أظهرت دراستان جديدتان أنَّ كلًّا من القردة العليا والحشرات قادرة على تعلّم أداء مهمّة معقّدة لم يتمكّنوا من حلّها بمفردهم، وذلك من خلال مراقبة أنواع أخرى من مجموعاتهم- القدرة الّتي اعتقد العديد من الباحثين أنَّ البشر فقط يمتلكونها.

انظر إلى الغرفة الّتي أنت فيها الآن. ماذا يوجد بداخلها؟ طاولة أم كراسي أم أريكة؟ حاسوب أو هاتف ذكيّ تقرؤون بواسطته هذا المقال؟ ربّما تلفزيون، ثلّاجة، فرن وغسّالة؟ أو إذا كنت تقرأ المقال خارج المنزل، فمن المؤكّد أنّه سيكون هناك مقاعد، إنارة شوارع، ووسائل نقل مختلفة.

وفكِّروا الآن: كم من هذه الأشياء كان يمكنكم اختراعها وإنتاجها بنفسكم؟

على سبيل المثال، إذا طُلب منك بناء ثلّاجة، هل ستتمكّن من القيام بذلك؟ لدينا جميعًا خبرة كبيرة في التعامل مع الثلّاجات- فنحن نستخدمها كلّ يوم، نعرف كيف تبدو وماذا تفعل؟ لكن ّبناء ثلّاجة تعمل! أنا، على الأقلّ، لا أعرف حتّى كيف أبدأ.

البشر، كائنات تكنولوجيّة للغاية، ولا يوجد أيّ نوع آخر لديه تكنولوجيا تقترب من التكنولوجيا الّتي لدينا. يزعم العديد من الباحثين أنّ سر التكنولوجيا البشريّة هو في قدرتنا على التعلّم من بعضنا البعض والبناء على إنجازات أسلافنا، حتّى لا يضطرّ كلّ جيل إلى إعادة اختراع العجلة. وبدلًا من ذلك، سيكون الجيل القادم قادرًا على اختراع العربة، وبعد بضعة أجيال بعد ذلك- السيّارة. وهكذا يتمّ إنشاء ثقافة تراكميّة (Cumulative culture)، حيث يتعرّف الناس على اختراعات أسلافهم ويغيّرونها ويضيفون إليها.


يزعم العديد من الباحثين أنَّ سر التكنولوجيا البشريّة هو في قدرتنا على التعلّم من بعضنا البعض والبناء على إنجازات أسلافنا، حتّى لا يضطرّ كلّ جيل إلى إعادة اختراع العجلة. تطوّر العجلة من الحجر إلى الإطار الحديث | Shutterstock, James Steidl

نتعلّم بطريقة مختلفة

لماذا يُجيد البشر خلق الثقافة التراكميّة؟ يعتقد العديد من الباحثين أنَّ الإجابة تكمن في قدرتنا على التعلّم من بعضنا البعض. من المعروف، أنَّ الحيوانات الأخرى تتعلّم أيضًا من بعضها البعض، ولكن يبدو أنّها تفعل ذلك بطريقة مختلفة قليلًا. التدريس، وهو العمل الّذي يستثمر فيه الأفراد ذوو الخبرة طاقاتهم لنقل المعرفة إلى أفراد آخرين، أمر شائع جدًّا بيننا ولكنّه نادر في العالم الحيّ. ويبدو أيضًا أنّ تعلّمنا يعتمد على التقليد الدقيق للأفعال الّتي نراها، في حين أنّ الحيوانات أكثر عرضة لمحاولة إعادة إنتاج نتيجة الفعل.

على سبيل المثال، إذا رأى قرد قردًا آخر يكسر الجوز بالحجارة، فقد يفهم أنَّ الهدف- وهو تقشير الجوز ليصبح مقشَّرًا،  يكشف عن محتويات لذيذة- يمكن الوصول إليه عن طريق ضربه بحجر. ولكن بدلًا من تكرار الحركات الدقيقة، كما نفعل، يفضّل القرد اللعب بالجوز والحجر وتحريكهما بطرق مختلفة، وبالتالي يتعلّم من خلال التجربة والخطأ تفاصيل مثل: أين يضع الجوز وكيف  يمسك بالحجر.

كلّ هذا دفع بعض الباحثين إلى الافتراض أنّه على الرغم من أنَّ الحيوانات تتعلّم من بعضها البعض، إلا أنّها لا تستطيع أن تتعلّم إلّا الاختراعات أو الابتكارات الّتي كان من الممكن أن تصل إليها بمفردها، بمساعدة التجربة والخطأ. على سبيل المثال، تتبّعت دراسة مشهورة من النصف الأوّل من القرن العشرين القراقف في بريطانيا الّذين بدؤوا في سرقة الحليب: حيث كانوا ينقرون رقائق الألومنيوم الّتي تغطّي أفواه زجاجات الحليب ويشربون منها. يبدو أنّ هذا السلوك بدأ مع أحد القراقف وانتشر بين مجموعة القراقف. ومع ذلك، فهي ليست معقّدة للغاية بحيث لا تستطيع القراقف الأخرى أن تبتكرها بنفسها، في الظروف المناسبة. وبالفعل، اتّضح أنّه كان كافيًا تعريض القراقف للزجاجات ذات أغطية الألمنيوم الممزّقة حتّى يتمكّنوا من معرفة ما يجب عليهم فعله بأنفسهم، ويبدؤون في النقر على الأغطية وتمزيقها أيضًا.

إذا كانت هذه الفرضيّة صحيحة، فمن السهل فهم لماذا لا نرى ثقافة تراكميّة مثل ثقافتنا لدى الحيوانات الأخرى. ومن الصعب تطوير التكنولوجيا المتقدّمة عندما يتعلّم كلّ جيل جديد فقط ما يمكنه اختراعه بنفسه من الصفر.

بالرغم من ذلك، يختلف بعض الباحثين مع هذه الفرضيّة، ويزعمون أنَّ الحيوانات قادرة على التعلّم من بعضها البعض حتّى الأشياء الّتي لا تستطيع فهمها بمفردها. تُظهر دراستان تمّ نشرهما مؤخّرًا مثل هذا التعلّم، فعاليّة تتطلّب عدّة خطوات ويصعب جدًّا فهمها بمساعدة التجربة والخطأ، في حيوانين مختلفين. قام الأوّل بفحص أحد الحيوانات الأقرب إلينا، وهو الشمبانزي، واختار الثاني- نحلة الأرض الطنّانة.


تعلّم القراقف من بعضهم البعض كيفيّة سرقة الحليب، لكنّهم تمكّنوا أيضًا من معرفة كيفيّة تمزيق الغطاء والحصول على السائل اللذيذ. القراقف على زجاجة الحليب | Nigel Cattlin / Science Photo Library

ماكينة الفول السودانيّ للشمبانزيّ

أجريت الدراسة الأولى في محميّة للشمبانزيّ في زامبيا، حيث تعيش مجموعتان من هذه القردة العليا في حظائر كبيرة. قام الباحثون ببناء صندوق يعمل بشكل أو بآخر مثل آلة المشروبات: كان على الشمبانزيّ أن  يفتح درجًا صغيرًا، ويضع كرة خشبيّة بداخله، ثمّ يغلقه. وعندما فعلوا ذلك، قامت الآلة بتوزيع الفول السودانيّ، وهو طعام يحبّه الشمبانزيّ كثيرًا.

وضع الباحثون الصندوق، وبجانبه الكرات الخشبيّة، في حظائر الشمبانزيّ، على مدار ثلاثة أشهر، لم يتمكّن أيّ من القردة العليا الـ 66 الموجودون في الملجأ من فكّ شفرة طريقة عمله والحصول على المكافأة. وقال إدوين فان ليوين (Van Leeuwen)، الّذي قاد الدراسة، في بيان صحفيّ: "لقد حاولوا بذل كلّ ما في وسعهم للوصول إلى الفول السودانيّ". "لقد حاولوا فتح القفل الّذي أغلق غطاء الصندوق، واستخدموا الكرات للطرق على الصندوق وإلقائها عليه. لكن لم يتمكّن أيّ من الحيوانات من التوصّل إلى حلّ".

كان على الشمبانزيّ أن يتعلّم سلسلة طويلة نسبيًّا من الإجراءات: العثور على كرة وأخذها، فتح الدرج وإبقائه مفتوحًا، ووضع الكرة بالداخل ثمّ إغلاقه. كلّ إجراء بمفرده بسيط للغاية ويمكن للشمبانزي القيام به دون مشاكل، لكن يبدو أنّهم لم يكونوا قادرين على تعلّم التسلسل الكامل بأنفسهم، من خلال التجربة والخطأ.


أثبت صندوق الألغاز الّذي يحتوي على الفول السودانيّ أنّه يمثّل تحدّيًا كبيرًا لمجموعتين من الشمبانزيّ في زامبيا. الشمبانزيّ البالغ مع شبل مهتمّ بالصندوق |  المصدر: Sarah DeTroy

التعلّم من الخبراء

وفي المرحلة الثانية، قام الباحثون بتدريب اثنتين من أنثى الشمبانزيّ، واحدة من كلّ مجموعة، وعلّموهما كيفيّة استخدام الصندوق. لقد اختاروا الإناث اللاتي يتمتّعن بمكانة عالية نسبيًّا في المجموعة. وأوضح فان لوين: "لا يمكنك اختيار حيوان عشوائيّ". "يجب أن يكون الشخص الّذي يجرؤ على حلّ اللغز عندما يكون مع المجموعة، ويكون قادرًا أيضًا على أكل الفول السودانيّ بجانب الآخرين". قد يتجنّب الشمبانزيّ ذو المكانة المتدنيّة الصندوق طالما أنّ هناك أفرادًا أكثر سيطرة بالقرب منه، خوفًا من أن يأخذوا الفول السودانيّ الّذي يتمكّن من إخراجه.

وضع الباحثون الصندوق مرّتين في كلّ واحدة من ال39 حظيرة، لمدّة ساعتين في كلّ مرّة. يمكن للشمبانزيّ مشاهدة الأنثى الخبيرة وهي تضع الكرة في الدرج الصحيح وتحصل على المكافأة. وبعد ذلك، تعلّم 14 قردًا من الشمبانزيّ القيام بذلك بأنفسهم. وبما أنّهم لم يتمكّنوا من القيام بذلك عن طريق التجربة والخطأ، فإنَّ الاستنتاج الواضح هو أنّهم قاموا بتقليد تسلسل تصرفات "النموذج" بدقّة، وبالتالي تعلّموا شيئًا لم يتمكنوا من اكتشافه بمفردهم.

قردة الشمبانزيّ قريبة جدًّا منّا من الناحية التطوّريّة، ومعروفة بقدرتها على استخدام الأدوات والتعلّم من بعضها البعض. يعتقد عدد لا بأس به من الباحثين، حتّى قبل إجراء الدراسة الجديدة، أنها  قادرة على التعلّم الاجتماعيّ المتطوّر، وهو النوع الّذي يمكن أن يدعم الثقافة التراكميّة. في دراسة نشرت منذ عامين تقريبًا، اختبر الباحثون ما إذا كان الشمبانزيّ قادرًا على تعلّم كسر الجوز دون التعلّم الاجتماعيّ. في بعض مجموعات الشمبانزيّ، يكون هذا السلوك شائعًا جدًّا، ويبدو أنّ الصغار يتعلّمونه من البالغين في المجموعة.

وقدّم الباحثون الجوز، الحجارة والجوز المقشَّر  أيضًا إلى قردة الشمبانزيّ من مجموعة أخرى، والّتي لم تكسر الجوز من قبل. ورغم أنَّ لديها كلّ الوسائل، ورغم أنَّ العديد من الشمبانزيّ استكشفوا الحجارة، الجوز، لمسوها والتقطوها، إلّا أنَّ أحدًا منهم لم ينجح في كسر الجوز.

استنتج الباحثون من هذا، أنَّ كسر الجوز هو سلوك لا تستطيع قردة الشمبانزيّ، أو على الأقلّ معظمها،  تطويره بأنفسها، ولكنّها تتعلّم فقط من أولئك الّذين يعرفون كيفيّة القيام بذلك بالفعل- وبالتالي يمكنها التعلّم من الآخرين أشياء هي غير قادرة على ابتكارها بمفردها. تظهر الدراسة الجديدة بشكل مباشر أكثر أنَّ هذه القدرة موجودة لدى الشمبانزيّ. وكان الأمر أكثر إثارة للدهشة، كما أظهرت الدراسة التالية، أنّه موجود أيضًا لدى النحل.


استنتج الباحثون إلى أنَّ كسر الجوز هو سلوك لا تستطيع حيوانات الشمبانزيّ، أو على الأقلّ معظمها، تطويره بمفردها، ولكنّها تتعلّم فقط من أولئك الّذين يعرفون كيفيّة القيام بذلك بالفعل. شمبانزيّ يكسر الجوز | Kathelijne Koops, UZH

مَهمَّة صعبة للنحل

على الرغم من صغر حجم أدمغته، فقد أظهر النحل الطنّان (Bombus terrestris) في الماضي أنّه  قادر على تعلّم حركات جديدة، مثل دحرجة الكرة أو سحب الخيط، وكذلك التعلّم من بعضه البعض. وفي دراسة نشرت العام الماضي، قام الباحثون بتعليم النحل فتح صندوق صغير عن طريق لفّ غطائه، وبالتالي الكشف عن كوب مملوء بمحلول السكّر. كانت هناك طريقتان للوصول إلى السكّر: استطاع النحل دفع مقبض  أحمر صغير ولفّ الغطاء باتّجاه عقارب الساعة، أو دفع مقبض ثانٍ أزرق اللون، وبالتالي يدير الغطاء بالاتّجاه المعاكس.

عندما قام الباحثون بتدريب بعض النحل "المتظاهر" على دفع مقبض معيّن، على سبيل المثال المقبض الأزرق فقط، قلّدها جميع أفراد النحل الآخرين في المجموعة تقريبًا ودفعوا نفس المقبض.

وقد أظهرت الدراسة أن النحلات تتعلم من بعضها البعض، ولكن هذا لا يعني أن النحل لا يستطيع التوصل إلى حل من تلقاء نفسه أيضا. وبالفعل، ففي المجموعة الضابطة التي لم تكن فيها عينة من النحل، كان بعض النحل الذي اكتشف بنفسه ما يجب عليه فعله، وبدأ في إدارة الغطاء للوصول إلى السكر.

والآن، طرح الباحثون من نفس المختبر مَهمَّة أكثر صعوبة للنحل. لقد أضافوا خطوة أخرى إلى الصندوق: كان لا يزال يتعيّن على النحل دفع مقبض، وكان هذه المرّة فقط باللّون الأحمر، من أجل لفّ الغطاء والكشف عن السكّر، ولكن قبل ذلك كان على النحل دفع مقبض آخر، باللّون الأزرق بعيدًا عن الطريق. إذا حاول النحل دفع المقبض الأحمر أوّلًا، فسوف يعلق، ولن يتمكّن من لفّ الغطاء.

سمح الباحثون لعدّة مستعمرات من النحل الطنّان بمحاولة فتح الصندوق لمدّة 12 يومًا، ولمستعمرة واحدة، لمدّة 24 يومًا. قام النحل بفحص الصندوق والمقابض، وفي إحدى الحالات دفع المقبض الأزرق بالكامل، لكن لم تنجح أيّة مستعمرة بالكشف عن كوب السكّر.

أوضحت أليس بريدجز(Bridges)، والّتي قادت الدراسة، في بيان صحفيّ: "هذه مَهمَّة صعبة للغاية بالنسبة للنحل، كان على النحل تعلُّم مرحلتَين من أجل الوصول إلى الجائزة، ولم يحصل النحل  على أيّة مكافأة مقابل الإجراء الأوّل في تسلسل الفعاليّات". عندما قام الباحثون بتدريب عيّنة من النحل على فتح الصندوق، كان عليهم إدخال كوب سكّر آخر للجهاز، والّذي سيتمّ فتحه بعد تحريك النحل للمقبض الأزرق الأوّل. فقط عندما تمّت مكافأة النحل على كلّ خطوة من الحلّ، تمكّن النحل من تعلّم المرحلتَين كلتَيهما.


"هذه مَهمَّة صعبة للغاية بالنسبة للنحل". نحلة مُدرَّبة بجوار نحلة تراقبها وعليها أن تتعلّم حلّ اللّغز، تفحصان الصندوق والجائزة الّتي لا يمكن الوصول إليها | المصدر: Queen Mary University of London

 

ثقافة الحشرات؟

كان فتح الصندوق، إذًا، مَهمَّة لم يتمكّن النحل من تعلّمها من خلال التجربة والخطأ، أو على الأقلّ كان من الصعب على النحل القيام بذلك. ومع ذلك، عندما أعاد الباحثون النحل المَدرَّب إلى المستعمرات  وسمحوا له بإظهار تسلسل الفعاليّات للنحل الآخر، تعلّم حوالي ثلث هذا النحل القيام بذلك بمفرده.

وقالت بريدجز: "لقد تعلّم النحل التسلسل بأكمله من خلال مراقبة النحل المُدرَّب، دون أن تتمّ مكافأته على الخطوة الأولى، ولكن عندما سمحنا لنحلات أُخريات بمحاولة فتح الصندوق دون تمثيل لنحلة مُدرَّبة تقوم بتوضيح الحل لهنّ، لم تنجح في القيام بذلك".

بخلاف الشمبانزيّ، فإنّنا لا نعرف التقاليد والسلوكيات المتطوّرة لدى النحل الطنّان، مثل استخدام الأدوات، والّتي تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق التعلّم الاجتماعيّ. يشير البحث الجديد إلى أنَّ النحل قادر على التعلّم الاجتماعيّ المتطوّر، والّذي يمكن أن يشكّل أساسًا للثقافة التراكميّة- ولكن لا يبدو أنّه يفعل الكثير بهذه القدرة.

لاحظ الباحثون أنَّ مستعمرات النحل الطنّان لا تعيش في كثير من الأحيان أكثر من جيل واحد. تبدأ الملكة بوضع البيض في أوائل الربيع، وتستمرّ طوال فصل الصيف، حيث تساعد النحلات العاملات اللآتي تفقسن من البيض في رعاية النسل الأصغر سنًّا. وتضع الملكة في نهاية الصيف المجموعة الأخيرة من البيض، والّذي يفقس منها الملكات والذكور. يتزاوجون، ويموت الذكور، وكذلك تموت النحلات العاملات والملكة البالغة. تدخل الملِكات المُخصَبة في سُبات في حفرة في الأرض، وفي الرّبيع التالي تخرج وتبدأ مستعمرة جديدة. وهكذا، لم يبق أحد من الجيل السابق يستطيع أن يعلّم الملكة، أو النحلات العاملات الجديدة، أشياء تعلّمتها خلال حياتها.

قد يفسّر هذا سبب عدم رؤيتنا لثقافة النحل الطنّان، لكنّه لا يفسّر سبب امتلاكهم القدرة على تعلّم أشياء معقَّدة من بعضهم البعض دون أن تُتاح لهم فرص كثيرة للقيام بذلك. وذلك لا يزال لغزًا.

ولكن هل الحشرات الأخرى، مثل نحل العسل أو النمل، والّتي تعيش في مستعمرات طويلة العمر حيث تعمل عدّة أجيال جنبًا إلى جنب، قادرة أيضًا على التعلّم الاجتماعيّ المركَّب؟ قال "لارس شيتكا" (Chittka)، الباحث الأوّل الّذي نشر المقال: "هذا يثير الاحتمال المثير للاهتمام بأنَّ العديد من الإنجازات غير العاديّة للحشرات الاجتماعيّة، مثل هندسة أعشاش النحل والدبابير أو زراعة النمل الّذي يزرع الفطر أو حشرات المنّ، ربّما بدأت كابتكارات ذكيّة انتشرت بين المجموعة من خلال التقليد، قبل أن تصبح في نهاية المطاف جزءًا من النهج السلوكيّ للأنواع".

شبكة مُعقَّدة من التطوّر المشترك

ماذا تقول الدراسات الجديدة عن الاختلافات الثقافيّة بين الإنسان والحيوان؟ "إذا كان الشمبانزيّ والنحل الطنّان قادرين على التعلّم من الآخرين ما لا يمكنهم تعلّمه بمفردهم، فربّما لا تكون هذه القدرة هي التفسير للثقافة التراكميّة الفريدة للبشر"، كما علّق أليكس ثورنتون، الّذي درس التعلّم الاجتماعيّ لحيوان السُرقاط وكتب عن التطوّر الجديد للمجلّة العلميّة Nature..

وأكّد فان لوين، الّذي قاد أبحاث الشمبانزيّ، أنّه لا تزال هناك اختلافات واضحة بيننا وبين القردة العليا. "يُظهر البشر ميلًا أقوى بكثير للتعلّم الاجتماعيّ، في حين يميل الشمبانزيّ إلى التركيز على التعلّم الذاتيّ. على سبيل المثال، يتبنّى البشر بسعادة سلوكيّات الآخرين، حتى لو بدت في البداية لا تخدم أيّ غرض، في حين أنّ الشمبانزيّ في كثير من الأحيان لا يفعل ذلك. بالرغم من ذلك، هذا لا يعني أنّ الشمبانزيّ غير قادر على ذلك". يعتقد فان لوين نفسه أنّّ الأسباب الرئيسة للاختلافات الثقافيّة بيننا وبين الشمبانزيّ ليست طريقتنا المختلفة في التعلّم، بل شيء مختلف تمامًا- والّذي مازلنا لا نعرف ما هو.

بدلًا من التفكير في التعلّم الاجتماعيّ كتفسير للثقافة التراكميّة، يمكن أيضًا اعتباره نتيجة لذلك، كما يقول ثورنتون. "إنَّ الثقافة التراكميّة تنتج أشياء معقَّدة للغاية، مثل الحاسوب المحمول الّذي أكتب عن طريقه الآن، بحيث لا يمكن لأيّ منّا أن يخترعها بمفرده. ربّما حان الوقت للتخلّي عن البحث عن حلول سحريّة، والتركيز بدلًا من ذلك على كشف الغموض "شبكة معقَّدة من التطوّر المشترك والتغذية الراجعة تمتدّ بين الابتكار، التعلّم الاجتماعيّ والبنية الاجتماعيّة، وهي شبكة تُبنى منها الثقافة المعقَّدة الّتي يعتمد عليها جميع أبناء البشر".

0 تعليقات