لكبح أزمة المناخ، تقع على عاتق البشريّة بأسرها أن تعترف بمسؤوليّتنا تجاه الوضع الرّاهن وبواجبنا في تصحيح أخطائنا بطريقة حازمة وعادلة. لقد أخطأنا بحقّ البيئة.
لم يكن العام الأخير سهلًا. بالنّسبة للكثيرين، برزت فيه أهمّيّة تحمّل المسؤوليّة والتّعاون المتبادل في عمليّات الإصلاح والإعمار الضّروريّة جدًّا لمجتمعنا. لكن، من المؤسف أنّه حتّى خلال هذه الفترة العصيبة، عندما انصبّ اهتمامنا جميعًا على الأزمة السّياسيّة المشتعلة، لم تتوقّف أزمة المناخ عن التّفاقم. استمرّت حدّة هذه الظّاهرة في إحداث كوارث طبيعيّة، وألحقت أضرارًا جسيمة بمجتمعات بأكملها في جميع أنحاء العالم، كما حطّمت بشكلٍ متكرّرٍ الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة، بينما تستمرّ انبعاثات غازات الدّفيئة بلا هوادة.
إنّ الكوارث البيئيّة المحيطة والآخذة بالازدياد هي فرصة للتوقّف قليلًا والتّفكير بخصوص أزمة المناخ. يبدأ ذلك بالاعتراف بالضّرر القائم وتحمّل مسؤوليّة دورنا فيه. بدون تحمّل المسؤوليّة، فليس من المتوقّع أن تنتهي الأزمة لوحدها، وسنواجه صعوبة في تصحيح الوضع. كمجتمع، نحن جميعًا نتقاسم المسؤوليّة عن أزمة المناخ. ولكن، يتعيّن علينا أن نتأكّد من أنّ هذه المسؤوليّة المشتركة تُوزّع بشكل عادلٍ بين قطاعات المجتمع، ولا تؤدّي إلى الإفراط في جلد الذّات أو إلقاء المسؤوليّة بشكلٍ مدمّر.
أزمة المناخ تستمرّ في التّفاقم. خريطة تُوضّح درجات الحرارة العالميّة من يونيو 2023 إلى مايو 2024 مقارنة بمتوسّط 1991-2020. يُظهِر اللّون الأحمر أنّ معظم المناطق في العالم أصبحت أكثر سخونة | Copernicus Climate Change Service/ECMWF
بصمة المسؤوليّة
إحدى الأدوات الرّئيسيّة لتقييم المسؤوليّة عن أزمة المناخ هي البصمة الكربونيّة (carbon footprint). من الواضح أنّ الحديث عن فكرة بسيطة: ثاني أكسيد الكربون وبقيّة غازات الدّفيئة هي الّتي تسبّب أزمة المناخ، وبالتّالي فإنّ من يطلقها هو المسؤول عن الأزمة. كلّما ارتفعت كمّيّة غازات الدّفيئة الّتي تطلقها دولة، شركة، عمليّة أو منتج، كلّما زادت بصمتها الكربونيّة، وبالتّالي تزداد مسؤوليّتها عن الأزمة.
لقد قام العلماء، الاقتصاديّون والمهندسون بتطوير طرق قياس البصمة الكربونيّة وتقييمها على مدار سنوات. في الوقت الرّاهن، لدينا فهم جيّدٌ لمصادر غازات الدّفيئة الّتي تعمل على تدفئة العالم، وإلى أيّ مدى يمكننا تقليص هذه الانبعاثات إذا تصرّفنا كمجتمع بشكلٍ مختلف. مع ذلك، فإنّ التّوصّل إلى إجماع اجتماعيّ حول معنى بيانات الانبعاثات هو أمر أكثر تعقيدًا.
أحد التّحدّيات الكبرى في سبيل حلّ أزمة المناخ هو الحاجة إلى صياغة إجماع واسع النّطاق بين قادة العالم. كلّ زعيم أو قائد دولة مسؤول، بموجب منصبه، عن إجماليّ الغازات الدّفيئة المنبعثة من بلاده، ويمتلك القدرة على الحدّ منها من خلال اعتماد قرارات سياسيّة مختلفة، بدءًا من فرض قيود أو ضرائب على الجهات الملوّثة، وصولًا إلى الاستثمار المباشر في حلول، مثل: توليد الكهرباء من الطّاقة المتجدّدة بدلًا من الكهرباء المولّدة من الوقود الأحفوريّ. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرّغم من أنّ كلّ تقليص في الانبعاثات مفيد للبيئة، إلا أنّ العمل المشترك على نطاقٍ عالميّ ضروريّ لوقف ظاهرة الاحتباس الحراريّ ومنع العواقب الأكثر خطورة الناجمة عن عمليّات تغير المناخ.
يمكن الحدّ من انبعاثات غازات الدّفيئة من خلال اعتماد قرارات سياسيّة مختلفة، بدءًا من فرض الضّرائب على الجهات الملوِّثة وحتّى الاستثمار المباشر في حلول، مثل: توليد الكهرباء من الطّاقة المتجدّدة. رجل يقوم بتركيب لوحة شمسيّة | Shutterstock, Quality Stock Arts
المشكلة تكمن في أنّ للخطوات الضروريّة ثمنًا اقتصاديًّا وسياسيًّا، ويميل العديد من القادة إلى تفسير حتّى أوضح البيانات بطريقة تسمح لهم بالتهرّب من المسؤوليّة وتحميلها على دول أخرى. وهذا بالضّبط ما فعله الرّئيس الأمريكيّ جورج بوش في عام 2001، عندما قضى على أهمّ مبادرة في العالم آنذاك لخفض الانبعاثات، وهي اتّفاقيّة كيوتو، قائلا: "أنا أعارض بروتوكول كيوتو لأنّه يعفي 80% من العالم من المسؤوليّة، بما في ذلك مراكز مجتمعيّة ضخمة، مثل الصين والهند، وسيؤدّي إلى ضرر بالغٍ للاقتصاد الأمريكيّ. وقد أظهر تصويت مجلس الشّيوخ بأغلبيّة 95 صوتاً مقابل صفر (95-0) أنّ هناك اتّفاقًا واضحًا على أنّ بروتوكول كيوتو هو آليّة غير عادلة وغير فعّالة لمواجهة المخاوف المتعلّقة بتغيّر المناخ العالميّ".
على الرّغم من تصريح بوش، فإنّ بلاده كانت مسؤولة في ذلك العام عن نحو ربع إجماليّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في كلّ دول العالم مجتمعة- أي بزيادة قدرها أكثر من 60% من الصّين، وستّة أضعاف ما كانت عليه الهند. وعلاوةً على ذلك، فقد تنصّل بوش في بيانه من مسؤوليّة بلاده عن انبعاثاتها السّابقة، متجاهلًا التّفاوت الهائل في حجم الانبعاثات لكلّ فردٍ. ركّزت اتفاقيّة كيوتو على الدّول الغنيّة لأنّها كانت المسؤولة عن الغالبية العظمى من غازات الدفيئة، وذلك في أعقاب عمليّة التّصنيع الواسعة التي مرّت بها منذ القرن الثّامن عشر، وبالتّالي كانت هي الّتي تمتلك القدرة العمليّة على كبح استمرار الاحتباس الحراريّ الحاليّ.
إحدى مشاكل انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الهواء هي أنّ تأثيره الاحتراريّ يستمرّ لمئات السّنين على الأقلّ بعد انبعاثه. إنّ دورة الكربون، التّي ينبعث فيها ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجويّ، ثمّ يتمّ امتصاصه مرّة أخرى في التّربة، الصّخور، المياه والنّباتات ، وهكذا دواليك، تتكوّن من عدّة عمليّات معقّدة. فقط تلك العمليّات البطيئة منها هي الّتي ستزيل الكربون الفائض من الغلاف الجوّيّ تمامًا. وفقا لعالم المحيطات ديفيد آرتشر (Archer) من جامعة شيكاغو، فإنّ "ثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرق الوقود الأحفوريّ يبقى في الغلاف الجوّيّ لعدّة مئات من السّنين، ويبقى ربعٌ منه هناك إلى الأبد تقريبًا".
على الرّغم من أنّ الصين هي الدّولة الّتي تصدر حاليًّا أكبر كمّيّة من ثاني أكسيد الكربون مقارنةً بأيّ دولة أخرى في العالم، إلّا أنّه إذا جمعنا انبعاثاتها على مدار القرون الماضية، فإنّها لن تشكل سوى حوالي 13% من إجماليّ الانبعاثات المتراكمة لدول العالم. أمّا مساهمة الولايات المتّحدة أو أوروبا في تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ فهي ضعف ذلك. أمّا الهند؟ فهي مسؤولة عن حوالي 3% فقط من إجماليّ الانبعاثات المتراكمة، على الرّغم من كونها الدّولة الأكثر اكتظاظًا في العالم.
لقد أطلقت الدّول الغنيّة أكبر قدر من الكربون على مرّ التاريخ، ولم تضف معظم الدّول الأخرى سوى نسبة قليلة إلى القدر الإجماليّ | رسم بيانيّ: من Our world in data
انبعاثات للنّفس
بينما كان الرّئيس بوش يشكو من الأضرار الّتي لحقت باقتصاد بلاده -الأقوى في العالم-، كان نحو 40% من سكان الصّين والهند، أي ما يقارب المليار شخص، يعانون من الفقر المدقع، حيث كانوا يكسبون أقلّ من 2.15 دولار أمريكيّ في اليوم، وفقًا للحدّ الأدنى للفقر العالميّ. إنّ مؤشّر الانبعاثات الّذي لا يأخذ في اعتباره عدد السّكان في كلّ دولة لا يمثّل الواقع بأمانة، وبالتّالي فهو غير مُنصف.
يبدو أنّ إسرائيل، أو أيّ دولة أخرى في العالم تقريبًا، بإمكانها تلويث البيئة دون حسابٍ، والتّنصّل من المسؤوليّة بالادّعاء أنّ إجمالي انبعاثاتها ضئيلٌ وهامشيّ مقارنة بانبعاثات الصّين أو الولايات المتّحدة العملاقة. ولكن في الواقع، فإنّ معظم الانبعاثات في العالم حدثت في الدّول "غير المهمّة". إنّ المقياس الأكثر عدالة لدراسة تأثير الدّول هو كمّيّة الانبعاثات للفرد. بالإضافة إلى ذلك، إذا قامت دولة مثل إسرائيل بشراء منتجات أُنتجت في دول أخرى، فمن المناسب تحميل إسرائيل بعض المسؤوليّة عن غازات الدّفيئة المنبعثة أثناء الإنتاج، وليس فقط الدّّولة المنتجة، لأنّها قامت بإنتاجها لنا ونحن نستفيد منها.
إذا أخذنا إجماليّ انبعاثات الكربون في العالم اليوم وقسّمناه على إجماليّ سكان العالم، فسنحصل على ما يقارب خمسة أطنان من ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد سنويًّا. لكن، هذا التّوزيع بعيد عن التّوازن. في إسرائيل، يبلغ إجماليّ الانبعاثات حوالي تسعة أطنان من ثاني أكسيد الكربون لكلّ فردٍ سنويًّا؛ وفي دول الاتّحاد الأوروبيّ: نحو ثمانية أطنان للفرد الواحد، أمّا في الولايات المتّحدة فيبلغ نحو 16 طنًّا. أمّا الصّين، فقد نجحت في القضاء على الفقر المدقع في بلادها، لكن انبعاثاتها ارتفعت إلى نحو سبعة أطنان من ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد سنويًّا؛ بينما الهند، الّتي تعاني من فقر شديد، تطلق أقلّ من طنّيْن من ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد سنويًّا. بمعنى آخر، إنّ الحصّة النّسبيّة لإسرائيل والدّول الغنيّة الأخرى في أزمة المناخ أعلى بكثير من الحصّة النّسبيّة لسكّان العالم، وكذلك العبء الأخلاقيّ والعمليّ المفروض على عاتقها أكبر بكثير.
إنّ الحصّة النّسبيّة لإسرائيل والدّول الغنيّة الأخرى في أزمة المناخ أعلى بكثير من الحصّة النّسبيّة لسكان العالم. انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مختلف الدّول، بالنّسبة لعدد سكانها | رسم بياني: من Our world in data
مسؤوليّة المستهلك
نتحمّل جميعنا مسؤوليّة أزمة المناخ، وعلينا أن نبذل كلّ ما في وسعنا لتقليصها. تعزو إحدى الأساليب للحدّ من هذه الأزمة لكلّ فردٍ مسؤوليّته عن بصمته الكربونيّة الشّخصيّة النّاجمة عن مجموع نشاطاته، وهي تدعو كلّ فردٍ منّا "المساهمة بحصّته" عبر تقليل البصمة الكربونيّة الشّخصيّة. ومع ذلك، فإنّ التّركيز على الانبعاثات الفرديّة وحدها قد يدفع النّاس إلى إلقاء اللوم على أنفسهم أكثر ممّا ينبغي؛ وفي حين أنّه لا يمكن إيقاف ظاهرة الاحتباس الحراريّ دون اتّخاذ إجراءات منهجيّة وموسّعة، فقد يفضي هذا التّركيز أيضًا إلى الإحباط وإلى مشاعر سلبيّة أخرى.
ومع ذلك، من المهمّ حقًا أن نقلّل من انبعاثات الكربون المرتبطة مباشرةً بسلوكيّاتنا، حيث يمكن أن يساعدنا قياس البصمة الكربونيّة في التّركيز على الأمور الجوهريّة. نحن نعلم، على سبيل المثال، أنّ حرق الوقود لأغراض النّقل هو أحد الأسباب الرّئيسيّة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأنّ السّفر في سيّارة خاصّة ينبعث منه نسبيًّا كمّيّة من الغازات الدّفيئة تعادل ضعف ما ينبعث عند السّفرفي حافلة عامّة، وأربعة أضعاف أكثر مقارنةً بالسّفر بالقطار لكلّ كيلومتر راكب (passenger-kilometer). لذلك، إذا تركنا السّيّارة في المنزل يمكننا تقليص مساهمتنا في أزمة المناخ بشكلٍ كبيرٍ.
من المهمّ أن نقلّل من انبعاثات الكربون المرتبطة مباشرة بسلوكيّاتنا، إلى جانب الدّعوة إلى المزيد من التّغييرات المنهجيّة. امرأة تركب دراجة | Shutterstock, NassornSnitwong
تكمن المشكلة في أنّ العديد من الأشخاص لا يستطيعون الوصول إلى وسائل النّقل العامّ الّتي تناسب احتياجاتهم ويضطرون إلى الاعتماد بشكلٍ أساسيّ على سياراتهم الخاصّة. فهل من العدل أن نُحمّلهم مسؤوليّة الغازات الدّفيئة التي تنبعث أثناء سفرهم؟ أم أنّ اللّوم يقع على أصحاب القرار، الّذين لا يُخصّصون الموارد الكافية لتطوير شبكة نقل عامّ رخيصة وسهلة الوصول، ممّا يجعل من الصّعب على الجمهور ترك سيّاراتهم الخاصّة في المنزل؟
علاوة على ذلك، هل نحن مسؤولون عن انبعاثات غازات الدّفيئة الكامنة في الكهرباء الّتي نستهلكها، أم أنّ المسؤوليّة تقع على عاتق السّياسة الحكوميّة الّتي تولّد لنا الكهرباء بشكلٍ رئيسيّ من حرق الفحم والغاز؟ لا شك أنّ علينا مسؤوليّة معيّنة، لكن في معظم الانبعاثات المتعلّقة بنا تكون حريتنا في الاختيار محدودة، ونضطر أكثر من مرّة إلى اختيار خيار ملوّث ضد إرادتنا.
إنّ نجاعة المسؤوليّة الشّخصيّة محدودة، والاعتماد عليها قد يصرفنا عن إجراء التّغييرات النّظاميّة المطلوبة منّا كمجتمع. ويتعيّن علينا أن نتذكّر أيضًا أنّ هناك أطرافًا معيّنين يستفيدون من وضع المسؤوليّة على عاتق المستهلك، ومن ترسيخ مفهوم خاطئ مفاده أنّ كلّ اختيار (وكلّ انبعاث) هو في أيدي الأفراد. إنّ شركات النّفط والغاز، الّتي تجني مئات المليارات من الدّولارات سنويًّا من بيع الوقود الملوّث الّذي يعدّ السّبب الرّئيسيّ لانبعاثات الغازات الدّفيئة، قد استثمرت الكثير من الأموال في حملات إعلانيّة واسعة النّطاق تهدف إلى ترسيخ مفهوم "البصمة الكربونيّة" لدى الجمهور في السّياق الشّخصيّ، وقد نجحت.
وفقًا لبنجامين فرانتا (Franta)، الباحث في القانون وتاريخ العلوم في جامعة ستانفورد، فإنّ "هذه واحدة من أكثر الحملات الإعلانيّة تضليلًا ونجاحًا على الإطلاق". وأضاف جيفري سوبران (Supran) من جامعة هارفارد، الّذي درس أساليب عمل شركات النّفط والغاز، أنّ "هذه الصّناعة لديها سِجّل حافل في استخدام استراتيجيّات تواصل تهدف إلى إرباك الجمهور وتعطيل الإجراءات للحدّ من أزمة المناخ. لذلك، يجب أن نكون حذرين من الوقوع في فخاخهم الخطابيّة."
وفي حين تروّج شركات النّفط والغاز الفكرة القائلة "إنّ المسؤوليّة تقع على عاتق الأفراد"، فإنّها توظّف الآلاف من جماعات الضّغط الّتي تعمل على عرقلة جهود صنّاع القرار في جميع أنحاء العالم لتنفيذ التّغيير الضّروريّ. ومع ذلك، لدينا نحن أيضًا سبيل للاعتذار وتحمّل المسؤوليّة وتصحيح مسارنا.
إنّ التّركيز على البصمة الكربونيّة الشّخصيّة قد يؤدّي إلى تأخير التّغييرات النّظاميّة الضّروريّة ويحوّل المسؤوليّة عن عمالقة النّفط، الحكومات والشّركات الأخرى. إعلان يدعو إلى تقليل البصمة الكربونيّة الشّخصيّة؛ تمّ تمويل إعلانات مماثلة من قبل شركات النّفط والغاز| Shutterstock, Afif Ahsan
نقطة تحوّل مجتمعيّة
إذا أردنا تحمّل المسؤوليّة، علينا أن نتقبّل حقيقة أنّنا نصدر غازات دفيئة أكثر من المعدّل العالميّ، ببساطة لأنّنا محظوظون للعيش في دولةٍ غنيّة تطوّرت بطريقة معيّنة، على غرار الدّول المزدهرة. وحتّى لو بذلنا قصارى جهدنا، فإنّ معظمنا لن يتمكّن من خفض حصّته من الانبعاثات إلى النّصف بمفرده، أي لتصل إلى المعدّل العالميّ. أمّا الهدف الحقيقيّ الّذي يستحقّ السّعي، وهو تحقيق توازن الانبعاثات، فلا يوجد داعٍ لمناقشته أصلًا. وما يمكننا القيام به هو الشّروع في تغيير شاملٍ ومنهجيّ من شأنه أن يقلِّص بشكلٍ واسع انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ في البلاد بأكملها، وليس فقط تلك المتعلّقة "فينا نحن".
عبّر المؤلّف والنّاشط البيئيّ بيل ماكيبين (McKibben) عن الأمر بهذه الطّريقة: "لنفترض أنّ لدينا قدرًا معيّنًا من الوقت والمال يمكننا من خلاله إحداث التّغيير- دعنا نسمّيه x، لأنّنا هكذا نحن علماء الرّياضيّات نُسمّي الأشياء. الحكمة هي زيادة هذا الـ x من خلال الضّرب وليس الجمع. نحن بحاجة إلى أخذ الـ5% من الجمهور الّذين يهتمّون حقًّا ومساعدتهم على اكتساب تأثير يفوق الـ5% بكثير. والحيلة الّتي ستسمح بحدوث ذلك هي الدّيمقراطيّة".
كما يؤكّد ماكيبين أنّ الأقلّيّة العازمة يمكنها، من خلال الإجراءات المشتركة، مثل: المظاهرات أو التّوقيع على العرائض أو التّصويت في الانتخابات أو المشاركة الفعّالة في المناقشات، التّأثير على صانعي القرار وقيادة تغيير واسع النّطاق. بالإضافة إلى العمل على تغيير السّياسة العامّة، يمكن للأفراد أيضًا العمل مباشرة ضمن دوائرهم الاجتماعيّة القريبة منهم، وتشجيع أصدقائهم على تبنّي تقنيّات صديقة للبيئة، مثل: السّيّارات الكهربائيّة أو تركيب ألواح الطّاقة الشّمسيّة على الأسطح، وتحويل استثماراتهم الماليّة من الشّركات المُلوِّثة إلى قنوات ربحيّة أخرى، أو العمل على تغيير الأعراف الاجتماعيّة، مثل: إهدار الطّعام أو الاستهلاك المفرط للحوم الأبقار. في كثير من الحالات، يمكن للتّغيير الرّائد في هذه المجالات أن يخلق ردود فعل إيجابيّةـ ينتشر فيها التّغيير بسرعة في المجتمع، ويُحدِث تحوّلًا في الواقع.
حتّى الأقلّيّة العازمة يمكنها، من خلال الإجراءات المشتركة، مثل: المظاهرات أو الالتماسات أو التّصويت في الانتخابات أو المشاركة الفعّالة في المناقشات، أن تقود تغييرًا واسع النّطاق. المتظاهرون في أستراليا يطالبون باتّخاذ إجراءات عاجلة لحلّ أزمة المناخ | Shutterstock, Holli
التزامٌ/ تعاونٌ متبادل
حرب، وباء عالميّ، أزمة اقتصاديّة أو كارثة بيئيّة- التّعاون المتبادل هو أداة أساسيّة للتّعامل مع الأزمات، الحفاظ على المرونة والأمل وطلب الاعتذار. وعلى المستوى الإعلانيّ، تعترف دول العالم بهذا الاحتياج خلال نقاشاتها بشأن تدابير التّعامل مع أزمة المناخ. وبالإضافة إلى العمل المشترك لخفض الانبعاثات، والّذي حدّدت فيه بعض الدّول الغنيّة بالفعل أهدافًا طموحةً للغاية، فقد تقرّر العام الماضي إنشاء صندوق دوليّ للتّعويض عن أضرار أزمة المناخ في الدّول الفقيرة الّتي من المتوقّع أن تعاني منها بشكلٍ خاصٍّ. رغم أنّه قد تمّ إيداع أقلّ من نصف بالمئة من المبلغ المطلوب في الصّندوق حتّى الآن، أي نحو 400 مليون دولار من أصل 100 مليار دولار سنويا، فإنّ مجرد إنشائه يشكّل خطوة كبيرةً ومهمّة.
إن التّعاون المتبادل لا يبدأ ولا ينتهي عند المستوى السّياسيّ، بل يتعيّن علينا أيضاً أن نفكّر في الأمر كجزءٍ من عمليّة الاعتذار ومحاسبة النّفس. لدينا المقدرة على التّعرّف على معاناة الآخرين، ودعم المجتمعات المتضرّرة، وتعزيز الاستعداد المبكّر الّذي سيساعدها على التّعامل بشكلٍ أفضل مع الأضرار المتوقّعة. من بين الطّرق الكثيرة المتاحة لنا: تعزيز خطط الاستعداد الحضريّ، وتعزيز آليات التأّمين ضدّ الكوارث، إعادة تأهيل آليّات الدّفاع عن الطّبيعة. وإلى جانب الإجراءات العمليّة، فإنّ تعزيز التّعاون المتبادل والثّقة المتبادلة، وتعزيز التّعاطف والقدرة على العمل معًا من أجل المصلحة العامّة يتحقّقون جميعًا من خلال الاهتمام بالآخر واللّقاء والتّعارف المتبادليْن.