اِعتبر اليونانيّون القدماء النّار أحد عناصر الطّبيعة، وأوجد الخيميائيّون لأجلها مادّةً مستحيلة نفى العالِم لڤوازييه وجودها فيما بعد، ووضع حجر الأساس لفهم العمليّة الّتي تتيح اشتعالها في شمعة الأنوار وغيرها. المعموديّة العلميّة بالنّار.

سحرت النّار بني البشر منذ فجر التّاريخ. أين نجد مثل هذا الدّمج بين قوة الدّمار وبين قوة الحياة؟ ترافق النّار حياتنا دونما انقطاع إذ تُشغّل السّيّارات وتُحرّكها، وتُستخدم لِطهي الطّعام، والتّدفئة، وإشعال فتائل الشّمعات في المناسبات الرّومانسيّة والأعياد. وتدخل النّار في الكثير من التّعابير الكلاميّة في الحياة اليوميّة. يفتقر غالبيّتنا لِفهم ماهيّة النّار وطبيعتها، على الرّغم من أنّنا نسير معها في السّرّاء والضّرّاء. إنّها بمثابة أداة لنا، مفيدة عادةً، وخطيرة أحيانًا، إلّا أنّنا نادرًا ما نهتمّ بفهم طبيعتها وكنهها.

النّار اليونانيّة

رافق التّساؤل حول ماهيّة النّار وكنهها البشريّة منذ قديم الزّمان، ربّما منذ أن عرف أجدادنا القدماء التّحكّم بالنّار أوّل مرّة، فدفعوا تطوّر البشريّة خطوات كبيرة إلى الأمام. لا عجب إذًا أن احتلّت النّار مقامًا مركزيًّا للغاية في الصّورة الّتي رسمها الفلاسفة اليونانيّون القدماء في مخيّلتهم، ضمن محاولاتهم تفسير العالم من حولهم. 

اِقترح الفيلسوف اليونانيّ إيمبيدوكليس (Empedocles) في القرن الخامس قبل الميلاد نظريّة العناصر الأربعة، والّتي قدّمت، أوّل مرّة، تفسيرًا منظّمًا لبنية المادّة. اِدّعى إيمبيدوكليس من خلال نظريّته وجود أربعة عناصر في الطّبيعة: الهواء، النّار، الماء والتّراب، والموادّ جميعها مبنيّة من هذه العناصر. يُحدّد المزيج الخاصّ من هذه العناصر ماهيّة المادّة، حيث أنّ لكلّ عنصر منها خواصّه المميّزة. مَثّلت النّار، لِشأننا هذا، الطّاقة والحركة.

حظيت نظريّة العناصر الأربعة بموطئ قدم في الفلسفة اليونانيّة واتّسعت منها لتدخل في ثقافات عالميّة أخرى. كان الفيلسوف اليونانيّ شائع الصّيت أرسطو من بين من تبنّوا النّظريّة، إلّا أنّه اقترح تفسيرًا مغايرًا لماهيّة العناصر. اِعتقد أرسطو، بخلاف إيمبيدوكليس، أنّه توجد لكلّ واحد من العناصر الأربعة صفتين تُمَثِّلان زوجين من المتضادّات: الحرارة والبَرْد،  والجفاف والرّطوبة. النّار، بطبيعة الحال، هي العنصر الحارّ والجافّ. ربط اليونانيّون، بشكل طبيعيّ، ومن وجهة نظرهم، بين العناصر الأربعة وبين علم التّنجيم - المجال الآخر من المعرفة الذي حاول اليونانيّون تفسير الواقع من خلاله - فنسبوا كلّ ثلاثة من أبراج الحظّ في التّقويم السّنويّ لواحد من العناصر الأربعة. شملت مجموعة أبراج عنصر النّار كلًّا من برج الأسد والحمل والقوس. نحن في غنى عن القول إنّنا نعلم اليوم أنّ التّنجيم ليس علمًا وأنّ النّار ليست عنصرًا. 

ما زالت نظريّة العناصر الأربعة شائعة حتّى يومنا هذا في العديد من الثّقافات المحافظة التّقليديّة، البوذيّة مثلًا. كما أنّها تغلغلت مع مرور الزّمن في التّصوّف اليهوديّ. نجدها في المؤلَّف القبالي  "سيفر يتسيراه، سِفْر الخلق"، حيث ورد فيه ذكر "أربعة طبيعيّات خَلَقَ الله الكونَ منها". أضف إلى ذلك ظهور العدد 4 في اليهوديّة أكثر من مرة كَعدد رمزيّ، كَالأنواع الأربعة وأربعة ملائكة الخِدمة. 

اِنضمّت الخيمياء هي الأخرى إلى التّنجيم والتّصوّف. كان أحد الأمور الرّئيسة الّتي سعى لتحقيقها مجال الخيمياء  تحويل الفلزّات البسيطة والرّخيصة إلى أخرى ثمينة، مثلًا تحويل الرّصاص إلى ذهب. يعتمد منطق هذه المحاولات كثيرًا على مفهوم العناصر الأربعة: "قد يمكننا تحويل مادّة ما إلى مادّة أخرى مختارة ونادرة الوجود، بمجرّد تغيير النّسب بين أربعة العناصر الّتي تكّونها"، هكذا تمنّى أجيال وأجيال من الخيميائيّين، عبثًا، نجاح المحاولات.  

ظلّت نظريّة العناصر الأربعة تسيطر على المفاهيم العلميّة قرونًا عديدة، ولم تسقط (تُدْحَض) إلّا في العصر الحديث، عندما نجح العلماء في تشخيص العناصر الكيميائيّة، مثل الهيدروجين والأكسجين والكربون. وتمّ إلغاء الخيمياء قاطبةً لكنّ سحرها المذهل لم يتمّ إلغاؤه، إذ بقيت محتفظة حتّى بقدر معيّن من المنطق. يمكن القول، عند محاولتنا ملاءمة العناصر مع الحالات التّراكميّة للمادّة، إنّ التّراب حالته صلبة، وحالة الماء سائلة، والهواء غاز، أما النّار… فأيّة حالة تراكميّة هي؟  


العناصر الأربعة حسب الفلسفة اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد: الهواء، التراب، الماء والنار| Sunflowerr; Maren Winter, Shutterstock

النّار الدّاخليّة

لا يتطوّر العلم بخطّ مستقيم. لا يمكننا تحديد اليوم من تاريخ العلوم الّذي تلاشت فيه نظريّة العناصر الأربعة واندثرت، وفسحت المجال لِجدول مندليڤ الدّوريّ للعناصر ليحتلّ مكانها. لقد ظهرت وتطوّرت، تزامنًا مع التّطوّر التّدريجيّ لِعلوم الكيمياء والفيزياء، العديد من التّفاسير الّتي اختُبِرت بكلّ جدّيّة إلى أن تمّ نَفْيها. نظريّة الفلوجستون هي أبرز هذه التّفاسير. 

تقودنا الآن رحلة التّعرّف إلى النّار إلى القرن السّابع عشر، إذ كان جليًّا حينئذ أنّ النّار ليست عنصرًا. وجد الخيميائيّ الألماني يوهان بيخِر (Becher) قبل 400 سنة على وجه التّقريب، من خلال محاولات تفسير ماهيّة الاحتراق، تفسيرًا بَدا مقنعًا للنّار. اِدّعى بيخِر أنّ الموادّ القابلة للاحتراق تحتوي على مادّة شفّافة إضافيّة، تنبعث هذه المادّة خلال عمليّة الاحتراق وتتحوّل إلى نار. سمّى بيخِر هذه المادّة الفلوجستون، من الكلمة اليونانية "فلوكس" (φλόξ) ومعناها "اللّهب". وجدت الكثير من الأسئلة والتّساؤلات الّتي أشغلت أوائل كيميائيّي تلك الفترة أو أواخر الخيميائيّين حلولًا لها في هذه النّظريّة. هكذا اعتُبرت نظريّة الفلوجستون حقيقةً على امتداد قرابة قرن من الزّمن. 

بدأت نظرية الفلوجستون تتصدّع عندما تبيّن أنّه عند تسخين مادّة فلزّيّة داخل وعاء مُغلق يكون وزن المادّة النّاتجة أكبر من وزن الفلزّ الأصليّ (قبل تسخينه). ينبع من ذلك كأنّ كتلة الفلوجستون سالبة. أقلق هذا الاستنتاج العالِم أنطوان لڤوازييه (Lavoisier)، الّذي يُعتبر أبا الكيمياء الحديثة، فأجرى تجارب قاس فيها التّغيّرات في كُتل الفلزّات الّتي تمّ تسخينها (حرقها). لم يكن هناك إلّا استنتاج واحد من هذه القياسات هو أنّ مادّةً أخرى تشارك في عمليّة الاحتراق - عنصر الأكسجين، الّذي تمّ اكتشافه قبل فترة وجيزة من ذلك الزّمن. يتيح الأكسجين حصول عمليّة الاحتراق وتَكَوّن النّار. نحن نعرف اليوم أنّه عند تسخين الفلزّ بوجود الهواء (الأكسجين) يرتبط الأكسجين الموجود في الهواء مع الفلزّ وينتج مركّب جديد يحوي كتلة الأكسجين بالإضافة لكتلة الفلزّ. 

لقد ابتُكرت (طُرِحَتْ) حجج وَتصنيفات متنوّعة بديلة لِتبرير استمرار كينونة الفلوجستون، إلّا أنّها باءت بالفشل. محت نظريّة لڤوازييه الجديدة بذلك، مع بداية القرن التّاسع عشر، كلَّ ذكرٍ لِنظريّة الفلوجستون، تقريبًا. نقول تقريبًا لأنّ مُكتشف الأكسجين، جوزيف بريستلي (Priestley)، ظلَّ متشبّثًا هو بالذّات بِنظريّة الفلوجستون حتّى وفاته سنة 1804.  

ماذا يحدث عند حرق الصّوف الفولاذيّ (اللّيف السّلكيّ)؟

نار الحقيقة

من الواضح الآن أنّ النّار ليست حالةً تراكميّة، وهي بالتّأكيد ليست عنصرًا. النّار عبارة عن عمليّة، ممارسة متعدّدة الحواسّ تتضمّن عمليّات فيزيائيّة وكيميائيّة تشارك فيها ثلاثة مُكوِّنات: المادّة المحترقة، الأكسجين والحرارة. يُسمّى المزيج من المكوّنات الثّلاثة ب "مثلّث النّار". الموادّ النّاتجة من الاحتراق هي بخار الماء وثاني أكسيد الكربون، وقد ترافقها موادّ جانبيّة أخرى، هي السِّناج (أو السّخام)

تحدث تفاعلات كيميائيّة عديدة بشكل متزامن خلال عمليّة الاحتراق، ولم تكن هذه التّفاعلات لِتحدث دون تزويد الحرارة الأوّليّة للمادّة المحترقة لبدء اشتعالها. تتفكّك جزيئات المادّة المشتعلة من هذه اللّحظة فصاعدًا، وتتفاعل مع الأكسجين بوتيرة عالية جدًّا، وتتفكّك الموادّ النّاتجة ثمّ تعود لتتكوّن، المرّة تلو الأخرى. تنبعث كمّيّة أخرى من الحرارة خلال حدوث هذه التّفاعلات، وهي، أي الحرارة المنبعثة خلال الاحتراق، تُغذّي هذه العمليّات حتّى نفاد المادّة المحترقة.  

يدلّ لون اللّهب على هويّة المادّة المحترقة ويشير، أيضًا، إلى درجة الحرارة فيه. اللّهب المتصاعد من الحطب (الأخشاب المجفّفة) لونه برتقاليّ - أحمر، لون لهب غاز الطّهي أزرق، ويمكن الحصول على لهب أخضر أو بنفسجيّ عند حرق النّحاس أو مركّبات الفلزّات (أملاح الفلزّات). يمكن تمييز سُلّم درجات حرارة النّار بسهولة، مثلًا في شعلة الشّمعة المشتعلة يكون اللّهب قاتمًا للغاية بمحاذاة فتيل الشّمعة حيث المكان الأكثر اتّقادًا، وتخفّ قتامة اللّون مع الابتعاد عن الفتيل والاقتراب من حافة اللّهب الخارجيّة.


يدلُّ لون اللهب على هوية المادّة المحترقة وعلى درجة حرارته. لُهبٌ بألوان مختلفة |  Vector Tradition, Shutterstock

النّار الذّرّيّة

ليست التّفاعلات الكيميائيّة فحسب هي الّتي تؤثّر على لون اللّهب، بل يتعلّق لون اللّهب، أيضًا، بعمليّات ضمن الفيزياء الذّرّيّة. هناك عاملان فيزيائيّان مسؤولان عن لون اللّهب: إشعاع الجسم الأسود وعمليّات الانبعاث الإلكترونيّة.

إشعاع الجسم الأسود هو فكرة نظريّة قديمة في الفيزياء الحراريّة. قد يثير هذا المصطلح شيئًا من البلبلة والارتباك، لأنّه ليس حتمًا أن يُشاهَد الجسم أسودَ. "الجسم الأسود" المتكامل أو المثاليّ، حسب التّعريف، هو الجسم الّذي يمتصّ كلّ الضّوء الأبيض، الّذي يضمّ جميع الألوان، السّاقط عليه دون أن ينعكس شيء منه عن سطح الجسم ولا يمرّ عبره. من الممكن، على الرّغم من ذلك، أن ينبعث ضوء من هذا الجسم نتيجة احتراره، ويتعلّق الضّوء المنبعث بدرجة حرارة الجسم. يمكن تحديد نوعيّة اللّون المنبعث من الجسم الأسود وفقًا للمعادلة الرّياضيّة المسمّاة بـِ قانون بلانك الّتي تصف العلاقة بين درجة الحرارة وبين نوعيّة اللّون (طول الموجة) المنبعث من الجسم الأسود. تَسخن المادّة المشتعلة والسّخام النّاتج خلال عمليّة الاحتراق وينبعث الضّوء نتيجة التّسخين. يكون لون اللّهب أكثر "برودة"، باتّجاه اللّون الأزرق بالذّات، كلّما ارتفعت درجة الحرارة. 

يَنتقل، بالإضافة إلى ذلك، قسم من الإلكترونات في ذرّات المادّة المشتعلة إلى مستويات طاقة أعلى. هذه الحالة، الّتي تتواجد فيها إلكترونات المادّة في مستويات الطّاقة العالية، هي حالة غير مستقرّة نسبيًّا، فتعود هذه الإلكترونات إلى مستويات الطّاقة الأكثر انخفاضًا. تنبعث طاقة على شكل جُسيمات ضوئيّة من المادّة نتيجة لذلك. يُسمّى جسيم الضّوء بالفوتون، ويتعلّق لونه بمقدار الفرق في الطّاقة بين المستويين (مستوى الطّاقة الّذي عاد إليه الإلكترون والمستوى الّذي عاد منه). وتتميّز النّار برائحة حادّة مصدرها مزيج متنوّع من الغازات والموادّ الصّلبة، تنطلق نتيجة لاشتعال جدران الخلايا النّباتيّة في الحطب المحترق في موقد النّار، فتملأ الهواء بالسكّريّات والجزيئات الأخرى، ثمّ يتحوّل الماء المخزون في الأنسجة النّباتيّة، بشكل تدريجيّ هو الآخر، إلى غاز (بخار) متطاير. تنضمّ عندها حاسّة السّمع لتشارك فيما يحصل، ونسمع أصوات طقطقة لطيفة للنّار المشتعلة، تتكوّن نتيجة توسُّع أجزاء من لحاء الخشب وتطاير بخار الماء من خلال الشّقوق المتكوّنة.  


الموادّ الناتجة من الاحتراق هي المسؤولة عن الرّائحة الحادّة و أصوات المفرقعات المرافقة للعملية. أشخاص جالسون حول موقد النار | MiniStocker, Shutterstock  

نار داخل الماء

هل حاولتم مرّةً إشعال النّار تحت سطح الماء؟ لقد تعوّدنا، منذ نعومة أظفارنا، على اعتبار النّار والماء عدوّين لدودين. فعلًا، فالماء هو إحدى الأدوات الفعّالة جدًّا المستخدمة في إطفاء الحرائق: يفصل الماء بين المادّة المشتعلة وبين الأكسجين، ويخفض درجة الحرارة. يتحطّم مثلّث النّار، نتيجة لذلك، في موقعين، وهذا يؤدّي إلى أن تتضاءل النّار وتنطفئ. نحتاج إلى كمّيّات متزايدة من الماء لِخنْق اللّهب وتبريده كلّما ازداد حجم النّار وكبرت. من المستحسن، لذلك، استخدام موادّ تعيق الاشتعال بنجاعة أكبر، مثل المساحيق الموجودة في الطّفّايات.  

يمكن، أحيانًا، تكوين مثلّث نار نشِط تحت سطح الماء. نستخدم موادّ مُؤكسِدة لهذه الغاية، أي موادّ قابلة للاحتراق، تحتوي في داخلها على أكسجين متوفّر للاستخدام الفوريّ. يصبح المثلّث بذلك زوجًا: الحرارة والمادّة المحترقة وفيها الأكسجين. يمكن إشعال النّار حتّى في الماء في الأعماق، وذلك عندما لا  تكفي القوى المتبادلة بين المادّة القابلة للاشتعال وبين الماء المحيط بها لتبريد النّار.  

إذا كانت لديكم شكوك في ذلك فتابعوا التّجربة في الفيديو التّالي:

نار في السّماء

أشعلنا النّار تحت الماء. ماذا بالنّسبة للفضاء الخارجيّ؟

يُستخدم الاحتراق في الصّواريخ حاملة المركبات الفضائيّة من الكرة الأرضيّة، وفي المحرّكات الّتي تتيح لتلك المركبات التّنقّل خارج الغلاف الجوّيّ. تقوم هذه الصّواريخ والمحرّكات بعملها على أتمّ وجه، على الرّغم من انعدام الأكسجين فعليًّا من الفضاء الخارجيّ. هذه الصّواريخ والمحرّكات مزوّدة بحاويات فيها أكسجين في الحالة السّائلة وهو الّذي يتيح احتراق الوقود وتحريك الصّاروخ. 

ويمكن إشعال الشّمعة في الفضاء، على الأقلّ، في الفراغ الّذي يستخدمه رجال الفضاء داخل المركبات الفضائيّة ومحطّة الفضاء الدّوليّة، حيث الأكسجين موجود بوفرة. يكون شكل اللّهب في ظروف انعدام الجاذبيّة مختلفًا عن المعتاد - كرويًّا وليس مستطيلًا مثل شكل القطرة. يبدو اللّهب على سطح الكرة الأرضيّة مُتّسعًا في أسفله وضيّقًا في أعلاه. يتكوّن هذا الشّكل لأنّ الغازات السّاخنة تصعد من مركز اللّهب إلى الأعلى بعكس اتّجاه قوّة الجاذبيّة، بينما يجري الهواء البارد المُؤكسَد نحو قاعدة اللّهب. يُكسب الاختلاف في الضّغوط اللّهب شَكله المستطيل. أمّا في الفضاء فيكون اللّهب كرويًّا تمامًا، لأنّه لا يوجد اختلاف في الضّغوط بين أجزاء اللّهب في حال انعدام الجاذبيّة.  

 

لُهب غريبة في محطّة الفضاء:

وجد الباحثون أنّ غاز الهبتان يشتعل ويدوم اشتعاله في ظروف الجاذبيّة الصّغرى في درجة حرارة أقلّ كثيرًا من تلك اللّازمة لاشتعالِهِ على الكرة الأرضيّة، وتختلف الموادّ النّاتجة من احتراقِهِ في ظروف الجاذبيّة الصّغرى عنها على سطح الكرة الأرضيّة. تنتج مادّة أوّل أكسيد الكربون ومركّب الفورم ألدهيد العضويّ من احتراق الهبتان في ظروف الجاذبيّة الصّغرى بدلًا من الماء وثاني أكسيد الكربون والسناج الّتي تنتج من احتراقه على سطح الكرة الأرضيّة. تختلف، إذًا، كيمياء النّار في الفضاء عنها على سطح الأرض، إلى جانب اختلاف فيزياء النّار. ومن يعلم؟ ربّما نجد استخدامًا لهذه اللُّهب الباردة لغرض ما، ونكتشف المزيد عن عجائب النّار.

0 تعليقات