كأيّ بروتين آخر، يتفكّك الكولاجين أيضًا في الجهاز الهضميّ عند تناوله بواسطة الابتلاع. لكنّ المصالح الاقتصاديّة وعدم وجود أبحاث علميّة غير مرتبطة بالشركات المصنّعة، تسمح لسوق المكمّلات بالازدهار
على ما يبدو أنّ الكولاجين هو البروتين الأكثر شيوعًا في العالم الحيّ. وهو وحده مسؤول عن حوالي أربعة في المائة من وزن الجسم. لو قمنا بوصل جميع ألياف الكولاجين في أجسامنا معًا، سيصل طولها إلى حوالي مائة تريليون (1014) مترًا - وهي مسافة كبيرة لدرجة أنّنا إذا حاولنا عبورها بسرعة الضوء، سوف تستغرق الرحلة تقريبًا أربعة أيام.
في السنوات الأخيرة، هناك شعبيّة متزايدة للمكمّلات الغذائيّة التي تحتوي على الكولاجين. الكولاجين هو بروتين مثير للإعجاب حقًّا، لكن هل نحن بحاجة إليه حقًّا كمكمّل غذائيّ؟ للإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى فهم ما يفعله الكولاجين في أجسامنا وكيف ينتج.
ما هو الكولاجين؟
ليس من قبيل المصادفة أنّ الكولاجين شائع جدًّا في أجسامنا، لأنّه مسؤول إلى حدّ كبير عن سلامة أجسامنا وقوّة أنسجتنا. هذا لأنّ الكولاجين هو لبنة البناء الرئيسيّة للنسيج البينيّ خارج الخلية - مجموعة الألياف، الإنزيمات والسكّريّات المسؤول عن ربط جميع خلايا الجسم معًا وتزويد الأنسجة بالدعم الهيكليّ، ركيزة للنموّ والمزيد. إنّ دور الكولاجين في هذا النسيج موازي إلى حدّ ما لدور قضبان الفولاذ المملوءة بالباطون في المباني الحديثة. فعليًّا، قد تكون ألياف الكولاجين أقوى ب 10-5 مرات من الفولاذ، ويمكن أن تتحمّل امتدادًا يصل إلى نصف طولها دون أن تنكسر.
كالعديد من البروتينات، تتكوّن ألياف الكولاجين من سلاسل أصغر من البروتين. تندمج هذه السلاسل معًا في تكوين لولبيّ مثلثيّ مبنيّ من ثلاث وحدات من الكولاجين، وتتوحّد اللوالب معًا في ضفائر قويّة للغاية. على الرغم من أنّ الوحدات الأساسيّة يبلغ طولها 300 نانومتر فقط (جزء من مليار جزء من المتر)، إلّا أنّ ليف الكولاجين الفرديّ قد يصل إلى عدّة مليمترات - وهو حجم ضخم لجزيء واحد.
الكولاجين موجود في جميع أنسجة الجسم، لكن تركيزه مرتفع بشكل خاص في الأنسجة التي تحتاج إلى قوة هيكليّة كبيرة، مثل الجلد، العظام، الأسنان، الأوتار، العضلات والأوعية الدمويّة. نظرًا لدوره فيها، فلا عجب أن يشارك الكولاجين بشكل كبير في عمليات إصلاح التلف. على سبيل المثال، عندما يكون لدينا إصابة في الجلد، تُقطع ألياف الكولاجين ويُعاد تنظيمها لإصلاح النسيج التالف.
مع ذلك، فإنّ عملية الإصلاح لا تخلو من الثغرات وتراكم الكثير من الكولاجين في الجلد الذي يمكن أن يترك ندبة. في الأعضاء الداخلية، قد يؤدّي تراكم الكولاجين إلى حدوث حالة تسمّى التندّب الليفي (التليّف)، حيث تحلّ ألياف الكولاجين، مثل الندبة، محلّ الأنسجة السليمة، ممّا يضعف وظائف الأعضاء. قد يؤثّر التليّف على العديد من أجهزة الجسم، وخاصّة الرئتين، الكلى، القلب والكبد.
تتّحد ألياف الكولاجين ببعضها البعض في ضفائر قويّة للغاية
هل نحن بحاجة إلى مكمّلات الكولاجين؟
في السنوات الأخيرة، هناك شعبيّة متزايدة للمكملات الغذائيّة التي تحتوي على الكولاجين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه مثل جميع البروتينات في أجسامنا، يتمّ إنتاج الكولاجين في الأنسجة حسب الحاجة، عندما يتمّ بناؤها أو تجديدها، لذلك لا نحتاج إلى تعزيز خارجيّ. حتّى لو كانت لدينا مثل هذه الحاجة، فإنّ كمّيّة البروتين في الحبوب المكمّلة منخفضة جدًّا، إن لم تكن مهملة تمامًا ولن تؤثّر على وظائف الجسم على الإطلاق. في الجانب المشجّع، لنفس السبب لا يمكن أن يضرّ هذا المكمّل أيضًا - يحدث التليف بسبب نقص إزالة الكولاجين وتفكيكه، وفي الحالة الطبيعيّة، تتفكّك زوائد الكولاجين إلى لبناتها الأساسيّة.
يستخدم الكولاجين أيضًا في مستحضرات التجميل في الكريمات، لكن وظيفته هناك مختلفة، فهو غير مُعدّ للامتصاص في الجلد، بل لاستخدامه كمادّة ممتصّة للماء، وذلك للحفاظ على الرطوبة وبالتالي إثراء الكريم. الكولاجين ليس فريدًا في هذه الوظيفة، وبدلاً من ذلك تُستخدم مشتقّات الفيتامينات، حمض اللاكتيك، الكحوليّات المختلفة والمزيد.
يتمّ إنتاج الكولاجين في الأنسجة حسب الحاجة، لذلك لا داعي لتعزيز خارجيّ
لكن النقطة المهمّة حقًّا هي أنّ الكولاجين الموجود في هذه المكمّلات لن يصل إلى وجهته لأنّه سوف يتفكّك قبل وصوله بمراحل كثيرة. في وقت مبكّر من أواخر سبعينيات القرن الماضي، وجد أنّه مثل البروتينات الأخرى، يتفكّك الكولاجين في الجهاز الهضميّ إلى الأحماض الأمينيّة التي يتكوّن منها بحيث يكون استهلاكه في الابتلاع مشابهًا لأيّ بروتين آخر يصلنا في الطعام. لا يحتوي الكولاجين نفسه أيضًا على كمّيّة زائدة من الأحماض الأمينيّة الأساسيّة، لذلك حتّى لو كان ما نفتقر إليه هو اللبنات الأساسية للبروتينات، فهناك الكثير من المصادر التي يمكن الوصول إليها في الطعام الذي نتناوله.
علاوة على ذلك، فإنّ معظم مكملات الكولاجين لا تحتوي على البروتين في صورته الكاملة على الإطلاق. كما ذكرنا سابقًا، الكولاجين هو بروتين كبير جدًّا، لذلك لن يكون قادرًا على المرور عبر جدران الأمعاء حيث من المفترض أن يتمّ امتصاصه (سيكون سيّئًا للغاية إذا قام باختراقها). للسماح بالامتصاص، يقوم المصنّعون بتفكيك الكولاجين إلى لبناته الأساسية - أجزاء بروتينيّة قصيرة تسمّى الببتيدات أو حتّى الأحماض الأمينيّة الفرديّة. على الرغم من أنّ هذه الشظايا يمكن امتصاصها في الجسم، إلّا أنّها ليست كولاجين، بنفس الطريقة التي لن تتمكّن بها شظايا الزجاج من العمل مثل الصحن التي كانت عليها من قبل. لذلك لا فائدة من تناول الأحماض الأمينيّة المشتقّة من الكولاجين والأحماض الأمينيّة والببتيدات المشتقّة من أي غذاء آخر يحتوي على البروتين.
وبالرغم من ذلك، فإنّ مخزون هذه المكمّلات ينمو بشكل مستمر، ولا عجب في ذلك - من المتوقّع أن يصل حجم سوق المكمّلات التجميليّة العالميّة إلى سبعة مليارات دولار بحلول عام 2024، ولدى الشركات المصنِّعة حافز قويّ لتطوير منتجات جديدة. في اختبار مستقل لـ 176 مكمّلًا غذائيًّا، وجد أطباء من الولايات المتّحدة أنّ معظم هذه المنتجات تحتوي على توصيات غذائيّة قديمة وقدّمت ادّعاءات طبّيّة لم تكن مدعومة بدراسات مستقلّة. أشار الباحثون في التقرير إلى أنّه يمكن للشركات نشر هذه الادّعاءات بسبب الإشراف المعتدل نسبيًّا على المكمّلات الغذائيّة، على عكس العلاجات الطبّيّة المطلوبة لتلبية متطلبات أكثر صرامة. وأشار الباحثون أيضًا إلى أنّه على الرغم من أنّها مكمّلات غذائّية فقط، إلّا أنّها لا تخلو من المخاطر، ويجب فحص تأثيرها المحتمل على النساء الحوامل، التفاعلات الدوائيّة والمزيد.
تلقي مراجعة أُجريت في كلّيّة الطبّ بجامعة هارفارد بعض الضوء على حالة مكمّلات الكولاجين، حيث أنّها توضّح أهمّيّة الأبحاث العلميّة المستقلّة. تظهر المراجعة أنّ معظم الدراسات المنشورة حتّى الآن حول نشاط مكمّلات الكولاجين تمّ تمويلها من قبل مصنِّعي المكمّلات أنفسهم. من أهمّ عوامل مصداقيّة الدراسة العلميّة أنّها مستقلّة، أي أنّ مؤلّفي الدراسة ليس لديهم أي مصلحة في الحصول على نتيجة معينة.
عند تمويل بحث عن مكمّل غذائيّ من قبل الشركة المنتجة له، والأهمّ من ذلك أنّه عندما تشارك الشركة بصورة فعّالة فيه، هناك تخوّف من أن يكون البحث متحيّزًا بشكل أساسيّ، لأنّه من الواضح أنّ للشركات المنتجة اهتمامًا كبيرًا في نجاح منتجاتها. في الواقع، تضمّنت قائمة الباحثين في العديد من الدراسات موظّفين من طاقم الشركة نفسها، وفي إحداها تمّ منح الفضل أيضًا إلى الرئيس التنفيذيّ للشركة. ومع ذلك، فشلت الدراسات التي أجريت على مكمّلات الكولاجين في إثبات أنّ هناك فرقًا بين تناول الكولاجين والتناول المتوازن للبروتين كجزء من نظام غذائيّ متوازن.
جسمنا، إذن، هو آلة تمثيل غذائيّ ذات تزييت جيد. بفضل هذا، فهي قادرة على تحويل البروتينات التي يتمّ تناولها من الغذاء إلى لبناتها البنائيّة - الأحماض الامينيّة- وإنتاج جميع بروتينات الجسم منها. الكولاجين موجود حصريًّا في الأطعمة الحيوانيّة، ومع ذلك لا يوجد دليل على أنّ اتّباع نظام غذائي نباتيّ يضعف بأي شكل من الأشكال إنتاج البروتينات والكولاجين في الجسم، طالما أنّه يحتوي على النسبة الصحيحة من الأحماض الأمينيّة الأساسيّة.
أهمّيّة البحث العلميّ في فهم العالم كبيرة. ومع ذلك ، فحتّى العلم نفسه هو منتج بشريّ، وبالتالي فهو ليس خاليًا من التحيّزات. لهذا السبب، يوجد أهمّيّة كبيرة لإجراء البحث العلميّ بطريقة شفافة، صادقة ومستقلّة. فيما يتعلّق بقضيّة يكون فيها الحافز الاقتصاديّ كبيرًا جدًّا، فإنّ النقص الملحوظ في الأبحاث المستقلّة أمر مزعج بشكل خاصّ، ولا يبشّر بالخير لضرورة هذه المكمّلات الغذائيّة.