قد يُمَكِّنُنا الغراء، الذي يكسو شبكات العنكبوت، من إنتاج مواد لاصقة لا تتقشر، حتى في ظروف الرطوبة العالية.
تل أبيب في فصل الصيف. الجو حار ورطب. حاولوا إلصاق ضمادة على خدش، ورقة إعلان على لوحة، أو حاولوا لف غلاف بلاستيكي على صحن. سوف نوفر عليكم محاولات الإلصاق الفاشلة هذه؛ مُعظم المواد اللاصقة غير مُعدة للاستخدام في ظروف الرطوبة العالية وسوف تتقشّربسرعة. يُمكن توفير حل لهذه المشكلة بمساعدة أكبر صانعي المواد اللاصقة في الطبيعة - العناكب.
الغراء هو اسم عام للمواد المستخدمة في تجميع (ربط/إلصاق) الأجسام. توجد ميزتان مشتركتان بين جميع المواد اللاصقة: الالتصاق والمرونة. الالتصاق يعني القدرة على الارتباط بجسمٍ آخر. هذه القُدرة مشتقة من نوع الروابط الكيميائية التي يستطيع الغراء إنتاجها مع الجسم ، ومن كمية الروابط. المرونة تُمكِّن من التصاق الغراء، بشكلٍ أفضل، على سطوح الأجسام المُعدة للالتصاق.
من أجل تسويق ناجع، يتم وضع العديد من المواد اللاصقة، في الحالة السَّائلة، على السطح، فتتصلَّب وفقًا لشكله . يتكون الغراء البلاستيكي، على سبيل المثال، من بوليمر لاصق ( جزيء يتكون من سلسلة طويلة من الوحدات المُتماثلة) ومُذيب سائل. عندما يتبخر المذيب، يتصلب البوليمر، وفقًا لبنية الأجسام التي تتلامس معه وترتبط به. توجد مواد لاصقة غير سائلة، أيضًا، مثل الملصقات والأشرطة اللاصقة التي تُتيح لها مرونتها ونعومتها التشبث بالأجسام المسطحة، عند الضغط عليها.
في البيئة الرطبة ينشأ تَحَدٍّ جديد. تخلق الرطوبة طبقة رقيقة وانسيابية من الماءعلى السطح المُعد للالتصاق، تفصله عن المادة اللاصقة وتقوم بتشويش الترابط الكيميائي بينهما. مجموعة بحثية من ولاية أوهايو، تُجري أبحاثًا على مواد ذات ميزات خاصة من عالم النباتات والحيوانات بهدف تقليدها والتخطيط لإنتاج مواد اصطناعية ذات خواص مُحسّنة، حاولت إيجاد حل للمشكلة.
بيت العنكبوت يبقى صامدًا في ظروف الرطوبة العالية، أيضًا، بفضل الجزيئات التي تمتص الماء من البيئة| خيوط العنكبوت ترطبّها قطرات الندى. تصوير: Shutterstock.
غراء للخيط في ظروف الرطوبة العالية
فكرة محاكاة المواد الموجودة في الطبيعة، أو المحاكاة الحيوية، ليست جديدة. في الماضي، على سبيل المثال، تم استخدام بحث عن ريش الطيور الملونة لتطوير الألوان الثابتة، وساعد إجراء بحث آخر عن عن كفّات أرجل برص المنازل الذي يعيشُ في منطقة البحر المتوسط في تحسين القوة الميكانيكية والتصاق المواد الأخرى. من أجل التغلب على تحدي الالتصاق في بيئة رطبة، استوحى الباحثون فكرتهم من مادة شائعة وقوية للغاية: خيوط شبكة العنكبوت.
تتكون الشِّباك التي تُنتِجُها العناكب في الطبيعية من الحرير، وهي مُغطاة بواسطة كرات صمغية صغيرة تتشبث بالفريسة المسكينة. العناكب شائعة في جميع أنحاء العالم، وهي تزدهر في المناخ الرطب (حتى في زوايا غرفة الاستحمام في بيتكم!). كيف يحافظ غراء العناكب على خصائصه، حتى في ظروف الرطوبة العالية؟ إذا عرفنا الإجابة عن هذا السؤال، قد نستطيع نسخ هذه الآلية لإنتاج مواد لاصقة صناعية جديدة، مقاومة للرطوبة.
وجد الباحثون أن غراء العناكب يتكون من ثلاثة أنواع من المواد: البروتينات السكرية (Glycoproteins)، جزيئات صغيرة أخرى وماء. أهم العوامل المسؤولة عن التصاق الغراء هي البروتينات السكرية - وهي بروتينات ترتبط بها جزيئات السكر برابطة تساهمية تُعتَبَر من أقوى الروابط الكيميائية. تلعب الجزيئات الصغيرة دورًا مزدوجًا: تساعد على إذابة البروتينات السكرية في الماء، لكنها، أيضًا، تقوم بإبعاد الماء عن البيئة، فتحافظ بذلك على ملمس الغراء ناعمًا ولزجًا.
في مقال نُشر مؤخرًا في ولاية أوهايو، في مجلة المقالات العلمية Nature Communications، وصف الباحثون تجربة حاولوا فيها تحليل/ فك شيفرة الآلية التي تُتيح للغراء العنكبوتي البقاء لاصقًا في ظروف الرطوبة المرتفعة، أيضًا. لهذا الغرض، تتبع هؤلاء الباحثون التغييرات في الأنواع الثلاثة من الجزيئات الموجودة في قطرات الغراء، في مستويات عالية من الرطوبة.
لقد فوجئ الباحثون عند اكتشافهم أنّ سطح القطرات ظل جافًا بشكلٍ دائم، بينما كان تركيز الماء داخل قطرات الغراء نفسها يرتفع مع ارتفاع مستوى الرطوبة في البيئة المحيطة. إلى جانب التغيرات الهيكلية التي تم قياسها في البروتينات السكرية، استجابةً لزيادة مستوى الرطوبة، استنتج الباحثون أن الجزيئات الصغيرة، في التفاعل مع البروتينات السكرية، هي التي تقوم بامتصاص الماء من السطح وتتيح الالتصاق الناجع والفعال، حتى في ظروف بيئية رطبة.
يتوقع الباحثون تطبيق نتائج البحث في تصميم مواد لاصقة جديدة مقاومة للماء، تعتمد على غراء العناكب. ومن يعلم؟ ربما يُتيح الغراء الجديد للعنكبوت الصغير، المذكور في أغنية الأطفال الشهيرة، البقاء على الحائط، وعدم السقوط عندما يهطل المطر، أيضًا!
الترجمة للعربيّة: بنان مواسي