تُعتبَر شبكة البلازما الداخليّة وعضيّات غولجي آلة مُزيّتة جيّدًا، إذ تقوم بإنتاج البروتينات والدهون وإرسالها إلى وجهتها في داخل الخليّة وسائر الجسم.

تُعتبَر الخلايا الّتي تكوّن أجسامنا مبانٍ مركبّة ومثيرة للدهشة، فهي قادرة على أداءِ العديد من الوظائفِ المختلفة في منطقةٍ صغيرةٍ نسبيًّا. تعود هذه القدرة إلى وجود عضيّاتٍ كثيرةٍ داخلَ الخليّة، تختصّ كلٌّ منها بوظيفةٍ خاصّةٍ تنفرد بها.

والعضيّة هيكلٌ مُحاط بغشاءٍ يفصل محتوياتِه عن السائل الموجود داخل الخلايا، وهو غشاء مشابه في هيكله لِلغشاء الّذي يحيط بالخليّة كلّها. وهكذا، يمكن أن تسود بيئة مختلفة داخل كلّ عضيّة. على سبيل المثال، يسمح هذا الغشاء للعضيّة بالقيام بوظائفها رغم الاختلاف في تركيبة البروتينات أو مستوى حِمضيّتها في هذه البيئة. 

النظام المسؤول عن إنتاج بروتينات وجزيئات دهنيّة خاصّة، وتوزيعها على باقي أجزاء الخليّة وكلّ الجسم هو نظام الغشاء الداخليّ في الخليّة. تمّ اكتشاف هذا النّظام في أواخرِ القرن التاسع عشر الميلاديّ على يدِ العالِم الإيطاليّ كاميلو غولجي (Golgi). أثناء دراسته للخلايا العصبيّة وصبغها باللون الأسود، لاحظ غولجي تركيبة تشبه الشبكة في داخل الخليّة. لكن، فقط بعد سنوات عديدة، عندما تطوّرت طرقُ المراقبة بشكلٍ ملحوظ، تبيّن أنّ هذه الشبكة من الأغشية تتكوّن من عضيّات منفصلة. في سنة 1906م، حَصَل غولجي على جائزة نوبل لاكتشافاتِه العلميّة. 

كما هو معروفٌ اليوم، تتكوّن هذه الشبكة من ثلاثة أنواع من العضيّات: جسيميّات غولجي، والشبكة الإندوبلازميّة (Endoplasmic Reticulum, ER) والليزوزومات. رغم كونها عضيّات منفصلة، إلّا أنّه توجد بينها شبكة غنيّة من طرق الاتّصال، وتشتركُ فيما بينها بالأغشية. سنركّز في هذا المقال على نوعَينِ من هذه الشبكات: الشبكة البلازميّة الداخليّة وجسيميّات غولجي. سوف نفهم وظيفتها، وتركيبها، وكيف تتواصل فيما بينها من أجل السماحِ للخليّةِ بأداءِ جميع وظائفها المختلفة.

גופיפי גולג'י, שנראים באילוסטרציה זו בסגול, הרשתית התוך-פלזמית בצהוב, והליזוזומים | Francis Leroy, Biocosmos, Science Photo Library
يتكوّن جهاز الغلاف الداخليّ من ثلاثة أنواع من العضيّات: جسيميّات غولجي، الّتي تظهر في هذا الرسم التوضيحيّ باللون البنفسجيّ، والشبكة الإندوبلازميّة باللون الأصفر والليزوزومات| Francis Leroy, Biocosmos, Science Photo Library 
 

الشبكة الإندوبلازميّة 

نجح عُلماء الأحياء ألبرت كلود (Claude), كيث بوتر (Porter) وأرنست فولام (Fullam) سنة 1945م برؤية الشبكة الإندوبلازميّة بدقّةٍ للمرّةِ الأولى. بمساعدة المجهر الإلكترونيّ، الّذي يتيح مشاهدة الهيكل الداخليّ للخليّة بشكل مفصّل أكثر من المجهر الضوئيّ العادي، وقد تمكّنوا من رؤية شبكةً تُشبه خيطان النعل، أطلق عليها بوتر اسم الشبكة الإندوبلازميّة (داخل البلازما). اكتُشِف لاحقًا أنّ هذه الشبكة تتواجد في كلّ خليّةٍ يوجد بها نواة (خليّة حقيقيّة النواة)، ولكنّها لا تَتواجد داخل الخلايا الخالية من النواة (بدائيّة النواة)، مثل البكتيريا.

تتكوّن الشبكة الإندوبلازميّة (ER) من شبكةِ أنابيبٍ مجوّفة، وجوانبها عبارة عن غشاء. تتكوّن هذه الشبكة من جزءَين- شبكة خشنة وَشبكة ملساء. تتميّز الشبكة الإندوبلازميّة الخشنة بوجود العديد من الريبوسومات على سطحِها الخارجيّ، ولذلك أُطلِق عليها اسم الشّبكة الخشنة. أمّا الريبوسومات، فهي تركيبات مكوّنة من البروتينات والأحماض النوويّة، وهي المسؤولة عن إنتاج البروتينات وفقًا للتعليمات المرسلةِ إليها من الحمض النوويّ (DNA) في نواة الخليّة. تُدعَى عمليّة تصنيع البروتينات "الترجمة".

צילום מיקרוסקופ אלקטרונים צבוע של הרשתית התוך-פלזמית, בירוק-צהוב, והריבוזומים שעליה באדום |   Dennis Kunkel Microscopy, Science Photo Library
يُطلق على الشبكة الإندوبلازميّة هذا الاسم بسبب ارتباط العديد من الريبوسومات على الجانب الخارجيّ لها. تصوير مجهر إلكترونيّ ملوّن للشبكة الإندوبلازميّة، باللون الأخضر-الأصفر، والريبوسومات المتواجدة عليها باللون الأحمر| Dennis Kunkel Microscopy, Science Photo Library

 

وهكذا، تتشكّل داخل الشبكة الإندوبلازميّة بروتينات، ولكن فقط بروتينات خاصّة، تلك الّتي من المفترض أن تتواجد في نهاية المطاف في غشاء الخليّة، داخل عضيّة أخرى أو الّتي ستُفرَز خارج الخليّة. تتواجد الريبوسومات الّتي تُنتِجها، على الشبكة الإندوبلازميّة، وبهذا الشكل تدخل هذه البروتينات إلى الفراغ الداخليّ الخاصّ بها في الوقت الّذي تتشكّل فيه. تحدُث أيضًا العمليّات المهمّة المتمثّلة في طيّ البروتينات للتركيبة ثلاثيّة الأبعاد، الضروريّة لوظيفتها في الفراغ الداخليّ في الشبكة الإندوبلازميّة، ويتمّ إجراء مراقبة الجودة لتحديد ما إذا كانت البروتينات ستستمرّ في العمليّة أم ستتفكّك. تقوم ريبوسومات أخرى غير ملتصقة بالشبكة الإندوبلازميّة بإنتاج البروتينات المخصّصة للعمل داخل الخليّة نفسها، وليس في غشائها أو عضيّتها.

لا تحتوي الشبكة الإندوبلازميّة الملساء على الريبوسومات، ولذلك تبدو ملساءَ المظهرِ من نظرة خارجيّة. وظيفتها الأساسيّة إنتاج الليبيدات- دهون وجزيئات أخرى قابلة للذوبان في الزيت- تُستخدم لإنتاج أغشية داخل وخارج الخليّة. وكذلك تتفكّك بها دهون وموادّ أخرى يمكن أَن تضرّ الجسم. 

من بين الموادّ المهمّة الّتي يتمّ إنتاجها داخل الشبكة الإندوبلازميّة الملساء هورمونات الستيرويد، ومن ضمنها هورمونات النّوع الّتي تُفرَز من الخليّة إلى الدّورة الدمويّة وتلعب دورًا مهمًّا في جسم الإنسان. تتكوّن هذه الهورمونات من جزيئات دهنيّة، لذلك فهي تتشكّل في الشبكة الإندوبلازميّة الملساء.

تُشتقّ عادةً العلاقة بين الأجزاء الملساء والخشنة في الشبكة الإندوبلازميّة من صفات كلّ خليّة. فعلى سبيلِ المثال، نجد في خلايا البنكرياس العديد من عضيّات الشبكة الإندوبلازميّة الخشنة، تتمثّل وظيفتها الرئيسة في إفراز البروتينات مثل الإنسولين للدورة الدمويّة والإنزيمات للجهاز الهضميّ. بينما في خلايا المبيض، الّتي تُفرِز العديد من هورمونات الستيرويد، تتواجد بصورةٍ أكثر شبكةٌ إندوبلازميّة ملساء. ينطبق نفس الأمر على خلايا الكبد، الّتي تُحلِّل الأدوية والموادّ السامّة عن طريق مجموعة من الإنزيمات الموجودة خصّيصًا في الشبكة الإندوبلازميّة الملساء.   

צילום מיקרוסקופ אלקטרונים חודר של גולג'י | Biophoto Associates, Science Photo Library
اكتشف غولجي سنة 1989م العضيّة الّتي سُمّيَت باسمه، ولكن فقط في سنة 1954م تمّ تأكيد رصد وجودها كعضيّة منفصلة عن طريق المجهر الإلكترونيّ. صورة لِمجهر غولجي الإلكترونيّ المخترق | Biophoto Associates, Science  
 

عضيّات غولجي

في سنة 1898م، رَصد غولجي، بمساعدة المجهر الضوئيّ وأصباغ متطوّرة، العضيّة المُسمّاة باسمه، لكنّ النقاش حول كونها عضيّة منفصلة استمرّ لسنواتٍ عديدة. وفقط في سنة 1954م أكّدت المشاهدات بواسطة المجهر الإلكترونيّ وجود هذه العضيّات المنفصلة. هذه العضيّة هي الوحيدة المُسمّاة في الخليّة باسم عالِمٍ.  

عند النظر إلى عضيّات غولجي تحت المجهر الإلكترونيّ، فإنّها تذكّرنا بالأرغفة المسطّحة، المتواجدة دائمًا بالقرب من الشبكة الإندوبلازميّة الخشنة. ولكن، لماذا تتواجد هذه العضيّات بالذات في هذا المكان؟ لأنّها هي المسؤولة عن الفرز والمعالجة النهائيّة للبروتينات المُنتَجة في الشبكةِ وإرسالها إلى وجهتها. 

سنتابع مسار البروتين الموجَّه لإحدى العضيّات الخلويّة من أجل توضيح الفكرة السابقة. يتشكّل البروتين داخل الشبكة الإندوبلازميّة ويُرسَل منها إلى جهاز غولجي. داخل هذا الجهاز، يخضع البروتين إلى سلسلةٍ من التغييرات، مثل إضافة سكّريّات ملتصقةٍ به. هذه الإضافات ضروريّة جدًّا من أجلِ التأكّدِ من وصول البروتينات إلى وجهتها الصحيحة فقط. في نهاية العمليّة، يصلُ البروتين إلى جزء غولجي الأبعد من الشبكة الإندوبلازميّة، ومن هناك سيتمّ إرساله خارجًا إلى العضيّة المُستهدَفة. تحدث نفس العمليّة عندما يتواجد هدف البروتين خارج الخليّة أو في غشائِها. تتعلّق كميّة عضيّات غولجي وحجمها أيضًا بخاصيّة عمل الخليّة. على سبيل المثال، خلايا جهاز المناعة B، تحوي الكثير من عضيّات غولجي؛ لأنّها تفرز الكثير من المُضادّات.

إذن، فالشبكة الإندوبلازميّة وجهاز غولجي هما مركبّان مهمَّان للغاية في منظومة العضيّات المركّبة والديناميكيّة داخل خلايا الكائنات الحيّة. ففيها تتمّ عمليّات الإنتاج، والمراقبة، والفرز، ونقل بروتينات ودهون خاصّة إلى وجهتها النهائيّة. كلّ هذا التميّز يجعلها مصنعًا لإنتاجِ مجموعةٍ متنوّعةٍ من المُنتَجاتِ وتوزيعها إلى وجهاتها في العالم: خطّ إنتاج الخلايا. 

 

0 تعليقات