ما الذي يسبّب اللون الأصفر في جلد مرضى اليرقان وعيونهم؟ ما الفروقات بين الفيروسات المسبّبة للمرض، ما مخاطرها وما العلاجات واللقاحات التي يمكنها أن تُساعد؟

الكبد عضو حيويّ، من ضمن وظائفه العديدة تفكيكُ السموم وتحييدها، وتنظيمُ المواد القادمة من الجهاز الهضميّ إلى الدم، وإنشاءُ أملاح عُصارة المرارة اللازمة لتفكيك الدهون. التهاب الكبد (Hepatitis) مرضٌ يصيب الجهاز الهضميّ الناتج عن تلف في وظائف الكبد الطبيعيّة.

من أكثر الأعراض المرتبطة بالتهاب الكبد عَرَضُ اليرقان، وهو ظهور اللون الأصفر في الجلد والعينين. ينتج هذا اللون عن تراكم مادة تسمّى البيليروبين (Bilirubin) في أنسجة الجسم. والبيليروبين نَتاج تحلّل خلايا الدم الحمراء، التي انتهت حياتها وتحلّلت في الطحال. يتم عادةً تكسير البيليروبين بكفاءةٍ في الكبد وإزالته من الجسم من خلال البراز، ولكن عندما يكون نشاط الكبد غير طبيعيّ، فإنّهُ يبقى في الدورة الدمويّة ويَصبِغ الجلد والعينين باللون الأصفر.

يُعدّ فائض البيليروبين في الدم أيضًا من سِمات اليرقان الوليدي، وهي ظاهرة تُرى في حوالي 40 في المئة من الأطفال حديثي الولادة. لا ينتج هذا اليرقان عن التهاب أو تلف في الكبد، بل عن وجود كمّيّة كبيرة من خلايا الدم الحمراء عند الأطفال حديثي الولادة، ويتمّ علاجه دائمًا بسهولة وبدون ضرر.

تنتج معظم حالات اليرقان غير اليرقان الوليديّ عن التهاب الكبد المعديّ، بعد الإصابة بفيروس يهاجم أنسجة الكبد. الأسباب الأكثر شيوعًا لالتهاب الكبد المعديّ هي فيروسات التهاب الكبد من خمسة أنواع، تسمى "أ"، "ب"، "ج"، "د" و"هـ". تنتمي هذه الفيروسات إلى عائلات مختلفة، والقاسم المشترك بينها هو ميلها إلى إصابة خلايا الكبد والتسبّب في الالتهابات. يموت كلّ سنة حوالي 1.1 مليون شخص حول العالم بسبب اليرقان الفيروسيّ.

عادةً ما تنتقل فيروسات التهاب الكبد "أ" و"هـ"، التي تسبّب مرضًا حادًّا، من شخص لآخر عن طريق الطعام أو الماء الملوّث، بسبب سوء الصرف الصحّيّ وقلّة النظافة. غالبًا ما تنتقل فيروسات التهاب الكبد "ب" وَ"ج" عبر سوائل الجسم، كما أنّها تسبّب مرضًا خطيرًا مزمنًا قد يستمرّ لسنوات عديدة. في حالات نادرة، يمكن أنّ يتسبب فيروس التهاب الكبد "هـ" أيضًا في حدوث مرض مزمن. حتى يومنا هذا، هناك ما يقارب 350 مليون شخص في جميع أنحاء العالم مصابون بأحد هذه الفيروسات. يمكن لفيروس التهاب الكبد "د" (دلتا) أنّ يصيب فقط المرضى المصابين بالفعل بالتهاب الكبد "ب"، وهو أحد أسباب تفاقم أمراض الكبد لدى المرضى المزمنين.

تميل أعراض جميع هذه الفيروسات إلى التشابه، وتشمل درجة الحرارة مرتفعة، وشعورًا عامًّا بالتوعّك، وقلّة الشهيّة، وآلامًا في البطن، والبول الداكن، وكما ذكرنا - اليرقان. لتشخيص الفيروس بدقّة على الفيروس المسبّب للمرض ومواءَمة المريض للعلاج الصحيح، يجب إجراء اختبارات لتحديد المادّة الوراثيّة للفيروس، أو الأجسام المضادّة الفريدة التي ينتجها جهاز المناعة لدى المريض ضدّه.

גבר מראה את עיניו הצהובות בשל מחלת כבד | Shutterstock, Creative Cat Studio
ينتج اللون الأصفر في الجلد والعينين عن تراكم مادّة تسمّى البيليروبين في أنسجة الجسم. رجل يظهر اصفرار عينيه بسبب مرض الكبد | Shutterstock, Creative Cat

 

التهاب الكبد الوبائيّ أ (Hepatitis A)

فيروس التهاب الكبد الوبائيّ "أ" هو فيروس RNA من عائلة (Picornaviridae)، والتي تشمل، من بين أمور أخرى، فيروس شلل الأطفال، وكذلك الفيروسات التي تُسبّب نزلات البرد. يُطرح الفيروس في البراز وينتقل بواسطة تناول أو شرب طعام ملوّث، أو من خلال الاتّصال الوثيق بشخص مريض. وهذا النوع من الالتهاب، أي التهاب الكبد "أ"، هو أكثر أنواع التهاب الكبد الفيروسيّ شيوعًا.

يمكن أن يمرّ المرض لدى الأطفال حتّى سنّ الخامسة، بدون أعراض على الإطلاق. يُبلِّغ البالغون عن درجة الحرارة مرتفعة، والضعف، والغثيان والقيء، وآلام المفاصل والعضلات، وأحيانًا أعراض أخرى شبيهة بالإنفلونزا. بعد أسبوع أو أسبوعين من ظهور المرض، تظهر مرحلة اليرقان مصحوبةً ببول داكن وبراز فاتح اللون. في هذه المرحلة تتلاشى أعراض المرض الأخرى، ويبقى الشعور بالضعف وقلّة الشهيّة بشكلٍ أساس.

يسبّب الفيروس بالفعل مرضًا حادًّا، لكنّه عادةً ما يختفي من تلقاء نفسه في غضون شهر أو شهرين، ولا يتحوّل إلى التهاب كبديِّ مزمن. نادرًا ما يتطوّر إلى مرض خطير يتجلّى في فشل كبديّ حادّ، والذي قد يتطلّب عمليّة زرع كبد عاجلة. يتعلّق هذا الخطر بشكل رئيس بالمرضى المسنّين المصابين بأمراض كامنة.

أصبح من الممكن الآن منع عدوى التهاب الكبد أ بمساعدة لقاح جاهز أو فعّال. منذ سنة 1999م، تمّ تطعيم جميع الأطفال في البلاد بلقاح HAVRIX الفعّال. يحوي اللقاح فيروسات التهاب الكبد "أ" A المميّتة بالإضافة إلى مادة مُعزّزة (Adjuvant)- وهي مادة تزيد من الاستجابة المناعيّة.

يتمّ إعطاء اللقاح لجميع الأطفال من سنّ الواحدة على جرعتين، ويوصى به أيضًا للمرضى المصابين بأمراض الكبد المزمنة، حاملي فيروس نقص المناعة البشريّة المكتسبة (HIV)، الأشخاص الذين تعرّضوا لمريض التهاب الكبد "أ" والمسافرين الذين يذهبون إلى البلدان التي ينتشر فيها الفيروس. تُقدّر فاعليّة اللقاح بحوالي 94 في المئة في الوقاية من المرض، وهو صالح لمدّة عشرين عامًا تقريبًا. منذ دخوله إلى مجموعة التطعيمات الاعتياديّة في البلاد، انخفضت نسبة الإصابة بالتهاب الكبد "أ" بنحو 90 في المئة.

תמונת מיקרוסקופ אלקטרונים של הנגיף הגורם למחלה | James Cavallini, Science Photo Library
التهاب الكبد"أ" هو التهاب الكبد الفيروسيّ الأكثر شيوعًا. صورة بالمجهر الالكترونيّ للفيروس المسبّب للمرض | James Cavallini, Science Photo Library

 

التهاب الكبد الوبائيّ هـ (Hepatitis E)

فيروس التهاب الكبد "هـ" هو أيضًا فيروس RNA، ولكنّه ينتمي إلى عائلة (Hepeviridae). يُطرح في البراز وتتمّ غالبية حالات العدوى عن طريق الفم نتيجة شرب الماء الملوث. ينتشر الفيروس في جنوب شرق آسيا ووسطها، شمال إفريقيا وأمريكا الوسطى.

تطوّر المرض مشابه لتطوّر التهاب الكبد الفيروسي "أ" ويتضمن أعراضًا مماثلة. في معظم الحالات يزول الالتهاب من تلقاء نفسه ولا يؤدّي إلى مرض مزمن، ولكن يجد الأشخاص مثبطو المناعة صعوبة في التغلب على الفيروس. ومن المعروف أيضًا أنَّ التهاب الكبد "هـ" خطير على النساء الحوامل وقد يسبّب لهن أعراضًا أكثر حدّة، وقد يؤدّي إلى الوفاة.

بخلافِ التهاب الكبد "أ"، لم يتمكّن العلماء من زراعة فيروسات التهاب الكبد "هـ"، في مزرعة خلويّة تحت ظروف مخبريّة، لذلك لم يكن من الممكن تطوير لقاح ضدّه بناءً على فيروس ممات. لذلك، تركّزت جلّ جهود مطوّري اللقاح على الاستعانة بطرق الهندسة الوراثيّة، والتي تعتمد على إدخال بروتينات غلاف الفيروس إلى جهاز المناعة بهدف تكوين أجسام مضادّة لها.

اللقاح الوحيد المعتمد حتّى اليوم للاستخدام ضدّ التهاب الكبد "هـ"، مُصنَّع ويُسوق في الصين فقط، ويُسمح باستخدامه من سنّ 16 وما فوق. بدأ توزيع اللقاح في الصين في سنة 2011م، وتظهر بيانات سنة 2014م أنه قلل من معدل الإصابة بالفيروس بنحو 7.5 في المئة فقط. لم يتمّ اختبار اللقاح بعد على الفئات السكّانيّة المعرّضة للخطر، مثل النساء الحوامل والأشخاص ذوو جهاز المناعة الضعيف، لذلك لا يُسمح لهذه المجموعات بتلقّيه. لذلك، فإنّ مدى فاعليّته في منع المرض، والوفيّات على وجه التحديد في هذه الفئات السكّانيّة الحسّاسة، غير معروف.

على الرغم من الحاجة الماسّة إلى لقاح فعّال ضدّ التهاب الكبد الفيروسي هـ، لا سيّما في مناطق تفشّي المرض، يبدو أنّ توسيع نطاق توزيعه إلى بلدان أخرى خارج الصين يمثل تحدّياتٍ كبيرة. بدايةً، يُعطى اللقاح في ثلاث جرعات على فترات متباعدة، بعد شهر وستة أشهر من الجرعة الأولى، لذا فهو غير فعّال في السيطرة على تفشّي الفيروس محلّيًّا بين السكّان الذين لم يتمّ تطعيمهم بعد. بالإضافة إلى ذلك، هناك أربعة متحوّرات مختلفة من الفيروس في العالم، مع بروتينات غلاف مختلفة قليلًا. يحوي اللقاح الصينيّ لبنات بناء لبروتينات غلاف الفيروس الشائع في الصين (المتحوّر1)، وليس من الواضح ما هي الحماية التي يوفّرها ضدّ فيروسات التهاب الكبد هـ الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، لم تتمّ الموافقة على اللقاح من قبل منظّمة الصحّة العالميّة. لذلك، لن يتوسّع استخدامه حاليًّا خارج الصين.

 

التهاب الكبد "ب" (Hepatitis B)

فيروس التهاب الكبد "ب" هو فيروس DNA من عائلة (Hepadnaviridae). ينتقل من شخص لآخر من خلال التعرّض للدم الملوّث بالاتّصال الزوجيّ، والانتقال من الأم إلى الوليد.

يتطوّر المرض ببطء. بعد فترة حضانة تستمرّ ما بين شهر إلى ستة أشهر، يصاب 10-20 في المئة من المرضى بمرحلة أوّليّة تتميّز بارتفاع درجة الحرارة، وآلام المفاصل والطفح الجلديّ. قد يتطوّر التهاب الكبد الحادّ لاحقًَا، لمدّة شهر إلى ثلاثة أشهر. ويصاب حوالي 30 في المئة فقط باليرقان، بينما يعاني المرضى الباقون من أعراض طفيفة، أو لا تظهر عليهم أعراض على الإطلاق. قد يشمل المرض الحمى الشديدة، والغثيان، وقلة الشهيّة،أوجاع في البطن العلويّ الأيمن، واختلال وظائف الكبد التي يمكن اكتشافها في اختبارات الدم.

عادةً ما يختفي المرض من تلقاء نفسه في غضون شهر حتّى ثلاثة أشهر، يتمّ خلالها إعطاء المريض علاج داعم فقط. قد يتحوّل المرض لدى بعض المرضى إلى مرض مزمن. ينخفض معدّل الأشخاص المصابين بمرض مزمن مع تقدّم العمر، إذ تبلغ نسبة خطر الإصابة بمرض مزمن لدى البالغين، أربعة في المئة فقط، في حين أنّ تسعة من كلّ عشرة أطفال حديثي الولادة أصيبوا بالفيروس سيصابون بمرض مزمن.

תמונת מיקרוסקופ אלקטרונים של נגיפי צהבת B | קרדיט: James Cavallini, Science Photo Library
قد يصاب بعض المرضى بمرض مزمن. صورة بالمجهر الإلكترونيّ لفيروسات التهاب الكبد الوبائيّ ب | منسوب الى: James Cavallini, Science Photo Library
 

يفشل الجهاز المناعي للمرضى المزمنين في التخلّص تمامًا من الفيروس، وينجو ويستمرّ في التكاثر في خلايا الكبد. تظهر المضاعفات عادةً بعد بضع سنوات فقط، وقد تشمل تليّف الكبد -مرض يتمّ فيه تدمير أنسجة الكبد واستبدالها بنسيج ندبيّ لا يعمل- وحتّى سرطان الكبد. يوجد في البلاد حوالي مائتي ألف حامل للفيروس، منهم 5-10 في المئة يعانون من أمراض مزمنة.

يمكن علاج هؤلاء المرضى المزمنين بالإنترفيرون (Interferon)، الذي يحفّز جهاز المناعة على محاربة الفيروس. كما يتمّ استخدام أدوية عامّة مضادّة للفيروسات، والتي يتشابه هيكلها بدرجة كافية مع اللبنات الأساسيّة التي تتكوّن منها المادّة الوراثيّة للفيروس لتندمج معها، ولكنّها تختلف عنها بما يكفي لمنعها من التضاعف والتكاثر. مثل هذه الأدوية تقلّل بشكل كبير من كمّيّة الفيروسات في الجسم، وبالتالي تمنح الجهاز المناعيّ فرصة للتغلّب عليها. مع ذلك، فإنَّ لها آثارًا جانبيّة وقد يطوّر الفيروس مقاومة لها بمرور الوقت.

تمّ تطوير أوّل لقاح ضدّ فيروس التهاب الكبد "ب" في السبعينيّات. واستند اللقاح على عزل الفيروسات من دم المرضى وتحييدها، حتّى لا تصيب متلقّي اللقاح بالمرض. كانت عملية الإنتاج مرهقة لأنّها اعتمدت على دماء المرضى، ولم تخلو من المخاطر. لذلك تمّ التخلّي عنها بمجرّد تطوير لقاحات أفضل وأكثر أمانًا.

في سنة 1986م، بدأ استخدام لقاح يعتمد على الهندسة الوراثيّة التي تدفع الخلايا غير الضارّة، على سبيل المثال الخميرة، لتقديم أحد بروتينات غلاف الفيروس لجهاز المناعة، بإضافة أملاح الألمنيوم التي تتمثّل وظيفتها في تحفيز الاستجابة المناعيّة. يتمّ إعطاء اللقاح في ثلاث جرعات، ويوفّر حمايةً بنسبة 98-94 في المئة من الأمراض المزمنة لمدّة 20 عامًا تقريبًا. منذ سنة 1992م، يتمّ تطعيم جميع الأطفال حديثي الولادة في البلاد بلقاح فعّال يعتمد على هذه التقنيّة.

يُعتبر لقاح فيروس التهاب الكبد "ب" فعّالًا وآمنًا، لكنّه لا يوفّر حماية كاملة لبعض الناس المُعرّضين للخطر، حيث تقل فاعليّته بشكل ملحوظ في حماية كبار السن والمدخّنين، والأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن ومرضى الكلى.

في سنة 2018م وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) على لقاح مُحسَّن ضدّ الفيروس. يَستخدم اللقاح الجديد نفس بروتين الغلاف مثل سابقه، ولكن مع مادّة مُعزِزة مختلفة، ما يؤدّي إلى استجابة مناعيّة أفضل، حتّى لدى الأشخاص الذين طوّروا استجابةً مناعيّةً أقلّ في لقاحات الجيل السابق. نظرًا لأنّنا نتحدّث عن أشخاص معرّضين للخطر، على سبيل المثال، كبار السنّ الذين يعانون من أمراض كامنة، فهناك ميزة في استخدامه لحماية هذه المجموعات. ميزة أخرى هي أنَّ اللقاح يُعطى في جرعتين فقط بدلًا من ثلاث - وهو أمر قد يحسّن الامتثال لتلقّي اللقاح ويسهل إعطاءه.

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخّرًا على تسويق لقاح من الجيل الجديد ضدّ التهاب الكبد "ب" في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ويستند اللقاح الجديد على بحث البروفيسور يوسف شاؤول، من قسم الوراثة الجزيئيّة في معهد وايزمان للعلوم، ويستخدم ثلاثة بروتينات مغلّفة من الفيروس في مكان واحد فقط. وبهذه الطريقة، يوفّر حماية أوسع، وقد وجد بالفعل أنه فعّال يحمي المجموعات التي لم يتمّ حمايتها بشكل كافٍ بواسطة اللقاح المعتاد. حاليًّا، يُستخدم اللقاح في 14 دولة، بما في ذلك البلاد، بعد اجتياز اختبارات الأمان والفعالية بنجاح. كما أوصت وكالة الأدوية الأوروبّيّة (EMA) بإدراج اللقاح في اللقاحات الاعتياديّة في دول الاتّحاد الأوروبيّ.

בקבוקוני חיסון ומזרק | Shutterstock, ronstik
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA مؤخّرًا على تسويق جيل جديد من اللقاح ضدّ التهاب الكبد B. | Shutterstock, ronstik
 

التهاب الكبد الفيروسيّ "ج" (Hepatitis C) 

فيروس التهاب الكبد "ج" هو فيروس RNA من عائلة (Flaviviridae)، والذي يشمل أيضًا الفيروسات التي تسبّب حمى زيكا وحمى الضنك. ينتقل من شخص لآخر بشكلٍ رئيس من خلال التعرّض للدم المصاب والاتّصال الجسديّ غير الآمن. تستمرّ فترة الحضانة ما بين أسبوعين الى ثلاثة أشهر، وبعدها تظهر أعراض التهاب الكبد لمدّة 4-6 أسابيع. مع ذلك، لن يعاني معظم المرضى من أعراض في هذه المرحلة من المرض.

نحو 30 بالمئة من المرضى يتعافون تمامًا، ويصاب معظم الآخرين بمرض مزمن يتميّز بنوبات متكرّرة مع فترات هدوء فيما بينها، بينما يستمرّ الفيروس في التكاثر وإتلاف خلايا الكبد. بمرور الوقت، يؤدّي الضرر الذي يلحق بأنسجة الكبد إلى تليف الكبد لدى 15-30 في المئة من المرضى، ولزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد.

في الماضي، لم يكن العلاج الدوائيّ للمرض فعّالًا للغاية. وقد شمل حقن إنترفيرون أسبوعيّة، يحفّز الجهاز المناعيّ كما ذكرنا، إلى جانب دواء عامّ مضادّ للفيروسات. أدّى العلاج إلى شفاء حوالي نصف المرضى فقط، وكان مفيدًا للباقي بشكل أساسيّ في كبح النوبات.

بعد العديد من الجهود، تمّ تطوير علاجات دوائيّة ممتازة ضدّ الفيروس، ممّا أدّى إلى الشفاء التامّ. تُعطى على شكل حبوب وآثارها الجانبيّة قليلة. يستمرّ العلاج من 8 إلى 24 أسبوعًا، وهو موجّه ضدّ أهداف محددة في الفيروس تمنعه ​​من التكاثر، فهو يجمع بين عدّة أدوية موجّهة ضدّ أهداف منفصلة، لمنع الفيروس من تطوير مقاومة للأدوية. على سبيل المثال، يحوي دواء Mavyret مزيجًا من مادّتين فعّالتين، أحدهما يثبط عمل البروتين الذي يُقطِع بروتينات الفيروس إلى شكله النهائيّ، والآخر يثبط البروتين الضروريّ لمضاعفة المادّة الوراثيّة للفيروس. 

أكبر سلبيّات هذه الأدوية ارتفاع سعرها الذي يتراوح بين 20 و 100 ألف دولار لكلّ علاج. نتيجةً لذلك، تمّت الموافقة حاليًّا على العلاج في البلاد فقط لحاملي الفيروس الذين يعانون من تليّف الكبد، مع تندب شديد في أنسجة العضو. المرضى الذين هم في وضع أفضل يضطرّون إلى الانتظار، أو دفع ثمن الأدوية من جيوبهم الخاصّة.

لا يوجد لقاح ضدّ الفيروس. أحد التحدّيات الرئيسة التي تجعل من الصعب تطوير لقاح هو تنوّع أشكال وخصائص الفيروس: يحوي فيروس التهاب الكبد "ج" ثمانية متحوّرات رئيسة مختلفة، وحوالي تسعين متحوّر فرعيّ تختلف عن بعضها في بروتينات الغلاف. نظرًا لأنّ المادة الوراثية للفيروس هي RNA، والتي لا تحوي آلياتٍ لتصحيح الأخطاء أثناء تضاعفها، فإنّها تُراكم بسرعة المزيد من التغييرات، وهي حقيقة تجعل من الصعب جدًّا العثور على بروتين مناسب لتطوير لقاح ضدّه.

תמונת מיקרוסקופ אלקטרונים של נגיף צהבת C | קרדיט: James Cavallini, Science Photo Library
يتعافى حوالي 30 في المئة فقط من المرضى بشكل تامّ، ويصاب معظم الآخرين بأمراض مزمنة. صورة بالمجهر الإلكترونيّ لفيروس التهاب الكبد الوبائيّ "ج" | منسوب الى: James Cavallini, Science Photo Library

 

التهاب الكبد الفيروسي "د" (Hepatitis D)

فيروس التهاب الكبد الفيروسي دلتا هو فيروس RNA من عائلة (Kolmioviridae). مثل الفيروسات السابقة التي خضنا بها، تنتقل عن طريق الدم الملوّث والاتّصال الجسديّ.

يُعتبر الفيروس غير اعتياديّ مقارنةً بباقي فيروسات التهاب الكبد، لأنّه لا يمكنه العيش من تلقاء نفسه، إنّما يحتاج إلى مساعدة فيروس آخر. يعود هذا الأمر إلى حقيقة أنّه يفتقر إلى بروتينات الغلاف المناسبة، التي تسمح له بالارتباط بالمستقبلات الموجودة في خلايا الكبد وبالتالي اختراقها. بالتالي، عند تواجده في جسم الإنسان، فهو يحتاج إلى وجود بروتينات غلاف لفيروس التهاب الكبد "ب"، لكي ينجح في إصابة الخلايا والانتشار بداخلها.

يحمل حوالي خمسة في المئة من مرضى التهاب الكبد "ب" أيضًا فيروسات التهاب الكبد "د". وعادةً ما تكون هذه العدوى المزدوجة أكثر خطورةً من عدوى التهاب الكبد "ب" وحدها، وتتميّز بمرض أكثر خطورة قد تتدهور مضاعفاته إلى فشل الكبد، تليّف الكبد أو سرطان الكبد.

عادةً ما يكون علاج المرضى هو نفس العلاج الذي يُعطى لمرضى التهاب الكبد "ب"، ويشمل الإنترفيرون والأدوية العامّة المضادّة للفيروسات. أفضل طريقة للوقاية هي لقاح التهاب الكبد "ب"، والذي يمنع أيضًا الإصابة بالتهاب الكبد "د" والإصابة به.

على الرغم من أنَّ فيروسات التهاب الكبد لا تزال تحصد الضحايا، فإنَّ تطوير الأدوية واللقاحات، إلى جانب تحسين الوصول إلى مصادر المياه النظيفة والحفاظ على النظافة، قد قلّل بشكل كبير من معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات الناجمة عن التهاب الكبد الفيروسيّ. في سنة 2016م، أطلقت منظمة الصحّة العالميّة خطّة عمل للقضاء على التهاب الكبد "ب" والتهاب الكبد "ج" بحلول سنة 2030م. الطريق إلى تحقيق الهدف لا يزال يبدو طويلًا، ولكن يبدو أنَّ التحسين المستمرّ في تكنولوجيا اللقاحات، وتطوير الأدوية المضادّة للفيروسات فعّالة بالتأكيد يقربنا من الهدف.

 

0 تعليقات