هل نتقدّم في السنّ بشكل أسرع أم أبطأ عندما نعيش على قمّة جبل مرتفع؟ وما علاقة ذلك بأجهزة الملاحة الحديثة؟

ما هو سرّ العمر المديد؟ تُظهِر الدراسات أنَّ هناك سلوكيّات صحيّة قد تطيل حياتنا ببضع سنين. ولكن ماذا لو كنّا نبحث عن طريقة أبسط؟ هل يمكن لقوانين الفيزياء أن تطيل أعمارنا؟

استندت الفيزياء خلال مئات السنين، على مبدأ النسبيّة الجاليليّة، الّذي أسّسه جاليليو جاليلي، والّذي ينصّ على أنَّ السرعات تندمج سويّة. بمعنى، إذا ركضتُ بسرعة 5 كم/ ساعة داخل قطار يسير بسرعة 10 كم/ ساعة، فأنا أسير بسرعة 15 كم/ ساعة مقارنة بشخص يقف بلا حراك في المحطّة.

ومع ذلك، وفقًا للنظريّة النسبيّة الخاصّة الّتي نشرها ألبرت أينشتاين عام 1905، يتبيّن أنّه إذا وقفتُ على نفس القطار وقمتُ بتشغيل مصباح يدويّ، فسوف نحصل أنا والشخص الموجود خارج القطار على نفس القياس لسرعة الضوء بالضبط. أي إنّ جميع المراقبين، بغضّ النظر عن مكان تواجدهم ومدى سرعة تحرّكهم، سوف يقيسون الضوء الّذي يتحرّك بنفس السرعة في الفراغ. تمّ تأكيد هذا التمييز في عدد من التجارب الّتي أُجريت قبل نشر النظريّة وبالطبع بعد ذلك أيضًا. من أشهرها تجربة أجراها ألبرت ميكلسون (Michelson) وإدوارد مورلي (Morley) في نهاية القرن التاسع عشر، والّتي أظهرت ثبات سرعة الضوء سواء في حال  قياسها في اتّجاه مدار الأرض حول الشمس أو في حال كان عموديًّا؛ لذا فإنَّ مدى السرعة لا يعتمد على حركة المشاهد.

تفترض نظريّة النسبيّة الخاصّة أنَّ سرعة الضوء في الفراغ ثابتة لكلّ مراقب. وهذا يطرح السؤال عن ماهيّة قوانين الفيزياء الّتي يمكن أن تسبّب هذه الظاهرة، وماذا يُشتقّ منها أيضًا. عندما نطوّر الموضوع بشكل أكبر، نحصل على نتائج تبدو غريبة. إحداها أنّه إذا قمنا بقياس طول قطار يسير بسرعة بجوارنا، فسنكتشف أنّه أقصر بكثير من طوله في حال كان ثابتًا. وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فإنَّ الوقت يمرّ بشكل أبطأ.

بالإضافة إلى ذلك، تُظهر النظريّة أنّه لا شيء، ولا حتّى المعلومات، يمكن أن تسير بسرعة أكثر من ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية، والّتي هي سرعة الضوء في الفراغ. هذا ليس خداعًا بصريًّا أو خطأ في القياس، وإنّما ظاهرة حقيقيّة تسير بها منظومة بسرعة عالية، ويتشوّه الزمان والمكان فيها. تمّ قياس هذه الظاهرة بدقّة متناهية عدّة مرّات في الماضي.


تفترض النظريّة النسبيّة الخاصّة أنَّ سرعة الضوء في الفراغ ثابتة لكلّ مراقب | صورة توضيحيّة: RICHARD JONES / SCIENCE PHOTO LIBRARY

وسّع أينشتاين النظريّة في السنوات اللاحقة، إلى أن أكملها في عام 1915 ونشر نظريّة النسبيّة العامّة، والّتي تتنبّأ، من بين أمور أخرى، أنَّ المكان والزمان يتغيّران حتّى عندما نزيد من سرعتنا. بالإضافة إلى ذلك، تنصّ على أنَّ المادّة والطاقة تغيّران المكان والزمان، وتسبّب أيضًا تغيّرات في المسافات والأوقات الّتي يتمّ قياسها بالقرب منها. تتنبّأ النسبيّة العامّة في الواقع بأنَّ الوقت يمرّ بشكل أبطأ بالقرب من مصدر جاذبيّة قويّ- على سبيل المثال، بالقرب من كوكب كبير وثقيل. أعادت النسبيّة العامّة الّتي نشرها قبل مائة عام، تشكيل عالم الفيزياء. تمّ اختبارها وتأكيدها مرارًا وتكرارًا، وقد أثبتت الملاحظات من السنوات الأخيرة تنبّؤاتها في مجموعة متنوّعة من الموضوعات، مثل الثقوب السوداء، موجات الجاذبيّة وغيرها.

الحياة أسرع كلّما ارتفعنا

مسلّحين بالمعرفة حول تنبّؤات مبدأ النسبيّة، يمكن بدء العمل وفحص قدرة هذه المبادئ على إطالة أعمارنا. تخبرنا النسبيّة العامّة أنّه كلّما زادت قوة الجاذبيّة في البيئة، فإنّ الوقت يمرّ أبطأ. تضعف قوّة الجاذبيّة على الأرض كلّما ابتعدنا عن مركزها، لذلك إذا ارتفعنافإنَّ الوقت يمرّ بشكلٍ أسرع.

يمكنك استخدام معادلات النظريّة العامّة للنسبيّة لتقدير حجم التغيير: مقابل كلّ ثانية تمرّ فوق قمّة جبل إفرست، والّذي يصل ارتفاعه إلى حوالي تسعة كيلومترات فوق مستوى سطح البحر، تمرّ ثانية وبيكو ثانية أخرى، أي جزء من بيليون من الثانية عند مستوى سطح البحر- على سبيل المثال في تل أبيب. أي إنَّ معدل مرور الثواني عند مستوى سطح البحر يكون أبطأ- فهي تستمرّ لفترة أطول بقليل من تلك الّتي تكون بعيدة عن سطح الأرض.

طريقة أخرى لتبسيط الأمر هو عرضها على النحو التالي: تخيّل أنَّ لكلّ شخص ساعة تقيس بالضبط مقدار الوقت الّذي مضى منذ ولادته. يكتشف الشخص الّذي عاش 80 عامًا على قمّة إيفرست، أنَّ ساعة شخص آخر في مثل عمره عاش كلّ حياته في تل أبيب ينقصها 2.5 ميلي ثانية! بالمقابل، سيكتشف شخصٌ آخر، يعيش في أعماق المحيط، على بعد حوالي عشرة كيلومترات تحت مستوى سطح البحر، أنّه أصغر من توأمه البالغ من العمر ثمانين عامًا من تل أبيب بحوالي 3 ميلي ثانية.


مقابل كلّ ثانية تمرّ على قمّة جبل إيفرست، تمرّ ثانية أخرى وجزء من بيليون من الثانية عند مستوى سطح البحر. | رسم توضيحيّ: Vectorium Shutterstock

طريقة أخرى لإبطاء الوقت نسبةً للبيئة، هي التحرّك بسرعة عالية جدًّا. هل يعيش الطيّارون، الّذين يقضون ساعات طويلة من حياتهم في طيران سريع، أكثر من غيرهم؟ إذا أخذنا في الاعتبار متوسّط ​​سرعة الرحلة لطائرة ركّاب، ومتوسّط ​​ساعات الطيران المتراكمة الّتي قضاها طيّار ماهر طوال حياته، سنجد أنَّ ساعته أقلّ  ب 15 جزءًا من المليار من الثانية من ساعات الأشخاص الثابتين على الأرض.

ماذا عن روّاد الفضاء؟ أمضى رائد الفضاء الروسيّ فاليري بولياكوف، الّذي يحمل الرقم القياسيّ لأطول فترة مكوث في الفضاء، 437 يومًا متتاليًا في محطّة مير الفضائيّة، الّتي دارت حول الأرض على ارتفاع 360 كم فوق مستوى سطح البحر وبسرعة تقارب 28 ألف كيلومتر في الساعة. إذا قمنا بالحساب، فسنجد أنّه في ساعته، انقضت حوالي 12 في المائة من الثانية أقلّ من ساعات سكّان الأرض.

نُعيد حساباتنا من جديد

لذلك، في حين أنّه من الممكن استخدام مبادئ الفيزياء والنسبيّة العامّة والخاصّة للعيش حياة أطول، إلّا أنَّ الفائدة القليلة لا تبرّر هذا الجهد حقًّا. ومع ذلك اتّضح أنَّ هناك مجالات في حياتنا يمكن أن تكون حتّى هذه الانحرافات الصغيرة مؤثّرة.

وأشهر مثال على ذلك هو أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعيّة (GPS). تعتمد هذه الأنظمة على الأقمار الصناعيّة الموجودة في مدار حول الأرض والّتي ترسل رسائل توضّح بالتفصيل وقت إرسالها. يمكننا من خلال حساب الوقت المنقضي من لحظة إرسال الرسالة حتّى وصولها إلينا، تحديد موقعنا بالضبط على الأرض. ولكن نظرًا لأنَّ الأقمار الصناعيّة تتحرّك عاليًا فوقنا وبسرعة عالية، يجب أن تأخذ أنظمة GPS في الاعتبار حقيقة أنَّ ساعة القمر الصناعيّ تقيس الوقت بمعدّل مختلف عن الساعات الموجودة على الأرض. وإلّا فإنَّ تحديد الموقع سيكون أقلّ دقّة بكثير، كما أنَّ نفس المبدأ يُمكنه إنتاج مقاييس ارتفاع دقيقة للغاية تعتمد على الساعات الذريّة. وبالتالي، فإنَّ التغييرات الطفيفة في معدّل تشغيل الساعة تكشف حتّى عن تغيّرات طفيفة في المناطق المرتفعة.

 

0 تعليقات