بعد 60 عامًا من اكتشافه، أصبح الإنسولين أوّلَ دواء يُنتَج بواسطة الهندسة الوراثيّة، بجهود العلماء الروّاد الّذين مهّدوا الطّريق لعصرٍ جديد في صناعة الأدوية.

لم يعتقد ديڤيد چوديل (David Goeddel) أنّه سيكون عالِمًا. عندما كان يافِعًا، نشأ في منطقة سان دييچو في كاليفورنيا، كان مهتمًّا بشكل أساسيّ بالرّياضة، وإلى جانب البيسبول والتّنس، اِشترك أيضًا في رياضةٍ كانت أقلّ شهرة وشعبية مقارنةً بما هو عليه اليوم: تسلّق الجبال والصخور. في مقابلة مع برنامج تاريخ العلوم في جامعة بيركلي صرّح چوديل: "اِعتقدتُ أنّني سأكون متسلّقًا محترفًا، أو متسلّقًا عاطلًا عن العمل، أو مرشدًا للتسلّق. اِخترتُ أن ألتحق في جامعة سان دييغو، حتّى أتمكّن من البقاء في منزل والديّ، وتوفير المال للذّهاب في رحلات التّسلّق في عطلات نهاية الأسبوع، أثناء الإجازات والصّيف".

وُلِدَ چوديل سنة 1951م، وبدأ درجة البكالوريوس في الرّياضيات، لكنّه لم يكن قادرًا على تخيّل نفسه يمارس الرّياضيات كمهنة لمدى الحياة، وقام بتغيير تخصّصه إلى الفيزياء. مع ذلك، لم تستهوِهِ الفيزياء أيضًا، وانتقل للجيولوجيا، وهو مجال كان قريبًا من هوايته في التّسلّق. تطلّبت دراساتُ الجيولوجيا العديد من الدّورات في الكيمياء، ووجد نفسه مهتمًّا أكثر فأكثر بهذا المجال، حيث أكمل درجة البكالوريوس فيه. عمل چوديل خلال دراسته مع باحث في القسم، الذي عرَّفه لأوّل مرة على مجال الكيمياء الحيويّة، وشجّعه على متابعة الدّرجات العلميّة المتقدّمة.

نظر چوديل إلى العديد من الجامعات التي أوصى بها مشرفه، وفي النهاية، اختار جامعة كولورادو في بولدر، ليس بسبب الجودة الأكاديميّة أو البحثيّة، ولكن بسبب وفرة مواقع التّسلّق في المنطقة. بدأ چوديل العمل تحت إشراف الباحث الشاب، مارفين كروترز (Marvin Crauthers)، في الفترة الّتي كانت فيها بداية عصر البيولوجيا الجزيئيّة. تمحور بحث چوديل حول بنية مشغّل اللاكتوز (Lac operon) ونشاطه، والذي كان أوّل آليّة اكتُشفت حول التّنظيم الجينيّ. اُكتُشِفَت هذه الآليّة في البكتيريا، وسمحت للباحثين فهم كيفيّة تأثير ارتباط عوامل مختلفة بمواقع معيّنة في تسلسل الــ DNA للبكتيريا في التّعبير الجينيّ، أي تحديد كمّيّة البروتين الّذي تنتجه الخليّة، وفقًا للتّعليمات المشفّرة في هذه الجينات.

طوّر چوديل اهتمامه في مجال علم الأحياء الجزيئيّة، بعد التّغييرات العديدة الّتي قام بها في حياته. يقول چوديل: "لقد تسلّقت أقلّ بكثير ممّا توقعت، خاصّةً في العاميْن الماضيَيْن في كولورادو. أصبحتُ أكثر اهتمامًا بالعمل المخبريّ، وكرّستُ له المزيد. هناك العديد من مواقع التسلّق بعدُ في منطقة بولدر، التي لم أتمكّن من الوصول إليها". رغم أنّه أحبّ العمل العلميّ وتفوّق فيه، إلّا أنّه لم يرَ مستقبلًا له في الأوساط الأكاديميّة. مع أنّ چوديل لم يكن متأكّدًا ممّا يريد القيام به في المستقبل، لم تكن لديه نيّة باستكمال درجة ما بعد الدكتوراة، وهي خطوة مهمّة للحصول على منصب بحثيّ جامعيّ.

דיוויד גדל | צילום: University of Colorado, Boulder
من تسلّق الجبال إلى علم الأحياء الجزيئيّة. ديفيد چوديل | تصوير: جامعة كولورادو بولدر

أذناب وبلازميدات

قبل بضع سنوات، في تشرين الثّاني سنة 1972م، عندما كان چوديل طالبًا جامعيًّا، التقى العالِمان ستانلي كوهين (Stanley Cohen) وهربرت بوير (Herbert Boyer) من كاليفورنيا في مؤتمر علميّ في هاواي، حيث قدّم كلٌ منهما آخر التّطوّرات في عملهما. 

وُلِدَ كوهين سنة 1935م في نيوجيرسي، وتخرّج من كلية الطبّ بجامعة بنسلڤانيا، لكنّ البحث الطبّيّ جذبه أكثر بكثير من علاج المرضى، وأصبح باحثًا بدوامٍ كاملٍ، ثمّ عُيِّنَكباحث في جامعة ستانفورد سنة 1968م. تمحورت أبحاث كوهين إلى حدٍ كبير حول البلازميدات البكتيرية والتّعبير الجينيّ للعاثيات (Bacteriophages)، وهي فيروسات تغزو البكتيريا. يُعتبر البلازميد جزيْئًا أصغر نسبيًّا من الــDNA، ويسمح للبكتيريا أنْ تضاعفه (replicate) وتستخدمه لنقل المعلومات الجينيّة إلى بعضها.

وُلِدَ بوير سنة 1936م في ولاية بنسلڤانيا، وبدأ في الدّراسات الطّبّيّة، لكنّه لم يكلّف نفسه عناء إنهاء هذه الدّراسات، بعد أنْ كان مفتونًا بسحر البحوث البيولوجيّة. حصل على الدّكتوراة في علم الأحياء من جامعة بيتسبرغ، وبعد إنهاء درجة ما بعد الدّكتوراة في جامعة ييل، في سنة 1966م، قبل منصبًا بحثيًّا في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. قام بوير بعرض اكتشافه في المؤتمر أنّ بعض الإنزيمات تقوم بقطع الــDNA للبكتيريا، بحيث تترك "أطراف لاصقة" - أي أنّها لا تقطع جديلتيّ الــDNA في اللولب المزدوج في نفس النّقطة بالضّبط، بل تقطعها بحيث تتكوّن فجوة من عدّة أحماض أمينيّة بين نقاط اقتطاع السّلسلتيْن. يتبقّى "ذَنب" DNA أُحادي الجديلة في كلّ واحد من طرفيّ الــ DNA، بحيث يُعتبر نقطة ارتباط ممتازة للذّنب أحادي الجديلة في السّلسلة المكمّلة، فيلتصقان معًا.

في إحدى أمسيات ذلك المؤتمر في هاواي، ناقش كوهين وبوير إمكانيّة التّعاون، بحيث يقومان بجمع تقنياتهم لقطع الــDNA وربطه باستعمال إنزيمات بوير، لإنشاء بلازميد يحوي تسلسل الــDNA المنشود. سيتمكَّنون من إدخال هذا البلازميد في البكتيريا، وجعلها تنتج البروتين المطلوب.

צילום במיקרוסקופ אלקטרונים, עם צביעה, של אחד הפלסמידים שייצרו כהן ובויר | מקור: PROFESSOR STANLEY COHEN / SCIENCE PHOTO LIBRARY
إنشاء تسلسل البلازميد بحسب الطلب. صورة ملوّنة للبلاسميد الذي أنتج من قبل كوهين وبوير التي تمّ تصوريها بالمجهر الإلكترونيّ | المصدر: البروفيسور ستانلي كوهين \ SCIENCE PHOTO LIBRARY

إعادة التّركيب

تأسّس التّعاون بين كوهين وبوير على اكتشاف رائد الذي قام به باحث آخر؛ بول بيرج (Paul Berg)، الّذي أظهر في سنة 1971م أنّه من الممكن تغيير تسلسل الــDNA للفيروس، عن طريق قطع الــDNA وربطه من فيروس آخر. حصل هذا الاكتشاف على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1980م، مع شريكيْن لدراسات منفصلة تتعلّق بالــDNA : والتر جيلبرت (Walter Gilbert) وفريدريك سانجر (Frederick Sanger)، اللذان فازا بالجائزة للمرّة الثّانية.

أخذ كوهين وبوير هذا العمل خطوةً أخرى إلى الأمام، وصمّما البلازميد بحسب الطلب؛ قاموا بقطع سلسلة DNA البلازميد في نقاط اقتطاع معيّنة، وإدخال مقطع من الـ DNA المرغوب به بين هذه النّقاط، مع الأطراف اللّاصقة المناسبة. فُحصت التّقنية باستخدام جين الّذي يسمح للبكتيريا بمقاومة بعض المضادّات الحيويّة. قاموا بإدخال الجين في بلازميد البكتيريا، ثم تمّ تنمية البكتيريا في وسط غذائيّ انتقائيّ. تضاعفت البكتيريا التي تلقّت البلازميد المُهندَس بنجاح، ممّا أظهر أنّه بالإضافة لنجاح إدخال الجين المقاوم للمضادّات الحيويّة، فقد كان نشطًا أيضًا، وكانت البكتيريا قادرة على إنتاج البروتينات المسؤولة عن المقاوم.

بعد بضعة أشهر، نشروا في مقال بحثي رائد أنّ طريقتهم تمكّن من دمج الـ-DNA البكتيريّ مع الـ-DNA المشتقّ من الخلايا حقيقيّات النّوى (Eukaryotes). بمعنى آخر، أوضحوا في هذه الدّراسة أنّه من الممكن إدخال البلازميد ليس فقط للبكتيريا، بل لعدّة كائنات أخرى مثل الضفدع، القط، البطاطس، وحتّى الإنسان.

تلقّت التّكنولوجيا الحديثة اسم "الــDNA المأشوب" (Recombinant DNA)، الّذي يعني الحمض النّوويّ معاد التّركيب. سارعت جامعة ستانفورد في تسجيل براءة اختراعها، بحيث أشير لكوهين وبوير كمخترعيْن رئيسيَّيْن. كانت الخطوة التّالية واضحة، استخدام البكتيريا كـ"مصانع صغيرة" تنتج البروتينات المطلوبة، بواسطة استخدام الحمض النّوويّ المأشوب. كان الإنسولين من بين أبرز المرشّحين، ليكون أوّل بروتين يُنتَج بهذه الطريقة.

הרברט בויר (מימין) וסטנלי כהן | צילומים: Science History Institute, NICHD - NIH, Wikipedia
إعادة تركيب الحمض النّوويّ حسب الحاجة. هربيرت بوير (يمين) وستانلي كوهين (يسار)| تصوير: Science History Institute, NICHD - NIH, Wikipedia

مرض السُّكّريّ والإنسولين

إنّ مرض السّكّريّ معروف للبشريّة منذ آلآف السّنين، لكنّ الاختراق الكبير في فهمه حدث منذ حواليْ مئة عامٍ، بالأساس من عمل الطّبيب الكنديّ فريدريك بانتينج (Frederick Banting). أدرك الأطبَّاء، قبل بانتينج بوقت طويل، أنّ هناك علاقةً بين مرض السّكّريّ والبنكرياس، ورأوا أنّ إزالة بنكرياس الكلاب جراحيًّا، أدّى إلى ارتفاع معدّل إصابتها بمرض السّكّريّ بشكل كبير. قرر بانتينج، الذي كان في الواقع جرّاحًا عظيمًا، مواجهة التّحدّي والبحث عن طرق لاستخراج المادّة المسؤولة عن الوقاية من مرض السّكّريّ من بنكرياس الكلاب، وحاول تجنيد باحث مرض السّكّريّ، جون ماكلويد (John Macleod) من جامعة تورونتو لهذه المُهمّة. لكن ماكلويد لم يأخذ الأمر على محمل الجدّ، وسمح لبانتينج، الّذي أصرّ على أهمّيّة البحث، باستخدام مختبره، والاستفادة من الخدمات المفيدة لمساعده، طالب الطّبّ تشارلز بيست (Charles Best).

خلال وقت قصير، نجح بانتينج وبيست في استخراج المادّة الفعّالة من بنكرياس الكلاب، وأظهروا أنّ حقنها للكلاب المصابة بمرض السّكّريّ، يؤدّي إلى انخفاض مستوى السّكّر في دمائهم. بمساعدة ماكلويد، قاموا بتحسين طرق الاستخراج، وفي سنة 1922م قاموا بحقن المادّة المستخرجة في مرضى السّكّريّ. أنقذ هذا العلاج الثّوريّ حياة العديد من المرضى، وفي سنة 1923م مُنح بانتينج وماكلويد جائزة نوبل في الطب. اعتقد بانتينج آنذاك أنّ بيست يستحقّ الجائزة أيضًا، وشاركه المكاسب.

تُنتَج المادّة التي استخرجها بيست وبانتينج في خلايا بيتّا الموجودة في منطقة البنكرياس، والّتي تُعرف باسم "جزر لانجرهانز". هذا هو السّبب في تسميتها "إنسولين"، من الكلمة اللّاتينيّة Insula- جزيرة. الإنسولين هو هرمون بروتينيّ يرتبط بمستقبلات الخلايا، وينظّم امتصاصها للسّكّر من الدّم.عندما لا يعمل الإنسولين بشكل صحيح، لا تمتصّ الخلايا السّكّر من الدم، وبالتّالي تعاني من نقص الطّاقة المتاحة. في نفس الوقت، فإنّ السّكّر الزّائد الّذي يبقى في الدّم يعطّل الدّورة الدّمويّة، خاصّة في الأوعية الدّمويّة الصّغيرة، ويؤدّي إلى مضاعفات خطيرة مثل العمى والغرغرينا في الأطراف.

يُعرف في يومنا أنّ مرض السّكّريّ هو في الواقع مرضان مختلفان، يتميَّزان بارتفاع مستوى السّكّر في الدّم نتيجة عدم قدرة خلايا الجسم على امتصاص السّكّر الّذي تحتاجه من الدّم. يُعدّ مرض السّكّريّ من النّوع الأوّل (Diabetes mellitus type 1)، الّذي أُطلِقَ عليه سابقًا سكّري الأطفال، أحد أمراض المناعة الذّاتيّة، حيث يهاجم الجهاز المناعيّ خلايا بيتّا في البنكرياس، ويضعِف إنتاج الإنسولين. يُعتبر مرض السّكّريّ من النّوع الثّاني (Type 2 diabetes) الأكثر شيوعًا، حيث تتوقّف الخلايا نفسها عن الاستجابة للإنسولين. وفي هذا النّوع أحيانًا ، هناك انخفاض في وظيفة البنكرياس، وبالتّالي نقص الإنسولين، لذا فإنّ حقنه هو عنصر في علاج كلا النوعين من مرض السّكّريّ.

أصبح إنتاج الإنسولين صناعة كبيرة، بعد نجاح علاج بانتينج، حيث أدّى بنكرياس الأبقار والخنازير دور الآلات، فقد ذُبحت هذه الحيوانات بشكل جماعيّ لتلبية الطّلب المتزايد والمستمرّ على الهرمون. أنقذ الإنسولين المستخرج من الحيوانات حياة الملايين من مرضى السّكّريّ، لكنّه لم يخلو من المشاكل: فقد أُصيب عددٌ غير قليل من المرضى بحساسيّة من مكوّنات الدّواء من مصدر حيوانيّ، وكان نظام الإنتاج باهظ التّكلفة، ولا يرفق بالحيوانات الّتي يُستخرج منها الهرمون. عندما ظهرت في الأفق إمكانيّة إنتاج البروتينات عن طريق الهندسة الوراثيّة للبكتيريا، كان الإنسولين أحد أبرز المرشّحين.

لم يكن إختيار الإنسولين بسبب أهمّيّته الطّبّيّة فحسب، بل أيضًا لأنّه كان لعدّة سنوات محور بحثٍ رائد. كان الإنسولين أوّل بروتين استطاع الباحثون تحديد تسلسل الحمض الأمينيّ الذي يتكوّن منه، والذي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بتسلسل الـ- DNA، أي الجين المشفّر لهذا البروتين. كان الباحث الذي قاد العمل هو نفسه فريدريك سانجر(Frederick Sanger)، وقد أكسبه هذا الإنجاز أوّل جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1958م. بعد سنواتٍ قليلةٍ، كان الإنسولين أوّل بروتين صناعيّ يُنتَج في المختبر. حينها، لم يكن القصد بعد إنتاج البروتين بواسطة الهندسة الوراثيّة، بل لتركيب التّسلسل الصّحيح للأحماض الأمينيّة، وهي مهمّة شاقّة ومملّة، والّتي تتطلّب معرفة كاملة لبنية البروتين.

בסוכרת התהליך התקין משתבש | איור: Sakurra, Shutterstock
في اتّجاه عقارب السّاعة من أعلى اليسار: البنكرياس وخلايا بيتا وإفراز الإنسولين وربطه بخلايا العضلات لجعلها تمتصّ السّكّر. في مرض السّكّريّ، تسير العمليّة الطّبيعيّة بشكل خاطئ| رسم توضيحي: Sakurra, Shutterstock

بروتين بشريّ في البكتيريا

 لم تبق الإمكانات العظيمة لتقنية الــDNA المأشوب في العالم الأكاديميّ فقط. بدأت العديد من الشركات الخاصّة للتكنولوجيا الحيوية بإبداء الاهتمام لتسخير الأساليب الجديدة لإنتاج البروتينات القيمة. كانت شركة "جينتيك" Genentech واحدة من أولى الشّركات في هذا المجال، والّتي أسّسها بوير نفسه في سنة 1976م، عندما كان أستاذًا في جامعة كاليفورنيا بعد. انضمّ إليه المستثمر روبرت سوانسون (Robert Swanson)، أحد رواد الأعمال في هذا المجال، والّذي كان حاصلًا على شهادة في الكيمياء.

في نفس الوقت الذي أُنشِئِت فيه الشركة، سجّل بوير إنجازًا مهمًا آخر، مع زميله كايتشي إيتاكورا (Keiichi Itakura) وباحثين آخرين: لقد نجحوا في إدخال جين بشريّ في بلازميد البكتيريا، بحيث أنتجت البكتيريا البروتين - هرمون السوماتوستاتين (Somatostatin)، الّذي ينظّم إنتاج هرمونات النّمو في الدّماغ. بنفس القدر من الأهمّيّة، أظهر بوير وزملاؤه أنّه لا يوجد فرق بين وظيفة البروتين المأشوب والبروتين الطبيعيّ.

משרדי ג'ין-טק בסן פרנסיסקו | צילום: Sundry Photography, Shutterstock
من بداية متواضعة إلى شركة تدير الملياردات. مكاتب "جينتيك" في سان فرانسيسكو| تصوير: Sundry Photography, Shutterstock

منافسة صعبة

لم يكن چوديل مهتمًّا بمنصب أكاديميّ، ولم ينو الحصول على درجة ما بعد الدّكتوراة. لكنّه تلقّى مكالمة من دنيس كلايد (Dennis Kleid)، الباحث الشّاب الّذي أنشأ مختبرًا في معهد أبحاث بالقرب من جامعة ستانفورد، بحيث وعده بزيادة استقلاليّته في البحث ومنصب الشّريك في المختبر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ستانفورد ليست بعيدة عن منتزه يوسيميتي، حيث كان چوديل يأمل في العودة لتكريس وقته لتسلّق الصخور.

بالكاد كان لدى چوديل الوقت للعمل لمدّة ثلاثة أشهر في المختبر الجديد، عندما تلقّى كلايد عرضًا للانضمام لشركة بوير الجديدة - وقبله، بشرط أن يتمكّن من إحضار زميله چوديل معه. قرّر مديرو الشّركة أن يكرّسوا كل قوّتهم في أن يكونوا أوّل النّاجحين في التّحدّي المتمثّل بإنتاج الإنسولين من خلال الهندسة الوراثيّة. وجد چوديل، الذي كان يأمل في العودة إلى هوايته في التّسلق في كاليفورنيا، نفسه منغمسًا في التّحدّي التّقنيّ، للحصول على بكتيريا تنتج الإنسولين.

على عكس السّوماتوستاتين، الّذي يتكوّن من 14 حمضًا أمينيًّا، يحتوي الإنسولين على 51 حمضًا. علاوةً على ذلك، يتكوّن البروتين من سلسلتيْن من الأحماض الأمينيةّ، لذلك كان على الباحثين إنتاج الجين لكلّ سلسلة بشكل منفصل، وإدخال كلّ جين في بلازميد منفصل، وإنشاء تفاعل كيميائيّ من شأنه أن يربط السّلسلتيْن وينتج الإنسولين النّشط. كانت التّحدّيات التّقنية كثيرة، لكن چوديل والفريق لم يستسلموا. قال عنه عالم يعرف عمله: "كان يعمل كمحطّة طاقة، آلة استنساخ الحمض النّوويّ. لقد كان حازمًا، متركزًا للغاية، وعمل بجدّ للغاية".

في غضون بضعة أشهر، كان چوديل وزملاؤه على مستوى التّحدّي، ونجحوا في إنتاج الإنسولين البشريّ النّشط من البكتيريا، باستخدام البلازميدات المهندسة. قال چوديل في مقابلة: "كانت هناك منافسة شديدة، خاصّةً مع مجموعتيْن إضافيَّتيْن، واحدة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والأخرى في جامعة هارفارد، بقيادة والتر چيلبرت (Walter Gilbert)، الّذين كنّا خائفين منهم بشكل خاصّ. لكن هذا هو الجزء الجذّاب في المجال، ولم يكن بإمكاننا النّجاح بهذه السّرعة إن لم تكن لدينا مثل هذه المنافسة".

كان الإنتاج النّاجح للإنسولين المأشوب في سنة 1978م مجرد البداية. في المرحلة الأولى، كان الباحثون قادرين فقط على إنتاج كمّيّات صغيرة، وكان عليهم إتقان الطّريقة وإيجاد طرق لإنتاج الإنسولين بكمّيّات كبيرة، في مصنع استأجرته الشّركة لهذا الغرض في سان فرانسيسكو. في الوقت نفسه، بدأت الشّركة إجراءات اختبار فعاليّة الإنسولين للحصول على الموافقة على تسويق الدواء. لهذا الغرض، دخلت "جينتيك" في شراكة مع شركة الأدوية العملاقة "الي ليلي" Eli Lilly، الّتي كانت واحدة من أكبر وأقدم مصنّعي الإنسولين منذ أيام بانتينج، قبل 60 عامًا تقريبًا.

في سنة 1981م، نشر علماء الجمعيّة نتائج التّجارب ما قبل السّريرية، أي تلك التي اختبرت فعالية البروتين في المختبر فقط. بدأ في الوقت نفسه، اختبار الإنسولين المأشوب على الحيوانات، ثمّ على البشر، وكان النجاح مبهرًا. في أيّار 1982م، قدّمت الشركة الإنسولين للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، تحت اسم Humulin، ويعني الإنسولين البشري، على عكس ذلك المنتج من الحيوانات. بعد خمسة أشهر فقط، وافقت الإدارة على تسويق الإنسولين المأشوب، وكان هذا أوّل دواء معدلًّا وراثيًّا الذي تمّت الموافقة عليه للاستخدام.

כמה פורמולציות של ההומולין של ג'ין-טק, לצד פורמולציות חדשות אחרות של אינסולין על מדף בית מרקחת | צילום: DR P. MARAZZI / SCIENCE PHOTO LIBRARY
قاموا بربح المنافسة وتمهيد الطريق للآخرين من خلال هذه الإنطلاقة. العديد من تركيبات الإنسولين البشري من "جينتيك"، جنبًا إلى جنب لتركيبات الإنسولين الجديدة الأخرى الموجودة على رفوف الصّيدليات| تصوير: DR P. MARAZZI / SCIENCE PHOTO LIBRARY

في ذروة النّضال

بعد أربعين عامًا من إنتاج أول إنسولين مأشوب، يدرّ سوق الإنسولين مليارات الدولارات سنويًّا، ومن المتوقّع أن يستمرّ في النّمو بسبب الزّيادة في الإصابة بمرض السّكّريّ. على مرّ السنين، طوّرا شركات الأدوية أنوعًا أخرى من الإنسولين المعدّل وراثيًّا، على سبيل المثال تلك التي تطلق البروتين بطريقة بطيئة ومنضبطة، وتمكّن تقليل تواتر الحقن.

على مرّ السنين، انضمّت للإنسولين المئات من الأدوية الأخرى المعدّلة وراثيًّا. يدرّ سوق الأدوية المعدّلة وراثيًّا نحو 100 مليار دولار سنويًّا، على رأسها الأجسام المضادّة والهرمونات وعوامل النّموّ. على سبيل المثال، عامل النّموّ الصّناعيّ والإنترفيرون الاصطناعيّ، والّتي طُوّرهاچوديل، الّذي استمرّ في العمل في "جينتيك" حتى سنة 1991م. كان چوديل أحد الأشخاص الرئيسيّين المسؤولين عن النّمو الهائل للشّركة، الّتي توظّف أكثر من 13 ألف شخص، وتصل مبيعاتها إلى أكثر من 24 مليار دولار في السّنة.

أنقذ الإنسولين المعدّل وراثيًّا حياة الملايين من مرضى السّكّريّ، وأدّى إلى إطالة عمر كثيرين أُخَر. مع ذلك، هذا ليس علاجًا لمرضى السّكّريّ بحدّ ذاته، ولكن لأعراضه البارزة فقط. علاوةً على ذلك، أدّى العلاج بالإنسولين إلى إطالة عمر مرضى السّكّريّ، وكشف عن المضاعفات العديدة المرتبطة بإطالة العمر من المرض، بما في ذلك تلف الأوعية الدّمويّة الصّغيرة، ممّا يؤدّي إلى الغرغرينا وحتّى بتر الساقين والعمى وتلف الكلى والمزيد.

 

0 تعليقات