الدّهن بشكل عامّ، هو جزيءٌ عضويّ مبنيّ من مُركَّبٍ لمادّتَيْنِ: جليسيرول وحوامض دهنيّة. عندما نأكلُ دُهنًا، فإنّ الجهاز الهضميّ يُحلِّلُ الرّباط بين الحوامض الدُّهنيّة والجليسيرول، وهكذا فإنها تُمتَصُّ إلى الدّمِ بشكلٍ منفصل. بالنّسبة للأَهمّيّة، فإنّ الحوامض الدُّهنيّة هي الجزء الأساسيّ في جزيءِ الدُّهن، وهي الّتي تميِّزُ الدُّهون عن بعضها البعض، مِنَ النّاحية الكيميائيّة.

الحامض الدّهنيّ مبنيّ من سلسلةٍ طويلة من ذرّات الكربون (5 ، 10 ، 18 وأحيانًا كربون أكثر)، وفي أَحَدِ طرفَيْهِ مجموعةٌ حامضيّة (-COOH) ومن هنا جاءَ الاسم.

إذا نظرنا إلى زيوتٍ ودهون مختلفة مثل زيتِ الزّيتون، وزيت الصُّويا، والمرجرين، والزُّبدة، وزيت الجوز، ودُهن الطّير والبقر (الخطوط البيضاء الموجودة بين قطع اللّحم هي دهون). الفرق الأبرز الظّاهر للعيان بينها، هو الاختلاف في درجة الانصهار – أي درجة الحرارة الّتي تتحوَّلُ فيها الدُّهنيّات إلى سائل: ففي الوقت الّذي يكون فيه زيت الزّيتون وزيت الصُّويا سائِلَيْنِ في درجة حرارة الغرفة، وحتّى في الثّلاجة، فإنّ الزُّبدةَ والمرجرين يكونانِ صُلبَيْنِ (حتّى صُلبة جدًّا) عندما تكون في الثّلاجة، وصُلبة طريّة عندما تكون في درجة حرارة الغرفة، دهن البقر – يتحوَّلُ إلى سائِلٍ عند تسخينه لدرجة حرارة مرتفعة – نرى أنّه "يخرج" مِنَ اللّحم عند طبخِهِ فقط.


لحم بقر مع دهن. تصوير Michael C. Berch صورة من ويكيبيديا.

ما هي الدُّهون المشبعة؟

السّبب الرّئيسيّ للاختلاف في درجة حرارة انصهار الدُّهنيّات المختلفة هو مدى إشباع الأربطة الكيميائيّة داخل جزيء الدُّهن بالهيدروجين. كلَّما كانَتِ الأَربطة الكيميائيّة في الجزيء مُشبعَةً أَكثر بالهيدروجين، فإنَّ الدُّهنَ ينصهر بدرجةِ حرارةٍ أَعلى (يميل إلى أن يكونَ صُلبًا في درجات حرارةٍ أعلى).

ولماذا يحدُثُ ذلك؟ في الصُّورة التّالية، يُمكِنُ رؤية كيف أنّ 7 جزيئات مِنَ الدُّهن المشبَع (كلّ الأربطة بين ذرّات الكربون هي أَربطة فرديّة، خطٌّ واحد، لأنّ جميعَ الأَربطة الكيميائيّة مُتّصلة بالهيدروجينِ غير المرسوم) منتظمة مِنَ النّاحية الفراغية:

نرى بِوضوحٍ أنّه يُمكن أن تقتربَ الجزيئات من بعضها البعض، الأمر الّذي يُشكِّل مبنًى كثيفًا يُمكِّن من حدوثِ تفاعُلٍ قويّ (= أربطة بين جُزيئِيّة قويّة) بين الجزيئات، لهذا فإنّ درجة انصهار دُهنٍ مُشبَع كهذا تكون أعلى.

في الصُّورة التّالية، تُعرَضُ 3 جزيئات لحوامِضَ دهنيّة غير مُشبعة (لحامض الزّيتيك، الموجود في زيت الزّيتون، ويُشارُ إلى الرّابط المزدوج بواسطة خَطَّيْنِ):

نرى بوضوح أنّ الرّابط المزدوج بين ذرّات الكربون، يتسبَّبُ بـِ "انحناء" سلسلة الكربونات، ويمنع عمليًّا، اقترابَ السَّلاسِلِ مِن بعضها البعض وتكوينَ تفاعلٍ قويّ، والنّتيجة – أربطة ضعيفة بين الجُزيئات، ودرجة انصهار منخفضة أكثر. ويمكنُ كذلك وُجودُ "دهن كثير غير مُشبع"، يحتوي على عددٍ مِنَ الأربطة المزدوجة/ غير المشبعة في السّلسلة، الأَمر الّذي يؤدِّي إلى انحناءٍ أكبر، ولدرجة انصهار منخفضة أكثر.

الدهون المشبعة والجسم

للدُّهن المشبَع تأثير على الصِّحَّة – تميلُ الدُّهون المشبعة (الصُّلبَة) إلى تراكُمٍ أكثر على جدران الأوعية الدَّمويّة (مع موادَّ أُخرى) وإغلاقها، الأَمر الّذي قد يؤدِّي إلى نوبةٍ قلبيّة (إذا أُغلِقَ وعاءٌ دمويّ يُغذِّي القلب نفسَهُ). أو جلطة دماغيّة (اذا أُغلق وعاء دمويّ ينقُلُ دَمًا للدّماغ). أَضِفْ إلى ذلك، فإنّ أربطة الكربون – كربون فرديّة – كالموجودة في الدُّهن المشبَع، هي ثابتة جدًّا (جدًّا)، لذا فهي لا تميل إلى التّفاعل أَوِ الانكسار- (لهذا فإنّ "عائلة الألكانات" في الكيمياء، وهي عائلة مركّبات كربونيّة محتوية على كربون وهيدروجين فقط، والمرتَبِطَة بأربطة فرديّة فقط، تُعتَبَرُ عائلةً "لا مبالية كيميائيًا": لا تتفاعل مَعَ الحوامض أَوِ القواعد أَوِ الكحول أَوِ الأَمينات أَوِ حتّى الفلزّات القلويّة أَوِ الفلزّات الانتقاليّة. إِنّها تتفاعَلُ مع مؤكسِدَاتٍ قويّة فقط: مثل غاز الكلور النّقيّ أَوِ الأكسجين (تفاعل احتراق) ).وَمِنَ الصّعب على عالم الطّبيعة الحيّ أن "يُواجِهَ" (يُحلِّلَ) أربطةً كهذه. لذا يصعُبُ على الجسم أَكسَدَةُ جزيئات طويلة مِنَ الدُّهن المشبَع. (لحسن حظّنا أنّه يوجَدُ في أَحَدِ طرفَيْ جزيءِ الدُّهن "رأس" مع مجموعة حامضيّة، وبفضله ينجَحُ الجسم أن "يقوم بكيمياء" معيّنة مع جزيء الدُّهن، وأكسدته في نهاية الأَمر، بواسطة تفاعلات تُقلِّص زوجَ ذرّات الكربون الّتي في الطّرف كلّ مرّة, اما بالنسبة للدهن الغير مشبغ فهو اكثر بكثير فعالية كيميائياً ولذلك فان الجسم يأكسدة بشكبسهولة اكثر.

دهن "ترانس"

بالنّسبة لدهن "ترانس" – عندما اكتشف الكيميائيُّونَ سببَ الفرق بين الدُّهنيّات، وُجِدَتِ الطّريقة لتحضير زبدة بطريقةٍ كيميائيّة – اصطناعيّة وبشكلٍ رخيص (مثل المرجرين): كلُّ ما في الأمر هو أخذ زيتٍ رخيص، وجعلُهُ يتفاعَلُ مع غاز الهيدروجين (H2) الّذي يُحوِّل الأربطة المزدوجة بين ذرّات الكربون إلى أربطةٍ فرديّة مشبعة بالهيدروجين.

تبيَّنَ في السَّنَوات الأخيرة أنَّ هذه العمليّة، (بالإضافةِ إلى إنتاج دُهنٍ مشبع غير صحّيّ) تُكوَّن كمّيّاتِ دُهنٍ من نوعٍ آخر : دهن من نوعِ ترانس، والّذي يُضِرُّ بالصِّحَّةِ بكل تأكيدٍ...

مرجرين | تصوير: spoospa, صورة من ويكيبيديا
مرجرين | تصوير: spoospa, صورة من ويكيبيديا

عند تحضير المرجرين، وجعلِ الزّيت يتفاعلُ مع غاز الهيدروجين (H2) يُستعمل مُنشِّطٌ كيميائيّ أيضًا – والّذي يجعل حدوثَ التّفاعل أسرع. "يفتح" المنشِّط الرّابط المزدوج، ويُمكِّن الذّرّات مِنَ التّفاعل مَعَ الهيدروجين. لكن، تَحدُثُ أحيانًا دورة 180 درجة حول الرّابط، ويُغلَقُ الرّابط مرّةً أخرى، بدون تفاعُلٍ مَعَ الهيدروجين. النّتيجة – يكونُ جزءَا الجزيء على جانبَيْنِ مختلِفَيْنِ مِنَ الرّابط المزدوج، كما يظهر في الصُّورة التّالية:

كما تَرَوْنَ، فإنّ الجزيء يشبه كثيرًا الجزيءَ المشبع، وبالطّبع له درجة حرارة انصهار مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك – هنالك سلبيّة إضافيّة لدهن ترانس: يتّضِحُ أنّه للدُّهنيّات الّتي في الطّبيعة، يكونُ ترتيبُ الجزيء حول الرّابط المزدوج، من نوع "تشيس" دائمًا (مصدر الأسماء لاتينيّ) – أي من جهةِ الرّابط المزدوج نفسِها، كما في حامض الزّيتيك المرسوم أَعلاه. ولأَنَّ الرّابط ترانس غير موجود تقريبًا في الطّبيعة، فَيصعُبُ على جسم الإنسان كثيرًا، القيام بتفاعلاتٍ كيميائيّة (كلّ الإنزيمات في الجسم، والّتي تقوم بتفاعلات كيميائيّة، مبنيّة وتعرِفُ دهن تشيس فقط!) وجزيئات دهن التّرانس، كما الدّهن المشبع – تتراكم في الجسم، وتسبِّبُ ضررًا أَيضًا.

0 تعليقات