الـ DNA والـ RNA هما الجزيئان اللّذان يحملان المعلومات الوراثيّة، ويتكوّنان من الأحماض النّوويّة. ورغم تشابه أسمائهما، إلا أنّ لكلّ منها خصائص كيميائيّة الّتي تميّزها وتحدّد دورها البيولوجيّ.

تعدّ جزيئات الحمض النّوويّ DNA من أهمّ مقوّمات الحياة ومحاورها الأساسيّة، فهي تحمل في طيّاتها المعلومات الجينيّة الوراثيّة، لكلّ خليّة في كلّ كائن حيّ على وجه الأرض. المدهش في هذه الجزيئات هو أنها التي تحدّد جميع صفات الكائنات الحيّة، كلون العيون، أو طول ذيل القطّة مثلًا، فهي تعمل كدليل إرشادات خاصّ يحدّد لكلّ خليّة خصائصها، الظّاهرية منها والباطنيّة، الشّكليّة والوظيفيّة، بل وحتّى السّلوكيّة منها. نجد في كلّ خلية حيّة آلات صغيرة جدًّا مكوّنة من جزيئات البروتين، وهي تلك الآلات الّتي تقوم بتتبّع المعلومات المحفوظة في دليل الأرشادات (جزيئات الـDNA) وقراءتها ومعالجتها، لتصنع بواسطتها بروتينات الخليّة الأخرى، والتي تنفّذ فعليًّا معظم النّشاط البيولوجيّ في الخليّة. الإنسولين على سبيل المثال، هو بروتين يُنتج في خلايا البنكرياس، وهو البروتين المسؤول عن تنظيم مستوى السّكّر في الدّم. بروتين مهمّ آخر هو الهيموجلوبين الموجود في خلايا الّدم الحمراء، وهو المسؤول عن نقل الأكسجين من الرّئتين إلى جميع أنحاء الجسم.     

تمرّ عمليّة تحويل المعلومات الجينيّة في الـDNA إلى بروتينات، عبر جزيئات وسيطة مهمّة تعرف بجزيئات الـRNA، والّتي رغم تشابهها الشّديد مع جزيئات الـDNA، فهي تتميّز بخصائص كيميائيّة مختلفة تملي عليها دورًا بيولوجيًّا مختلفًا.

המידע הגנטי של כל היצורים החיים בכדור הארץ נמצא במולקולות ה-DNA ששוכנות בתאיהם. מולקולות ה-DNA, הכרומוזומים, של אדם | Scott Camazine, Science Photo Library
تحفظ جزيئات الـDNA كافّة المعلومات الوراثيّة لمجمل الكائنات الحيّة على وجه الكرة الأرضيّة. جزيئات الـDNA المنتظمة على هيئة كروموزومات في خليّة بشريّة  | المصدر: Scott Camazine, Science Photo Library

 

البُنية والتّنظيم

"RNA" هو اختصار للمصطلح الإنجليزيّ (RiboNucleic Acid)  "حمض نوويّ ريبوزي"،  وهو يشير إلى فئة من الجزيئات الضخمة، الّتي تتكوّن على شكل سلاسل من وحدات جزئية مكّررة تُسمّى "النّوكليوتيدات". تتكوّن النّوكليوتيدات من ثلاث لبنات أساسيّة: سكّر خُماسيّ (نسبة لعدد ذرّات الكربون) يُعرَف بالريبوز، مجموعة فوسفات تحوي ذرّة فوسفور مرتبطة بأربع ذرّات أكسجين، وقاعدة نيتروجينيّة حلقيّة تحوي ذرات من الكربون، النيتروجين، الأكسجين والهيدروجين. إجمالًا، هنالك أربعة أنواع من النّوكليوتيدات الّتي تختلف فيما بينها بنوع القاعدة النيتروجينيّة، الّتي تحوي عليها بل وتُسمّى تبعًا لها: أدينين، يوراسيل، غوانين، وسيتوزين، وعادةً ما نرمز لها بالأحرف A، U، G وَ-C.

تعتبر هذه النّوكليوتيدات الأربع لبنات أساس جزيئات الـRNA. فالـRNA عبارة عن سلسلة طويلة تشبه سلسلة من الخرز، حيث يجسِّدُ الخرز فيها النّوكليوتيدات المرتبطة ببعضها البعض برابط كيميائيّ متين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتكوّن روابط كيميائيّة قويّة أخرى بين الأزواج A-U وَ G-C، الأمر الّذي يُسهم في انطواء سلسلة الـRNA على نفسها، مكوّنة روابط بين مختلف أجزاء السّلسلة، وبالتالي تتشكّل بنية ثنائية الأبعاد مميّزة.

أمّا بالنّسبة لجزيء الـDNA، فيتكوّن هو الآخر من النّيوكليوتيدات أي من سكّر خمّاسيّ ، مجموعة فوسفات وقاعدة نيتروجينيّة. لكن على خلاف الـRNA، لا تحوي النوكليوتيدات في الـDNA سكّر الريبوز، إنّما على نوكليوتيدات على الدّيوكسيّ ريبوز، أي سكّر ريبوز منقوص الأكسجين، حيث ينقصه ذرّة أكسجين وهيدروجين. ومن هُنا يأتي اسم الجزيء DeoxyriboNucleic Acid "الحمض النّوويّ منقوص الأكسجين" المشار إليه بـ DNA.

بالإضافة هناك فرق مهمّ آخر بين الـDNA وَالـRNA في واحدة من القواعد النّيتروجينية الأربعة، حيث نجد قاعدة الثّيميْن (Thymine) والّذي يُرمز له بالحرف T بدلًا من اليوراسيل. وعلى غرار الـRNA، تتّصل هذه القواعد الأربعة ببعضها البعض لتشكيل سلسلة DNA طويلة جدًّا، كالخرز على خيط. تتّسم القواعد النّيتروجينية في الـDNA بقدرتها على التّشكيل، حيث ترتبط كلّ قاعدة نيتروجينيّة بقاعدة أخرى مكملة لها، بفعل روابط هيدروجينيّة مناسبة ومكمّلة مشكلةً الأزواج القاعديّة A-T وG-C.  

DNA מול RNA | אילוסטרציה: Shutterstock, ShadeDesign
جزيئان متشابهان جدًا، ولكن هناك بعض الاختلافات المركزيّة بينهما. الحمض النووي مقابل الحمض النووي الريبوزي | الرسم التوضيحي: shutterstock ShadeDesign

ذرّة أكسجين واحدة

 في 25 أبريل 1953، نشر العلماء جيمس واطسون وفرانسيس كريك مقالًا في مجلّة Nature ووصفا فيه البُنية ثلاثيّة الأبعاد لجزيء الـDNA، استنادًا إلى القياسات الّتي أجرتها زميلتهم روزاليند فرانكلين. هكذا تعرّف العلم والعالم على التّركيب اللّولبيّ المزدوج الشّهير، الّذي يتميّز بتطابق الأزواج القاعدية A-T وC-G وارتباطها على إمتداد سلسلتيْ الـ-DNA.

ومن اللّافت للنّظر أنّ جزيء الـRNA غالبًا لا ينتظم في مبنى لولب مزدوج مثل الـDNA، بل على هيئة لولب فرديّ على الرّغم من التّشابه الكبير بين لُبنات البناء الخاصّة بهما. والمدهش في الأمر هو أنّ هذا الاختلاف المبنويّ يرجع إلى سكّر الرايبوز في نيوكليوتيدات الـRNA، والّتي تختلف عن نظيراتها في الـDNA في ذرّة أكسجين وذرّة هيدروجين، لتكون كفيلة في منع الجزيء من الانتظام بنفس هيئة جزيء الـDNA. بالإضافة إلى ذلك، تنتظم سلسلة الـRNA في بعض الأحيان في أشكال هندسيّة مختلفة تمامًا، كدبوس الشّعر (RNA Hairpin) على سبيل المثال، فاللّولب الفرديّ ينطوي على نفسه بطرق شتّى، مكوّنًا مباني ثنائية الأبعاد محدّدة لها آثار مهمّة في وظائف الـRNA

פרנקלין כבר לא הייתה בין החיים. בול שוודי לציון המאורע נושא את תמונת הסליל הכפול, ואת מדידות הרנטגן של פרנקלין שעזרו לפענח את המבנה | Shutterstock, rook76
في عام 1962، منح واتسون، كريك، وويلكينز، رئيس المختبر الّذي عملت فيه فرانكلين آنذاك، جائزة نوبل تكريمًا لاكتشافهم مبنى جزيء الـ DNA. كانت فرانكلين قد توفّيت ولم تُمنح الجائزة معهم. طابع بريديّ من السّويد يعرض صورة اللّولب المزدوج وقياسات الأشعة السّينيّة الّتي أجرتها فرانكلين، والّتي كانت مفيدة في فكّ لغز مبنى الـDNA.

المعلومات، النّسخ والتّرجمة

لا يقتصر الاختلاف بين الـ RNA والـ DNA على بنيتهما فقط، بل يظهر جليًّا بالوظائف المختلفة الّتي يؤدّيها كلّ من الجزيئيْن. كما ذُكرسابقًا، فإنّ الـDNA هو عبارة عن مستودع التّعليمات الجينيّ في الخليّة، حيث يُنشِئ التّسلسل الّذي تُرتّب فيه النّوكليوتيدات الأربع جنبًا إلى جنب، شيفرة تحمل تعليمات للخليّة، لتقوم بترجمتها لإنتاج البروتينات.أما الـ RNA فمن الواضح بأنّه يؤدّي دورًا مختلفًا، ويعمل كوسيط ما بين الـ DNA وآليّات بناء البروتينات.

عمليًّا، يمكننا تشبيه جزيئات الـDNA بمكتبة ضخمة تحوي كمًّا هائلًا من المعلومات، حيث تشفّر كلّ معلومة منها بروتينًا واحدًا فقط، بالتّالي يمكننا تشبيه هذه المعلومات/البروتينات بالكلمات أو الجمل، وتشبيه النوكليوتيدات بالأحرف التي تشكّلها. لذلك نجد أنّ جزيئات الـDNA طويلة جدًّا، وتتكوّن عادةً عشرات الملايين من القواعد، لتحمل هذا الكم الهائل من المعلومات لبناء البروتينات. تمرّ عمليّة ترجمة الـDNA إلى بروتينات عبر محطات عديدة، أوّلها عمليّة "النّسخ"، والّتي يقوم فيها إنزيم الـRNA بوليميراز، أي "مُنتِج الـRNA"، بنسخ معلومة، مقطع قصير من ضمن جزيئة الـ DNA، عادةً بضع مئات أو آلاف النّوكليوتيدات، وينسخها إلى جزيء RNA. ضمن عمليّة "النّسخ"، تنسخ نوكليوتيدات أحد شريطي الـ DNA إلى النّوكليوتيدات المطابقة لها الـRNA بنفس التّسلسل والتّرتيب، وفقًا لقواعد اقتران النّوكليوتيدات الّتي وصفناها سابقًا، حيث يستبدل الجوانين (G) في شريط الـ DNA بسيتوزين (C) في الـ RNA، والثّيمين (T) بأدينين (A)، وبما أنّه لا يوجد ثيمين في الـ RNA، يُستبدل الأدينين بالأوراسيل (U).

تُرسل جزيئة الـ RNA بعد النّسخ إلى مصنع إنتاج البروتينات، داخل الخليّة المعروف باسم الريبوسوم. نظرًا لأنّ هذه جزيئة الـ RNA في هذه الحالة تعمل كرسول ينقل "تعليمات الإنتاج" من الـ DNA إلى الريبوسوم، فقد باتت تُعرف باسم "RNA رسول" (mRNA). اكتسبت هذه الجزيئات في الآونة الأخيرة شهرة كبيرة، بفضل لقاحات فيروس كورونا الّتي طوّرتها شركتا فايزر وموديرنا، والّتي تعتمد على جزيئات mRNA الّتي تمكّن خلايا مُتلقّي اللّقاح، لإنتاج أحد بروتينات غلاف فيروس كورونا وتطوير المناعة ضده.

عند وصول الـmRNA إلى الريبوسوم، فهو يصادف هنالك نوعين إضافيّين من جزيئات الـ RNA. يُدعى الأوّل "RNA ريبوزومي" (rRNA)، وهو أحد المكوّنات المبنويّة الرّئيسة للريبوسوم نفسه. أما الثّاني فيُسمّى "RNA ناقل" (tRNA)، ويلعب دورًا رئيسًا في ترجمة المعلومات الجينيّة، الّتي أحضرها الـmRNA وإنشاء بروتين منها. 

يتحلّى الـtRNA بمبنى ثلاثي الأبعاد يشبه الحرف الإنجليزيّ L ، وهو الّذي يمنحه أفضليّة كبيرة في أداء دورًا حاسمًا في ترجمة المعلومات الّتي يحملها الـmRNA إلى بروتين. فمبنى الـtRNA يمكنه الارتباط بتسلسل محدّد من ثلاث نوكليوتيدات mRNA على إحدى أطرافه، وبحمض أميني (جزيئة صغيرة هي وحدة بناء البروتينات) في الطرف الآخر، أضف ذلك إلى أنّ لكلّ تسلسل من ثلاث نوكليوتيدات الـRNA هناك tRNA متخصّص يرتبط به، ولكلّ tRNA متخصّص كهذا هناك حمض أمينيّ معيّن يرتبط به، بكلمات أخرى، كل حامضٍ أمينيّ يُشفّر من خلال تسلسل ثلاث نوكليوتيدات في ال-mRNA. وفقًا لذلك، تقوم جزيئات الـtRNA الّتي تحمل الأحماض الأمينيّة بالارتباط بتسلسلات نوكليوتيدات الـmRNA، بالتّرتيب واحدة تلو الأخرى، ليقوم الرّايبوزوم بالتّالي بربط الأحماض الأمينيّة هذه معًا، ليُنتج هكذا سلسلة من الأحماض الأمينيّة بحسب تسلسل النّوكليوتيدات الدّقيق الّذي نقله الـmRNA من الـDNA. تنتظم سلسلة الأحماض الأمينيّة الّتي تنتج عن كل mRNA، لتكون بروتينًا محددًا ومصمّمًا ليقوم بوظيفة ما في الخليّة، ومن هنا تُسمّى هذه العمليّة الّتي تحدث داخل الرايبوزوم بالتّرجمة.

هنا يجدر بنا التّنويه أنّ ذرّة الأكسجين الإضافيّة في جزيء الـRNA لا تؤثّر على بنية الـRNA فحسب، بل تقلص من مدة عمر النّصف (المدّة الزمنيّة اللّازمة لتحلّل نصف كمية الجزيء الأوّليّة) الخاصّة به أيضًا، أي أنّها تُسرّع من وتيرة التّحلّل الذّاتيّ لجزيء الـ RNA. فبينما تُقدّر مدّة عمر النّصف للـRNA ببضع دقائق فقط، تقدّر مدّة عمر النّصف لجزيء الـ DNA بآلاف السنين. تكمن في مدّة عمر النّصف القصيرة للـmRNA أفضليّة هائلة للخليّة، في آليّة نقل المعلومات من الـ DNA إلى الرّيبوسوم، فهي تمكّن الخليّة من استخدام الـmRNA كذاكرة قصيرة المدى، "تُمسح" تعليماتها من الذاكرة لتحرير مساحة لتعليمات جديدة. مع ذلك، عندما يُراد استخدام جزيء الـ mRNA كلقاح، فإنّ عمر النّصف القصير له، يعني أنّه يجب حفظه في درجات حرارة منخفضة جدًّا.

רצף ה-mRNA, שנראה כשרשרת בתוך החריץ, קובע איזו חומצת אמינו תתווסף לשרשרת. ה-tRNA (בירוק) מחבר בין ה-mRNA לחומצת האמינו המתאימה | Gunilla Elam, Science Photo Library
الرّيبوسوم (كرة حمراء) يبني البروتين من خلال ربط الأحماض الأمينيّة ببعضها البعض مكوّنًا سلسلة (الكرات في الجزء العلويّ). تسلسل النوكليوتيدات في الـmRNA، الّذي يظهر كسلسلة داخل الشّقّ، يحدّد أيّ حمض أمينيّ سيتمّ إضافته إلى السّلسلة. الـtRNA (باللون الأخضر) يربط بين الـmRNA والحمض الأمينيّ الملائم. | المصدر:  Gunilla Elam, Science Photo Library

العميل المزدوج

على مرّ السنين، تم اكتشاف جزيئات RNA إضفية اخرى والتي لا تشارك بشكل فعال في عملية نسخ وترجمة المعلومات الجينيّة المخزّنة في الـDNA. على سبيل المثال، هناك جزيئات RNA ضالعة في نشاط الإنزيمات، أي البروتينات المتخصّصة في تنشيط تفاعلات الكيميائيّة محدّدة. كما أن هناك جزيئات RNA تعمل كإنزيمات بنفسها، أي بإمكانها تنشيط تفاعلات كيميائيّة بمفردها دون مساعدة البروتينات. نظرًا للأدوار المتعدّدة لجزيئات الـRNA، الّتي يمكنها تخزين المعلومات الجينيّة مثل الـDNA من جهة، وتنشيط  التّفاعلات الكيميائيّة مثل البروتينات من جهة أخرى، راح بعض الباحثين يعتقد أنّه في نَشأة الحياة على الأرض سبق وجود الـRNA  وجود  البروتينات والـ- DNA في حقبة مفترضة وأطلق عليها اسم "عالم الـ RNA".

موجز القول هو أنّ الـ RNA والـDNA أنواع مختلفة من الأحماض النّوويّة، المسؤولة عن تخزين المعلومات الجينيّة في الخلايا الحيّة، بل تؤدّي دورًا جوهريًّا في ترجمة هذه المعلومات الجينيّة إلى بروتينات، وبالتالي إلى وظائف وصفات. على الرغم من تشابه هذين الجزيئين من ناحية تركيبتها الكيميائيّة، إلّا أنّ الاختلاف الكبير بينهما يتجلّى في بنيتها، وبالتّالي في الوظائف الّتي تؤدّيها كلّ منها. إنّ هذا مثال رائع لسحر الكيمياء: مجرد وجود الأكسجين في الحمض النّوويّ أو غيابه، يخلق تعقيدًا جزيئيًّا، لم تكن الحياة كما نعرفها في عالمنا لتنشأ بدونه.

 

0 تعليقات