بذور وماء، وقليل من الصّبر وكثير من العلم، وهاكم غذاءٌ طيّب المذاق غنيٌّ وصحيّ. وصفةٌ غذائيّة وطريقةٌ لإنبات أشطاء البذور
اكتشفْتُ مؤخرًا أنّ رونين هار - نوف من معهد دافيدسون للثقافة العلميّة خبيرٌ في مجال إنبات الأشطاء (جمع كلمة شَطْء وهو فرخ النبتة). وجدتُ من المناسب، عندما رأيت صورًا للأشطاء المتنوّعة التي قام بِتنميتها، أن أخصّص مقالةً عن عمليّة إنبات وتنمية أشطاء النباتات، لما تحويه من فوائد غذائيّة جمّة، وأن أقدّم التفسير العلميّ لهذا الشيء العجيب. إنّها عمليّة سهلة ورخيصة وسريعة ومستدامة ومناسبة لكلّ المواسم، ولا تحتاج حتّى لِلتراب والشمس. كلّ ما نحتاجه هو البذور والماء وأوعية بسيطة. هيّا بنا نبدأ هذه المرّة بوصفة طيّبة المذاق من أشطاء الفاصوليا على الطريقة الكوريّة، ونفسر العلوم الكامنة من ورائها، ولا نتنازل عن دليل إرشاديّ لعمليّة إنبات وتنمية الأشطاء.
أشطاء الفاصوليا على الطريقة الكوريّة (لأربعة أشخاص)
المُكوّنات
-
500 غرام من أشطاء الفاصوليا
-
¼ كأس زيت سمسم
-
2 ملاعق كبيرة من صلصة الصويا
-
كمّيّة قليلة من مسحوق تشيلي (حسب المذاق المطلوب)
-
2 ملاعق صغيرة من بذور السمسم
-
3 فصوص ثوم مهروسة متوسطة الحجم
-
4 سيقان مفرومة من البصل الأخضر
-
حتّى ملعقتين صغيرتين من الخلّ (يفضّل خلّ الأرُز)، حسب المذاق
-
ملعقة صغيرة من الملح
الطريقة
-
نغلي الماء في قدر كبير، ونضيف ملعقة صغيرة من الملح. نضيف أشطاء الفاصوليا عندما يغلي الماء، وندع الماء يغلي في القدر بدون تغطيته لمدّة 15 ثانية تقريبًا، بحيث تطرى قليلًا وتبقى مقرمشة. نُصَفّي الأشطاء بسرعة ونغمسها في خليط من الماء والجليد، لنوقف عمليّة طبخها. نصفيها ونتركها جانبًا.
- نخلط زيت السمسم وصلصة الصويا ومسحوق التشيلي والسمسم والثوم جيّدًا داخل طشت كبير. نضيف أشطاء الفاصوليا وننثر البصل الأخضر فوقها. نُتبّل الخليط بخلّ الأرز حسب المذاق المرغوب.
تنميتها سهلة (ومتوفّرة في الأسواق) ولذيذة المذاق ومتنوّعة ومغذّية. أشطاء الفاصوليا الصينيّة | تصوير Marie Sonmez Photography, Shutterstock
الآن إلى العلم التجريبيّ
تزايَدَ الاهتمام بِأشطاء النباتات بفضل إيجابيّاتها الغذائيّة والمذاق الذي تضيفه للطعام، إلى جانب تطوّر المعرفة العلميّة في مجال إنباتها وتنميتها. عمليّة إنبات الأشطاء معروفة منذ مئات السنين، وقد تبدو الأنواع المختلفة من الأشطاء متشابهة، إلّا أنّها في الواقع عبارة عن تشكيلة متنوّعة من النباتات لها العديد من المذاقات والنكهات.
الأشطاء هي شتلات نباتيّة في أوّل عمرها، أي نباتات "وُلدت" للتوّ من البذور. البذرة هي مرحلة الجنين من دورة حياة النبتة. تتكوّن غالبية البذور من ثلاثة أجزاء: الجنين والنسيج الخازن للغذاء (الاندوسبرم) والغلاف. الجنين هو نبتة صغيرة جدًّا لها جذور وورقة واحدة أو أكثر. يشكّل الاندوسبرم الجزء الأكبر من محتوى البذرة، ويتكوّن بشكل أساسيّ من خليط من النشا والدّهنيّات والبروتين، المُعدّة لتغذية النبتة في المرحلة الأولى من نموّها. الغلاف هو غشاء واقٍ يتيح بقاء البذور على قيد الحياة لمدة طويلة، حتّى في ظروف قاسية من الجفاف أو البرد القارص، بانتظار الظروف المؤاتية لأن تنبت النبتة وتتأسّس. يكتمل النموّ وتَكوُّن الشطْء الذي تتطوّر منه النبتة عندما تصبح الظروف البيئيّة، توفّر الماء ودرجة الحرارة وتركيبة الغازات في الهواء وجودة الإنارة، مناسبة.
نحن لا نأكل بذور الفاكهة اللحميّة عادةً، مثل التفاح والأجاص وغيرها، إلّا أنّنا نأكل بذورًا أخرى بشهيّة ومتعة. تتكوّن بعض المنتجات الغذائيّة من البذور مثل البقوليات، من ضمنها الفستق والعدس والفاصوليا والبازيلا، وكذلك حبوب الصنوبر واللوز والجوز على أنواعِه والخردل والحلبة وحبوب القهوة والكاكاو. أمّا الحبوب، مثل الأرز والذُّرة والقمح، فتُعَدُّ ثمارًا لأنّها بذور ملتحمة بجدار المبيض، إلّا أنّ غالبية ما نأكله منها هو البذرة التي تحوي تقريبًا كلَّ القيمة الغذائّية في الحبّة.
يبرز جذر صغير وساق أساسيّ يسمى بُريعم من البذرة عند إنباتها. وظيفة الجذر هي استيعاب الموارد من التربة، ويُنبِتُ البريعم مجموعة الأوراق الأولى، ويوجهها إلى الأعلى نحو ضوء الشّمس. تمتاز هذه السيقان الصغيرة بمنظر وملمس لطيفين، ويمكن أكلها كما هي أو بعد طبخها لفترة قصيرة جدًّا.
اعتاد الناس في الماضي أكل بذور البقوليات التي تمّ إنباتها، بينما استُخدمت الحبوب المُنبَتة عَلفًا للحيوانات. أمّا اليوم فتُنْبَتُ أنواع كثيرة من البذور، إلّا أنّ غالبية الأغذية المُنبَتة ما زالت تقتصر على عدد قليل من العائلات. إنّها تشمل أشطاء بذور البقوليّات - مثل العدس والحمص و الصويا والفاصولياء على مختلف أنواعها، والبازلاء الخضراء والبازلاء الثلجية والبرسيم (الفالفا) وغيرها، الحبوب - الأرزّ والقمح والشوفان، والصليبيّات - الفجل والبروكلي والخردل والجرجير، و النرجسيّات- البصل والثوم والثوم المعمّر وغيرها، وكذلك أشطاء اللوز والسمسم واليقطين وعباد الشمس وغيرها.
الشَطْء مقابل البذرة: الحسنات
تحوي البذور مُثَبِّطات الإنزيمات التي تمنع إنباتها إلى أن تتوفّر الظروف المناسبة. نقْعُ البذور في الماء هو الظرف الأوّل اللازم للإنبات. يُعطّلُ الماء عمل المُثَبِّطات ويتيح عمل الإنزيمات. تتحلّل البروتينات والكربوهيدرات والدهنيّات المخزونة في البذرة، خلال النموّ، إلى مواد مُغذّية سهلة الهضم ويكون تركيزها أعلى منه في النبتة البالغة. الأشطاء الصغيرة عرضة للإصابة وتُنتِج مواد كثيرة واقِية للحماية، منها ما هي ذات قيمة غذائيّة عالية. تحوي أشطاء معيّنة، بفضل ذلك، على كمّيّات وافرة من المكوِّنات الغذائية الهامّة، مثل حمض الفوليك والمغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم والفوسفور وفيتامين ك (K) والكاروتينات وغيرها. تساهم أشطاء أخرى في منع فقر الدم لاحتوائها على كمّيّة كبيرة من الحديد، ويساهم الكثير منها في الحفاظ على الإحساس بالشّبع لمدّة طويلة، وتحسين نشاط الجهاز الهضمي، لأنّها غنيّة بالألياف الغذائيّة والبروتينات.
تضيف الأشطاء مذاقات متنوّعة كثيرة: الحلو والحارّ والمُرّ واللاذع وغيرها. يمكن إنبات العديد من البقوليّات والحبوب، واستخدامها بسهولة وبشكل فوريّ. يمكن أكل معظمها، كما هي، عن طريق إضافتها للسلطات والسندويشات، أو دمجها في المطبوخات والحساء على أنواعه.
ازدادت شعبيّة أشطاء البذور المُنبتة في غذائنا في هذه الأيام وذلك بفضل تراكم كمٍّ هائل من المعلومات عن حسنات الغذاء المُنبَت، وتزايد الوعي تجاه العلاقة بين التغذية والصحة. ازداد الطلب على الغذاء الصحّيّ سهل التحضير مع تفشّي وباء الكورونا. لم يبقَ لنا إلّا أن نُنبت الأشطاء ونأكل. صحتين وعافية!
من السهل تحضيرها في البيت، ونحتاج قليلًا من الصبر. مجموعة مختارة من الأشطاء | تصوير: Peter Hermes Furian, Shutterstock
اِعمل بنفسك: دليل إنبات البذور في المنزل
المُكوّنات
-
2 سلال شبكيّة (تستخدم عادةً لتعبئة الفطر). (1)
-
سلّة مختومة (غير نفّاذة) (تستخدم عادةً لتعبئة الفطر). (2)
-
صينيّة عميقة، لِوضع السِّلال فيها (3)
-
وعاء شفّاف سعته لتر واحد له فتحة واسعة وغِطاؤه مُلولب (4). يجب إزالة الجزء العلويّ من الغطاء، بحيث يبقى الغلاف اللولبيّ، ودمج شبكة معدنيّة للترشيح في الفتحة المتبقّية.
-
بذور متنوعة (5)، مثل البرسيم (الفالفا)، فجل، بروكولي، عباد الشمس وغيرها. يجب الاهتمام أيضًا بأن تكون البذور مُعَدّة للغرس، كاملةً متكاملة غير مقسومة نصفين. لا تصلح، مثلًا، بذور العدس المقسومة أنصافًا للإنبات، ولا تصلح بذور البرسيم المعدّة للأكل للغرس، لأنّها تتعرّض للأشعة قبل تسويقها، إلّا أنّه يمكن أن نجد بذور البرسيم الطازجة في الحوانيت المختصّة في هذا المجال.
-
قطع من القماش الماصّ (6)
-
شاش جيّد التهوية (7)
هذا كلّ ما نحتاجه. مجموعة الإنبات الخاصّة برونين هار - نوف | تصوير: رونين هار - نوف
الطريقة
-
نسكب ملعقة من البذور في الوعاء، ونضيف الماء حتّى نصفه ونتركها منقوعة. تتعلّق مدّة النقع بنوع البذرة: خمس ساعات للبذور ذات القشرة الرقيقة ( البرسيم مثلّا)؛ ليلة كاملة للبذور ذات القشرة القاسية (عبّاد الشمس مثلًا). نُصَفِّي البذور بعد الانتهاء من نقعها.
-
ننثر البذور الرطبة على جوانب الوعاء، ثم نغلقه بالغطاء الشّبكيّ ونَقلبه ونضعه مائلًا في السلة المختومة غير النفّاذة، لتجميع السوائل الفائضة. نضيف نصف كأس من الماء إلى الصينيّة العميقة، ثم نضع الوعاء فيها بعد أن نغطيه بِقطعة قماش نظيفة. يجب أن ُتُلامس أطراف قطعة القماش الماء في الصينيّة. هكذا نحافظ على مستوى الرطوبة والتهوية المناسبة لبدْء الإنبات. يستحسن غسل البذور كلّ يوم مرتين وإعادتها إلى وضعها الأصلي.
نبدأ بالنقع. أوعية تحوي: بذور عباد الشمس (عن اليسار) وبذور البرسيم (عن اليمين) | تصوير: رونين هار - نوف
-
نغمس البذور ذات القشرة الرقيقة، عندما يصل طول الأشطاء حوالي 3 سنتمتر، في طشت من الماء لإزالة أكثر ما يمكن من قشور البذور. يمكن هزّ البذور المغموسة بالماء للمساعدة على فصل القشور. نعيد الأشطاء بعد ذلك إلى الوعاء بنفس الهيئة المائلة والمغطاة التي كان فيها، كي تنمو بسرعة من جديد. نستخدم السلّة الشبكيّة للبذور ذات القشرة القاسية، ونلفّها من الخارج بشاشة جيّدة التهوية، ونضع عليها سلّة شبكيّة أخرى. نضع السلّتين داخل سلّة مختومة غير نفاذّة. نضع الأشطاء في طبقة واحدة في السلة العليا. نلف السلال بقطعة من القماش ونضعها في الصينيّة العميقة بعد إضافة نصف كأس من الماء إليه، ونحرص على أن تلامسَ أطراف قطعة القماش الماء هذه المرّة أيضًا. من الضروريّ غسل الأشطاء في هذه المرحلة مرّتين في اليوم.
-
نزيل قطعة القماش عندما يصل ارتفاع الأشطاء حوالي 6 سنتمتر، ونترك الأشطاء داخل الوعاء لمدّة يومين إضافيين مكشوفةً للضوء، لكن ليس لأشعة الشمس المباشرة. يجب مواصلة عمليّات الشطف في هذه المرحلة أيضًا، لتجنّب تكوّن العثّ. يجب غسل البذور ذات القشرة القاسية داخل الوعاء وهو مقلوب، لإتاحة المجال لسقوط أكبر كمّيّة من القشور. تعريض الأشطاء للضوء يُكسِبها اللون الأخضر بفضل عمليّة التركيب الضوئيّ.
أشطاء عبّاد الشمس الطّازجة، تلك المغطّاة بقطعة القماش، والمكشوفة، جاهزة للأكل | تصوير: رونين هار - نوف
هذه هي العمليّة برمّتها. يمكن أكل الأشطاء الرقيقة ذات الجذور الرقيقة كما هي. يُستحسن قطع جذور الأشطاء الأخرى. تُحفظ الأشطاء التي لا تُأكل فورًا في الثلاجة، بعد لفّها بورقة ماصّة وجافّة داخل وعاء مختوم. يمكن حفظها بهذا الوضع لمدّة أسبوع. يمكن سَقْي النباتات الأخرى بفائض المياه التي تتجمع خلال تنمية الأشطاء، إذ أنّها غنيّة بالمواد المغذّية. يجدر التأكيد على أنّ الظروف المثاليّة لنمو الأشطاء وازدهارها تتطلّب درجة عالية من الرطوبة وشيئًا من الدِّفء. هذه هي ظروف مثاليّة لترعرع الكائنات الحيّة الدقيقة أيضًا، مثل البكتيريا والعثّ، ومن هنا يجب شطف الأشطاء عِدّة مرات خلال عمليّة الإنبات، وحفظها في البرّاد حتى استخدامها.