من أجل صنع معكرونة طازجة ولذيذة؛ نحتاج إلى معرفة بروتين القمح (الجلوتين) بعمق، ومعرفة كيفيّة استخدامهِ

تُعتبَر الباستا (المعكرونة) من أكثر المكوّنات الغذائيّة شيوعًا وشعبيّة في المطبخ الحديث. لدى العديد من البلدان نسخة (صيغة) فريدة وخاصّة بها من طبق العجين المفضّل لديها: الصّين لديها مجموعة متنوّعة من المعكرونة،  يُشاع تناول الشبتزلي (Spätzle) في ألمانيا وهنغاريا، يحظى الأورزو (Orzo) بشعبيّة كبيرة في اليونان، ويشتهر المطبخ البولنديّ بفطائر البيروغة (Pierogi)، وتقوم العائلات اليهوديّة الأشكنازيّة بإعداد الكربلاخ (Kreplach). إضافة إلى ذلك، يوجد في اسرائيل نوع إضافيّ وخاصّ من المعكرونة - الرّقائق "بتيتيم" (Israeli couscous). 

للأسف، نظرًا لأنّ المعكرونة كانت على مدار التّاريخ طبقًا لعامّة الناس (الشّعب)، فلم تحظَ بنفس الاهتمام الّذي حظيت به مأكولاتٌ فاخرةٌ أكثر. لذلك؛ سنحاول (هذه المرّة) التّعرّف على المعكرونة عن قُرب: معرفة الطحين المناسب لصنع العجين، والفرق بين المعكرونة الطازجة والجافّة، وكميّة الماء والوقت المناسب لطهيها من أجل الحصول على القوام الصحيح تمامًا، ولكن أوّلًا، نحتاج لمعرفة وصفة المعكرونة الطازجة.

ماذا نحتاج؟

  • 2 كؤوس(كأسان) من دقيق البيتزا أو دقيق عادي (250 غرام) 

  • 2 بيض(بيضتان) كبير(كبيرتان) (110 غرام)

  • 4 مُحّ البيض (70 غرام)

  • ملح حسب الرّغبة

طريقة التّحضير

  1. نقوم بمزج جميع المكوّنات بمساعدة الخلّاط الكهربائيّ المخصّص للعجين، حتّى الحصول على خليط متجانس. بدلًا من ذلك، يمكن وضع الدقيق على سطحٍ مستوٍ، وصنع حفرة فيه من أجل إضافة البيض، وخلطهما بحركات دائريّة حتّى يتماسك العجين. في كلتا الطريقتين، في حال كانت العجينة لزجة قليلًا، يمكنك إضافة المزيد من الدقيق.

  2. نقوم بتغليف العجين بنايلون لاصق، ونتركه يرتاح لمدّة نصف ساعة في درجة حرارة الغرفة.

  3. نقسّم العجينة إلى أربعة أرباع، ونقوم برقّ كلّ ربعٍ على حدة، بسمك حوالي 3 ملم بواسطة آلة رقّ المعكرونة أو الشوبك. في هذه الأثناء، نحافظ على باقي العجين مغلّفًا.

  4. نقطّع العجينة بالشّكل المرغوب به ونقوم بطهيها لمدّة 2-3 دقائق.

  5. نكرّر الخطوات 3-4 مع الأرباع المتبقيّة.

  6. نضيف الصلصة المفضّلة لدينا.

אישה מכינה בצק לפסטה | Shutterstock, Galina Zhigalova
تُعتبَر المعكرونة  من أكثر المكوّنات الغذائيّة شيوعًا وشعبيّة في المطبخ الحديث. امرأة تقوم بصنع عجينة المعكرونة | Shutterstock, Galina Zhigalova

والآن لننتقل للعلم

ظهرت المعكرونة للمرّة الأولى في الصّين منذ 4000 عام على الأقلّ، وانتشرت لاحقًا إلى مناطق أخرى في آسيا وأوروبا. كانت الصّين وإيطاليا أكثر الدّول تعمّقًا في الاحتمالات الكامنة في طهي العجين المصنوع من القمح والماء، ولكنّ البحث قاد كلّ دولة في اتجاهٍ مختلفٍ. في إيطاليا، ساهمت الوفرة الكبيرة للقمح القاسي (Durum wheat) الغنيّ بالجلوتين إلى تطوير معكرونة مستقرّة و غنيّة بالبروتين والّتي يمكن تجفيفها وتخزينها إلى أجلٍ غير مسمّى،  وصنع أشكالٍ مختلفة منها. على مرّ السنين، قام الإيطاليّون بتطوير صناعة طهي كاملة تعتمد على المعكرونة كمكوّن أساسيّ في مطبخهم. أمّا في الصّين، حيث كان القمح قليل الجلوتين، تخصّص الطّهاة في صنع المعكرونة الطويلة والبسيطة والّتي كانت مُخصَّصة عادة للحساء.

נודלס בקערת מרק | Shutterstock, Lesterman
القمح الّذي زُرِعَ في الصّين كان قليل الجلوتين، فتخصّص الطّهاة  في صنع المعكرونة الطويلة والبسيطة والّتي كانت مُخصَّصة عادة للحساء. الشعيريّة في وعاء الحساء| Shutterstock, Lesterman

تعني كلمة "باستا" (pasta) في الإيطاليّة عجينًا، وفي الواقع عجينة المعكرونة التقليديّة ليست أكثر من خلط دقيق القمح والماء معًا والّتي من الممكن تشكيلها بعدّة أشكال، وطهيها في الماء حتّى الحصول على القوام المرغوب. يكمن سرّ نجاح المعكرونة في قوامها الطريّ وطعمها المحايد، ممّا يجعلها "شريكًا" ممتازًا لمجموعة متنوّعة من  الصلصات والمركبّات الغذائيّة والمأكولات الأخرى في نفس الطبق.

المكوّن الرئيسيّ في صنع المعكرونة هو الدقيق. يتكوّن الدقيق بشكل أساسيّ من النشا والبروتينات، والأخيرة (البروتينات) هي تلك الّتي تسمح للمسحوق الجافّ بأن يصبح كتلة متماسكة يمكن تشكيلها لشرائح رفيعة، ولكنّها أيضًا قويّة بقدرٍ كافٍ لمنع انهيارها أثناء الطهي عند الغليان. بروتينات الجلوتين هي المسؤولة عن تماسك دقيق القمح، ممّا يعطي العجين مرونته المميّزة.


تصميم: ماريا جروحوبسكي

بروتينات الجلوتين هي جزيئات ضخمة، تتكوّن من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينيّة - اللبنات الأساسيّة للبروتينات. تحتوي بروتينات الجلوتين على عائلتين: جلوتينين (Glutenins) وغليادين (Gliadins). يزوّد الغليادين العجين باللدونة - القدرة على تغيير شكله - لأنّه يعمل كمادّة تشحيم ويسمح لسلاسل الجلوتينين بالانزلاق عليها. من ناحية أخرى، يمكن تشبيه سلاسل الجلوتنين بسلاسل طويلة تشبه الزنبرك. عند عجن العجينة، ترتبط هذه البروتينات واحدة بالأخرى على شكل سلاسل طويلة جدًّا، وتشكّل معًا شبكة مرنة تتمتّع بالقدرة على التمدّد والتقلّص. 

بالإضافة إلى ذلك، تتأثّر النشويّات والبروتينات الموجودة في الدقيق من طريقة طحن حبوب القمح. يُعتبَر دقيق السميد (Semolina) الأنسب لصنع المعكرونة، والّذي يتمّ الحصول عليه من طحن القمح القاسيّ. يتميّز القمح القاسيّ بنواة أقسى من أنواع القمح الأخرى ومحتوى عالٍ من البروتين. يُطحن القمح خشنًا بحيث يتراوح حجم الحبيبات بين 0.5-0.15 ملم، وهو أكبر بكثير من حجم حبيبات دقيق الخبز. يسمح الطّحن الخشن لبعض البروتينات بالحفاظ على شكلها الأصليّ حتّى بعد الطّحن؛ ممّا يساهم في مرونة العجين الُمستخدَم في صنع المعكرونة. بالإضافة إلى ذلك، كلّما كان الدّقيق أكثر خشونة يقلّ تلف حبيبات النّشا في الدّقيق. 

אדם מעצב בצק פסטה | Shutterstock, nerudol
يُعتبَر دقيق السميد الأنسب لصنع المعكرونة، والّذي يتمّ الحصول عليه من طحن القمح القاسي. شخص يقوم بتشكيل عجينة المعكرونة | Shutterstock, nerudol

طازجة أو جافّة؟

لماذا يُعتبَر نوع الدّقيق مهمًّا في صنع المعكرونة؟ تُصنع المعكرونة الجافّة من دقيق السميد الغنيّ بالجلوتين والماء، عادةً بدون إضافة البيض. بعد صنع العجينة يتمّ ضغطها في قوالب للحصول على أشكالها المألوفة، مثل السباغيتي أو الأصداف. ومن ثمّ، تُجَفَّف قطع العحين بدرجات حرارة عالية. تفقد المعكرونة مرونتها وتصبح صلبة وهشّة (قابلة للكسر) بعد عمليّة التّجفيف. تتميّز المعكرونة الجافّة بعمرها الطويل - فهي لا تحتوي على ماء تقريبًا، لذلك لا يمكن أنْ تنمو فيها الكائنات الحيّة، مثل البكتيريا والفطريّات، ويمكن تخزينها لفترة طويلة.

لتحضير المعكرونة الطازجة، يلزم خلط الدّقيق والبيض في عجينة ناعمة ومتماسكة يسهل عجنها. يوصى بإغناء العجينة بمُحّ البيض: يحتوي صفار البيض على 48% ماء، 17% بروتين، 33% دهون. يعطي المُحّ المعكرونة لونًا، طعمًا وقوامًا حريريًّا، بفضل كميّة الدّهون العالية نسبيًّا. لكن نسبة الدّهون العالية تعيق تكوين (إنتاج) نسيج جلوتين متماسك وقويّ وبالتّالي تضعف مرونة العجين. لتحسين مرونة العجين، ممكن إضافة بيضة كاملة، بما في ذلك الزلال، والّذي يتكوّن أساسًا من الماء (حوالي 90%)، والبروتينات (حوالي 10%). إضافة الزلال للعجين تقوّي نسيج الجلوتين وتجعله أكثر مرونة.

بعد خلط المكوّنات وعجنها، نحصل على كرة عجين ناعمة، سلسة ومرنة، ويتشكّل نسيج الجلوتين، وبعد ذلك يوصى بترك العجينة مدّة زمنيّة قصيرة لترتاح (لتخمر). تسمح هذه المدّة للعجين بامتصاص الماء واستمرار تطوّر نسيج الجلوتين. في المرحلة الأخيرة، يتمّ تشكيل العجينة بالشّكل المطلوب باستخدام آلة المعكرونة أو باليد. يشير العديد من الطهاة إلى أنّ صنع المعكرونة الطازجة غير مشروط باستخدام دقيق السّميد، لكن بدلًا من ذلك يمكن استخدام الدّقيق الأبيض العادي، حيث يلعب البيض دورًا مهمًّا بنفس القدر، في تكوين القوام المطلوب للعجين.

בצק של פסטה טריה נחתך לרצועות | Shutterstock, Anton27
لتحضير المعكرونة الطازجة، يلزم خلط الدّقيق والبيض في عجينة ناعمة ومتماسكة يسهل عجنها. عجينة معكرونة طازجة مقطّعة إلى شرائح |  Shutterstock, Anton27

ماذا يحدث عند الطهي؟

الخطوة الأخيرة في صنع المعكرونة هي الطهي في الماء المغليّ. أثناء الطهي، يمتصّ كلّ من نسيج البروتين و حبيبات النشا المتراصّة في الدقيق الماء ويتوسّعان؛ ممّا يؤدّي إلى تمزّق الطبقة الخارجيّة من البروتين وذوبان بعض النشا فيُطلَق إلى ماء الطهي. يصعب على الماء اختراق الطبقات الداخليّة من المعكرونة، بحيث تحافظ حبيبات النشا جزئيًّا على هيكلها، وكذلك نسيج البروتين. يجب طهي المعكرونة حتّى تصبح بدرجة "الدينتي" (al dente)، وهو مصطلح إيطاليّ لقياس درجة طهي الباستا، والهدف هو التوقّف عن الطهي قبل أنْ تصبح الطبقات الداخليّة للمعكرونة مطهوّة بشكلٍ كاملٍ.  تُعتبَر حبيبات النشا غير التّالفة ونسيج البروتين المستقرّ هما المسؤولتان عن الصّلابة الخاصّة الّتي نشعر بها عند المضغ.  

وأخيرًا، ما هو مقدار الماء الموصَى باستخدامه؟ التوصية المقبولة هي طهي المعكرونة بكميّة من الماء أكبر بعشرة أضعاف من وزن المعكرونة. أثناء الطهي، تمتصّ المعكرونة الماء بحوالي 1.7 مرّة من وزنها الأصليّ، لذلك يجب التّأكّد  من وجود كميّة كافية من الماء لتخفيف تركيز النشا الناتج من المعكرونة و لمنع التصاقها. لنفس السبب، يجب التأكّد أثناء الطهي من استمرار غليان الماء؛ يساعد الغليان في خلط قطع العجين، ولا يسمح للنشا الناتج منها بأن يُلصق الواحدة بالأخرى.

إضافة الملح إلى ماء الطهي مهمّ للطعم النهائيّ للمعكرونة. في نهاية الطهي، بعد تصفية المعكرونة، يوصي  البعض بخلطها مع القليل من الزّيت لمنع المعكرونة من الالتصاق ببعضها البعض. بالإضافة، يوصي البعض الآخر باستخدام ماء الطهي لتحضير الصلصة، بما أنّ ماء الطهي يحتوي على العديد من النشويّات، والّتي يمكن أنْ تجعل الصلصة أكثر سُمكًا. 

الآن كلّ ما تبقّى هو دخول المطبخ وصنع عجينة المعكرونة، وتكوين شكلها المرغوب مع الصلصة الملائمة. بالصّحّة والعافية!

 

0 تعليقات