلك، يساهم المستحلب في تكون خليط متجانس، على عكس الزيت الذي يشكّل طبقة منفصلة تطفو على سطح الماء.
لإنتاج بدائل الحليب، يتمّ عادة استخلاص السائل الموجود في النباتات - على سبيل المثال، الصويا، اللوز، الأرز أو الشوفان، وفي بعض الأحيان يتمّ تعزيزه أيضًا بمكونات إضافيّة لتقليد القيم الغذائيّة لحليب البقر. لكلّ نبات طعمه المميز وتركيبته الغذائيّة الخاصّة به.
أوّلًا، يتمّ تسخين المادّة الخامّ النباتيّة لإيقاف عمل الإنزيمات الموجودة فيها - وهي البروتينات التي تحرّك العمليّات الكيميائيّة، وقد تسرّع من التفاعلات التي تؤدّي إلى تلف المنتج. على سبيل المثال، قد تعمل الأنزيمات الموجودة في الشوفان على تحطيم الدهون الموجودة في النبات، ممّا قد يقصّر فترة صلاحيّة المنتج.
والآن تأتي مرحلة النقع في الماء، والتي تستمرّ عدّة ساعات. يعمل النقع على تليين النبات ويساعد على استخلاص السوائل والمكوّنات الأخرى منه. الخطوة التالية هي الطحن والسّحق، عادة باستخدام ماء النقع. ستحدّد النسبة بين النبات والماء المضاف أثناء الطحن مدى كثافة المشروب الذي سنحصل عليه. في الكثير من الحالات يتمّ تصفية الخليط في هذه المرحلة لإزالة المواد الصلبة منه، والحصول على قوام أكثر نعومةً وتجانسًا. الآن تبقى تحلية وإضافة نكهات أخرى لتحسين طعم المشروب. بالإضافة إلى ذلك، جرت العادة على تعزيز المشروب بالفيتامينات والمعادن، لزيادة قيمته الغذائيّة بحيث يشبه الحليب المألوف لنا.
من سوائل لا تمتزج مع بعضها، كالزيت والماء، إلى سائل متجانس. استخدام مواد مستحلبة لإنشاء مستحلب | Ph-HY, Shutterstock
حيوان، نبات، متشابه
تعتبر التركيبة الغذائيّة لحليب البقر مناسبة جدًّا لجسم الإنسان، باستثناء اللاكتوز الموجود فيه، والذي يجد الكثيرون صعوبة في هضمه في مرحلة البلوغ. يستهلك صغار الثدييات الحليب في بداية حياتهم لأنّه مغذّي للغاية، ويحتوي على الكثير من البروتينات، الدهون، الكربوهيدرات، الألياف، الفيتامينات والمعادن. مع ذلك، لا تتواجد بعض هذه المواد بشكل طبيعيّ في النباتات المستخدمة لإنتاج بدائل الحليب، بل تتمّ إضافتها عادة بشكل منفصل أثناء عملية الإنتاج. فما هو التشابه والاختلاف بين كوب من حليب البقر مقارنةً بكوب من بدائل الحليب؟
البروتينات: يوجد في كوب (240 مل) من حليب البقر حوالي ثمانية غرامات من البروتينات، بالإضافة إلى جميع الأحماض الأمينيّة الأساسيّة الضروريّة للنشاط الطبيعيّ لجسم الإنسان. يختلف محتوى البروتين بين أنواع بدائل الحليب بشكل كبير. تتشابه كمّيّة البروتين في حليب الصويا مع تلك الموجودة في حليب البقر، بينما يحتوي حليب اللوز، الأرز وجوز الهند غالبًا على 4-1 غرام فقط من البروتين لكلّ كوب.
الكربوهيدرات: يحتوي حليب البقر على اللاكتوز، وهو سكّر طبيعي قد يواجه البالغون صعوبة في هضمه، ممّا يجعل تحمّل الحليب صعبًا - حساسيّة اللاكتوز. لا تحتوي بدائل الحليب على اللاكتوز، لذا فهي توفر بديلًا جيّدًا لأولئك الذين يفضلون تجنّبه. نظريًّا، من المفترض أن تكون بدائل الحليب مناسبة للأنظمة الغذائيّة منخفضة الكربوهيدرات، ولكن في الواقع، يتم تعزيز العديد من المشروبات التجارية بالسكروز أو المحلّيّات الصناعيّة لتحسين مذاقها.
الدهون: يحتوي حليب البقر على دهون مشبعة ودهون غير مشبعة، بينما تحتوي بدائل الحليب النباتيّة بشكل عام على كمّيّة أقلّ من الدهون المشبعة. يعتبر حليب جوز الهند استثناءً لأنّه يحتوي على نسبة عالية جدًّا من الدهون المشبعة تصل إلى ما يقارب عشرين بالمائة.
الفيتامينات والمعادن: يعتبر حليب البقر مصدرًا هامًّا للكالسيوم. لذلك، يعزز المصنّعون بدائل الحليب النباتيّة بمواد معيّنة مثل الكالسيوم، و فيتامين ب 12 الضروريّ لوظيفة الأعصاب وإنتاج خلايا الدم الحمراء، للحصول على قيم غذائيّة مشابهة لتلك الموجودة في حليب البقر. كذلك، غالبًا ما يتمّ تعزيز كلّ من حليب البقر وبدائل الحليب بفيتامين د لتحسين امتصاص الكالسيوم.
لحسم التردّد حول استهلاك الحليب وبدائله، يجب النظر أيضًا في تأثيره على البيئة. تنبعث من البقرة المتوسّطة سنويًّا نحو 100 كغم من غاز الميثان، وهو غاز قويّ وتأثيره على الانحباس الحراريّ أعلى بنحو 28 مرّةً من تأثير ثاني أكسيد الكربون. بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أنّ التأثير البيئيّ الإجماليّ للميثان، بما في ذلك استهلاك الطاقة، استخدام الوقود، استغلال موارد الأراضي والمياه، التلوّث وأكثر من ذلك، يظهر أن التأثير السلبيّ لحليب البقر أكبر بكثير من بدائله.
على اليسار حليب البقر وحليب الماعز، على اليمين مجموعة متنوعة من بدائل الحليب من النباتات: الشوفان، فول الصويا، الأرز، البندق، الكاجو، اللوز وجوز الهند | OllivsArt, Shutterstock
ماذا عن المطبخ؟
تختلف خصائص حليب البقر عن بدائله من حيث الطعم، القوام، وعمليّة الطهي التي يمرّ بها. لكلّ نوع حليب طعم خاص، وقوام مختلف يتراوح من المائيّ إلى السميك والكريميّ، حيث يكون أحيانًا أكثر كثافةً من الحليب الحقيقيّ. عادة ما يكون حليب البقر أكثر ملاءَمةً للطهيِ والخبز بفضل مذاقه الغنيّ.
يعتبر حليب الصويا الأكثر تشابهًا في تركيبته وقوامه مع حليب البقر. كما أنّه يبقى ثابتًا عند درجات الحرارة المرتفعة، لذا فهو مناسب للاستخدام في المخبوزات والصلصات بدلًا من حليب البقر. تسمح الكمّيّة المرتفعة من البروتين بإضافة الكثافة إلى الخلطات وتحسين ثبات المعجنات وحتّى قوامها. في المقابل، فإنّ حليب اللوز غنيّ بالفيتامينات والمعادن ولكنّه منخفض البروتين، بحيث يحتوي كوب واحد منه على غرام واحد فقط من البروتين وَ 2.5 غرام من الدهون. يعتبر حليب اللوز مناسب بشكل أساسيّ للوصفات الحلوة، وذلك بفضل طعمه الحلو والجوزيّ قليلًا وقوامه الكريميّ.
يمكن إنتاج ثلاثة أنواع من المنتجات من جوز الهند: مشروب جوز الهند، والذي يحتوي بشكل أساسي على السائل المائيّ الموجود داخل قشرة الجوز؛ حليب وكريمة جوز الهند، والتي يتمّ تصنيعها بنسب مختلفة بين خليط لحم الفاكهة وعصير جوز الهند. يعد حليب جوز الهند غنيّ بالدهون، خاصّة النوع المشبع (4.5 غرام لكل كوب) ولا يحتوي على البروتين. يمكن استخدامه للطهي والخبز، ولكن يكون طعمه المميز عادةً بارزًا. كذلك يعتبر قوامه كثيفًا وكريميًّا، حيث يحتوي الكوب الواحد من كريمة جوز الهند على حوالي 48 غرامًا من الدهون، معظمها مشبعة، وخمسة جرامات أخرى من البروتين. وبالأساس، فإنّه ملائم للحساء، اليخنات والصلصات.
وأخيرًا، يحتوي كوب من مشروب الشوفان على حوالي 2.5 غرامًا من الدهون، وحوالي 5 غرامات من البروتين. يعتبر طعمه مشابهًا تمامًا لحليب البقر قليل الدسم. يناسب استعماله للخبز والطهي والمعجنات.
إذا كان الأمر كذلك، فإنّ اختيار المشروب الذي يجب تناوله لا ينبع من الاعتبارات الصحّيّة والمبدأيّة فحسب، بل أيضًا من السؤال "ماذا أريد أن أطهو؟". تقدّم العديد من بدائل الحليب النباتية بدائل مستدامة للحليب الحيوانيّ المغذّي والغنيّ، كما تقدم خيارات غذائيّة متنوّعة، اعتمادًا على نوع المشروب والمواد المضافة التي تضعها الشركات المصنّعة فيه. إنّ فهم هذه الاختلافات سيسمح لكلّ واحد منكم باختيار مشروباتِه المفضّلة بطريقة مدروسة، وفقًا لاعتباراتِه وذوقه.