حلّ ألبرت أينشتاين، خلال عشر سنوات من بداية القرن العشرين الميلاديّ، سؤالًا أهمّه منذ صِغره، ومن خلاله غيّر الانطباع السّائد عن الكونِ، وقدّمَ للعالمِ نظريّة النّسبيّة الخاصّة والعامّة

إذا طاردنا سيّارة بنفس السّرعة التي تسير بها، سنراها دائمًا على ذاتِ بُعدِ المسافة منّا. لكن ماذا سنرى لو طاردنا شعاع ضوءٍ بسرعة الضّوء؟ طَرح ألبرت أينشتاين هذا السّؤال على نفسه عندما بلغ من العمر 16 سنة، ونتج عن هذا السؤال البريء فيما بعد، تطوير نظريّة النّسبيّة التي أحدثت ثورةً في عالم الفيزياء.

אלברט איינשטיין | Shutterstock, vkilikov
ماذا يمكن أن نرى إذا طاردنا شعاع ضوء بسرعة الضّوء؟ ألبرت أينشتاين | Shutterstock, vkilikov

 

مبدأ النّسبيّة

سطّر جاليليو جاليلي مبدأ النّسبيّة في سنة 1632م، الذي نصّ على أنّ قوانين الطبيعة متشابهة في جميع الأُطر، التي تكون في حالة ساكنة أو في سرعة ثابتة بدون تسارع. وعلّل جاليليو ذلك في تجربته الفكريّة قائلًا: "إنّنا لو أغلقنا على أنفسنا داخل مقصورة في سفينة تتحرّك في سرعة ثابتة ولا تتأرجح، فلن نتمكّن من تحديد- بواسطة تجربة مثل رمي كرة- ما إذا كانت السّفينة غير متحرّكة، أو أنها تبحر في سرعة ثابتة". يعود هذا القرار إلى قوانين الطبيعة التي كانت سائدة في عصره، وتَماشت بشكل جيّد مع قوانين الميكانيكا الكلاسيكيّة.

ظهرت المشكلة عندما تبيّن أنّ الضوء له سرعة ثابتة في الفراغ. وازدادت اشكاليّتها في أوائل الستّينيات من القرن التّاسع عشر الميلاديّ، عندما نشر الفيزيائيّ جيمس كلارك ماكسويل (Maxwell) المعادلات الّتي سمّيت باسمه. تصف معادلات ماكسويل الطّريقة التّي تتحرّك بها المجالات الكهربائيّة والمغناطيسيّة، وتوحّدها في كيان واحد: المجال الكهرومغناطيسيّ. تُبيّن لنا المعادلات أنّ الموجات التي أُنشِئت في المجال الكهرومغناطيسيّ تتحرّك بسرعةٍ ثابتة في الفراغ، تمّ تحديدها من قِبَل الصّفات الكهربائيّة والمغناطيسيّة للمادّة، دون أيّ علاقة للإطار المرجعيّ الّذي يتمّ قياسها فيه، أي بغضّ النّظر عن السّرعة التي يتحرّك بها المقياس نسبةً للضوء. وجدت التّجارب، التي سعت إلى تقدير سرعة الموجات الكهرومغناطيسيّة عن طريق قياس هذه الخصائص، أنّها كانت مساوية لسرعة الضوء. لذلك، فالضّوء موجةٌ كهرومغناطيسيّة تتحرّك في الفراغ بسرعةٍ ثابتة وبقيمةٍ معيّنة، بدون علاقة بإطارها المرجعيّ. 

تجلّى التّناقض الحاصل بين مبدأ السرعة النّسبيّة للضّوء لدى ألبرت أينشتاين في شبابه في تجربته الذهنيّة. لنفترض أنّنا متواجدون في عربة قطار تتحرّك بسرعةٍ ثابتة في اتّجاه معيّن، وننظر إلى شعاع ضوئيّ يتحرّك خارج القطار في نفس اتجاههِ. بأيّ سرعةٍ سنرى شعاعَ الضّوء يتحرّك نسبةً للقطار؟ على ما يبدو، ووفقًا لِلفيزياء الكلاسيكيّة، فإنّ سرعة الضّوء نسبةً لِسرعة القطار ستكون مساوية لسرعة الضّوء في الفراغ مطروحًا منها سرعة القطار، أي أصغر من سرعة الضّوء في الفراغ. وهنا تكمن الإشكاليّة، لأنّه وفقًا لمبدأ النّسبيّة، يجب أن تتوفّر قوانين الطبيعة بشكلٍ متشابه في جميع الأطر المرجعيّة، وسرعة الضوء في الفراغ تُعتبر واحدةً من قوانين الطبيعة. أي أنّ مبدأ جاليليو للنظريّة النّسبيّة وقانون انتشار الضوء لا يمكن أن يكونا صحيحيْن في نفس الوقت. وقد نشأت نظريّة النسبيّة الخاصّة من هذا التناقض المذكور. 

משוואות מקסוול | Science Photo Library
لم تتوافق المعادلات التي صاغها جيمس كلارك ماكسويل مع مبدأ جاليليو للنظريّة النّسبيّة. معادلة ماكسويل| Science Photo Library
 

الأثير المراوِغ

واجه الفيزياء في أواخر القرن التاسع عشر لغزٌ علميّ. فقد ظنّ الفيزيائيّون في ذلك الوقت أنّ على الضّوء أن يتحرّك عبر وسيطٍ ما لكي يتقدّم إلى الأمام؛ فكما أنّ أمواج الماء تتحرّك في البِركة أو الأمواج الصوتيّة تتحرّك في الهواء، فإنّ الضّوء أيضًا يحتاجُ إلى وسيطٍ ما ليتمكّن من التحرّك بداخله. أُطلق على هذا الوسيط المُتخيّل، الذي يملأ على ما يبدو كلّ الفضاء في الكون، اسم "الأثير المضيء" (Luminiferous Aether)، أو باختصار- الأثير. وبما أنّ الأثير يملأ الكون بأكمله، والأرض تتحرّك أيضًا داخل هذا الأثير، فلذلك هناك سرعة نسبيّة بينهما. طريقة أخرى للتعبير عن ذلك هي أنّ الأثير يتحرّك نسبيًا مع الأرض، فينتج عن ذلك ما يشبه الرّيح. يمكن حساب سرعة الأثير واتّجاهه، نظرًا لكون حركة الأرض حول الشمس معروفة. 

أقام الفيزيائيّان ألبرت ميكلسون (Michelson) وَإدوارد مورلي (Morley) في سنة 1887م تجربةً علميّة لاكتشاف تأثير رياح الأثير. فقد استخدما جهازًا يدعى مقياس التداخل (Interferometry)، يعتمد على مبدأ قياس الهيئة التي تظهر عند التقاء موجتين، وتدعى هذه الظاهرة تداخل الموجات. تعتمد النتيجة على نقطة في دورة الموجة (المرحلة) التي تتواجد بها كلّ من الموجتين في وقت اللقاء. إذا كانت كلتا الموجتين في حالة الذّروة بالضبط، فسنحصل على موجةٍ أقوى تساوي قوّتُها مجموعَ قوى كلتا الموجتين. تسمّى هذه الظاهرة "التداخل البنّاء"، لأنّ الموجة المشتركة عبارة عن برج مكوّن من تركيبة موجتيْن منفصلتيْن. لكن، إذا كانت إحدى الموجات في ذروتها بينما الموجة الثانية في الحضيض، فإنّ إحداهما تلغي الأخرى ونحصل على تداخل موجات هدّام. 

طوّر ميكلسون نوعًا خاصًّا من جهاز مقياس التّداخل (إنتربرومتر) لتلك التجربة العلميّة، سُمّي باسمه. في داخل هذا الجهاز، يمر شعاعٌ خارجٌ من مصدر ضوء يتمّ فصله إلى شعاعين متشابهين متعامدين، عن طريق أداة فصل خاصّة. في نهاية مسار كلّ شعاع توجد مرآة مستوية، تقوم بإعادة كلّ شعاع باتّجاه الأداة التي فصلت الشعاع. عندما يلتقي الشعاعان المنعكسان، يحصل تداخلٌ بينهما، وبالتالي يمكن قياس الفارق الزّمنيّ بينهما. طول أذرع جهاز مقياس التّداخل متشابه، لذلك لا فرقَ في طول المسار الذي يسلكه الشعاعان. 

وضع ميكلسون ومورلي جهاز قياس التداخل بحيث يكون أحد أذرعه موازيًا لاتجاه حركة الكرة الأرضيّة، أي باتّجاه رياح الأثير المفترضة، والثاني متعامدًا معها. إذا كان الأثير موجودًا، فسيقوم كلّ شعاعٍ بإنهاء المسار في وقت مختلف، على الرّغم من أنّ طول المسارات متشابه. 

المثير للدهشة أنّه لم يُسجّل أي فرق في أوقات وصول الشعاعين. في البداية، قدّم عالِم الرّياضيّات والفيزياء جورج فيتزجيرالد (Fitzgerald) تفسيرًا لفكّ هذا اللغز، ثمّ تبعه عالِم الفيزياء هندريك لورنتس (Lorentz) وقدّم نفس هذا التفسير. وفقًا للتفسير الذي بيّناه، فإنّ الكرة الأرضيّة وبداخلها جهاز مقياس التداخل تقلّصت قليلًا في اتّجاه الحركة، إلى حدّ ما مرتبطٍ بسرعة حركة الكرة الأرضيّة. طوّر لورنتس الفكرة، ونشر في سنة 1904م الحلّ الكامل الذي أطلق عليه اسم "تحويلات لورينتز"، التي تتضمّن مجموعةً من المعادلات الّتي تنتقل من إطار مرجعيّ إلى آخر، وتأخذ بعين الاعتبار طول الانكماش في اتّجاه الحركة.

وفقًا لنظريّة الأثير، هناك إطار مرجعيّ فريد -وهو الإطار الّذي يكون فيه الأثير في حالة سكون- حيث تتصرّف قوانين الطّبيعة في شكلها "المقبول"، بينما في الأطر التي تتحرّك بشكل نسبيّ لها، فإنّ قوانين الطبيعة تتصرّف بشكل مختلفٍ وتتقلّص الأجسام باتّجاه الحركة. لكن هناك تفسيرٌ أكثر بساطةً لاكتشاف ماكسويل ومورلي، وتبيّن أنّه صحيح، وهو أنّ الأثير غير موجود! إذا لم يكن هناك أثير، فليس هناك سبب لتوقّع أي فارق زمنيّ بين الشعاعين في جهاز مقياس التّداخل. 

אינטרפרומטר מייקלסון | תרשים: Sergey Merkulov, Shutterstock
أين اختفت ريح الأثير؟ جهاز مقياس التّداخل ماكسويل | رسم تخطيطيّ: Sergey Merkulov, Shutterstock 

 

نظريّة النسبيّة الخاصّة

في محاولةٍ لتطوير نظريّة يتعايش فيها معًا مبدأ النّسبيّة وقانون انتشار الضّوء دون تناقض، قرّر أينشتاين البدء من البداية، وهي الطّريقة التي نقيس بها الوقت والمسافة.

لنتخيّل أن قطارًا يسير بسرعةٍ ثابتة نسبةً للرصيف. نحدّد نقطتين على الرّصيف، نقطة "أ" ونقطة "ب". في لحظة معيّنة، يرى المشاهدُ الذي يقف على الرصيف بالضّبط في وسط الطريق بين النقطة "أ" والنقطة "ب" برقيْن أصابا الرصيف في نفس الوقت- أحدهما في النقطة "أ" والثاني في النقطة "ب". نظرًا لِكون المشاهد متواجدًا على بُعد متساوٍ من أماكن إصابة البرقيْن، فإنّ الضوء منهما سيصل إليه في نفس الوقت تمامًا. 

هل سيرى الرّاكب الجالس في القطار البرق متزامنًا في نفس الوقت؟ نفترض أنّه في وقت الإصابة (نسبةً للرّصيف) كان الرّاكب أيضًا في منتصف الطريق بين النقطة "أ" والنّقطة "ب". لكن بما أنّ الرّاكب يتحرّك بسرعة نحو النّقطة "ب"، سيصل إليه شعاع الضوء من البرق الذي أصاب النّقطة "ب"، قبل ضوء البرق الذي أصاب النّقطة "أ". أي أنّ "التّزامن" مصطلح نسبيّ. حدثان حدثا في نفس الوقت في إطار مرجعيّ واحد: نسبةً للشخص الواقف على الرّصيف، وحدثا في أوقات مختلفةٍ في إطار مرجعيّ مختلف: نسبةً للجالس في القطار. 


مشهد شخص واقف على الرّصيف، بينما الآخر يجلس في القطار الذي يتحرّك بسرعة v.
 

هذا يعني أيضًا أنّ الزمن الذي يستغرقه القطار للانتقال من النّقطة "أ" إلى النّقطة "ب"، سيكون مختلفًا من منظور المشاهد الموجود على الرّصيف ومن منظور المشاهد الموجود في القطار. يمكن قياس المسافة بين النّقطتين عن طريق ضرب سرعة الحركة بالزّمن المطلوب للانتقال من نقطةٍ إلى أخرى. نظرًا لكون سرعة الضّوء هي نفسها دائمًا والوقت مختلف، فإنّ المسافة التي يقطعها القطار في مقياس الوحدة الزّمنيّة سيكون مختلفًا أيضًا.

هذا يعني أنّ مصدر التّناقض بين مبدأ النسبيّة عند جاليليو وقانون انتشار الضّوء يكمن في افتراضيّات الفيزياء الكلاسيكيّة، التي بموجبها تكون الفترةُ الزّمنيّة التي تفصل بين حدثين، والمسافةُ بين نقطتين، ثابتةً غير مرتبطةٍ بحركة الإطار المرجعيّ. إذا أُلغيَت هذه الفرضيّات، يمكن الحصول على منظومة جديدة من المعادلات، تُترجم بين قياسات الموقع والزمن للمشاهد على الرّصيف وقياسات المسافر في القطار، بحيث تبقى سرعة الضوء في الفراغ متشابهة عند كليهما.

تَبيّنَ أنّ هذه المنظومة من المعادلات شبيهة بتحويلات لورينتز. الفارق بينهما هو في المعنى: ففي الوقت الذي افترض فيه لورينتز أنّ الذي ينكمش هو المادّة بتأثير الحركة عبر الأثير، فإنّ أينشتاين أظهر أنّ الّذي يتقلّص هو الحيّز ذاته.

 

E=mc2

إحدى أهم استنتاجات نظريّة النّسبيّة الخاصّة أنّ الكتلة -كميّة المادّة- مساوية للطّاقة. كلّ جسم متحرّك لديه طاقة حركيّة تعتمد على سرعة الجسم وكتلته. وفقًا للنّسبيّة الخّاصّة، فإنّ الجسم الذي لا يتحرّك حتّى في الإطار المرجعيّ، له طاقة مرتبطة بكتلته فقط. أي أنّها هي طاقة الجسم في النّظام الذي يكون فيه في حالة سكون، وهي تساوي كتلته مضروبة بمربّع سرعة الضوء. وهذه هي المعادلة المشهور E=mc2، نَظَرًا لكون سرعة الضّوء ثابتة، فإنّ المعادلة تنصّ عمليًّا على أنّ الطاقة والكتلة هما وجهان لعملة واحدة.

للتذكير، فإنّ مبدأ النسبيّة يملي على قوانين الطبيعة أن تكون متماثلة في جميع الإطارات المرجعيّة المتواجدة في حالة سكون أو متحرّكة بسرعة ثابتة. تشمل قوانين الطبيعة لِلفيزياء الكلاسيكيّة قانون حفظ الكتلة وحفظ الطّاقة. ينصّ هذان القانونان على أنّ الكتلة والطّاقة الكليّة لأيّ إطار مغلق لا يمكن أن تتغيّر إذا لم تستقطب مادّة أو طاقة من الخارج، أو لم تنبعث منها لأيّ أنظمة أخرى. لا يمكن للمادّة أن تظهر أو تختفي من العدم. وحّدت نظرية النّسبيّة هذين القانونين في قانون حفظ واحد: قانون حفظ الكتلة والطّاقة. وهكذا مهّد أينشتاين، ومن ضمن أشياء أخرى، الطريقَ إلى القنبلة النّوويّة، التي تأخذ المادّة وتحوّلها إلى كميّة كبيرة من الطّاقة. 

המשוואה E=mc2 על רקע תמונתו של איינשטיין | Mehau Kulyk, Science Photo Library
نظرًا لكون سرعة الضّوء ثابتة، فإنّ معادلة أينشتاين الشّهيرة تنصّ على أنّ الطّاقة والكتلة هما وجهان لعملة واحدة. معادلة E=mc2 على خلفيّة صورة أينشتاين | Mehau Kulyk, Science Photo Library

 

مبدأ التّكافؤ

تعامل مبدأ النّسبيّة مع الحالات الخاصّة للحركة بسرعة ثابتة وبدون تسارع. ومن هُنا حظيت باسم نسبيّة خاصّة. لكن ماذا يحدث في الحالات العامّة، التي بموجبها يتسارع الجسم نسبة لإطار مرجعيّ؟ 

تُعلّمنا قوانين الميكانيكا الكلاسيكيّة أنّ للأجسام صفة ميكانيكيّة تدعى الكتلة السّاكنة، تُحدّد مدى مقاومة الجّسم للتغيير الحاصل في سرعته. كلّما زادت كتلة الجسم الساكنة، زادت القوّة التي يجب أن نبذلها لزيادة سرعة الجسم أو إبطائها.

بالإضافة إلى ذلك، تنصّ الميكانيكا الكلاسيكيّة على أنّ لكل جسم كتلة جاذبيّة، وَهي خاصيّة أخرى تحدّد درجة التّجاذب بين جسمين. كلّما زادت كتلة جاذبيّة الجسم، زادت قوّة انجذابه إلى أجسام أخرى ذات كتلة جاذبيّة. نشعر بجاذبيّة الأرض كقوّة الجذب التي تسحبنا إلى اليابسة. 

لقد أثبت جاليليو جاليلي في تجربةٍ أجراها في برج بيزا المائل، أنّه بالإضافة إلى التأثير البطيء لِلاحتكاك مع الهواء، فإنّ الأجسام ستسقط على الأرض بنفس التسارع والزمن، بغضّ النّظر عن كتلة جاذبيّتها، بسبب تأثير قوّة انجذابها إلى الأرض. كرّر روّاد المركبة الفضائيّة أبولو 15 نفس التجربة السابقة على سطح القمر بدون تأثير الهواء، باستخدام ريشةٍ ومطرقة. قوّة الجذب التي ستؤثّر في المطرقة التي لها كتله جاذبيّة أكبر من الريشة ستكون أكبر، لكن مقاومتها للتغيير في السرعة ستكون أيضًا أكبر. نتيجةً لذلك، سيصل كلاهما إلى السّطح في نفس الوقت بالضّبط. لذلك يمكننا الاستنتاج أنّ كتلة الجسم الساكنة وكتلة الجاذبيّة متساويتان ومتطابقتان.

سيصل الجسمان إلى السطح معًا بدون احتكاك الهواء. تجربة المطرقة والريشة أبولو 15: 

ماذا يعني كلّ هذا؟ لنتخيّل شخصًا يقف داخل مصعد يحلّق في الفضاء، بعيدًا عن أي كوكب أو كتلة أخرى، فهو لا يشعر بأيّ قوّة جاذبيّة، وحذاؤه مثبّت على أرضيّة المصعد حتّى لا يطير. لنتخيّل الآن أنّ كابلًا يقوم بسحب المصعد من السّقف بتسارع ثابت. سيشعر الشخص المتواجد في المصعد أنّه يتمّ سحبه إلى الأرض، وستضطّر عضلات رجليهِ إلى مقاومة هذا الشدّ، كي لا ينهار على أرضيّة المصعد. إذا أخرج شيئًا من جيبه وتركه في فضاء المصعد، سيرى أن الجسم يتسارع تجاه السطح- أي أنّه سيسقط نحوه. وإذا أخرج جسمًا آخر بكتلة مختلفة، فسوف يسقط هذا الجسم أيضًا على أرضيّة المصعد بنفس مقدار التّسارع. ليست لهذا الشّخص قدرة على معرفة ما إذا ما كان المصعد في تسارع، أو إذا كان تحت تأثير الجاذبيّة. وهذا هو مبدأ التكافؤ: في عملية قياس محليّة (التي يتمّ إجراؤها في منطقة صغيرة نسبةً للجسم الذي ينتج الجاذبيّة)، لا يمكن التّمييز بين التّسارع والجاذبيّة. 

 

فضاءٌ مُنحَنٍ

عندما صاغ أينشتاين النّظريّة النّسبيّة الخاصّة بدأ بالأساس، وبنفس الطّريقة التي نقيس بها المسافة والزمن. لكنّنا نواجه المشكلة عندما نريد تعميم الطّريقة على أطر مرجعيّة متسارعة.

لنتخيّل دوّامة خيل (كاروسيل)، موجودة في ساحةٍ، تدور بسرعة زاوية ثابتة. الشّخص الذي يجلس في وسط الكاروسيل سيكون ثابتًا بالنّسبة للساحة لأنّ وسط الكاروسيل جسم غير متحرّك، بينما سيتحرّك الجالس على الكرسيّ في طرف الكاروسيل في حركةٍ دائريّة. كما رأينا سابقًا، يتقدّم الزمن في وتيرةٍ مختلفة عند التحرّك بسرعة أو عند الوقوف دون حراك. لذلك، سيتقدّم الزمن بوتيرة مختلفة وفي أماكن مختلفة على دوّامة الخيل (كاروسيل).

سنفترض الآن أنّ نفس الشخص يريد قياس محيط الكاروسيل باستخدام عصا قياس قصيرة. إذا قام بحساب عدد المرّات التي دخلت فيها هذه العصا في محيط الكاروسيل أثناء دورانها، فعندها سيكون المحيط أقصر ممّا كان عليه لو قاسه في حالة السّكون بسبب تقلّص الطول. بينما، إذا قام بقياس قُطر الكاروسيل التي تدور فسيحصل على نفس القيمة لو قيست في حالة السّكون، لأنّ القطر متعامد مع اتّجاه الحركة الدائريّة. 

النّسبة بين محيط الدّائرة وقطرها، كما هو معلومٌ منذ عصور الإغريق، عددٌ ثابت يدعى "باي"- "ط"، تزيد قيمته قليلًا عن 3.14. لكن نظرًا لكون المحيط الذي قاسه الشخص الذي يدور في الكاروسيل أصغر، فإنّ النّسبة بين المحيط والقطر ستكون مختلفة عن باي "ط". أي أنّ القواعد المعروفة في الهندسة الإقليديّة، التي درسها معظمنا في المدرسة الابتدائيّة، لا تنطبق على أطر متسارعة. وكما يعلّمنا مبدأ التكافؤ فإنّها غير سارية المفعول أيضًا بوجود الجاذبيّة. علينا أن نتقدّم خطوة أخرى وندرك أنّ الحيّز يمكن أن يكون منحنيًا، وذلك من أجل وصف الكون بشكلٍ أكثر دقّة.

איור שמתאר את תורת היחסות הכללית | Richard Jones, Science Photo Library
لِوَصف دقّة الكون، يجب علينا أن نفهم أن الحيّز يمكن أن ينحني. رسم توضيحي يصف النّظريّة النسبيّة العامّة | Richard Jones, Science Photo Library

 

نظريّة النسبيّة العامّة

لتوضيح النّظريّة النسبيّة العامّة، سنتخيّل أنّ بحوزتنا لوحة مطّاطيّة كبيرة وممتدّة. سنرسم عليها شبكة من خطوط الطّول والعرض المتوازية الشّبيهة بخطوط الطول والعرض على الخارطة. يتمّ تحديد كلّ نقطة على اللّوحة عن طريق مجموعة خاصّة من خطوط الطّول والعرض.

سنضع الآن كرة ثقيلة في وسط اللّوحة. ستقوم الكرة بشدّ اللّوحة للأسفل، وتشوّه شكلها في المناطق المجاورة لها. نتيجةً لذلك، لن تبقى الشّبكة التي رسمناها على اللّوحة من خطوطٍ مستقيمة إنّما ملتوية، لكنّنا سنبقى قادرين على تحديد كلّ نقطة على اللّوحة باستخدام مزيج خاصّ من خطوط الطّول والعرض. 

بشكل مشابه، ولوصف الحيّز -الذي يتضمّن الأبعاد المكانيّة الثلاثة وبُعد الزمن كبُعد إضافيّ- من الممكن تحديد شبكة من المنحنيات بأربعة أبعاد، بحيث يتمّ تحديد كلّ نقطة في الفضاء بأربعة أعداد. لم نعد بحاجة الآن لإطار مرجعيّ- فالحيّز هو إطارنا المرجعيّ. يمكننا تحديد أي حدث وموقع في الزمكان (الزمان المكانيّ) بواسطة الإحداثيّات الأربعة.

وفقًا للنّسبيّة العامّة، فإنّ وجود المادّة يؤدي إلى انحناء حيّز الزمكان، مثلما يحدث في اللوحة ثنائيّة الأبعاد عند وضع الكرة عليها. هكذا يمكن تفسير قوّة جاذبيّة الشّمس، على سبيل المثال: تدور الأرض حول الشّمس لأنّها محاصرة في التّجويف الذي تصنعه في الفضاء من حولها. وبشكل مشابه فإنّنا ننجذب إلى الكرة الأرضيّة لأنّ كتلتها تؤدّي إلى انحناء الفضاء حولنا، وعلينا أن نبذل جهدًا للابتعاد عنه. 

מרחב החלל-זמן מתעקם בקרבת השמש וכדור הארץ, כמו יריעת גומי שהניחו עליה כדור כבד | איור: vchal, Shutterstock
حيّز الزمكان ينحني عند الاقتراب من الشمس والكرة الأرضيّة، مثل الّلوحة المطّاطيّة عندما وضعوا عليها كرة ثقيلة | رسم توضيحي: vchal, Shutterstock
 

غريب لكنّه دقيق

نجحت نظريّة النّسبيّة العامّة حين نُشرت في سنة 1915م، في تفسير الانحرافات المعروفة في مدار كوكب عطارد حول الشّمس، مقارنةً بالمدار الذي تنبّأت به الفيزياء الكلاسيكيّة. كما قام أينشتاين بحساب مسار حركة أشعّة الضّوء تحت تأثير الجاذبيّة، وتوقّع رؤية الكواكب المتواجدة خلف الشّمس (لذلك هي مخفيّة بسببها)، لأنّ جاذبيّتها تؤدّي إلى انحناء الضّوء القادم منها. تسمّى هذه الظّاهرة عدسة الجاذبيّة، لأنّ هذا الانحناء مشابه للطريقة التي بها تركّز العدسة البصريّة الضوء.

لا يتيح ضوءُ الشّمس الشّديد رؤيةَ النّجوم القريبة منها في السّماء، لكنّ أينشتاين قدّر أنّه من الممكن رؤيتها من خلال العدسة البصريّة أثناء الكسوف الكلّيّ للشّمس. وكان ذلك خلال الكسوف الكلّيّ للشمس الذي حدث في 29 أيّار سنة 1919م، حيث كشف فريقٌ بقيادة عالم الفيزياء الفلكيّة آرثر أدينجتون (Eddington) أنّ موقع النّجوم الظاهر بالقرب من الشّمس، كان بالفعل مختلفًا عن موقعها الطبيعيّ في السّماء، وأنّ درجة الانحراف توافقت تمامًا مع ما تنبّأ به أينشتاين. وصل هذا التأكيد لنظريّة أينشتاين إلى عناوين الصّحف الرئيسة في ذلك الوقت، وأصبح اسم أينشتاين معروفًا في جميع أنحاء العالم. 

הדמיה של גלי כבידה | איור: Mark Garlick, Science Photo Gallery
تمّ تأكيد تنبّؤ أينشتاين بعد مرور قرنٍ من الزمن، عندما تمّ تطوير كاشفات حسّاسة جدّا. تصوير موجات الثقاليّة| رسم توضيحي: Mark Garlick, Science Photo Gallery 
 

منذ ذلك الحين، صمدت نظريّة النسبيّة العامّة في العديد من الاختبارات، وتمّ تأكيدها مرّة تلو المرّة. كان أهمّ اكتشافٍ مرتبطٍ بها في السّنوات الأخيرة الموجاتُ الثّقاليّة التي تنبعث عند اندماج نجمين كبيرين. وفقًا للنّسبيّة العامّة، عندما يدور نجمان حول بعضهما قبل اندماجهما، فإنّهما يُنتجان أمواجًا تنتشر عبر الزمكان. في سنة 1915م، بعد مرور قرن من الزّمن على تنبّؤ أينشتاين بوجودها، نجح فريق بحث كبير لأوّل مرّة من اكتشاف الموجات الثّقاليّة التي انبعثت من ثقبين أسودين مدمجين. هذا الاكتشاف، الذي منح مطوّري أجهزة الكشف جائزة نوبل في الفيزياء، فتحَ نافذةً جديدة يمكننا من خلالها مراقبة الكون. لذلك، فنحن الآن غير مقيّدين فقط بالإشعاع الكهرومغناطيسيّ الذي يصل إلينا من الفضاء فقط، لكن يمكننا قياس تأثير الكواكب في الفضاء. 

 

يستند المقال إلى حدّ كبير على كتاب ألبرت أينشتاين من سنة 1916م: "نّظريّة النسبيّة الخاصّة والعامّة"

 

0 تعليقات