حرارة الماء، كيمياء الصّابون وميكانيكا إسفنجة التّنظيف. شطف الأدوات في المغسلة عمليّة علميّة دقيقة أوّلًا وقبل كلّ شيء

أُقرّ وأعترف أوّلًا بأنّني لا أملك مِغسلة (جلّاية) كهربائيّة للأواني. حسب معطيات معهد القدس للدّراسات السّياسيّة، فإنّ أربعين بالمائة من المنازل فقط امتلكت مغسلة كهربائيّة للأواني في العام 2017، فليس من المستبعد أن تكونوا ممّن يغسلون الأواني المتّسخة في المغسلة. عندما نغسل الأواني يدويًّا (وفي الغسّالة الكهربائيّة، أيضًا) نريدها نظيفةً خلال أقلّ وقت ممكن، ولا مانع من توفير الماء والصّابون المستهلَكَيْن.   

يتوجّب علينا أن نفهم الأسس العلميّة الّتي تعتمد عليها شتّى العمليّات الّتي نقوم بها عند غسل الأواني لنعرف كيف نغسلها بنجاعة. ما هي درجة حرارة الماء المفضّلة؟ هل يستحسن غسل الأواني غسلةً أوّليّة قبل إضافة الصّابون؟ كيف يعمل صابون غسل الأواني؟ هل يضرّ طلاء التّيفلون بالصّحّة؟ تستتر الإجابات عن جميع الأسئلة في علوم المغسلة.

السرّ في التنظيم

علينا اعتبار غسل الأواني منزلة خطّ إنتاجٍ في مصنع: تزداد نجاعة غسل الأواني كلّما أكثرنا من عمليّة الغسل بطريقة أكثر منهجيّة. حتّى إذا لم ترق لك رؤية ملعقة أو اثنتين متّسختين في المغسلة عليك استغلال الوقت والماء والصّابون بشكل أفضل، والانتظار حتّى تنضمّ إليها سائر الأواني الّتي استُخدمت في وجبة العشاء، وعندها فقط قم بغسلها مجتمعةً. إذا كنتم ممّن يروق لهم غسل كلّ إناءٍ متّسخٍ فورًا دون انتظار فلستم الوحيدين. أجرت لارا بيلكي (Belke) وزملاؤها من معهد الهندسة الزّراعيّة والمنزل والتّكنولوجيا في جامعة بون سنة 2018 استطلاعًا شاملًا لفحص عادات غسل الأواني لدى أشخاص من تسع دول مختلفة في أربع قارّات - قرابة ألف شخص من كلّ دولة. اِتّضح أنَّ 85%  من المشاركين في استطلاع الرّأي اعترفوا بأنّهم يغسلون الأواني منفردةً.   

الطّريقة الأنجع لشطف كمّيّة كبيرة متراكمة من الأواني في المغسلة هي توزيعها أوّلًا إلى مجموعات: مجموعة الكؤوس ومجموعة الصّحون ومجموعة السّكاكين والملاعق والشّوك وهكذا، ثمّ شطف المجموعة تلو الأخرى. نختار تسلسل شطف مجموعات الأواني حسب درجة اتّساخها بحيث نغسل أوّلًا مجموعة الأواني الأقلّ اتّساخًا مثل السّكاكين والملاعق والشّوك، ثمّ الّتي تحمل كمّيّةً أكبر من بقايا الأكل كالصّحون الّتي تعلق عليها بقع الحُمُّص والدّايسا. نغسل قِدر الحمين (نوع طبخة)، الّذي كانت له نكهة خاصّة خلال الوجبة، في النّهاية لتجنّب تكدّس بقايا الأكل العالقة به في المغسلة فتغرق بها كومة الأواني الّتي تُغسلُ لاحقًا. 

من المستحسن أن نُعوّد أنفسنا على إلقاء بقايا الأكل العالقة بالأواني في سلّة المهملات قبل وضعها في المغسلة. يفيد استطلاع الرّأي المذكور أعلاه (من جامعة بون) أنّ حوالي 75 بالمئة من المشاركين فيه يفعلون ذلك.

 

אדם שוטף צלחות בכיור | Shutterstock, Ilike
أنجع طريقة لشطف الأواني هي توزيعها إلى مجموعات. شخص يغسل صحونًا في المغسلة | Shutterstock, Ilike

 

بارد، حارّ، يسخن

الأمر التّالي هو درجة حرارة ماء الحنفيّة. توصي وزارة الصّحّة شطف أواني المطبخ باستخدام "ليفة جلي" أو فرشاة وماء ساخن مع سائل شطف الأواني. توجد عدة أفضليّات للشّطف بالماء السّاخن: تساعد الحرارة في إذابة بقايا الدّهنيّات وبقايا الأكل الأخرى الملتصقة  بالأواني، ويقلّ الوقت اللّازم لتجفيف الأواني في الهواء.

توصي جمعيّة "لنضع حدًّا للأمراض المنقولة عن طريق الغذاء" في الولايات المتّحدة بشطف الأواني في درجة حرارة 75 مئويّة للقضاء على البكتيريا. ولكن اليد البشريّة لا تحتمل هذه الدّرجة العالية من الحرارة ولا يُعقل أن نغسل الأواني يدويًّا في هذه الدّرجة من الحرارة. بالمناسبة، هذه إحدى أفضليّات شطف أواني المطبخ بواسطة الغسّالة الكهربائيّة للأواني. 

ومع ذلك، أشار باحثون من جامعة أوهايو سنة 2007 إلى أنَّ شطف أواني المطبخ بالماء البارد والصّابون بإضافة مادّة مُعقِّمة (محلول على أساس الأمونيا) يزيل الأوساخ بنفس نجاعة إزالتها بالماء السّاخن. يمكن الافتراض أنّ شطف الأواني شطفًا أساسيًّا بماء ساخن بعض الشّيء والصّابون بدون استخدام مثل هذا المحلول الخاصّ (عل أساس الأمونيا) من شأنه أن يزيل كلّ بقايا الغذاء بحيث لا يبقى مكان تقيم فيه البكتيريا مستعمراتٍ لتتكاثر فيها.

 

תרמוגרם של שטיפת כלים במים חמים, הצבע מעיד על הטמפרטורה, החלקים החמים ביותר בלבן | SPL, Science Stock Photography

يمكن للحرارة أن تُساهم في إذابة بقايا الدّهنيّات  الملتصقة بالأواني. مُخَطِّط حراريّ (ثيرموجرام) لشطف الأواني بالماء الحارّ. يشير اللّون  إلى درجة الحرارة. يشير اللّون  الأبيض إلى الأجزاء الأكثر سخونةً | SPL, Science Stock Photography

 

نَشِطون في الميدان

اللّاعب المهمّ التّالي في غسل الأواني هو الصّابون طبعًا. تشير معاينة قائمة المُركّبات في العديد من السّوائل التّجاريّة لغسل الأواني إلى أنّها تحتوي على نسب مئويّة متفاوتة من المادّة الفعّالة. يمكن تشبيه جزيئات المادّة الفعّالة بقطعة الحلوى المحمولة على رأس عصًا، بحيث يُحبّ رأس العصا الماء (هيدروفيليًّا) ويكره الذّيل الماءَ (هيدروفوبيا) ويُفضِّل الارتباط بالدّهون. عند إدخال "قطع الحلوى" إلى الماء تترابط الذّيول كارهة الماء فيما بينها وتُكوّن ما يشبه الكريات. تغطّي رؤوس قطع الحلوى المُحِبّة للماء السّطح الخارجيّ لهذه الكريات. تتحوّل الكريات إلى فقاعات الصّابون عندما ينحبس الهواء داخلها. 

تُسمّى هذه الموادّ "موادّ فعّالة خافضة للتّوتّر السّطحيّ". ترتبط جزيئاتها بجزيئات الموادّ الدّهنيّة الّتي تُشكِّلُ الأوساخ الأشدّ التصاقًا بالأواني من أحد أطرافها وترتبط بجزيئات الماء من الطّرف الآخر فتساعد تيّار الماء على إزالة الأوساخ عن الأواني. يمكن أن تساهم الموادّ الفعّالة في إزالة البكتيريا عن الأواني لأنّها (أي البكتيريا) محاطة بغلاف دهنيّ يرتبط به الطّرف الهيدروفوبي لهذه الموادّ فيتمّ شطفها في المغسلة. يساعد غسل الأيدي بالصّابون في التّخلّص من البكتيريا بالطّريقة نفسها. تُقلّلُ نجاعة الصّابون في إزالة البكتيريا من الحاجة لاستخدام الماء المغليّ للقضاء عليها.

يحتوي الصّابون، عدا عن الموادّ الفعّالة، على العِطر والصّبغة وموادّ لموازنة مستوى الحامضيّة  (pH). تُسوّق بعض موادّ صابون الأواني مع علامة "مضادّ للبكتيريا" لأنّها تحتوي على موادّ خاصّة تعمل على إبادة الجراثيم عِوضًا عن  إزالتها عن الأواني فقط. حظرت دائرة الغذاء والأدوية الأمريكيّة سنة 2016 استخدام بعض هذه الموادّ الّتي لم تُثبت نجاعتها والّتي اتّضح أنّها قد تكون ضارّة في بعض الحالات. 

يضيف المنتجون في السّنوات الأخيرة الإنزيمات إلى صابون الأواني. الإنزيمات هي زلاليّات (بروتينات) تُحفّز تفاعلات كيميائيّة معيّنة. مثلًا، توجد إنزيمات تختصّ بتحليل الدّهنيّات والنّشويّات أو الزّلال - وهي ثلاثة أنواع جزيئات موجودة في الغذاء بنسب عالية. تُستخدم الإنزيمات في مساحيق وسوائل غسل الملابس للسّبب نفسه، وهي تُمَكّن من الحصول على ملابس نظيفة جدًّا حتّى إذا غُسلت بالماء البارد. يُمكّن استخدام الإنزيمات من توفير كبير في الطّاقة اللّازمة لتسخين الماء. 

يتحتّم نقع الأواني في الماء مع الصّابون ليتسنّى للإنزيمات القيام بعملها. المُدّة اللّازمة لنقع الأواني تكون أقصر بوجود الإنزيمات، وإذا لم تعتادوا على نقع الأواني قبل غسلها سيتّضح لكم أنّ أفضليّة إضافة الإنزيمات محدودة. بالإضافة لذلك، ثمن صابون الأواني الّذي يحتوي على الإنزيمات ضعف ثمن الصّابون العاديّ.

 

אילוסטרציה של חלקיק סבון | SPL, Claus Lunau

يوجد لجزيء المادّة الفعّالة رأس محبّ للماء وذيل كاره للماء. عند إدخال الجزيئات للماء ترتبط الذّيول الكارهة للماء فيما بينها فتُكوّن ما يشبه الكريات تكون الرّؤوس المحبّة  للماء في جانبها الخارجيّ. رسم توضيحيّ لجسيم من الصّابون | SPL, Claus Lunau
 

حرب لِيَف جلي الأواني

الماء والصّابون غير قادِرَيْن على تنظيف الأواني وحدهما، ويجب فرك الأواني بوسيلة تنظيف خشنة. ما هي ليفة الجلي الّتي تتطلّب تشغيل أقلّ قوّة، وتعطي أواني أنظف؟  

القاعدة في هذا الشّأن هي أنّه كلّما ازدادت خشونة اللّيفة ازداد احتكاكها مع سطح الإناء الّذي نقوم بتنظيفه، وقلّت القوّة الّتي يجب تشغيلها لتنظيف الإناء. السّكوتش أخشن من إسفنجة التّنظيف، والصّوف الفولاذيّ أخشن من السّكوتش. 

هل يعني ذلك أنّه يستحسن استخدام وسيلة التّنظيف الأكثر خشونة دائمًا؟ كلّا. مثلًا، إذا قمنا بتنظيف مقلاةٍ من التّفلون باستخدام الصّوف الفولاذيّ فقد يؤدّي ذلك إلى إزالة جزءٍ من طلاء التّفلون. صحيحٌ أنَّ جسيمات طلاء مقالي التّفلون الحديثة لا تشكّل خطرًا صحّيًّا، لكن الإضرار بطلاء التّفلون الأملس الّذي يمنع التصاق الأوساخ بالمقلاة أو القِدر يُقلّل من نجاعته، ويصبح تنظيفه أكثر صعوبة في المرّة القادمة. قد يؤدّي استخدام الصّوف الفولاذيّ إلى خدش أوانٍ أخرى عدا عن أواني التّفلون. 

عندما نختار إسفنجة تنظيف علينا أن نأخذ بالحسبان أنّها قد تكون مرتعًا لتكاثر مستعمرات البكتيريا. فحصَ باحثون ألمان سنة 2017 تركيبة البكتيريا الموجودة على إسفنجة تنظيف عاديّة فوجدوا 362 نوعًا مختلفًا من البكتيريا بكثافة وصلت إلى 45 مليار بكتيريا في السّنتمتر المربّع الواحد. صحيحٌ أنّه لم توجد بكتيريا خطرة صحّيًّا مثل E.Coli إلّا أنَّ هذه المعطيات مثيرةٌ للقلق. يوصى باستخدام وسائل تنظيف بلاستيكيّة مثل السّكوتش أو اللّيفة أو فرشاة السّيليكون لتجنّب تكوّن مستعمرات ضخمة من البكتيريا على شايش المطبخ. ويوصي الباحثون غسل أدوات التّنظيف في المغاسل وتكرار تبديلها - مرّة في الأسبوع على الأقلّ.

אישה מנקה מחבת | Shutterstock, Alena TS

قد يؤدّي تنظيف مقلاة  التّفلون بالصّوف الفولاذيّ إلى التّقليل من نجاعتها لأنّه  يزيل جزءًا من الطّلاء. سيّدة تنظّف مقلاةً. | Shutterstock, Alena TS

هواء الأدوات الصّافي كالنّبيذ

هل تُترك الأواني بعد تنظيفها وتلميعها لتجفّ من تلقائها على مرفق التّجفيف، أو أنّه يُفضّل تجفيفها بالمنشفة؟ توصية وزارة الصّحّة: "يجب تجفيف الأواني في الهواء بعد شطفها بالماء السّاخن". إذا جفّفنا الأدوات باستخدام مناشف مُتّسخة فقد ننقل الأوساخ إليها من جديد، بعد المجهود الّذي بذلناه في تنظيفها. قد تكون المناشف أرضًا خصبةً لتكاثر البكتيريا حتّى لو لم نشاهد عليها الأوساخ بالعين المجرّدة،  لأنّها غالبًا لا تكون جافّةً. عليكم تكرار تبديل المنشفة إذا كنتم ممّن يجفّفون الأواني باستخدامها. 

شطف الأواني عمليّة بسيطة نقوم بها يوميًّا ولكنّها تعتمد على مبادئ علميّة أساسيّة. تتجلّى أهمّيّة العلوم وملاءمتها وصلتها بعملية شطف الأواني، وهي إحدى العمليّات الّتي نقوم بها يوميًّا في ميكانيكا فرك الأواني وكيمياء صابون الأواني والماء السّاخن وعالم الأحياء الغنيّ الّذي قد ينمو على السّكوتشات الّتي نستخدمها. يمكن أن تكون مغسلة المطبخ بمنزلة مختبر منزليّ رائع: أتودّون أن تعرفوا، مثلًا، إن كان يُفضّل تنظيف الأواني بحركة دائريّة أم بحركة خطّيّة مستقيمة؟ خذوا عددًا من أطباق الطّعام ثمّ ضعوا عليها كمّيّات متساوية من الطّحينة الخام أو المُربّى (على سبيل المثال) واتركوها تجفّ. اِفحصوا عددًا من طرق التّنظيف لتكتشفوا الطّريقة الّتي تُزيل الأوساخ بصورة أسرع من غيرها. هل توجد لديكم أفكارٌ أخرى؟ رائع! أليس العلم شيئًا مثيرًا حقًّا؟ 

 

الترجمة للعربيّة: أ. خالد إبراهيم مصالحة
التدقيق والتحرير اللغويّ: د. عصام عساقلة
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات