أين يزرعون أكبر كمّيّة من القمح، وأين يستهلكون أكثر كمّيّة منه؟ وما هو دور إسرائيل في منع النّقص العالميّ؟ نظرة عالميّة شاملة على حبوب القمح المحلّيّة
زُرِعت في العام 2021 حوالي 770 مليون طن من القمح في أنحاء العالم، وذلك على مساحة قدرها 2 مليار دونم، والّتي تُشكّل 16 بالمئة من المساحات الصّالحة للزّراعة في العالم. تستهلك زراعة القمح مساحةً أكبر من أيّ زراعة أخرى، وهي توفّر لكل شخص من سكان العالم ما معدّله 2 كغم (كيلوغرام) من القمح والحبوب في الأسبوع . يُزوّد القمح وحده حوالي خُمس استهلاك سكان العالم من السّعرات الحراريّة والبروتينات، وهو، أي القمح، مصيريّ لتأمين غذائنا، منذ عشرة آلاف سنة.
تستهلك زراعة القمح في بلادنا مساحات شاسعة: حوالي مليون دونم، وهي تُشكّلُ ربع المساحات الزّراعيّة في البلاد، وحوالي خمسة بالمئة من مساحة أراضي البلاد قاطبةً. تنمو غالبيّة القمح في جنوبي البلاد، نصف المساحة المزروعة مُعدّ لتنمية الحبوب لتغذية السّكّان، ويزوّدُ باقي المساحة المزروعة العلف للحيوانات البيتيّة.
يبلغ الاستهلاك القوميّ من القمح في البلاد حوالي 2 مليون طن في السّنة الواحدة، حوالي نصفها مُعدٌّ لإطعام الحيوانات البيتيّة والزّراعيّة. تُنتِج زراعة القمح المحلّيّة حوالي 150 ألف طن في السّنة، وتُشكّل ما يقلّ عن عُشر كمّيّة الاستهلاك القوميّ. نحن نستورد الغالبيّة المطلقة من الحنطة المستهلكة محلّيًّا من الولايات المتّحدة الأمريكيّة بشكل خاصّ، ومن أوروبا وأمريكا الجنوبيّة.
تصدَّرَ تعلّقنا الغذائيّ بدول أخرى العناوين بعد الاجتياح الروسيّ لأوكرانيا، والّذي نجم عنه ارتفاع الأسعار عالميًّا، لكن لا يقتصر تعلّقنا بالدّول الأخرى على القمح. تصل الغالبيّة العظمى من الغذاء الّذي نستهلكه من وراء البحار، على الرغم من أنّنا ننتج ونُربّي بأنفسنا لأنفسنا، غالبية الدّجاج والطّيور، ومنتجات الحليب، والفواكه والخضار. فعلى سبيل المثال، 97 بالمائة من إمدادات الأسماك ومنتجاتها في البلاد سنة 2020 كانت مستوردة، وكذلك الغالبيّة العظمى من الزّيوت والسّكّر ولحم البقر. "أكثر من 80 بالمائة من السّعرات الحراريّة الّتي نستهلكها مستوردة"، هذا ما صرحت به نوݞه كرنفلد-شور، العالِمة الرّئيسة في وزارة حماية البيئة.
يحتلّ محصول القمح في البلاد ربع المساحات الزّراعية ويُزوّد أقلّ من عشر الاستهلاك القوميّ. حصاد القمح في حقول في منطقة كيبوتس مجيدو في مرج بن عامر. | تصوير: StockStudio Aerials, Shutterstock
ملكة الشّتاء
ينمو القمح في ظروف متنوّعة في أكثر من 120 دولة من دول العالم. على الرّغم من ذلك، فإنّ غالبية زراعة القمح هي في المناطق ذات المناخ المُعتدل (المُكَيَّف)، مثل أوروبا وشمال شرق الصين. القمح الأكثر شيوعًا هو قمح الشّتاء، الّذي يُزرع في فصل الخريف، ويجابه الشّتاء البارد، وينمو في الرّبيع ويُحصَد في آخره أو في بداية فصل الصّيف. أصناف قمح الشتاء مُعَوّدةٌ على البرد القارس، وهي لا تُزهِر إلّا بعد أن تتعرّض لموجة برد متواصلة. تُعطي هذه الأصناف أكبر محصول على صعيد عالميّ، يبلغ معدّله 700 كغم من الحبوب للدونم الواحد، وذلك في أوروبا الغربيّة. ذلك يعني أنّ قمح الشتاء يزدهر بالذّات أينما يصيب الصّقيع غالبيّة المزروعات ويضرّ بها. تُزرع في المناطق معتدلة المناخ أصناف أخرى من القمح، والتي تسمّى بقمح الرّبيع. تُزرع هذه الأصناف في فصل الرّبيع، وتنمو بمياه أمطار الرّبيع والصّيف، وتُحصَد في فصل الخريف. يُزرعُ قمح الربيع، في البلاد الّتي يسود فيها شتاء معتدل وصيف جافّ مثل بلادنا، في فصل الخريف، ويُحصَد في فصل الربيع، في عيد العنصرة (شاڤوعوت).
أكبر منتجي القمح في العالم هم الاتّحاد الأوروبيّ، والصّين والهند، كما أنّها أكبر المستهلكين. على الرّغم من ذلك، فإنّ أكثر استهلاك للفرد الواحد هو في دول شمال إفريقيا ودول وسط آسيا، حوالي 150 كغم في العام الواحد - ما يعادل ضعفي ونصف معدلَ الاستهلاك العالميّ. حوالي ربع حتّى ثلث إجمالي القمح المزروع في أنحاء العالم معدٌّ للتّصدير، إذ بلغ حجم التّجارة السّنويّ بالقمح سنة 2021 حوالي 200 مليون طنّ، بقيمة ما يقارب 60 مليار دولار أمريكيّ. مصدر غالبية صادرات القمح هو دول أوروبّا بما فيها روسيا وأوكرانيا، ودول أمريكا الشّماليّة.
تنمو غالبيّة القمح في المناطق الّتي يسود فيها مناخ معتدل (مُكيَّف). خريطة زراعة القمح في العالم سنة 2000، يشير اللّون الأكثر غمقًا إلى نسبة أعلى من المساحات المزروعة بالقمح | المصدر: AndrewMT, Wikipedia
زيادة المحصول
شاهد العالم انقلابًا هائلًا في زراعة القمح في السّنوات السّتين الأخيرة. أدّى ولوج العلم في زراعة القمح، بفعل الثّورة الخضراء، إلى زيادة محصول حقول القمح في العالم الآخذ بالتّطوّر، وفي العالم جمعاء. طوّر الباحثون أصنافًا جديدة من القمح، وأساليب محسّنة ودقيقة لفلاحة الأرض، واستخدام الأسمدة الصّناعيّة على نطاق واسع، وما زالت هذه التّحسينات جارية على قدم وساق. تضاعف محصول القمح في ستّة العقود الماضية 3.5 ضعفًا، دون زيادة في المساحات المزروعة. تضاعف تعداد سكّان العالم خلال الفترة ذاتها 2.6 ضعفًا، وذلك بفضل التّحسينات الّتي أجريت في الزّراعة، والّتي منعت الجوع من ملايين البشر.
يجب ريّ الحقول الزراعية في المناطق الجافة من أجل زيادة المحصول زيادة ملحوظة. يبلغ معدل محصول الدونم الواحد في مصر والمكسيك مثلًا، والّتي من المعتاد ريّ الحقول فيها، 600 كغم. تفيد دراسة أُجريت سنة 2021 أنّه قد يؤدّي ريّ حقول القمح في العالم إلى زيادة المنتوج العالميّ بمقدار الثّلث، وتلبية الطّلب الآخذ في الازدياد، النّاجم عن ازدياد عدد سكان العالم. مع ذلك، فإنّ مياه الريّ غير متوفّرة في كثير من الحالات، أو أنّ تكاليفه تعيق تطبيقه.
حصل تحسّن ملحوظ في محصول الحقول في بلادنا أيضًا، إذ ازداد معدّل هذا المحصول من 100 كغم للدّونم الواحد، في سنوات الستين من القرن العشرين إلى 200 وحتّى 300 كغم وأكثر للدونم الواحد. يعيق عدم توفر المياه في البلاد، على الرغم من ذلك، زيادة محصول القمح الذي يُزرع بعلًا في غالبيته. ينجم عن ذلك تفاوت كبير في محصول القمح في البلاد في السّنوات المختلفة وفي المناطق الجغرافيّة المختلفة. المحصول في شمالي البلاد، أو في عام ماطر، أكبر منه في النقب أو في سنوات القحل. يؤثّر توزع الأمطار على امتداد العام، بالإضافة إلى كمّيّتها، وشدّتها، وأوقات هطولها تأثيرًا بالغًا على المحصول. أضف إلى ذلك أنّ الزّيادة في درجات الحرارة وموجات الحرّ، قد تؤدّي إلى تفاقم نقص المياه والإجهاد الذي تعاني منه النباتات.
ينجم عن الاعتماد على حالة الطّقس في البلاد تفاوت كبير في المحصول. محصول القمح في البلاد (بالأخضر) مقابل قمح الشّتاء في أوروبّا الغربيّة (باللّون البرتقاليّ) والقمح المَرويّ في مصر (بالأحمر) | المصدر: https://ourworldindata.org/
دولة عظمى في مجال الحبوب؟
إسرائيل بعيدة كلّ البعد، كما ذُكِرَ أعلاه، عن توفير استهلاكها من القمح عن طريق الزراعة، وذلك بسبب النّقص في المساحات الزّراعيّة ومياه الأمطار أو الريّ. يحتوي استيراد القمح إلى البلاد، عمليًّا، في جعبته كمّيّةً من المياه تعادل استهلاك المياه في السّوق المحلّيّ بمجمله، حيث يستهلك الكغم الواحد من حبوب القمح في العالم ما معدله 1200 لتر تقريبًا من مياه الأمطار، بالإضافة إلى حوالي 300 لتر من مياه الري. مع ذلك، يحتمل أن تقدر إسرائيل على الإسهام في إنجاح مواجهة سوق القمح العالميّ للتّحديات المستقبليّة.
من المتوقّع أن تُلحق الأزمة المناخيّة الضرر بكمّيّات محاصيل القمح وجودتها، في وقت يزداد فيه عدد سكان العالم، ويتفاقم الافتقار لحبوب القمح. يؤثّر الاحترار، أمواج الحرّ، القحْل، الفيضانات وتغير نمط الأمطار على القمح، وعلى انتشار الأوبئة والكائنات الضّارّة. قد يُقلّل الرّيّ من تأثير التّغيّرات المناخيّة، كما يمكننا توسيع المساحات الزّراعيّة، لكن يبدو أنّ ذلك لا يكفي. يجب تطوير أصناف جديدة من القمح تعطي محصولًا أكبر، وتصمد في وجه الأمراض والكائنات الضّارّة وظروف الحرارة والجفاف والملوحة. على الرّغم من ذلك، فقد قلّصَت البشرية على مرّ السنين من أصناف القمح المزروعة تقليصًا حادًّا، فتقلّص التّنوّع الجينيّ المتوفّر لدينا من أجل تطوير أصناف جديدة.
في إطار مشروع بلاد القمح، تُجمَع بذور الأصناف التّقليديّة وتُخزَّن، الّتي زرعها الفلاحون في البلاد على امتداد آلاف السنين. تُشكّل هذه الأصناف بنكًا من المورِثات (الجينات) متاحةً لِغرض تحسين أصناف القمح المستقبليّة والعناية بها. تنصبّ الآمال نحو إمكانيّة تطوير خصائص متنوعة ومرغوبة للأصناف المستقبليّة، من المذاق الأفضل حتّى مقاومة الأمراض والكائنات الضّارّة، والقدرة على النّموّ في ظروف الجفاف والحرارة، وذلك بفضل الاختلاف الكبير بين هذه الأصناف وبين أصناف القمح الحديثة. أضف إلى ذلك أنّ بلادنا هي رائدة في المشاريع التّكنولوجيّة الّتي ترمي إلى تقليص استهلاك الغذاء من المصادر الحيوانيّة، الأمر الّذي من شأنه أن يقلّل إلى حدٍّ كبيرمن الحاجة إلى كمّيّات كبيرة من التّنمية الزّراعيّة. تعتمد غالبية غذائنا في البلاد على التّنمية الزّراعيّة فيما وراء البحار، إلّا أنّه بإمكاننا مساعدة الأجيال القادمة كثيرًا على الصّعيد المحلّيّ والعالميّ، وذلك عن طريق المحافظة على مواردنا الطّبيعيّة ومواصلة الاعتناء بالعلوم والتّكنولوجيا ورعايتها.