وراء القوام النّاعم والطّعم اللّذيذ للآيس كريم (البوظة) الجيّد تكمنُ مبادئ علميّة بسيطة وفعّالة.

لا مثيلَ للآيس كريم المنعش في أيّام الصّيف الحارّة.. يتميّز الآيس كريم الجيّد بالنّكهات الحلوة والغنيّة، الباردة والمنعشة، وليس أقلّ أهمّيّة من ذلك كونها - ناعمة الذّوبان على اللّسان. هذه النّعومة ليست أمرًا مفهومًا ضمنًا، لأنّ تجميد الماء يكوّن  الجليد الصّلب. فإذًا، كيف يحافظ خليط من السّوائل بعد تجميده على قوامٍ ناعم ؟ تكمن الإجابات في مكوّنات الآيس كريم، وفي عمليّة إنتاجه، تلك العمليّة الّتي تمنح الآيس كريم هذه الانسيابيّة.

بلّورات ثلج في سائل كثيف

الآيس كريم ليسَ مجرّد مادّة صلبة ومتجمّدة كالجليد، إنّما يمتاز بمبنى مجهريّ خاصّ. يطلق العلماء صفة "غروانيّ" على هذه التّركيبة. ونعني بها، ببساطة، خليطًا يتمّ فيه توزيع جزيئات صغيرة من مادّة ما بشكل منتظم وموحّد في مادّة أخرى. نجد في مطبخنا العديد من الغرويّات، منها: الحليب الّذي يشمل قطرات دهنيّة مع الماء، وكذلك الطّحينة والمايونيز. في الآيس كريم بلّورات جليد صغيرة في سائل ماء كثيف وغنيّ بالسّكّر، إضافة إلى قطرات دهنيّة مأخوذة من الكريمة (قشدة) الّتي تُصنع منها معظم أنواع الآيس كريم. 

 مركّب آخر غير مذكور على الغلاف هو الهواء الّذي يشكّل، تقريبًا، نصف حجم المنتج. نستطيع لمس ذلك عند المقارنة بين وزن علب الآيس كريم وبين حجمها. يزن الآيس كريم أقلّ من الجليد الصّلب بنفس الحجم (الّذي يزن أقلّ من كيلو غرام لكلّ ليتر). القضيّة، هنا، هي وجود حافز اقتصاديّ لمنتجي الآيس كريم يتمثّل بتكبير حجم الهواء في المنتوج، والأمر ليس خدعة، لأنّ الهواء يساهم في تكوين ملمس ناعم (تركيبة ناعمة)، كما أنّ الهواء يساعد في إنتاج آيس كريم طريّ وقليل السّعرات الحراريّة في كلّ وجبة.

تبريد سريع مع خلط متواصل

تتمّ صناعة الآيس كريم داخل خلّاطة تشمل وعاءً يتمّ تبريد جوانبه لدرجة حرارة (سلزيوس) 30 تحت الصّفر. كلّما برد السّائل بسرعة أكثر، تشكّل خليط من بلّوراث ثلجيّة صغيرة ودقيقة. تسمح درجة الحرارة المنخفضة لجدار الوعاء بتجميد المياه بسرعة أسرع من تجميدها بشكل عاديّ في البيت. هكذا نحصل على ملمس ناعم وموحّد، بينا يشكلّ التّبريد البطيء بلّورات كبيرة وخشنة الملمس. الخلط يحافظ على درجة حرارة موحّدة لكلّ أجزاء الخليط إضافة إلى إدخاله الهواء كما يحدث في عمليّة الخفق. كما ويساهم في تشكيل ملمس ناعم عن طريق تكسير جزيئات الجليد ومنع تشكيل بلّورات صلبة. 

إضافة لذلك، يتجمّد الماء في درجة حرارة صفر، لكن درجة حرارة التّجمّد تنخفض عندما نذوّب فيها موادّ كالسّكّر. عندما تنخفض درجة حرارة الخليط تتجمّد، أوّلًا، بلّورات الجليد الّتي هي في الأصل ماء، ويبقى الماء حولها الغنيّ بالسّكّر. تبقى جزيئات الجليد في سائل غنيّ بالسّكّر مثل شراب لا يتجمّد. هذا السّائل الكثيف يحوي بداخله جزيئات الجليد، فقاعات هواء صغيرة وقطرات دهنيّة. لذلك، الآيس كريم ليس صلبًا، إنّما هو خليط يشمل ثلاثة مكوّنات: جليدًا صلبًا، ماءً غنيًّا بالسّكّر وهواءً غازيًّا. وهكذا يتمّ تشكيل تركيبة ناعمة ورخوة.

הכנת גלידה ביד | Shutterstock
لإنتاج تركيبة ناعمة نحتاج إلى تبريد سريع مع خلط. تحضير آيس كريم يدويًّا بدون ماكينة  | Shutterstock

التّبريد لمنع التّصلّب

 لا تلعب الكيمياء دورًا في إنتاج الآيس كريم فقط، بل في تخزينه أيضًا. حتّى في حالة التّجمّد تحت درجة حرارة صفر، تحدث عمليّات تغيّرُ في تركيبة الآيس كريم. تصف ظاهرة التّخشّن (التّصلّب) coarsening كيف تكبر بلّورات الجليد الصّغيرة الموجودة في الآيس كريم مع الوقت، حتّى بدون ذوبان الآيس كريم وتجميده من جديد. لذلك، يصبح الخليط صلبًا (خشنًا) وبلّوريًّا أكثر. 

يحدث التّصلّب، أيضًا، في الثّلّاجة البيتيّة حيث درجة الحرارة أقلّ من 18 درجة تحت الصّفر، لكنّه أسرع أكثر مع ارتفاع درجة الحرارة. لذلك، إذا حفظنا الآيس كريم في درجات حرارة مرتفعة، فسوف تحدث ظاهرة التّصلّب أسرع، وعندها تتلف تركيبة الآيس كريم. لذلك، من المهمّ حفظ الآيس كريم  قريبًا من جدار الثّلّاجة الخلفيّ، وتقليل وضعه، قدر الإمكان، خارج الثّلّاجة.

גלידה בטעמים שונים עם גבישי קרח | Shutterstock
أثناء االتّخزين، قد تتشكّل بلّورات جليد تلحق الضّرر في تركيبة الآيس كريم. آيس كريم بطعمات مختلفة يعلوه الجليد | Shutterstock

يقف علم غنيّ وراء صناعة الآيس كريم، يساهم في إنتاج حلوى منعشة، مجمّدة وطريّة بنفس الوقت. في المرّة القادمة، فكّروا في هذا عندما تستمتعون بتذوّق مخروط (قمع) آيس كريم فاخر ومسلٍّ.   

 

الترجمة للعربيّة: رغدة سمارة
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح

0 تعليقات