شرعت شركة صينيّة خاصّة بإنشاء شبكة اتّصالات عن طريق الأقمار الصّناعيّة، أمّا السّفينة الفضائيّة بوينغ، فقد تمّ تأجيل إطلاقها مرّة أخرى، وتقترب المهمّة الخاصّة شيئًا فشيئًا من وضعها حيّز التّنفيذ، أمّا محطّة أرتميس الفضائيّة، فهي أصغر ممّا ينبغي. هاكم سردًا أسبوعيًّا ملخّصًا لِمستجدّات ما يحصل في أرجاء الكون.

ألفٌ من الأشرعة تُزوّد الإنترنت من الفضاء

أطلقت الصّين هذا الأسبوع ثمانية عشر قمرًا صناعيًّا، تدور في مسار منخفض، هي الأولى من بين منظومة ضخمة من الأقمار الصّناعيّة المعدّة لتزويد الاتّصالات الإنترنيتيّة للكرة الأرضيّة بأنحائها، شبيهة بشبكة ستارلنك التّابعة لشركة سبيس إكس. تعمل شركة Shanghai Spacecom Satellite Technology، أو SSST باختصار، على إنشاء هذه المنظومة، وقد جنّدت تمويلًا بلغ مقداره حوالي مليار دولار لمشروع "الألف شراع" (Qianfan). تقضي الخطة بأن تشمل هذه المنظومة في المرحلة الأولى من المشروع 1296 قمرًا صناعيًّا، يتمّ وضع نصفها في الفضاء حتّى نهاية العام القادم. تنوي الشّركة، حتّى قبل ذلك، وضع 108 أقمار صناعيّة في مسارها في نهاية العام الجاري (2024). يبلغ إجماليّ عدد الأقمار الصّناعية المُتوقّع أن تشمله هذه الكوكبة العملاقة حوالي أربعة عشر ألف قمر للاتّصالات، يتمّ وضعها في الفضاء حتّى العام 2030. 

تشمل الشّبكة الأمريكيّة اليوم، للمقارنة، حوالي ستّة آلاف قمر صناعيّ للاتّصالات من أصل اِثني عشر ألف قمر تمّ التّخطيط لها، والنّيّة هي أن يتعدّى عدد الأقمار الّتي تضعها شركة سبيس إكس الخاصّة في الفضاء أربعةً وثلاثين ألف قمر ستارلنك. يقدّر خبراء الاقتصاد أن تزيد مدخولات شركة سبيس إكس، بعد مرور خمس سنوات على إطلاق الأقمار الصّناعيّة الأولى، عن ستّة مليارات من الدّولارات

ليست SSST هي الشّركة الوحيدة الّتي أدركت مدى القدرات الكامنة في مثل هذا المشروع. يجري التّخطيط لإقامة شبكات اتّصال عن طريق الأقمار الصّناعيّة من قبل شركتين إضافيّتين: تخطّط شركة China Satellite Network Group الحكوميّة إنشاء شبكة اتّصالات خاصّة بها، في القريب العاجل، تعتمد على منظومة ضخمة من ثلاثة عشر قمرًا صناعيًّا، وتخطّط شركة Landspace إقامة منظومة مشابهة خاصّة بها تشمل أكثر من عشرة آلاف من الأقمار الصّناعيّة. يتحتّم على الصّين تحسين وترقية قدرات إطلاق الأقمار إلى الفضاء. اِنخرط عدد من الشّركات الصّينيّة في مجال الفضاء والصّواريخ في السّنين الأخيرة، إلّا أنّ الإخفاقات رافقتها من حين لآخر. أعلنت الصّين مطلعَ هذا العام عزمها على تنفيذ حوالي مئة مهمّة إطلاق فضائيّة سنة 2024، ثلثها من قبل القطاع الخاصّ، وقد تمّ تحقيق حوالي خمس وثلاثين مهمّة إطلاق فقط حتّى اليوم. 

تبلغ قدرة صاروخ لونغ مارتش A6 - الصّاروخ متوسّط الحجم الّذي استخدمته شركة SSST لإطلاق الأقمار الصّناعية الجديدة من قاعدة تيونان في شمال الصّين - على حمل حوالي أربعة أطنان ونصف وإطلاقها إلى مسار يبلغ ارتفاعه سبعمائة كيلومتر. طوّرت مؤسّسة Shanghai Academy of Spaceflight Technology التّشاركيّة الّتي تمتلكها الدّولة هذا الصّاروخ. يستخدم هذا الصّاروخ الوقود السّائل على مرحلتين، ويحتوي، أيضًا، على أربعة من المُعجِّلات الّتي تُشغَّل بالوقود الصّلب. حذّر خبراء من تفكّك المرحلة الثّانية من الصّاروخ المنطلق وتساقط أجزاء منه في الفضاء وزيادة كمّيّة النفايات فيه. أفاد التّقرير الّذي أصدرته شركة S2a السّويسريّة والمتخصّصة بمتابعة النّفايات في الفضاء أنّ مثل هذه الصّواريخ خلّفت دربًا من أجزاء الحطام الصّغيرة في إطلاقَيْن لها على الأقل، وذلك في شهر آذار/ مارس وشهر تمّوز/ يوليو هذا العام. من المحتمل أنَّ مصدر هذا الحطام هو موادّ عازلة أو أغلفة واقية تتفتّت في الفضاء، إلّا أنّ ذلك ليس مؤكَّدًا. لا تحظى هذه القضيّة باهتمام العالم في الوقت الحاليّ، لكن، لا بدّ أن يُلزِمَ تنفيذ الصّين خططها لإطلاق الكثير من مثل هذه الصّواريخ الولايات المتّحدة والدّول الأخرى، الّتي تُشغِّل أقمارًا صناعيّة وسفنًا فضائية، التّعامل مع مسألة ازدياد كمّيّة النفايات في الفضاء ازديادًا ملحوظًا.

أوّل ثمانية عشر قمرًا صناعيًّا من أصل منظومة مخطّطة تشمل أربعة عشر ألفًا، وهي واحدة من ثلاث منظومات تقوم الصّين بتطويرها. 

إطلاق الأقمار الصّناعيّة Qianfan من شمال الصّين هذا الأسبوع:

الانتظار داخل المحطّة

أعلنت وكالة الفضاء الأمريكيّة، ناسا، تأجيل التّبديل المخطّط لطاقم المحطّة الفضائيّة الدّولية شهرًا واحدًا على الأقلّ عن المقرّر الأصلي نظرًا لتأخّر إتمام الرِّحلة المأهولة التّجريبيّة الأولى للمركبة الفضائيّة ستار لاين التّابعة لشركة بوينغ، والّتي تقبع في محطّة الإطلاق منذ ما يزيد عن شهر. 

كان من المخطّط إطلاق مركبة دراغون الفضائيّة التابعة لـِ سبيس إكس، والّتي أُعدّت لحمل طاقم الفضائيّين التّالي ونقله إلى المحطّة الفضائيّة الدّوليّة في الثّامن عشر من آب - أغسطس، إلّا أنّ ناسا أعلنت قبل أسابيع عن تأجيل مهمّة الإطلاق حتّى الرّابع والعشرين من أيلول- سبتمبر على الأقلّ. ورد في إعلان ناسا: "يمنح تأجيل الإطلاق مديري المهمّة المزيد من الوقت لإتمام إعادة مركبة بوينغ الفضائيّة الّتي ما زالت راسيةً في المحطّة الفضائيّة".

أُطْلِقت مركبة بوينغ الفضائيّة إلى محطّة الفضاء الدّوليّة بداية شهر حزيران- يونيو، على الرّغم من تسرّب الهيليوم من محرّكات القيادة، واكْتُشِفت تسرّبات من المزيد من محرّكات المركبة أثناء رحلتها نحو المحطّة، كما اكْتُشِف عُطلٌ في أحد المحرّكات الأخرى. اِتّخذت بوينج وناسا قرارًا مشتركًا بإبقاء الفضائيَّيْن سونيتا ويليامز(Williams) وباري ولمور (Wilmore) في المحطّة الفضائيّة الدّوليّة، بينما يحاول الطّاقم الأرضيّ فكّ شفرة مصادر هذه العُيوب (أعطال). أجرى الطّاقم الأرضيّ في الأسبوع الماضي بعض الفحوصات لتشغيل المحرّكات في المركبة الفضائيّة الرّاسية في المحطّة الفضائيّة، ولمّا يُعلن عن نتائج هذه الفحوصات بعد. 

أعلنت شركة بوينج في بداية آب أغسطس عن ثقتها المطلقة بقدرة المركبة الفضائيّة على إعادة الفضائيّين إلى الأرض بسلام، ذلك على ضوء الفحوصات والمحاكيات الكثيرة الّتي أجرتها طواقمها الأرضيّة. يبدو أنّ ناسا لا تسارع في اتّخاذ القرار، على أمل إجراء المزيد من التّقييم والفحوصات علّها تُسهم في تقليص حالة عدم اليقين إلى أدنى حدّ، بل ويدرسون الطّلب من شركة سبيس إكس إعادة الفضائيّين بواسطة مركبة دراغون الفضائيّة. لا يجري الحديث حاليًّا عن مهمّة إطلاق أخرى لهذا الغرض، وإنّما إضافة مقعدين في المركبة الفضائيّة المعدّة لنقل الطّاقم التّاسع إلى المحطّة الفضائيّة الدّوليّة، وإعادة الفضائيّين العالقين مع الطّاقم في نهاية مهمّته، في شباط - فبراير من العام المقبل 2025. 


خُطِّط لهما المكوث ليومين، لكنّهما لا يزالان في الانتظار منذ شهر، وقد يعودان بعد ثمانية أشهر. ولمور ووليامز في محطّة الفضاء الدّوليّة في الشّهر الماضي | تصوير: NASA 

شؤون خاصّة

أعلنت شركة سبيس إكس، سابقًا أنّها اختارت السّادس والعشرين من شهر آب / أغسطس الماضي لإطلاق المهمّة الرّائدة الخاصّة Polaris Dawn، ثمّ تمّ تأجيلها مرّة أخرى حتّى تاريخ العاشر من أيلول - سبتمبر، والتّي من المتوقّع أن يقوم خلالها، ولأوّل مرة، روّاد فضاءٍ خاصّون بـِ "سيرٍ فضائيّ". جدير بالذّكر أنّ هذه المهمّة كانت قد أُجِّلت عدّة مرّات، وقد تمّ الإعلان عن التّاريخ الجديد، كالعادة، عن طريق تغريدة على صفحة حساب المهمّة. 

يضمّ طاقم المهمّة كلًّا من قائد المهمّة جارد أيزكمان (Isaacman)، وهو ملياردير مموّل للمشروع، وكان قد قاد المهمّة الخاصّة Inspiration 4، وسكوت بوتيت (Poteet)، وهو طيّار تجارب سابقًا في سلاح الجوّ الأمريكيّ، إلى جانب عاملتين مرموقتين في سبيس إكس، وهما مهندسة الطّيران سارة غيليس (Gillis)، ومهندسة الطّبّ - الحيويّ آنا مينون (Menon)، الّتي عملتْ في ناسا. من المتوقّع أن يُجري الطّاقم تجارب كثيرة خلال المهمّة المخطّط لها أن تستمرّ خمسة أيام. من المتوقّع أن يصل فضائيّو هذه المهمّة إلى ارتفاع ألف وأربعة مئة كيلومتر عن سطح الكرة الأرضيّة - اِرتفاع لم يبلغه البشر منذ مشروع أبولو. هذه هي المهمّة الأولى من بين ثلاث مهامّ خاصّة تمّ التّخطيط لِإنجازها ضمن مشروع بولاريس، تُجرى ثالثتها - الّتي لم يُحدّد لها موعد مقدّر بعد - في المركبة الفضائيّة ستارشيب. ستارشيب هي المركبة الفضائيّة العملاقة الّتي تعمل سبيس إكس على تطويرها، والمعدّة للقيام برحلات مأهولة بالأشخاص إلى المرّيخ، وللهبوط على القمر، والقيام بمهامّ متنوّعة في مسارات حول الكرة الأرضيّة.


تتلاشى الحدود الفاصلة بين المهامّ الفضائيّة المهنيّة وبين المهامّ الخاصّة. الخروج من مركبة دراغون الفضائيّة لـِ " السّير في الفضاء" | المحاكاة: Polaris Program

المشاكل المعيقة في محطّة المستقبل

تخطّط الولايات المتّحدة، من خلال مشروع أرتميس، إنزال أشخاص على القمر من جديد مع نهاية العقد الزّمنيّ الجاري، ويتضمّن المشروع إنشاء محطّة فضائيّة تدور حول القمر. من المقرّر أن يتمّ استخدام هذه المحطّة، المدعوّة "بوّابة القمر" Lunar Gateway، في المشروع بدءًا بالمهمّة الرّابعة. سوف ترسو مركبات أوريون الفضائيّة، حسب ما هو مخطّط اليوم، في المحطّة الفضائيّة بعد أن تنقل الفضائيّين من الكرة الأرضيّة، وبعدها ينتقل الفضائيّون إلى مركبة الهبوط الّتي ستأخذهم إلى سطح القمر، وتعيدهم إلى المحطّة بعد إتمام مهامّهم على سطحه. من المخطّط أن تُستخدَم "سفينة" سبيس إكس مركبةً للهبوط في المهامّ المأهولة الأولى، ثمّ تنضمّ إليها لاحقًا مركبة هبوط أخرى، تابعة لشركة بلو أوريجن. 

توجد أفضليّات لهذه الفكرة: اِستخدام مركبة فضائيّة منفردة في الرّحلة إلى القمر، وأخرى لِلهبوط على سطحه، كما تُشكّل المحطّة منصّة للصّيانة، ونقطة للتّزوّد بالوقود، وإصلاح المركبات المعدّة فقط للهبوط على القمر. مع ذلك فقد أفاد التّقرير الجديد الصّادر عن مكتب المراقبة الأمريكيّ، GAO، الموازي لِمكتب مراقب الدّولة في البلاد، بضرورة إجراء تغيير على البرنامج. السّبب الرّئيس هو حجم سفينة سبيس إكس الفضائيّة الكبير: تعادل كتلة السّفينة المخطّطة ثمانية عشر ضعف كتلة المركبة الّتي يتناسب حجمها مع إمكانية الرّسو (الهبوط) في محطّة الفضاء القمريّة. تعيق مثل هذه الكتلة إمكانيّة المحافظة على مسار المحطّة، وإمكانيّة إدارتها حول نفسها ووضعها بالزّاوية المرغوبة، وتُخلُّ بالاتّصال معها. كلّفَ مؤلِّفو التّقرير مهندسي ناسا بالبحث عن طرق لتخطّي هذه المشاكل، وأشاروا إلى تفاقم المشكلة فيما إذا استُخْدِمت هذه المركبة في الرّحلات إلى المرّيخ، إذ تتطلّب هذه الرّحلات استخدام سفنٍ فضائيّة أكبر حجمًا. أوصت هيئة المراقبة المذكورة وكالة الفضاء بجمع وتركيز الوثائق الخاصّة بحسابات كتلة المحطّة، وإعدادها لِلمناقشة الّتي ستجريها الوكالة حول التّقييم الدّاخليّ التّالي الخاصّ بمشروع المحطّة، لكنّ الهيئة لم تنشر توصيات شاملة، على الرّغم من التّنبّؤات بشأن إشكاليّات كيفيّة تشغيل المحطّة، والّتي يتوقّع أن تتعدّى تكاليفها خمسة مليارات من الدّولارات. 


قد تجرّ مركبة الهبوط، الجاري التّخطيط لإنشائها، المحطّة معها إلى سطح القمر. محاكاة لمحطّة Lunar Gateway الفضائية في مدار حول القمر | المصدر: NASA/Alberto Bertolin

 

0 تعليقات