تكشف أبحاث أُجريت لغرض رحلة طيران مأهولة الى المريخ: أنّه بدلًا من الشّعور في العطش، قد يشجّع الاستهلاك الزّائد للملح على الأكل أكثر

تخضع العلاقة بين استهلاك الملح والصّحّة لأبحاث مستمرّة وتتصدّر العناوين بكثرة، لكن يبدو أن المقالتين اللّتين نُشرتا هذا العام في مجلة Journal of Clinical Investigations (الأوّل، الثّاني) قد تؤثّران على التّوجّه الّذي سيتبعه العلماء في دراسة العلاقة بين استهلاك الملح وعاداتنا في الشّرب. أظهرت المقالتان بأنّ استهلاكًا متزايدًا للملح لا يزيد من الاستهلاك الإجماليّ للسّوائل لكنّه يزيد من استهلاك الطَّعام. 

العطش هو استجابة فسيولوجيّة يقوم بها الجسم كردّ فعل لارتفاع تركيز المواد المذابة في بلازما الدّم، وخاصّة تركيز الصّوديوم، أو لانخفاض في حجم السّائل النّسيجيّ. زيادة بنسبة تتراوح بين 2-3 في المائة في تركيز الموادّ المذابة، أو انخفاض بحوالي 10 في المائة في حجم السّوائل النّسيجيّة كافية حتّى نركض للبحث عن أقرب حنفيّة ماء.

أظهرت أبحاث وبائيّة أنّ زيادة في تناول الملح تؤدّي إلى ارتفاع في إدرار البول، كما افترض العلماء أنّ هذا الأثر يتعلّق بالزّيادة في استهلاك السّوائل. في هذا الوقت، قرّر فريق باحثين من مركز الفضاء الألمانيّ، بالتّعاون مع مركز الطّبّ الجزيئيّ في برلين وباحثين من جامعة فاندربيلت في ولاية تينيسي،  اختبار العلاقة بين استهلاك الملح وبين منسوب الماء في الجسم من خلال تجربة خاضعة للرّقابة. 

نظام الماء في الطّريق إلى المرّيخ

أُجري البحث على مجموعتين من المشاركين في تجربة تحاكي رحلة طيران إلى المرّيخ. يضع التّخطيط لأوّل رحلة طيران مأهولة إلى المريخ أمامنا تحدّيات عديدة، أحدها هي الحفاظ على كلّ قطرة ماء ممكنة والّتي قد تكون مصيريّة بالنّسبة لصّحة الرّكّاب. العلاقة بين تناول الملح واستهلاك السّوائل سيؤثّر حتمًا على كيفية حساب كمّيّة الماء اللّازمة لإنجاز هذه الرّحلة الطّويلة والمعقّدة.

الميزة الكبرى بالنّسبة للباحثين في عملية التّجسيد بأنّها توفّر بيئة خاضعة للمراقبة، حيث يمكنهم من خلالها جمع المعطيات ومراقبة كلّ جانب من جوانب النّظام الغذائيّ للمشاركين في التّجربة عن كثب، يشمل استهلاك الطعام، الماء والملح. اشترك في التّجربة مجموعتان من عشر رجال متطوّعين، أغلقوا على أنفسهم في مجسم نموذجيّ لسفينة فضائيّة محاكاةً لرحلتين وهميَّتين إلى المرّيخ. تمّ اختبار المجموعة الأولى لمدّة 105 يومًا والثّانية لمدّة 205 يومًا. 

كلّ مركّبات الغذاء كانت متشابهة طوال الفترة، لكنّه طوال عدّة أسابيع كمّيّات الملح في الغذاء كانت متغيّرة: 6، 9 أو 12 غرامًا في اليوم. 6 غرامات هو الحدّ الأقصى الموصى به، 9 غرامات هو متوسّط الاستهلاك السّكانيّ و-12 غرامًا في اليوم يُعتبر استهلاك زائد للملح. بالمقابل أجرى الباحثون تجربة مماثلة على الفئران، بهدف بحث الآليات الفسيولوجيّة المرتبطة باستهلاك الملح بعمق أكثر.      

عند البشر، كما كان متوقّعًا، وُجِدَ أنّ الإفراط في تناول الملح سبّب ارتفاعًا في حجم البول وتركيزه، بالمقابل استهلاك السّوائل عند المفحوصين لم ترتفع - وحتّى أنّها انخفضت. يبدو أنّ الملح نشّطَ آلية لحفظ الماء في الكلى.

من المعروف حتّى يومنا هذا أنّ فائض الملح يمتصّ الماء الّذي يُطرح معه لاحقًا في البول. وعلى ما يبدو أنّ لدى مجموعة البحث عملت آلية مختلفة، المسؤولة عن ضبط كمّيّات السّوائل وتركيز الأملاح في الجسم، الّذي مكّنه من إعادة امتصاص الماء للجسم. أظهر البحث الّذي أجري على الفئران أنّ أحد العوامل المهمّة المرتبطة بهذه الآليّة هو اليوريا (البَوْلَة). 

اليوريا هو مركّب ناتج عن عمليّة تكسير البروتين في الجسم، من خلاله تفرز الكائنات الحيّة فائض النّيتروجين. وهو أيضًا المادّة المسؤولة عن الرّائحة الّتي تميّز البول. وجد الباحثون أنّ تراكم اليوريا في كلى الفئران شكّلت قوّة تصدّت لتركيز الأملاح العالية ومكَّنت إعادة امتصاص الماء. مع ذلك، إنتاج زائد لليوريا في الكبد والعضلات يزيد من استهلاك الطّاقة؛ ممّا يؤدّي إلى ازدياد الشّهية واستهلاك الطّعام عند متَّبعي نظام غذائيّ غنيّ بالملح.

على الرّغم من أنّ الحديث يدور عن بحث مبتكر، الّذي يضيف ركيزة مهمّة لفهمنا حول كيفيّة حفاظ الجسم على منسوب الماء والأملاح، إلّا أنّه لا يخلو من المحدوديّات. بدايةً، العيّنة صغيرة وعدد السّكان محدود ومتجانس نسبيًّا - تمّ فحص فقط رجال أصحّاء من فئة الشّباب، ولا نعلم ما إذا كانت الآليّة تعمل بشكل مماثل عند النّساء، الأطفال وكبار السّنّ. ثانيًا، على الرّغم من قيام الباحثين بفحص جزء من النّظام الهرمونيّ المرتبط بمنسوب توازن الماء في الجسم، لكنّهم لم يتطرّقوا إلى نظام الرينين-أنجيوتنسين، الّذي يملك تأثيرات بعيدة المدى على مستويات ضغط الدّم وسلامة القلب. 

يجب الافتراض أنّ البحث هو فقط أساس لأبحاث إضافيّة الّذين سوف يساعدونا أكثر على فهم كيفيّة الحفاظ على صحّتنا للمدى الطّويل. في غضون ذلك، يُنصح بالالتزام بتعليمات الجهات الصّحّيّة المختصّة بكل ما يتعلّق باستهلاك الملح والشّرب بشكل كافٍ.

0 تعليقات