الكثير من أدوات المطبخ (الأواني) مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصّدأ أو من الألومنيوم. متى يُفضّل أن تكون الطّنجرة من أحدهما والمقلاة من الآخر؟
بفضل خصائص الألومنيوم والنّيروستا، أصبح كلاهما من الموادّ الخام الضّروريّة الّتي تدخل في تركيبة أدوات المطبخ (الأواني)، مثل الطّناجر، المقالي والقوالب الخبزيّة. لكن، ما هي الفوارق بين الألومنيوم والنّيروستا؟ وما المصداقيّة في تفضيل أداة مطبخ مصنوعة من أحدهما على الأخرى؟
المقاوَمة للصّدأ
الفرق الجوهريّ بين الألومنيوم والنّيروستا كامن في تعريف المادّة. كلاهما من الفلزّات، الألومنيوم عنصر، بينما النّيروستا - المسمّاة أيضًا فولاذًا مقاومًا للصّدأ - عبارة عن سبيكة (خليط، أُشابة) مكوّنة من عدّة فلزّات: يشكّل الحديد المكوّن الرّئيسيّ فيها، ومعه الكروم، الكربون والنّيكل. منحت شركة الفولاذ الألمانيّة تيسنكروب (شركة رُبط اسمها بقضيّة - فضيحة الغوّاصات) الاسم التّجاريّ "نيروستا" لهذه المادّة. يحتوي الفولاذ المقاوم للصّدأ الّذي تُصنع منه أدوات المطبخ على 18 % كروم، و 8-10 % نيكل. نشير إلى كمّيّة الكروم والنّيكل في أداة معيّنة بـِ: 18/8، وتعني أنّ الأداة تحوي 18 % كروم و 10 % نيكل، و 18/8 تعني أنّ الأداة تحوي 8 % نيكل.
عنصر الكروم هو الّذي يُكسِب النّيروستا صفة مقاومة الصّدأ، فهو يتفاعل مع الأوكسجين الموجود في الهواء والماء، فتتكوّن طبقة دقيقة غير مرئيّة من الكروم المؤكسَد. في الواقع هذه طبقة دقيقة من الصّدأ، لكنّها ثابتة جدًّا، وتمنع صدأَ باقي أجزاء الإناء (الأداة).
توجد آليّة مشابهة في الإناء المصنوع من الألومنيوم: تتكوّن طبقة دقيقة من أكسيد الألومنيوم على السّطح الخارجيّ للإناء، فتمنع صدأ بقيّة أجزائه. إذًا، تتشابه صفة مقاومة الصّدأ في الألومنيوم والنّيروستا.
الحرارة والتّسخين
تتوجد للألومنيوم أفضليّات على النّيروستا. الأولى، توصيله الحراريّ أفضل بـِ 12 ضعفًا من النّيروستا. جدير بالذّكر أنّ التّوصيل الحراريّ للنّحاس أكثر بـِ 20 ضعفًا من النّيروستا. يعني ذلك أنّ تسخين ماء في طنجرة نيروستا يحتاج إلى طاقة أكبر وإشعال الغاز لمدّة أطول من تسخين كمّيّة الماء نفسها في طنجرة ألومنيوم. لهذا السّبب نجد الكثير من أرضيّات (قعور) الطّناجر والمقالي مصنوعة من الألومنيوم أو النّحاس.
توجد للألومنيوم أفضليّة أخرى على النّيروستا، وهي وزنه النّوعيّ الّذي يساوي، تقريبًا، ربع الوزن النّوعيّ للنّيروستا، ولذلك يزن قِدر (طنجرة) مصنوع من الألومنيوم ربع وزن القدر المصنوع من النّيروستا الّذي له نفس الحجم. بالمقابل، النّيروستا أكثر متانة وقوّة من الألومنيوم. لذلك، في حالة إسقاط قِدر نيروستا على الأرض، فإنّه سيحافظ على شكله (صورته) أكثر من الألومنيوم.
يوصل الألمنيوم الحرارة أفضل من النّيروستا، والنّيروستا أثقل وأقسى بكثير من الألومنيوم . قلي بالمقلاة | تصوير توضيحيّ، نقلًا عن: Science Photo Library
أسطورة الألزهايمر
هل يوجد خطر على صحّة الإنسان عند استخدامه أدوات (أوانٍ) مصنوعة من النّيروستا أو الألومنيوم؟ الجواب ببساطة: إنّنا لا نعلم بوجود أيّة مشكلة في استخدامها بشكل معقول (مدروس).
كشفت دراسة أجرتها النّيويورك تايمز، في سنوات السّتّينيّات والسّبعينيّات من القرن الماضي، عن وجود تركيز عالٍ من الألومنيوم في أمخاخ مرضى ألزهايمر تمّ تشريحها بعد الوفاة. بناءً عليه، اِستنتج البعض أنّ الاستهلاك الزّائد للألومنيوم النّاجم عن الطّبخ في أوعية مصنوعة من الألومنيوم، أو استخدام رقائق الألومنيوم، يؤدّي إلى تكدّسه (تراكمه) في المخّ، موت الخلايا العصبيّة وفي حالات أصعب يؤدّي إلى مرض الألزهايمر. على الرّغم من تزايد الشّواهد في السّنوات الأخيرة عن تكدّس كمّيّات عالية من الألومنيوم في أمخاخ مرضى الألزهايمر، لم يُثبت بشكل قاطع وجود علاقة سببيّة بين المسبّب والنّتيجة. وتقول جمعيّة الألزهايمر في الولايات المتّحدة إنّه لا تتوفّر، إلى يومنا هذا، دلائل عن وجود علاقة سببيّة بين الألومنيوم ونشوء مرض الألزهايمر، وبناءً على ذلك، يجب علينا التّفتيش عن مصدر المرض التّنكّسيّ خارج المطبخ.
ومع هذا، الطّبخ في أوانٍ مصنوعة من الألومنيوم يؤدّي إلى تسرّب كمّيّات قليلة منه إلى الطّعام. وجدت وزارة الصّحّة الكنديّة أنّ المواطن الكنديّ المتوسّط يستهلك ما يقارب 10 ميلّغرامات ألومنيوم في اليوم، مصدرها استخدام أوانٍ مصنوعة من الألومنيوم، دقيق الطّحين، مسحوق الخبيز (بيكنج بودر) أسبيرين وغيرها. بأيّة حال، حدّدت منظّمة الصّحّة العالميّة أنّه يمكن للإنسان البالغ أن يستهلك 50 ميلّيغرامًا من الألومنيوم يوميًّا دون قلق، بسبب كون الكمّيّة قليلة جدًّا.
حساسيّة للنّيروستا؟
العواقب الصّحّيّة الّتي قد تنجم عن استخدام النّيروستا هي أكثر تعقيدًا. لذلك، لا داعي للقلق لدى الشّخص العاديّ، ولكن، هناك ما يقارب 4-13 % من النّاس يعانون من حساسيّة للنّيكل ويتحتّم عليهم توخّي الحذر أكثر من غيرهم. في سنة 2013 فحص كيم أندرسون Anderson وزملاؤه من قسم السّموميّات الجزيئيّة (السّمّيّة) في جامعة أريغون، وبشكل مدروس، كمّيّة النّيكل والكروم الّتي تتحرّر (تنطلق) من إناء نيروستا خلال الطّبخ. لهذا الغرض، طبخوا صلصة البندورة لفترات زمنيّة تتراوح بين ساعتين إلى عشرين ساعة في عدّة دورات طبخ، ثمّ قاسوا كمّيّة النّيكل والكروم الّتي انطلقت في ظروف الطّبخ المختلفة.
وجد الباحثون أنّه كلّما ازدادت مدّة الطّبخ ازدادت كمّيّة النّيكل والكروم الّتي انطلقت من الإناء. مثلًا، انطلق ما بين 5 - 6 ميلّغرامات نيكل وكروم لكلّ كيلو غرام صلصة خلال ساعتين طبخ، وبعد 20 ساعة انطلق أكثر من 7 ميلّغرامات لكلّ كيلو غرام.
مقابل ذلك، كلّما ازداد عدد مرّات استخدام القدر انخفضت كمّيّة الكروم والنّيكل المنطلقة من 6 ميلّغرامات لكلّ كيلوغرام في الطّبخة الأولى إلى أقلّ من 1 ميلّغرام بعد عدّة طبخات. ذلك يعني أنّه عند استخدام القِدر (الإناء) لتحضير وجبات عديدة تقلّ كمّيّة النّيكل والكروم المتسرّبة إلى الطّعام لتصل إلى 0.1 ميلّغرام نيكل و 0.05 ميلّغرام كروم لكلّ استهلاك يوميّ متوسّط لصلصة البندورة في قِدر من النّيروستا. وبما أنّ التّوصيات تتيح للشّخص البالغ أن يستهلك 1 ميلّغرام نيكل و 0.12 ميلّغرام كروم يوميًّا، يتّضح أنّ هذه الكمّيّات ليست خطيرة.
هذه الحقائق صحيحة لأغلبيّة النّاس. لكن، بعض الدّراسات أشارت إلى أنّه قد يحصل انتفاخ في الجلد لدى الأشخاص الحسّاسين للنّيكل بعد تناولهم 76 ميكروغرام (0.076 ميلّغرام) فقط من النّيكل. لذلك، يتحتّم على كلّ شخص لديه حساسيّة من النّيكل أن يتوخّى الحذر من الطّبخ في أوانٍ مصنوعة من النّيروستا، خاصّة عند الطّبخ في ظروف حمضيّة- مثلًا، عندما تحتوي الطّبخة على صلصة البندورة، أو عند وجود تركيز عالٍ من الخلّ البيتيّ أو عصير اللّيمون.
الترجمة للعربيّة: أ. خالد مصالحة
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف والتحرير العلمي: رقيّة صبّاح