إذا فكّكنا جسمنا إلى الذرات التي يتكون منها، كم تكون قيمتها؟ ما هي العناصر التي تشارك في بنائه؟ ولماذا توجد عناصرُ معيّنة في الجسم بكميَّةٍ أكبر من غيرها؟
علينا أولا، للإجابة عن هذا السؤال، تقدير العدد الإجمالي للذرات في الجسم ثم إيجاد نسبة كل عنصر من العدد الإجمالي للذرات. يحتوي جسم الرجل البالغ الذي يزن سبعين كيلوغرامًا على 6.71X1027 ذرّة تقريبًا (أي 6700 تريليون تريليون) من نحو ستين عنصرا من أصل مئة وثمانية عشر عنصرًا موجودًا في الجدول الدوري.
يتكوّن جسم الإنسان بشكل رئيسي من الماء (الذي يتكوّن كل جزيء منه من ذرتَيْ هيدروجين وذرة أكسجين واحدة) ومن جزيئات "عضوية" مُكوّنة من هيكلٍ من ذرات الكربون ترتبط به عناصر أخرى. تشمل الجزيئاتُ العضوية البروتينات (التي تحتوي بشكل أساسي على الكربون، الهيدروجين، الأكسجين، والنيتروجين، وكذلك على الكبريت والسيلينيوم)، الكربوهيدرات (تحتوي أساسًا على الكربون والأكسجين والهيدروجين)، الدهون (مثل الكربوهيدرات)، والأحماض النووية (الكربون، الهيدروجين، النيتروجين، الأكسجين، والفوسفور). لذلك ليس غريبًا أنَّ 99% من الذرات في جسم الإنسان هي لستة عناصر فقط: الهيدروجين (62.9%)، الأكسجين (24%)، الكربون (12%)، النيتروجين (0.6%)، الكالسيوم (0.24%)، والفوسفور (0.14%).
تم إدراج عنصر الكالسيوم ضمن قائمة العناصر لأنه ضروري لبناء هيكلنا العظمي، الذي تحتوي عظامه على 99% من الكالسيوم الموجود في الجسم. كما أن لعنصر الكالسيوم أهمية في تشغيل العضلات، التواصل بين الخلايا، وفعالية بروتينات معينة. أما عنصر الفوسفور فأُدرج في القائمة لأنه ضروري لبناء الهيكل العظمي والأسنان. وللفوسفور أيضًا دورٌ في إنتاج الطاقة في الخلية وفي مبنى الـ DNA وفي أداء بعض الإنزيمات - زلاليات تقوم بوظائف كثيرة ومتنوعة داخل الخلايا وخارجها - لوظيفتها بإتقان.
أما الـ 0.18% المتبقية فتشمل عناصر ضرورية لاستمرار الحياة منها الكبريت، الصوديوم، البوتاسيوم، الكلور، والمغنيسيوم. تُسمّى مجموعة العناصر الأخرى التي يحتاج لها الجسم "العناصر الشحيحة" نظرا لوجودها بكميات قليلة جدّا فيه. هذه العناصر هي السيليكون، الفلور، الحديد، الخارصين، النحاس، الليثيوم، المنغنيز، اليود، الكوبالت، الكروم، الموليبدنوم، والسيلينيوم.
أما العناصر الأخرى في أجسامنا فليست لها كما يبدو وظيفة حيوية تُذكر، وقد يعود وجودها في الجسم إلى نسبة انتشارها العالية في الطبيعة. على سبيل المثال، السترونشيوم، الروبيديوم، البروم، والألومنيوم موجودة في الجسم بكميات أكبر من اليود، على الرغم من أن اليود ضروري لعمل الغدّة الدُّرقية بينما لا تقوم العناصرالمذكورة بأية وظيفة مهمة.
انتشار العناصر الرئيسية في جسم الإنسان ( 0.18% أخرى لا يشملها التخطيط) | تخطيط: عميت شراجا، ماريا غوروخوفسكي
"تسعيرة" جسم الإنسان
لو قمنا باستخراج العناصر من جسم الإنسان بعد الموت لكانت لها قيمة اقتصادية معينة، ولكنها ليست عالية. فقد قدّر الطبيب الأمريكي تشارلز مايو سنة 1924 قيمة كل الذرات في جسم الإنسان بـِ 84 سنتاً فقط، حسب الأسعار السائدة في تلك الأيام. ويعود الأمر إلى أنّ العناصر الستة الأكثر انتشارا في الجسم هي عناصر رخيصة جدا لأنها موجودة حولنا بوفرةٍ ومن السهل الحصول عليها، ولكنّ الجسم يحتوي أيضًا على بعض العناصر قليلة الانتشاروغالية الثمن، مثل الذهب.
تعادل القيمة الإجمالية الآنيّة لجميع عناصر الجسم مائتي دولار أمريكي أو أقل قليلًا. تبرُز ذرات البوتاسيوم بشكل خاص وتصل قيمتها إلى نحو 142 دولارًا. تشكّل ذرات البوتاسيوم 0.03% من مُجمل الذرات في الجسم ومعدّل كتلتها 142 غراما لدى الإنسان البالغ، علمًا بأن سعر كيلوغرام البوتاسيوم في الأسواق يساوي ألف دولار تقريبا.
ولكن التقسيم إلى ذرات يعطي انطباعًا مضلّلًا، إذ إنّ ثمن جزيئات معينة في جسم الإنسان يزيد كثيرًا عن مجموع ثمن الذرات التي تُكوّنها منفردةً. ولا شكّ طبعًا أنّ قيمة جسم الإنسان وهوعلى قيد الحياة أعلى بكثير من قيمة مجمل الذرات أو الجزيئات التي يتكوّن منها. فكما يقول المخترِع توماس ألفا إديسون: "تساوي قيمة الإنسان من الرقبة فما تحت بضعة دولارات، لكن قيمته فوق الرقبة تساوي كل ما يستطيع دماغه إنتاجه".
إذًا ممَّا يتكوّن الإنسان؟ هناك وصفةٌ غير دقيقة لكنها شاعرية في أغنية فرقة Steeleye Span:
كلس يكفي لطلاء حائط،
ماء يكفي لإغراق كلب،
كبريت يكفي لطرد برغوث،
بوتاس يكفي لغسل قميص،
ذهب يكفي لشراء الفاصوليا،
فضة تكفي لطلاء دبوس،
رصاص يكفي لصنع رصاصة،
فوسفور يكفي لإنارة مدينة،
سُمّ يكفي لقتل بقرة.
ولكن لا تكفيك كلها مجتمعةً لتكون إنسانًا:
فالإنسان يملك
قوةً تكفي لبناء بيت،
وقتًا يكفي لاحتضان صبي،
وحُبّا يكفي لكسر الفؤاد.