وفقًا للاعتقاد السائد، ينتج ألم العضلات المتأخّر بعد التمرين بسبب تراكم حمض اللاكتيك، لكنّ هذه الفرضيّة خاطئة: السبب الرئيس هو تمزّقات صغيرة في العضلات

يعرف معظمنا الشعور: عند قيامنا بنشاط بدنيّ مكثّف، روتينيّ أو جديد، وبعد انتهائه، حيث نستمتع، نتعب، كما ونتمكّن من النوم بسهولة- لكن في صباح اليوم التالي نستيقظ مع آلام عضليّة مزعجة  تقيّدنا في المشي والأنشطة البسيطة لبضعة أيّام. بمعنى آخر، نشعر بأنّ العضلات "مشدودة". ما هو سبب ذلك؟ هل الآلام مرتبطة بالمادّة الناتجة في جسمنا- حمض اللاكتيك- أثناء ممارسة نشاط بدنيّ قويّ؟ وهل من الممكن تخفيف الألم؟ 

إنّ جسم الإنسان "آلة" رائعة وتتكوّن من عدّة أنظمة. أحد هذه الأنظمة هو الجهاز العصبيّ الحسّيّ، الّذي يقوم بالمراقبة، ووظيفته الوحيدة هي إرسال إشارة لنا في حالة الخطر أو تلف الأعضاء. يقوم هذا النظام بنقل المعلومات إلى الدماغ في الوقت الفعليّ حول الأحاسيس في مناطق الجسم، بما في ذلك الألم. 

الألم هو شعور غير لطيف يجعلنا نوجّه انتباهنا إلى المكان المؤلم بهدف إيقاف مصدر الألم أو إيجاد حلّ. مثال على ذلك هو آلام العضلات الّتي تظهر بعد التدريب. 

ألم العضلات المتأخّر

تظهر آلام العضلات المتأخّرة بعد مجهود بدنيّ غير روتينيّ- عندما يتمّ استخدام العضلات بجهد أعلى من المعتاد، أي إجهاد العضلات فوق قدرتها على التحمّل. عادةً يظهر الألم بعد 12 إلى 24 ساعة من انتهاء النشاط، ويصل إلى ذروته بعد 24 إلى 72 ساعة، ويزول تدريجيًّا بعد حوالي سبعة أيّام. تتفاوت شدّة الآلام؛ من آلام خفيفة إلى تصلّب شديد مصحوب بتورّم وضعف، وأحيانًا تقييد لحركة المفاصل.

تعتبر معظم الآلام غيرخطرة على الصحّة، لكن من الممكن أن يؤدّي النشاط العضليّ المفرط إلى انحلال العضلات (Rhabdomyolysis). تُعتبر هذه الحالة نادرة، والّتي يتمّ فيها تدمير غلاف الخليّة العصبيّة لدرجة تتجاوز المعدّل الطبيعي للتمزّق العضليّ، بحيث تتسرّب محتويات العديد من خلايا العضلات. قد تؤدّي هذه العمليّة إلى ضعف عامّ وفقدان الوعي، وحتّى ضرر في عمل الكلى، يعود ذلك بالأساس إلى الإفراز المتزايد وغير المنضبط لبروتين يُسمَّى الميوغلوبين، بحيث يتراكم بكميّات كبيرة في الدم.

خرافة حمض اللاكتيك

كانت فرضيّة تراكم حمض اللاكتيك إحدى الفرضيّات الّتي حاولت شرح أسباب آلام العضلات بعد التمرين. قام العديد من المتمرّنين بتبنّي هذه الفرضيّة حتّى اليوم، لكنّها خاطئة. يتمّ إنتاج الطاقة في الخلايا العضليّة بشكل أساسيّ من سكّر الجلوكوز أثناء القيام بمجهود. عندما يفتقر الجسم إلى الأكسجين- كما هو الحال في النشاط المكثّف- يقوم الجسم بإنتاج الطاقة بدون أكسجين عن طريق التنفّس اللاهوائيّ للعضلات (anaerobic respiration) عوضًا عن التنفّس الخلويّ (Cellular respiration) الّذي يعتمد على الأكسجين، وهكذا يتشكّل في هذه العمليّة حمض اللاكتيك. مع ذلك، يمرّ حمض اللاكتيك الّذي يتكوّن أثناء النشاط البدنيّ إلى الكبد ويُعاد تدويره هناك بعد حوالي ساعة من انتهاء التمرين، ما يعني أنّه لا يتراكم في العضلات بمرور الوقت، وبالتالي لا يمكن أن يكون مسؤولًا عن آلام العضلات المتأخّرة بعد التمرين والّتي نشعر بها بعد ساعات عديدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الشعور بالإرهاق والحرقة في العضلات أثناء التمرين لا ينتج عن تراكم حمض اللاكتيك، بل بسبب تراكم أيونات الهيدروجين وأيونات الفوسفات، وهي منتجات ثانويّة لنشاط العضلات. إذا كان الأمر كذلك، فما هو سبب آلام العضلات بعد التمرين؟


خلافًا للاعتقاد السائد، فإنّ حمض اللاكتيك ليس مسؤولًا عن آلام العضلات المتأخّرة بعد التمرين. جزيء من حمض اللاكتيك | المصدر: ANIMATE4.COM, Science Photo Library

تمزّقات ميكروسكوبيّة

تتشكّل تمزّقات صغيرة (micro-tears) في ألياف العضلات عندما تنقبض العضلة تحت ظروف إجهاد غير عاديّة. عندما يقوم شخص غير معتاد على ممارسة الركض بالركض دون تدريب تدريجيّ، فستعمل عضلات ساقيّه بجهد أكبر من المعتاد، ولن تتحمّل ألياف العضلات الجهد، ما يتسبّب في تمزّقها. يؤدّي ذلك إلى التهاب موضعيّ، ونتيجة لذلك يتمّ إفراز موادّ مسكّنة للألم والّتي تعمل على تنشيط مستقبلات الألم ولهذا تسبّب آلامًا في العضلات لاحقًا. يبدو أنّ هذه هي الطريقة الّتي يشير بها الجهاز العصبيّ إلى أنّه يجب أن نرتاح من أجل السماح للعضلات بالتعافي وتجاوز الالتهاب. ومع ذلك، فإنّ هذه العمليّة الّتي تتمزّق فيها الألياف العضليّة، هي عمليّة ضروريّة؛ لأنّها تسمح للعضلة بأن تكبر وتصبح أقوى وتتحمّل جهدًا أكبر.

تتأثّر الطريقة الّتي تتقلّص بها العضلات بدرجة الجهد الّذي تتعرّض له، وبالتالي تؤثّر في وتيرة ظهور الألم. عندما نرفع ثقّالات الحديد "الدمبل" ونثني المرفق بالقرب من جسمنا، يكون ذلك بمثابة انقباض مرتكز (concentric contraction) حيث تقصر العضلات. إذا قمنا بعكس التمرين- بحيث نبدأ بمرفق منثني وعضلة متقلّصة ونقوم بتمديد الذراع ببطء- ستطول عضلات المرفق وفي نفس الوقت سنبذل الكثير من القوّة. هذا هو الانقباض غير المتمركز (eccentric contraction)، حيث تطول العضلات أثناء تنشيطها، ويتمّ فيه تجنيد عدد أقلّ من الألياف العضليّة لرفع نفس الوزن. يؤدّي هذا إلى زيادة الحمل على العضلات، مقارنةً بالتقلّص المتمركز، وهناك احتمال أكبر لحدوث تمزّقات صغيرة، ونتيجة لذلك- ألم عضليّ متأخّر.


عندما تنقبض العضلة تحت الحمل الزائد عن المعتاد، تتشكّل فيها تمزّقات صغيرة. تمارين رياضيّة باستخدام الأشرطة المطّاطيّة المرنة | المصدر: Ozzy Sam, Shutterstock

هل من المهمّ أن نقوم بتمارين الإطالة؟

يقوم العديد من المتمرّنين بالتمدّد قبل وبعد التمرين لتجنّب "شدّ" العضلات. هل تساعد تمارين الإطالة بعد التمرين في تقليل الألم في اليوم التالي للتمرين؟ تشير معظم الدراسات إلى أنّ الإطالة لا تقلّل من ألم وتصلّب العضلات بعد التمرين، بل إنّها قد تزيدها في بعض أنواع التمارين. بغضّ النظر عن ذلك، فإنّ تمارين الإطالة الّتي تتمّ بعد إحماء العضلات، مع التوجيه المناسب وبمرور الوقت، يمكن أن تساهم في تحسين المرونة وتقليل مخاطر الإصابات وتحسين نطاق حركة المفاصل، وهذا هو سبب التوصية بها.

ما الّذي يمكن أن يقلّل مدّة الألم وشدّته؟ 

ينخفض الشعور بألم العضلات المتأخّر بمرور الوقت، فبعد أن يصل الألم إلى ذروته، تنحسر العمليّة الالتهابيّة وتلتئم العضلات المتأثّرة، ما يقلّل من شدّة الألم. وماذا عن التدليك؟  أظهرت الدراسات أنّ تدليك العضلات هو الطريقة الأكثر فعاليّة لتقصير مدّة الألم وتقليل مستوى الألم، تصلّب وإرهاق العضلات بعد التمرين. يعزو الباحثون انخفاض الألم إلى انخفاض مؤشّرات الالتهاب ومستوى تركيز البروتينات الّتي تدلّ على التمزّقات العضليّة. انخفضت هذه المؤشّرات لدى الأشخاص الّذين تلقّوا تدليكًا مقارنة بأولئك الّذين لم يتلقّوا تدليكًا.

الرياضة مفيدة للصحّة، ولكي تتجنّب آلام العضلات المشدودة، وحتّى الإصابات، من المهمّ ملاءمة نوع النشاط البدنيّ ودرجة شدّته مع القدرة الشخصيّة للمتدرّب. يبدو أنّ تمارين الإطالة لا تمنع الألم العضليّ، لكن لها مساهمات مفيدة أخرى. وأخيرًا، فإنّ تدليك العضلات ليس مجرّد رفاهيّة؛ وإنّما يمكنه تقليل ألم وتصلّب العضلات المشدودة. 

 

0 تعليقات