في اختتامِ مؤتمرِ المناخ السنوي، تمّ الاتفاق مبدئيًّا على تأسيسِ صندوقٍ لتعويضِ الدُّولِ التي تضرّرت من أزمةِ المناخ، لكن لم يُحرَزُ تقدُّمٌ حقيقيٌّ في الجهودِ المبذولةِ لوقفِ الاحترار
اختُتمَ مؤتمرُ المناخ COP27 الذي أقيمَ في شرمِ الشيخ في مصر يومَ الأحد الماضي، الموافق 20 تشرين ثانٍ. نجحَ ممثلو نحو مئتي دولةٍ اشتركت في المؤتمر، بعدَ مناقشاتٍ استمرت لأكثر من أسبوعين، في التوصُّلِ إلى اتفاقياتٍ شملت، لأول مرة، تأسيسَ صندوقٍ لتحويلِ الأموالِ إلى الدُّولِ التي تضررت من الحوادثِ المناخيّة كالفيضاناتِ والعواصفِ والجفاف. لم تكن، إلى جانبِ ذلك، القرارات المتعلقةِ بوقفِ الاحترارِ حازمةً مثلما رغب قسمٌ من المشاركين، ولا تدعو دعوةً لا لبسَ فيها إلى التوقفِّ عن استخدامِ الوقودِ الأحفوري كالفحمِ والنفط والغاز.
لم يدعُ المؤتمرُ بوضوحٍ إلى خطواتٍ تهدفُ إلى تقليلِ استخدامِ الفحم والنفط والغازِ الطبيعي في الصورة: بارجةُ حفرِ الغاز في البحر | تصوير: curraheeshutter, Shutterstock
"الخسارة والضرر"
تميزَ هذا المؤتمر عن المؤتمراتِ السّابقةِ في التركيزِ على الأضرار التي سبّبتها أزمة المناخ فعلًا ، وعلى مسئوليّةِ الدولِ المتطورةِ عن هذه الأضرار. ركّزت المؤتمراتُ السّابقةُ، بما فيها مؤتمرُ غلاسكو الذي أقيمَ في السنة الماضية، على سبُلِ وقفِ الاحترار، خاصةً تقليلِ انبعاثاتِ غازات الدفيئة. تضمّنَ مؤتمرُ شرم الشيخ طبعًا هذه المواضيعَ هو الآخر، إلّا انّ مواجهةَ إرهاصاتِ الأزمةِ احتلت مكانًا أكبر مما مضى في.
كان من الواضح قبل الافتتاح الرسمي للمؤتمرأنَّ الصراعَ بين الدول النامية، الفقيرة منها بشكل خاص، وبين الدول الغربية المتطورة سيفرض حضوره فيه. تطالب الأولى بأن يبحث المؤتمر بالدفع لها مقابل الأضرار التي ألحقتها أزمةُ المناخ بها وتعويض الدول التي تضررت من الكوارث المناخية.
الدول الأكثر تضررًا مثل الباكستان او دول القرن الأفريقي التي تعرضت لفيضانات صعبة هي، في حالات كثيرة، التي تتسبب بجزء قليل جدًّا من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم.
تدّعي هذه الدول أنَّ الدول المتطورة التي أسّست غِناها بدرجة عالية بالاستعانة بوقود الاحفوريات هي المسؤولة عن تعويضها عن الخسارة والضرر ("Loss and) التي لحقت بها نتيجة الأزمة التي تسبب فيها استخدام ذلك الوقود. ذلك بالإضافة للمساعدة التي تقدمها الدول الغنية للدول النامية لمساعدتها في التحول الى الطاقة من المصادر المتجددة.اعترضت الدول الصناعية في بادئ الأمر، كالمتوقّع، على هذا الطلب، وأدّى الخلاف الى التأخير في بدء المباحثات. اتفقت الدول في نهاية الأمر على تأسيس صندوق للدفع مقابل الأضرار، كما طالبت الدول النامية. على الرغم من ذلك، قال مسؤول أمريكي كبير لشبكة CNN إن الاتفاق لا يشمل تحمّل مسئولية عن الأضرار أو دفع تعويضات عامة، إنما دفع أموال لتغطية الضرر وتأهيل المجتمعات المتضررة.
وقال السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش (Guterres) في خطابه في آخر أيام المؤتمر: "خطا المؤتمر خطوة كبيرة نحو تحقيق العدل"، وأضاف: "من الواضح أن خطوةً كهذه غير كافية، لكنها تعتبر رسالة سياسية هامة للغاية من أجل إعادة بناء الثقة التي تضعضعت".
"سيكون هذا الصندوق بمثابة حبل إنقاذ للعائلات الفقيرة التي انهارت منازلها والفلاحين الذين هُدمت منازلها وسكان الجزر الذين يضطرون ترك بيوت أهاليهم"، ذلك ما قاله آني داسغوبتا (Dasgupta) المدير العام للموارد العالمية (Resources Institute)، معهد الأبحاث الكائن في الولايات المتحدة الأمريكية لشبكة CNN الإخبارية.
لكنه أضاف قائلًا إنَّ ممثلي الدول يغادرون شرم الشيخ دون برنامج مفصل حول تأسيس الصندوق والرقابة عليه. سيعمل، وفقًا للقرار، خلال العام القادم، ممثلون عن الدول المختلفة على وضع تفاصيل صندوق التعويضات، أي الدول هي التي ستكون المانحة وكيف سيتقرر لمن ستُدفع الأموال.
ما يحدثُ في باكستان لا يبقى فيها وحدها. لافتةٌ في مؤتمر المناخ تُحذّرُ من الأضرار العالمية التي تُلحقها الأزماتُ المناخيّة بالدول الفقيرة | تصوير: يونات أشحار.
الدفع عن الأضرار قبل وَقف الاحترار
يحتلّ موضوع الأضرار ومواجهة أزمة المناخ مكانًا كبيرًا في مسوّدة قرارات مؤتمر شرم الشيخ، التي نشرت يوم الأحد،. يبدو أنّ مسألة وقف الاحترار قد دُفعَ بها جانبًا في هذا المؤتمر. صحيحٌ أنّ المسوّدةَ شملت نداءً "لبذل جهودٍ إضافيّة" لتحقيقِ الأهدافِ التي أُقرّت في اتفاقية باريس وفي مؤتمر غلاسكو، أي ألّا يتعدّى الاحترارُ درجةً ونصف سيلزيوس بمعدّلٍ عالميٍّ حتى نهايةِ القرن الحالي، إلّا أنّ طريقةَ تنفيذ ذلك تُلزمُ دول العالم التقليل الحادّ والسريع من استخدامِ النفط والفحم والغاز، ويبدو أنَّ الدول فاقدةٌ للرغبة السياسية في تنفيذ ذلك.
توحي اللهجةُ التي استُخدمت في قرارات مؤتمر الشيخ، وفقًا لذلك، إلى عدم الإلزام فيما يتعلق باستخدام الوقود الأحفوري. شملت القرارات نداءً للتحول إلى الطاقةِ المتجدّدة، وإلى الطاقة قليلة الانبعاثات – Low emission energy أيضًا. يمكن تفسير هذا التعبير بعدّةِ صور، مثل السماح بتطوير حقول الغاز الطبيعي الذي يصاحب استخدامه انبعاث كمياتٍ من الكربون هي أقلّ مما ينبعث عند استخدام النفط والفحم، وذلك رغم أن الأبحاث الأخيرة تشير إلى أن حقول الغاز تنفث كميات من الميثان أكبر مما هو متوقّع، مع العلم أن هذا الغاز قويّ التأثير. بالإضافة إلى ذلك، تدعو القرارات إلى تخفيض استخدام الفحم (Phasedown) وليس إلى وقف تدريجي (Phaseout) مثلما كان يأمل ناشطو المناخ.
لم يُتخذُ قرارٌ حتى بشأن التوقف عن استخدام الفحم الملوِّث، وإنما تقليل استخدامه بشكل تدريجي. في الصورة: محطة لِتوليد الطاقة تعمل على الفحم | تصوير: Rudmer Zwerver, Shutterstock
وقالت لورانس توبيانا (Tubiana) المديرة العامة لصندوق المناخ الأوروبي (European Climate Foundation): "تأثير صناعات الوقود الأحفوري بادٍ في كل مكان"، وأضافت: "أعدت رئاسة المؤتمر المصرية وثيقة تدافع بوضوح عن الدول النفطية وعن صناعات الوقود الأحفوري. هذا الاتجاه لا يمكنه أن يستمر في الإمارات المتحدة في السنة القادمة". ومن المقرر أن ينعقد مؤتمر المناخ القادم في الإمارات المتحدة في العام المقبل، وهي إحدى الدول النفطية التي تحدثت توبيانا بشأنهنّ، وبالتالي فإن هذا الأمر يقلل احتمال حدوث تغييرٍ في هذا الاتجاه.
من جانبه، قال سكرتير الأمم المتحدة غوتريش: "علينا تقليل انبعاث غازات الدفيئة بصورة كبيرة الآن - وهذا موضوع لم يتطرّق إليه المؤتمر". وقد أكد تقرير برنامج الأمم المتحدة البيئيّ (UNEP)، الذي نُشر عشية انعقاد المؤتمر، الحاجة إلى العمل بسرعةٍ وحزم من أجل تنفيذ بنود اتفاق باريس. ويشير التقرير إلى أنه حتى لو وفت الدول بالتزاماتها، فإننا سنظل نشهد ارتفاعًا بمقدار 2،4 درجة مئوية على الأقل في متوسط درجة الحرارة العالمية، وهو أكبر بكثير من الهدف الذي هو 1،5 درجة". ومن شأن هذا الارتفاع أن يؤدي إلى كوارث مناخية أكبر بكثير مما يشهده العالم، بدءًا من موجات حرارة وجفاف، من شأنها أن تجعل من الكثير من المناطق الشاسعة غير مناسبة للسكن، وانتهاءً بارتفاع منسوب سطح البحر الذي من شأنه إغراق جزر ومدن ساحلية.
وقد دعا تقرير الأمم المتحدة إلى "إجراء تغيير واسع النطاق، وسريع ومنظّم"، وحذّر من أن التغييرات التدريجية لن يكون باستطاعتها الحيلولة دون تأثيرات قاسية ستسبّبها أزمة المناخ. لكن مؤتمر شرم الشيخ أظهر أن اتلمتاخ السياسي الحالي يزيد من صعوبة إحداث تغيير سريع ومنظّم.
وقالت الناشطة البيئة الكينيّة إيزابيث واتوطي (Wathuti) لموقع أخبار الأمم المتحدة: "ربما يكون مؤتمر COP27 انتهى، لكن النضال من أجل مستقبلٍ آمنٍ لا يزال مستمرًا"، وأضافت: "أزمة المناخ، وأزمة الغذاء، والأزمة البيئة، وجميعها ذات صلة إحداها بالأخرى، تؤثّر فينا جميعًا، لكن المجتمعات التي تتواجد في الواجهة، مثل مجتمعي، تتلقى الضرر الأكبر. فكم جرس إنذار يجب أن نُسمع حتى نقوم بالعمل؟".