هل تتوافق التّقاليد الرّمضانيّة والحقائق العلميّة؟ كيف لنا أن نمد أجسامنا بالطاقة اللازمة للتكيف مع الصيام، وما أنسب الأطعمة لنبدأ ونكسر بها صيامنا

في الشّهر التّاسع من كلّ عام هجريّ يصوم المسلمون حول العالم من قبيل الفجر وحتّى الغسق، وقد تتراوح ساعات الصّيام من إحدى عشرة ساعة إلى ستّ عشرة ساعة أو أكثر في مناطق معيّنة من العالم، ويمتنعون بذلك عن المأكل والمشرب وسائر الملذّات. لكن ما الذي يحدث حقًا للجسم خلال الصّيام وما هي الآليات التي تساعده على التأقلم مع هذا النمط من التغيير؟ وهل تتوافق التّقاليد الرّمضانيّة والحقائق العلميّة؟

يمكننا تقسيم الشّهر لأربعة مراحل يمرّ بها الجسم:

  1. المرحلة الصّعبة (أول يومين): تقنيًّا يدخل الجسم في "حالة صيام" بعد مرور ثمانية ساعات من  تناول آخر وجبة، وهو الوقت الكافي لانتهاء عمليّة امتصاص الغذاء في الأمعاء. يقوم الجسم باستغلال مصادر الجلوكوز في الكبد والعضلات، ومن ثمّ يتوجّه لمصادر الدّهنيّات لإنتاج الطّاقة، وهنا تحدث العمليّة الأكثر طلبًا " خسارة الوزن" إلّا أنّها في الحقيقة تتعلّق وتتأثّر بعوامل أخرى.

  2. مرحلة بداية التّأقلم والجفاف (ما بين اليوم الثالث حتى السابع) : والّتي يبدأ الجسم فيها بالتّعوّد على الصّيام، فتتفكّك الدّهون لسكريات أحادية بسيطة، لذلك يجب علينا تزويد الجسم خلالها بكمّيّة سوائل كافية لتجنّب الجفاف.

  3. مرحلة التّأقلم (من اليوم الثامن حتى الـخامس عشر من الشهر): يبدأ الجسم فعليًا بالتّأقلم، ويشهد تحسّنًا في الحالة المزاجيّة بحلول المرحلة الثّالثة.

  4. مرحلة التّخلّص من السّموم (ما بين الأيام 16-30): يتحقق التّكيّف التّامّ مع عمليّة الصّيام، وفيها يكون الجسم في ذروة أدائه، وتشير الأبحاث إلى تحسّن الذّاكرة والقدرة على التّركيز وتتوفّر في الجسم المزيد من الطاقة.


من المتّبع كسر الصيام بالماء وبتمراتٍ أو رطبٍ ولبن| المصدر: Shutterstock
 

حسنًا، والآن بعد أن فهمنا آليّة الصّيام في الجسم، كيف لنا أن نخزّن الطّاقة لبداية يوم الصّيام؟

لكي نمدّ الجسم بالطّاقة اللّازمة لعمليّة صيام صحيّة وآمنة، يتوجب علينا تزويده بمصادر الطّاقة المعقّدة الّتي يستغرق تحليلها وقتًا أطول، ويمكننا الحصول عليها من النّشويات المعقّدة كالخبز من القمح الكامل بإضافة أحد منتجات الحليب قليلة الدّسم  وعالية البروتين وقليلة الملح لتجنّب العطش، وكلّما تكرّمنا على جسمنا بالخضار التي تحوي وفرة من الألياف، تمتّعنا بشعور أقوى بالشّبع لساعات أطول وهضم أيسر. ولكي ننعم بتركيز ونشاط لساعات طويلة لا بدّ من تزويد الجسم بالسّوائل غير المحلّاة.  

وعند المغيب، كيف لنا أن نكسر صيامنا على أفضل وجه؟ 

بعد الصّيام يعود الكيس العضليّ- مستقبِل الطّعام- وأعني به المعدة، إلى حجمه الطّبيعيّ للبالغ 50 سم3  ليكون جاهزًا لاستقبال الطّعام، ولكن علينا بالتّدرّج في تناول الطعام وبمعاملة المعدة برفق وحذر.
 

هل لنا بكأس لبن عند الغسق؟ 

إذا كنتم من الأشخاص الّذين يتناولون اللّبن على معدة فارغة فأعتقد أنّه من الأفضل أن تعيدوا النّظر في تلك العادة.

لا نلغي فائدة اللّبن والّتي من أهمّها احتواؤه على البروبيوتكس (البكتيريا النّافعة) والّتي من مهامها المساعدة على الهضم ورفع المناعة، إلّا أنّ التّوقيت غير مناسب لها، لماذا؟

أوّلاً، علينا أن نتذكّر بأن عمليّة هضم البروتينات تبدأ في المعدة عن طريق إنزيم البيبسين بالإضافة إلى حمض الهيدروكلوريك، وعند تناول اللّبن على معدة فارغة فإنّ إفرازهما يؤدّي إلى زيادة الشّعور بالحرقة وتدمير البكتيريا النّافعة الّتي كان من المفترض الاستفادة منها.

إذن ما الخطّة؟

خذوا رشفة من الماء وألحقوها بحبّة تمر متوسّطة الحجم، أتموا الكأس بهدوء ثمّ تناولوا بعضًا من  الحساء المغذّي وحبّذا لو تم تحضيره من الخضراوات الطّازجة أو المجمّدة وتجنّب المعلّبة منها، ولا بأس بالتّنويع في أنواع الحساء كالمصنوعة من الحبوب (مثل الفريكة أو القمح الأخضر المدخّن) أو البقوليّات (كالعدس والبازيلاء).  ففي حبّة التّمر متوسّطة الحجم ما فيها من السّكّريات لمعادلة مستوى سكّر الدّم الذي يكون في حالة من الانخفاض بعد نهار الصيام، وفي الماء والحساء دعم لميزان السّوائل والأملاح. وعند إتمام القسم الأوّل من الخطّة الدّفاعيّة يمكننا الآن التّقدّم بهدوء وحكمة نحو ما لذّ وطاب من الأطعمة المطهوّة وتجنّب المقليّة، فالأولويّة للخضار وتتبعها النّشويات المعقّدة والبروتينات الحيوانيّة كاللّحوم غير الدّهنيّة والبروتينات النّباتيّة كالبقوليّات. 

يقال بأنّ "الخلوة الّتي لا تملؤها إلّا الحلوى"؛ لكن حبّذا لو ملأناها بالفاكهة تارة، وإن اشتهينا "القطايف" فلتكن مشوية ومحلّاةً بالقطر المخفّف.

إذا كنتم أعزاءنا الصائمين تبتغون صحّة جسديّة وراحة نفسيّة، فاتبعوا الخطّة لنكمل ما تبقى من رمضان وننتظره كلّ عام بشغف وصحة وراحة.

 

 

ملاحظة للمتصفّحين

المعلومات العلميّة المعروضة قُدّمت من قبل استشارية اختصاصيّة في التغذية الإكلينيكيّة، وتمت مراجعتها علميًّا ونودّ التنويه إلى أنّ المعلومات والنصائح المطروحة لا تشكّل بديلًا لمراجعة الطبيب المعالج في حالة الأمراض المزمنة والحالات الشخصيّة الخاصّة

 

0 تعليقات