في الرّابع عشر من تشرين الثّاني يصادف اليوم العالميّ لمرضى السّكّري، الّذي يهدف إلى تعزيز التّوعية لهذا المرض القاسي الّذي يصيب مئات الملايين من الأشخاص
الداء السّكّري هو مرض يشكّل خطرا على حياة النّاس، تتصف خلايا الجسم فيه بعدم قدرتها على امتصاص السكّر اللازم لها من مجرى الدّم لإنتاج الطّاقة وتنفيذ عملياتها الحياتية. مصدر السّكّر في الدّم هو الطّعام، الذي تتحلّل الكربوهيدرات التي يحويها في جهاز الهضم إلى سكريّات أحاديّة، أهمّها الجلوكوز. ينتقل الجلوكوز من خلايا الأمعاء إلى مجرى الدّم ليصل بواسطته إلى جميع خلايا الجسم. كيف تعرف الخلايا متى تستقبل الجلوكوز من الدّم وبأيّ مقدار؟ المسؤول عن ذلك هو هرمون الإنسولين. فنتاج عمله هو امتصاص السكّر إلى الخلايا وانخفاض مستوياته في الدّم.
بلّورات من الإنسولين - الهرمون الّذي يدفع الخلايا إلى امتصاص السّكّر من الدّم - التُقِطَت بعدسة مجهر ضوئيّ | المصدر: Science Photo library
يتمّ إفراز الإنسولين من البنكرياس - غدّة تقع في وسط البطن وتلعب دورًا رئيسيًّا في إفراز عصارات الهضم. ينتَج الإنسولين في مواقع بالبنكرياس تدعى جزر لانغرهانس، وهي مجموعات من الخلايا تتوزّع كالجزر بين خلايا نسيج البنكرياس الرّئيسيّ، الّذي يفرز العصارات الهضميّة. هناك نوعان من خلايا جزر لانغرهانس: خلايا ألفا وخلايا بيتا. خلايا بيتا هي الخلايا التي تنتج الإنسولين، أمّا خلايا ألفا فتنتج هرمون الجلوكاجون الّذي تأثيره معاكس للإنسولين، إذ يؤدّي إلى إفراز الجلوكوز في الدم، وبالتّالي إلى رفع نسبته. يحافظ الهرمونان معًا على توازن مستوى السّكّر في الدّم.
منذ عام 1989، أعلنت منظّمة الصّحة العالميّة أنّ الداء السّكّري مرض مزمن ويشكّل عبئًا على منظومات الرّعاية الصحيّة. وعام 1991، بدأت المنظّمة بإحياء يوم عالميّ للداء السّكّري في الرّابع عشر من تشرين الثّاني كلّ سنة، بهدف تعزيز التّوعية بالمرض، ولا سيّما طرق الوقاية منه وتشخيصه في الوقت الصّحيح. الرّابع عشر من تشرين الثّاني هو يوم ميلاد فردريك بانتنغ، الّذي تمكّن مع تشارلز بِست من اكتشاف الإنسولين واستخلاصه من بنكرياس الكلاب، والذي أنقذ عام 1922 حياة شابّ مصاب بالسّكّري عن طريق حُقَن الإنسولين. عام 1978، تمّ تطوير الإنسولين الاصطناعيّ، الّذي يُستخلَص من البكتيريا بدلاً من بنكرياس الخنازير والبقر، وهو يستخدم حتّى يومنا هذا.
مرَضان مختلفان بأعراض متشابهة
ثمة نوعان رئيسيّان من الداء السكّري: السكّري من النّوع الأوّل (سكّري الأطفال) والسكّري من النّوع الثاني. ينجم السّكري من النوع الأوّل عن هدم خلايا بيتا في البنكرياس لسبب وراثيّ، بسبب التهاب، أو لأسباب أخرى. في هذه الحالة، لا ينتِج البنكرياس كمية كافية من الإنسولين أو لا ينتِجه إطلاقات. ودون الإنسولين، لا يمكن لخلايا الجسم أن تمتصّ السّكّر من الدّم بنجاعة. يتضمن العلاج الأساسيّ لهذا النّوع حُقَن الإنسولين المنتظمة وتجنّب الأطعمة الّتي ترفع مستوى السّكّر في الدّم بشكل مفرط (مثل الحلويات، الخبز، وغيرها من الأطعمة الغنيّة بالكربوهيدرات). يعاني نحو خمسين ألف شخص في إسرائيل من السّكّري من النّوع الأوّل.
أما في النّوع الثّاني من السّكّري، فيقوم البنكرياس بإنتاج الإنسولين، ولكن لأسباب شتّى لا تستجيب خلايا الجسم له بشكل صحيح ولا تمتصّ السّكّر من الدّم كما ينبغي، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبته في الدم. نتيجة لذلك، تضعف قدرة البنكرياس على إنتاج الإنسولين مع مرور الوقت. عوامل الخطر الرئيسية لهذا النّوع من السّكّري هي السّمنة، الطعام الغنيّ بالكربوهيدرات، وعدم ممارسة الرّياضة. يتضمن علاج السّكّري من النّوع الثّاني نظاما غذائيّا قليل الكربوهيدرات، ممارسة الرّياضة، وعلاجا دوائيّا هدفه مساعدة الخلايا على امتصاص السّكّر من الدّم، وأحيانًا علاجا بالإنسولين. يبلغ عدد مرضى السكّري من النوع الثاني في إسرائيل نحو نصف مليون. وفي أنحاء العالم هناك أكثر من 400 مليون مريض، حتّى لحظة كتابة هذه السطور.
بشكل عام، يتطوّر السكّري من النّوع الأوّل بسرعة، وتتمثّل أعراضه في الشّعور بالضّعف أو الإرهاق، زيادة العطش والجوع، التبوّل الزّائد، الرؤية الضبابيّة، وغير ذلك. أما السّكّري من النّوع الثّاني فيتطور ببطء، مع تقدّم السّنين، لكن أعراضه مشابهة للنّوع الأوّل. يتمّ التشخيص في الحالتين عبر فحوص دم تفحص مستوى السّكّر في الدّم بعد الصّيام، وتيرة امتصاص السكّر إلى الخلايا بعد تناول كمية كبيرة من السّكّر - أي بعد شرب الماء المحلَّى بكميّة عالية من الجلوكوز، وفحص نسبة السّكّر في البول.
وسيلة مهمة لتشخيص المرض، إلى جانب فحوص الدّم: وريقة لقياس السّكّر في البول | تصوير: Science Photo library
الخطران الأساسيّان للسّكّري هما الهيبوجليسيميا - انخفاض سكّر الدّم - الذي يمكن أن يحدث نتيجة لجرعات الإنسولين الزّائدة، والهيبرجليسيميا - ارتفاع مفرط في مستوى السّكّر في الدّم. يمكن أن تؤدي الحالتان إلى تشوّش ذهنيّ وارتباك، فقدان الوعي، أو حتّى الموت، عندما يكون مستوى السّكّر منخفضا أو مرتفعا بشكل متطرّف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون مضاعفات ارتفاع سكّر الدم طويلة الأمد بسبب التلف الذي يحدث للأنسجة. وبين هذه المضاعفات فقدان الرّؤية، ارتفاع خطر الإصابة بالنّوبات القلبيّة والسّكتات الدّماغيّة، تضرّر الكليتَين، وحدوث خلل في الأوعية الدمويّة وتدفّق الدّم، ممّا قد يؤدّي إلى خدر في القدمين، وفي النّهاية إلى تقرّحات وغنغرينا. "القدم السّكّريّة" هي السّبب الرئيسيّ في العالم لبتر القدمين.
يتمّ إحياء اليوم العالميّ للسّكّري في أكثر من 160 دولة في العالم من خلال تخصيص فعاليّات مختلفة لزيادة الوعي لهذا المرض. بين هذه الفعاليات: ندوات ومحاضرات، أنشطة رياضيّة، تخصيص يوم لإجراء فحوص دم لتشخيص المرض، وغيرها. بشكل عام، تنظّم الجمعيّة الإسرائيليّة للسكّري معرضًا، إلّا أنّه أُلغي هذه السّنة بسبب الوضع الأمنيّ. كلّ سنة يتمّ اختيار موضوع خاصّ لهذا اليوم مثل: السّكّري وحقوق الإنسان، التّربية، السّمنة، السكّري لدى الأطفال، وغير ذلك. موضوع هذه السّنة هو السّكّري والعائلة؛ وأهدافه الأساسيّة تتعلّق بكيفيّة التّعامل مع فرد مريض في العائلة وعلاجه، وكذلك كيفية مساهمة تغيير تصرّفات أفراد العائلة في تجنّب السّكّري، مثلًا عبر الانتقال إلى نظام تغذية صحّي ومتوازن أو القيام بفعاليّات رياضيّة عائليّة.
السّكّري هو بين العوامل الرّئيسيّة للإعاقة والموت في العالم، رغم العديد من المكتشفات العلميّة الرّائدة والتّطوّرات الطبيّة في السّنوات الأخيرة. يمكن اكتشاف السّكّري من النوع الثّاني في مرحلة مبكّرة، والتغييرات في نمط الحياة كفيلة بالحدّ من تطوّر المرض. لذلك يُنصح الجميع بإجراء فحوص دم للكشف المبكّر عن السّكّري، وفي جميع الأحوال - الحفاظ على نمط حياة صحّيّ.