هل رغبتنا بتناول الحلويات عادة؟ أم هي فعلًا إدمان وجسمنا يحتاج تناولها؟
تنهون وجبةً لذيذةً ومشبعةً بعد نهار صيامٍ طويل، ثمّ تشعرون برغبةٍ مُلِحّةٍ بتناول تحليةٍ تبهجكم، هل هذا السيناريو مألوف لكم؟ حسنًا لماذا تجتاحنا هذه الرغبة، وهل فكّرتم قبل اليوم أن لرغبة تناول الحلوى بعد الوجبة أسبابًا تطوريّة مثلًا؟ أم أنها حاجة فزيولوجيّة؟
قد يكون تناول الحلوى بعد الوجبة عادةً طُوّرت عبر العصور في بعض الحضارات، وقد يرى فيها البعض الآخر مُكافأةً أو رُبّما تعويضًا، وهذا تحديدًا في رمضان.
"لقد تناولت قطعة من الحلوى بعد أن شعرت بأنّ مستويات السُّكّر قد انخفضت لديَّ". جُملة تتردّد على مسامعنا أحيانًا كثيرة، ومن مُختلف الفئات. قد يبدو هذا للبعض تفسيرًا منطقيًّا، حيث يقوم الدّماغ بإرسال إشارات للتعبير عن نقص مُرّكب محدّد، كالسُّكّر مثلًا في هذه الحالة، ويرى بذلك البعض أنّها طريقة لإراحة "الضمير الغذائيّ"، إلّا أنّ الواقع غير ذلك.
إنّ رغبتنا بتناول طعام محدّد ما هو إلّا شعور يُمكن وصفه بـِ "خارج عن السيطرة"، حيث يُفسّر كاحتياج إمّا نفسيّ أو فزيولوجيّ. وإذ ما بحثنا في الأسباب الفزيولوجيّة، فإنّ التفسير يُعزى لعمليّة الهضم بالأساس لكونها إحدى المهام الرئيسيّة لجسم الإنسان، بحيث تحتاج عمليّة هضم الطعام كميّة طاقة كبيرة، لذا فإنّ الجسم يقوم بتبليغ الدّماغ بحاجته للطّاقة الفوريّة، والتي تكون على شكل طلب السُّكّر، الّذي يُعدُّ مصدرًا سريعًا للطاقة. ولكن هذه فرضيّة!
حلوى البقلاوة. المصدر: Shutterstock
الأسباب النفسيّة
تُفسّر الرغبة لتناول الحلوى كنتيجة لعادات متُكرّرة الّتي تتمثّل في تناول الحلويات بعد إنهاء وجبة الطعام مباشرةً، حيث يؤدّي التناول المنتظم والاعتياديّ للأغذية العالية بالسكّر أو الدهون، إلى تكوين شبكة من الجزيئات الكيميائيّة العصبيّة داخل الدماغ، بحيث تقوم بطلب هذه الأنواع من الأغذية بشكل تلقائيّ بعد تناول الوجبة، وفي حال تمّ الربط بين الانتهاء من الوجبة وتناول الحلويات، سيكون من الصعب إرضاء هذه الرغبة وكبحها بعدم تناول الحلويات، بعد الانتهاء من تناول الطعام.
تتواجد مُستقبلات فريدة للطعم الحلو على لساننا، وعند استقبالها لجزيء السُّكر فإنها تُنشّط مسار إشارات يصل إلى الدّماغ ويُثير الشعور بالمتعة. هذه الآليّة هي في الواقع بقايا تطوّريّة من الفترات التي كان فيها الطعام الغنيّ والمغذّي سلعةً نادرةً: نحن نُفضّل الحلويات لأنّ الطعام الحلو غالبًا ما يكون لذيذًا وذا جودة أيضًا، على سبيل المثال، الفاكهة الحلوة الغنيّة بالعديد من العناصر الغذائيّة.
استطاعت العلوم تفسير رغبتنا بتناول الحلوى، لكنها لم تستطع تفسير رغبتنا بتناول الحلوى بعد الوجبة تحديدًا.
لقد سعينا لإيجاد تفسير علميّ معقول، أو على الأقل تفسير قد يُقلّل من "عذاب الضمير". لكن على ما يبدو، فإنّ التفسير لا يعتمد على آليّة بيولوجيّة، بل مُجرّد عادة سلوكيّة أو تطوّريّة.
كدليل على ذلك، هُناك حضارات وشعوب من غير المُتعارف لديها ختم الوجبة بالطّعم الحلو، كالشعب الفرنسيّ الذي اعتاد على تناول الأجبان مثلًا. وإذا ما سرنا نحو القارة الآسيويّة وتحديدًا إلى الهند، فإنّ عادة تناول الحلوى بعد الوجبة غير موجودة أصلًا. لو كانت حاجة بيولوجيّة، فمن المحتمل أن تكون هذه العادة قد عبرت الثقافات، على غرار استجابة الرُّضّع للمذاق الحلو. أو ربّما تكون الحلوى قد نشأت في محاولات "رشوة" الأطفال، للموافقة على أكل الفطائر والبروكلي، ومن هنا تطوّرت العادة لختم الوجبة بالحلوى.
كما يبدو، وبناءً على المعلومات المتوفّرة لدينا، فلا يوجد للحلوى أيّ تفسير هرموني أو أيضيّ، إنّما هي مُجرّد عادة أو سلوك قمنا بإنتاجه على مرّ السنين، بما في ذلك تأثير المعايير الثقافيّة التي نعيش فيها. لذا فإنّ طريقة التغلّب على هذه الرغبة تحتاج ربما لبعض الإرادة، لذلك بعد وجبتكم الغنيّة التاليّة، وترغبون بالتحليّة فكّروا مرّتين قبل أن تعزوا الحُجّة للبيولوجيا وهبوط السكّر.