يُعتبَر الملح عنصرًا أساسيًّا في التّغذية، ويُستخدَم لحفظ الطّعام، لِتعزيز النّكهات وحتّى اللون؛ وبالتّالي، فهو ليس مجرّد بهار.

يُعتبَر ملح الطّعام، أو باِسمه العلميِ "كلوريد الصّوديوم"- (NaCl)، مادًّةً أساسيّة في النِّظام الغذائيّ لكلِّ كائنٍ حيٍّ. تنعكس أهمّيَّة الملح، من بين أمورٍ أخرى، بكونهِ مصدرَ أحد المذاقات الّتي يمكننا أن نميّزها- الطّعم المالح-، كما أنّه يعزِّزُ المذاقات الأخرى ويقوِّيها. يُعتبَر الملح مكوِّنًا أساسيًّا على طاولات الطّعام في جميع أنحاء العالم؛ كما ويمكننا أن نعدِّل مذاق الطّعام بواسطته، وفقًا لتفضيلاتنا.

كشفتِ الحفريّات الأثريّة عن علاماتٍ تُشير إلى أنّ البشر قد استخدموا الملح بالفعل في العصور القديمة. لقد استخرجوا الملح من رواسب الملح الأرضيّة ومن مياه البحر. حتّى القرن التّاسع عشر، تمّ استخدام الأملاح بشكلٍ أساسيٍّ من أجل الحفاظ على الطّعام أو استعمالهم كتوابل لتحسين مذاق الطّعام. ولكن اليوم، اِزدادت استخداماته، وانضمّت مجموعةٌ من الأنواع والأشكال الأخرى إلى ملح الطّهي المعتاد.

سنتعرَّف هذا الأسبوع على عمليّات تكوين بلّورات الملح المختلفة، وسنوضِّح الاختلافات بينها. وكأنموذج تطبيقيّ، اخترنا أن نحضِّر هذه المرة وصفةً لبسكويت الشّوفان بالملح والزّعتر.


يعزِّزُ الملح النّكهات الأُخرى ويقوِّيها. بسكويت الملح والأعشاب | Shutterstock, Lunov Mykola

ماذا نحتاج؟

  • 250 چرامًا من الشّوفان الخشن

  • ¾ كوب (80 چرامًا) من الدّقيق الكامل

  • ¼ ملعقة صغيرة من مسحوق الخبيز (Baking powder)

  • 3 ملاعق صغيرة من أوراق الزّعتر الطّازجة

  • ملعقة صغيرة من الملح

  • ½2 ملاعق كبيرة (20 چرامًا) من السُّكر النّاعم

  • ⅓  (80 چرامًا)  عبوّة زبدة 

  • ½ كوب (90-120 مل) من الماء

طريقة التّحضير

  1. نقوم بخلط مسحوق الخبيز، الشّوفان، أوراق الزّعتر، الملح والسُّكر على مراحل، بواسطة محضِّر الطّعام، حتّى يصبح المزيج خشنًا.

  2. نقوم بنقل المزيج إلى وعاءٍ كبيرٍ، ومن ثمّ تشكيل حفرةٍ في وسط الخليط. نضيف الزّبدة المذابة والماء إلى الحفرة الّتي شكّلناها، ثمّ نخلط المزيج حتّى تتكوّن عجينة متجانسة وغير لزجة.

  3. نرشّ الدّقيق على سطح العمل، ونقوم بتقسيم العجينة إلى نصفيْن ونرقُّ كلّ قسمٍ بسُمكِ نصف سم تقريبًا.

  4. نقوم بتشكيل دوائر قطرها 6 سم من العجين. باستخدام ملعقة مسطّحة (spatula)، ننقل البسكويت برفق إلى صينيّة خبز مملوءة بالدّقيق.

  5. يتمُّ خبز البسكويت في فرن مسخّنٍ مُسبقًا على درجة حرارة 180 مئويّة، لمدّة نصف ساعة تقريبًا، حتّى يصبح لونها ذهبيًّا. نضع البسكويت على رفٍّ سلكيّ حتّى تبرد، ومن ثمّ نرش عليها القليل من الملح.

  6. من الممكن حفظ البسكويت في علبة مُحكَمة الإغلاق لمدّة أسبوعٍ تقريبًا.

***אינפוגרפיקה

والآن لننتقل للعِلْمِ

قبل أن نستعرض بعمقٍ مجموعةً متنوّعةً من الأشكال والألوان للأملاح الموجودة حاليًّا للبيع في الأسواق، يجب أن نفهم أنّ الملح عبارة عن بلّورة. البلّورة مادّةٌ صلبة وغير مرنة- هشّة، وتتميّز بأنّها مُرتّبة من الدّاخل بشكلٍ كبيرٍ. يتكوّن البلّور من وحدةٍ أساسيّة  تُكرِّر نفسها عدّة مرّات، على غِرار هيكلٍ ثلاثيِّ الأبعاد من المكعّبات أو "اللّيچو" (Lego).

يتمّ استخراج معظم الملح المستخدَم في المنزل من مياه البحر أو المحيط. يتمّ استخراج الملح البلّوريّ عادةً عن طريق التّبخُّر البطيء للماء، بحيث يزداد تركيز الملح في الماء. في النّهاية، يتكوّن محلولٌ مشبَع، أي محلولٌ لا يمكن تذويب الملح فيه. كلّ مادّة مذابة في الماء لها تركيزٌ مختلفٌ من التّشبُّع- يُصبح محلول ملح الطّعام مشبَعًا  في الماء بتركيز 36 في المائة. مع استمرار تبخّر الماء، يبدأ الملح المُذاب في المحلول بالتّبلوُر إلى شكلٍ صلبٍ.

عمليّة التّبخُّر هي الّتي تُحدِّد شكل البلّورات الّتي سنحصل عليها. عندما يكون التّبخُّر سريعًا، يتمّ الحصول على العديد من البلّورات الصّغيرة على شكل مُكعَّب، وهذا هو الشّكل الأكثر شُيوعًا لملح الطّعام. من ناحية أخرى، إذا كانت عمليّة التّبخُّر بطيئةً، وتحدث بالقرب من البحر، حيث يكون تركيز الملح مرتفعًا؛ تحدث عمليّة التّبلور على سطحِ السّائل، ويتمّ الحصول على رقائق رقيقةٍ وهشّة- والّتي يتمّ جمعها من وقتٍ لآخر. تُكوِّن هذه الرّقائق أشكال عديدة.

إذا لم يتمّ جمع هذه الرّقائق، فسوف تستقرّ في المحلول و تتشكَّل بلّورات أكبر فيه. بعد جمع البلّورات وتجفيفها، يُمكِن ضغط الملح وسحقه لتشكيل بلّورات في مجموعةٍ متنوِّعة من الأشكال والأحجام.


عندما يكون التّبخُّر سريعًا، يتمّ الحصول على العديد من البلّورات الصّغيرة على شكلِ مكعَّبٍ | Shutterstock, Kuttelvaserova Stuchelova

أنواع الملح

هناك العديد من أنواع ملح الطّعام اليوم؛ ولكن ما تشترك فيه جميعًا هي أنّها بلورات كلوريد الصّوديوم. بسبب عمليّات التّكوين وطرق الإنتاج المختلفة، يمكن أن تكون هناك اختلافات في كثافة الأنواع المختلفة من الملح، وفي وجود كمّيّات ضئيلةٍ من المعادن، رواسب التُّربة، الطّحالب، والبكتيريا داخل بلّورات الملح. هناك أيضًا مصنِّعون يضيفون ألوانًا وتوابلَ لبيع الملح المُلوَّن أو المُنكَّه.

ملح الطّعام: يُستخرَج عن طريق غسل الأجاج (Brine)- محلولٌ مُركَّز من الأملاح- وتنظيفه. يتمّ الحصول على الأجاج عن طريق إذابة رواسب الملح المتبقّية على الأرض في الأماكن الّتي تنحسر أو تتبخّر فيها مياه البحر. يمرُّ الأجاج بعمليّات تصفية وتقطير سريعة إلى حدٍ ما. يَنتُج عن ذلك بلّورات ملحٍ مكعّبة صغيرةٍ ونقيّةٍ إلى حدٍّ ما. تتجانس هذه المكعّبات الصّغيرة بشكلها؛ وبالتّالي يمكن تعبئتها  بكثافةٍ أكبر من الملح الخشن. لذلك، فإنّ ملعقةً كبيرةً من ملح الطّعام ستكون أكثرَ ملوحةً من ملعقة كبيرة من الملح الخشن.

الملح الغنيُّ باليود: يمكن العثور على عُبوّات من ملح الطّعام الْغنيِّ بيوديد البوتاسيوم (KI) على أرفف المتاجر والبقالات. يهدِف هذا الملح إلى تعويض نقص اليود في مياه الشُّرب المحلّاة. يُعتبَر اليود ضروريًّا لمجموعة متنوّعةٍ من الاِحتياجات في جسمنا، بما في ذلك الحفاظ على الأداء السّليم للغدّة الدّرقيّة. على عكس البلدان الأخرى، لا توجد في إسرائيل تعليماتتتطلّب إثراء ملح الطّعام باليود؛ وبالتّالي فإنّ الحصّة السّوقيّة للملح الغنيّ باليود هي نسبة قليلة فقط.


يتمّ إنتاج أملاح البحر الطّبيعيّة من خلال التّبخُّر التّدريجيّ والمنظَّم في  الملّاحات. الملح في عمليّة التّبخُّر | المصدر: Shutterstok, Thais29

أملاح البحر الطّبيعيّة: يتمّ استخراج هذه الأملاح من المّلّاحات (بُحيْرات مُخصّصة لاستخراج الملح)، عن طريق التّبخُّر التّدريجيّ والمنظَّم الّذي يمكن أن يستمرّ لمدّةٍ تصل إلى خمس سنوات. يَنتُج من هذه العمليّة رقائق دقيقة من الملح. عادةً، قبل عمليّة التّجفيف، يتمّ غسل الشّوائب الّتي قد تتراكم على سطح البلّورات- قد تبقى آثار معادن، مثل: كلوريد المغنيسيوم (MgCl2) وكبريتات الكالسيوم (CaSO4) في ملح البحر غير المغسول، وكذلك جزيئات الطّين والرّواسب الأخرى؛ ممّا يعطي البلّورات اللّون الرّماديّ الباهت. نظرًا لأنّ حاسّة الذّوق البشريّة حسّاسة وقادرة على اِكتشاف مركّبات النّكهة والرّائحة بتركيزاتٍ دقيقة، فإنّ طعم ملح البحر يختلف نوعًا ما عن طعم ملح الطّعام.

نادرًا ما يتدخّل مصنِّعو أملاح البحر في عمليّة التّبلوُر، لكن يجب عليهم التّأكُّد من جمع بلّورات الملح في الوقت المناسب. يكون شكل بلّورات ملح البحر مسطَّحًا، ممّا يعني أنّ كثافتها أقلّ من البلّورات المكعَّبة. لذلك، من الممكن تعبئتها أكثر. كما أنّ وزن ملح البحر أقلّ من ملح الطّعام، طالما كان كلاهما جافًّا.

يتمّ استخراج ملح البحر الأطلسيّ، والّذي يتمّ إنتاجه على شواطئ منطقة برطانية (Brittany) في فرنسا، بنفس الطّريقة. يتمّ سكب الماء في البرك المحفورة، بحيث تُعطي التّربة اللّون الرّماديّ- الأزرق للملح وطعمه الفريد. لا يخضع الملح للتّجفيف الكامل؛ وبالتّالي، فهو غير مناسب للطّحن.

يتمّ إنتاج "فلور دي سيل" (Fleur de Sel)، والّذي يعني بالفرنسيّة "ملح الزّهرة" من هذه الملّاحات أيضًا. يتكوّن هذا الملح من البلّورات المتراكمة على سطح الملّاحات. عندما تكون ظروف الرُّطوبة والرّياح مناسبةً تمامًا، يتمّ جمع بلّورات الملح برفقٍ من سطح الملّاحات قبل أن تغرق في الماء. تتكوّن بلّورات ملح الزّهرة من رقائق ناعمة، لا تحتوي على رواسب، لذلك لا يكون لونها غامقًا. نظرًا للجهد المبذول في استخراجه، فإنّ سعر ملح الزّهرة أعلى بكثير من أملاح البحر الأخرى أو ملح الطّعام.


يتمّ إنتاج أملاح البحر الطّبيعيّة من خلال التّبخُّر التّدريجيّ والمنظَّم في أحواض الملح المخصَّصة. الملح في عمليّة التّبخُّر

مناجم الملح القاريّة

يوجد أيضًا في الأسواق أنواعٌ من الملح الّذي ينشأ من رواسب الملح القاريّة، والّتي يبلغ عمر بعضها مئات الملايين من السّنين. هذه هي رواسب كلوريد الصّوديوم الّتي تبلورت من المعادن والموادّ الأخرى عندما تراجعت المسطّحات المائيّة المالحة القديمة من الأرض، وتبخّر الماء فيها.

يُستخرَج ملح الهيمالايا الورديّ من الصّخور المِلحيّة في مناجمَ بمقاطعة البنجاب في باكستان، عند سفح جبال الهيمالايا. يحتوي الملح على كمّيّات ضئيلة من أملاح البوتاسيوم، المغنيسيوم والكالسيوم؛ ممّا يمنحه لونه الورديّ، وطعمه الفريد الّذي يختلف عن ملح الطّعام العاديّ. 

يُستخرَج الملح الأسود (Kala namak) من مناجمَ الملح القاريّة في سلسلة جبال الهيمالايا، الّتي تمتدُّ عبر الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال؛ وينسب بعض النّاس الخواصّ الطِّبيّة للملح، على الرغم من عدم وجود أيِّ أساسٍ علميّ حقيقيّ. يُعتبَر الملح الأسود غنيًّا بالأملاح غير القابلة للذّوبان، مثل: أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم؛ لذلك يَصعُب امتصاصه في الجسم. تتأثّر رائحة الملح وطعمه جزئيًّا بوجود كمّيّات ضئيلةٍ من مركّبات الكِبريت. تُعطي هذه المركّبات رائحةً شبيهة للبيض؛ ممّا يعطي الملح شعبيّته في الوصفات النّباتيّة، واستخدامه على نطاقٍ واسعٍ في المطبخ الهنديّ.

يلعب الملح دورًا مهمًّا في تعزيز المذاقات، ولذلك فهو يُستخدَم بكثرةٍ، خاصّة لتنكيه الطّعام. لذلك، يُوصى دائمًا أن يتوفّر نوعان من الملح في المطبخ: ملحٌ بسيط ورخيص للاستخدام اليوميّ، وملحٌ خاصٌّ بقوام لطيف، مثل: "ملح الزّهرة" لتّزيين الطّعام. على أيّ حال، من المهمّ جدًّا معرفة الأملاح الّتي تستخدمها، ومعرفة مدى ملوحتها، وكيف تؤثّر على مذاق الطّعام. بالصِّحّة والعافية!

 

0 تعليقات