تُعتبر مشاعل الغاز الضّخمة التي تحترق في آبار النّفط ناجعةً بشكلٍ أقلّ من التقديرات الحاليّة - حيث تنبعث كميّة هائلة من غاز الميثان في الغلاف الجويّ

 

كشفت دراسةٌ جديدةٌ أنّ الاحتراق المفتعل للغاز (Gas flaring) في حقول النّفط وَالغاز الطبيعيّ يُطلِق غاز الميثان في الغلاف الجويّ، بمقدار خمسة أضعاف ما كان يُقدّر له سابقًا. يُعتبر الميثان المكوّن الرئيسيّ للغاز الطبيعيّ، وهو من غازات الاحتباس الحراريّ القويّ والمسؤول عن حوالي ثُلث الزّيادة في متوسّط درجة الحرارة على سطح الأرض حتّى الآن. إذا أردنا إبطاء معدّل تغيّر المناخ المتوقّع في العقود القادمة، فمن الضّروريّ أن نحد من انبعاثه في جميع أنحاء العالم. تنضمّ هذه الدراسة إلى سلسلة من النّتائج الّتي تشير إلى أنّ انبعاثات الميثان من صناعة الوقود الأحفوريّ أعلى بكثير ممّا ظنّناه. 

أحد المناظر المتعلّقة كثيرًا بمواقع التّنقيب عن النّفط وَالغاز في بعض المناطق، هو الحرق المستمرّ في المشاعل الضّخمة للغاز الزائد المنبعث من عمليّة الحفر. ينبع هذا الإجراء من اعتباراتٍ تتعلّق بالأمان والاقتصاد، مثلًا، عندما لا يحوي موقع التّنقيب عن النّفط بُنيةً تحتيّة لنقل الغاز الطبيعيّ الذي يتم ضخّه فيه مع النّفط الخام. يُعتبرُ حرقُ الميثان أفضلَ من انبعاثه في الهواء الطّلق، على الرّغم من أنّه يُطلق كميّات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجويّ، وهو غاز احتباس حراريّ شديد التأثير، ولكنّه أضعف من غاز الميثان. كل طنّ من الميثان يُسخّن الكرة الأرضيّة 30 مرّة أكثر من نفس كميّة ثاني أكسيد الكربون. 

يُبيّن البحث الذي نُشر في مجلة Science أنّه على الرّغم من عمليّة الاحتراق التي تحدث فيها، فإنّ المشاعل المحترقة في الولايات المتّحدة تبعث في الهواء حوالي تسعة بالمئة من إجماليّ الميثان الذي يُزوّد بها، وليس 2% فقط كما اُعتقد حتّى الآن بناءً على الدّراسات المخبريّة من سنوات الثمانين. يَنتُج نحو نصف انبعاثات الميثان بسبب عدم احتراق الغاز بشكل كامل في المشاعل، وينبعث النّصف الآخر عندما يصل الغاز إلى المشاعل التي تمّ إيقاف تشغيلها، لذلك ينبعث كلّه إلى الهواء دون أن يحترق. 

לפידי מתאן במתקן לקידוח נפט | צילום: Solodov Aleksei, Shutterstock
تسعة في المئة من الميثان الذي يجب حرقه ينبعث بكل بساطة في الغلاف الجويّ. مشعل لغاز الميثان في جهاز حفر آبار النّفط | تصوير: Solodov Aleksei, Shutterstock

سوء الاستخدام

حلّق الباحثون فوق أكثر من 300 شعلة في الحقول، التي تتمّ فيها أكثر من 80 في المئة من عمليّات حرق الغاز المفتعلة في الولايات المتّحدة. أثناء الطّيران، قاموا بقياس انبعاثات الغاز من المشاعل وتقييم نجاعة الاحتراق. تقول جينفيف بلانت (Plant) من جامعة ميشيغان التي بادرت إلى البحث: "إذا كانت الشّعلة تعمل بالشّكل الصحيح، فيجب قياس الكثير من ثاني أكسيد الكربون والقليل نسبيًّا من الميثان. يمكننا تقييم نجاعة الاحتراق وفقًا للنّسبة التي نقيسها بين هذيْن الغازيْن".

تثير نتائج البحث أيضًا سببًا للتّفاؤل الحذر، لأنّه ووفقًا لأقوال بلانت، "يمكن تقليل هذه الانبعاثات بشكل سهل جدًّا. يمكننا تقليل انبعاثات الميثان إلى حدّ كبير، من خلال الإدارة السّليمة والاستفادة من المعرفة التي اكتسبناها حول الوضع الفعليّ لمشاعل الاحتراق". يُقدّر الباحثون أنّ الحرق المفتعل في الولايات المتّحدة مسؤول عن 4-10 في المئة من مجمل انبعاثات الميثان، جرّاء صناعة النّفط والغاز الأمريكيّة. 

ينبعث الميثان على طول سلسلة إمداد الوقود الأحفوريّ. تعتقد وكالة الطّاقة الدّوليّة (IEA) أنّ انبعاثات الميثان الفعليّة جرّاء نشاطات الطّاقة العالميّة أكبر بنسبة 70% تقريبًا ممّا يرد في التّقارير الرسميّة. كما تدّعي منظّمة حماية البيئة الإسرائيليّة "آدم، وطبيعة وقانون" أنّ "معظم انبعاثات غاز الميثان من نظام الغاز الإسرائيليّ لا يتمّ قياسها ولا الإبلاغ عنها". 

אסדת קידוח שורפת מתאן על רקע השקיעה |  צילום: AzmanMD, Shutterstock
يمكن تقليل 90 بالمئة من انبعاثات الميثان في صناعة الطّاقة، من خلال الإدارة السّليمة | يحرق جهاز الحفر غاز الميثان مع خلفيّة الغروب | تصوير: AzmanMD, Shutterstock 

تتطابق نتائجُ الدّراسة الحاليّة مع تقديرات وكالة الطّاقة الدوليّة، التي تستند إلى العديد من القياسات والفرضيّات الواقعيّة، فيما يتعلّق بجودة إدارة المشاعل في الميدان. بالإضافة إلى التّأثير السّلبيّ في البيئة، فهو أيضًا إهدارٌ كبيرٌ للوقود المتاح لإنتاج الطاقة. تقدّر الوكالة أنّ الحريق المفتعل استهلك غازًا طبيعيًّا بقيمة 55 مليار دولار في العام المنصرم، وهو مبلغ يمكن أن يوفّر قرابة ثلثيّ إجماليّ استهلاك الكهرباء لجميع دول الاتّحاد الأوروبيّ معًا. 

تقدّر IEA أيضًا أنّه من خلال التّنظيم الصّارم والصّيانة المناسبة، سيكون من الممكن تقليل نحو 90 في المئة من انبعاثات الميثان في صناعة الطّاقة، مثلما يتمّ ذلك فعليًّا بنجاح في النّرويج. إنّ الزّيادة في أسعار الغاز حول العالم، ومجمل الإمكانيّات التّكنولوجيّة المتوفّرة تجعل من الممكن الاستفادةَ من الغاز الذي يُحرق في المشاعل، ومنع معظم عمليّات حرق الغاز الملوِّثة غير الضروريّة. 

مقطع فيديو حول البحث من جامعة ميشيغان (بالإنجليزية):

 

0 تعليقات