لا تحظى النّساء، بخصائصهنّ الفريدة، بتمثيلٍ متساوٍ في أبحاث صحّة الدّماغ. لماذا لا يكفي أن يُقتصَر البحث على الرِّجال فقط؟

الدِّماغ هو عضو مُركّب يتحكّم في تصرّفات الجسم، القُدرات المعرفيّة، عواطفنا وإدراكنا للواقع بشكلٍ عامّ. يمكن للأمراض الّتي تؤثِّر على وظائف الدِّماغ أن تؤثِّر وتُعطّل حياتنا إلى حدٍّ كبير. لذلك، تشغل هذه الأمراض عددًا لا يُحصى من المختبرات ومؤسّسات البحث، ويُكرِّس الباحثون في جميع أنحاء العالم حياتهم المهنيّة لتتبّع عواملها، مسبّباتها والعلامات الّتي تسبق حدوثها. وقد أُجرِيت أبحاث مكثّفة بشكلٍ خاصٍّ في السّنوات الأخيرة في مجالات الاضطرابات العقليّة، أمراض الدّماغ التنكّسيّة وأمراض الدّماغ التّطوريّة.

ورغم أنّ هذه الأمراض تُؤثِّر على النّساء والرِّجال على حدٍّ سواء، فإنّ العديد من الدّراسات، حتّى تلك الّتي تدّعي الحياد، تُجرى بشكلٍ شبه حصريٍّ على أدمغة الذّكور. وقد تمّ استعراض هذا الواقع في مقالٍ نُشر مؤخّرًا في مجلة The Lancet الطِّبّيّة، حيث قامت باحثات من مختلف أنحاء العالم بفحص العوامل الفريدة الّتي تؤثِّر على صحّة دماغ المرأة طوال حياتها، والموقف تجاه هذه العوامل في عالم الأبحاث. وقد اختارت الباحثات التّركيز على مرضيْن يؤثِّران على النّساء أكثر من الرّجال بشكلٍ ملحوظ، وهما ألزهايمر والاكتئاب السّريريّ، كما فحصنَ بعُمق مدى مراعاة الاختلافات بين الجنسيْن في أبحاث الدماغ. كانت النّتائج، قولًا واحدًا، مخيّبةً للآمال.


العديد من الدّراسات، حتّى تلك الّتي تدّعي الحياد، تُجرى بشكلٍ شبه حصريّ على أدمغة الذّكور. رسم توضيحيّ لنشاط دماغ الرّجل والمرأة | Shutterstock, T. L. Furrer

الرِّجال من المريخ والنِّساء من الزُّهرة

من منظورٍ ثقافيّ وتاريخيّ، فإنّ النّقاش حول الاختلافات بين دماغ الأنثى والذّكر مثيرة للجدل ومشحونة اجتماعيًّا وعاطفيًّا، ولكن من منظور بيولوجيّ، فلا يوجد أيّ جدال: فبعيدًا عن الاختلافات التّشريحيّة، هناك العديد من الاختلافات بين الهرمونات الجنسيّة الّتي تُفرَز في أجسام الإناث والذّكور، ولها تأثيرات بعيدة المدى على تطوّر الأمراض المرتبطة بالدّماغ.

الهرمونات هي موادّ تنتقل عبر الدّم، وتصل إلى العديد من خلايا الجسم وتؤثِّر على نموّها ووظيفتها. معظم الهرمونات في الجسم مشتركة بين الرّجل والمرأة ومتشابهة في مستوياتها، ولكن تلك الّتي تتعلّق بشكلٍ مباشر بعمليّات البلوغ الجنسيّ والتّكاثر تَظهَر بمستوياتٍ مُختلفة وفي أوقات مختلفة لدى كلا الجنسيْن، كما وتختلف التّقلّبات في مستوياتها تبعًا لاختلاف الجنس. تختلف المستويات أيضًا على مدار الأشهر والسّنوات. عند الرِّجال، وأيضًا عند ذكور الكائنات الأخرى، الهرمون الجنسيّ الشّائع هو هرمون التّستوستيرون. تكون مستويات هرمون التّستوستيرون مرتفعة بشكلٍ خاصٍّ أثناء فترة المراهقة وفي بداية مرحلة البلوغ، وتنخفض تدريجيًّا طوال الحياة، لكنّها تظلّ مرتفعة نسبيًّا حتّى في سنٍّ متقدّمة. يُنتَج هرمون التّستوستيرون في الخصيتيْن، له تأثير قويّ على الجسم الآخذ بالنّمو ويُعزِّز السِّمات الذّكوريّة البارزة، مثل: شعر الوجه، الصّوت الغليظ وكتلة العضلات المرتفعة. كما أنّه ضروريّ لإنتاج خلايا الحيوانات المنويّة، ويرتبط أيّ خللٍ فيه بمشاكل الخصوبة عند الرّجال. تُنتِج النّساء أيضًا هرمون التّستوستيرون، رُغم أنّه يُنتَج بمعدّل أقلّ من الرِّجال بحوالي 15 مرّة، وله تأثير على التّطوّر الجنسيّ وسلوك المرأة طوال حياتها. يصل مستوى هرمون التّستوستيرون الّذي تُنتِجه المرأة إلى ذروته في حوالي سنّ العشرين، ثمّ يتناقص​​تدريجيًّا على مدارالعقديْن التّاليين، ويبقى مستقرًّا بعد ذلك.

الهرمونات الجنسيّة الرّئيسيّة لدى النّساء هي الإستروجين، وخاصّة نوع معيّن من الإستروجين يسمّى "الاستراديول"، والبروجسترون. تُنتَج هذه الهرمونات بشكلٍ أساسيٍّ في المبايض، وتختلف مستوياتها في الجسم بشكلٍ كبير طوال حياة المرأة. ترتفع مستوياتها خلال فترة البلوغ، وتظلّ مرتفعة خلال سنوات الخصوبة، أثناء تقلّبات مستمرّة وفقًا للدّورة الشّهريّة، ترتفع بشكلٍ ملحوظٍ أثناء الحمل، وتنخفض في نهاية سنّ الخصوبة. تتغيّر أيضًا تقلّبات مستويات الهرمونات عند النّساء اللّواتي يتناولن مستحضرات هرمونيّة، مثل: حبوب منع الحمل أو العلاج بالهرمونات البديلة لانقطاع الطّمث. أمّا لدى الرجال، فيوجد هرمون الإستروجين أيضًا، ولكن بمستوى أقل حوالي عشر مرّات أقلّ من النّساء، ويبقى مستواه ثابتًا نسبيًّا طوال حياتهم بعد سنّ البلوغ.


عند الرّجال، هرمون الجنس الشّائع هو هرمون التّستوستيرون، وعند النّساء هرمون الاستروجين. البُنية الجزيْئيّة للهرمونات | Shutterstock, Irina Shatilova

الهرمونات الجنسيّة الأنثويّة والدّماغ

من المعروف اليوم أنّ هرمون التّستوستيرون له تأثيرات بعيدة المدى على بُنية الدّماغ ونشاطه لدى كلا الجنسيْن. يرتبط هرمون التّستوستيرون بالتّعلّم، الذّاكرة وزيادة حجم مناطق مختلفة من الدِّماغ. وعلى النّقيض من ذلك، فإنّه ما زالَ  غير واضحٍ إلى حدٍّ كبير ما هي تأثيرات الهرمونات الجنسيّة الأنثويّة على الدّماغ أثناء مرحلة التّطوّر.

في جسم الأنثى، يقوم الإستراديول والبروجيستيرون بالتّنسيق والتّحكّم في نشاط جهاز التّكاثر، ولكن لديهما أيضًا وظائف أخرى. على سبيل المثال، تحتوي الخلايا العصبيّة المختلفة في مناطق الدّماغ المختلفة على مستقبلات لهرمون البروجسترون والإستروجين، ممّا يشير إلى أنّ الخلايا العصبيّة تستطيع التّعرّف على الهرمونات والاستجابة لوجودها. تتواجد الخلايا الدّماغيّة الّتي تتعرّف على الهرمونات الجنسيّة الأنثويّة في المناطق المرتبطة بالتّعلّم، تكوين الذّاكرة والتّحكّم في العواطف. لذا فمن المنطقيّ إذن أن تؤثّر مستويات هذه الهرمونات على دماغ المرأة.

حتّى قبل حدوث الدّورة الشّهريّة الأولى، تبدأ الفتيات في معاينة ارتفاع كبير في مستويات الهرمونات الجنسيّة. وتؤدّي هذه الهرمونات إلى تغيّرات جسديّة، مثل: نموّ شعر الجسم في الإبطيْن والعانة، بروز الثّدييْن، استدارة الوركيْن، زيادة الوزن وتغيّرات في رائحة الجسم. عندما تحدث الدّورة الشّهريّة الأولى، فقد تكون غير منتظمة في بعض الأحيان، ويستغرق الأمر حوالي عاميْن حتّى تنتظم الدّورة الشّهريّة.

تشهد المرأة ما يقارب من 450 دورة شهريّة خلال حياتها، بِدءًا من سنّ 12 عامًا في المتوسّط ​​وحتّى الأربعينيّات أو الخمسينيّات من عمرها. خلال هذه الفترة، يقوم جسمها بإنتاج هرمونات جنسيّة ويطلقها في الدّم في تقلّباتٍ دوريّة. تتأثّر الهرمونات الجنسيّة ومستوياتها المتقلّبة صعودًا وهبوطًا ببعضها البعض، في دورة معقّدة من التّحكّم المتبادل. في كلّ شهر، يؤدّّي ذلك إلى نموّ الجُرَيبات داخل المبايض، والّتي من خلالها، أثناء الإباضة، ستنطلق بويضة في النّهاية نحو قناة فالوب، حيث يمكن أن يحدث الإخصاب بمساعدة خليّة منويّة. في حال عدم حدوث الإخصاب، سيتمّ إطلاق البويضة ودفعها بمرافقة نزيفٍ حيضيٍ، لتبدأ الدّورة الشّهريّة مرّة أخرى.

تقول العديد من النّساء أنّ التّغيّرات الهرمونيّة الّتي تطرأ على مدار الشّهر تؤثِّر على حالتهنّ المزاجيّة. في دراسة كبيرة شملت ما يقرب من 240 ألف امرأة من 140 دولة، وُجد أنّ معظم النّساء أبلغن عن تجربة عرضٍ واحدٍ على الأقلّ من أعراض  متلازمة ما قبل الحيض  في الأيّام الّتي سبقت نزيف الحيض: حيث عانت 85% من النّساء من الرّغبة الشّديدة في تناول الطّعام، و64% منهن عانين من تقلّبات مزاجيّة أو قلق، وأفادت 57 بالمائة منهنّ عن شعورٍ بالتّعب والإرهاق.


توصّلت دراسة كبيرة إلى أنّ معظم النّساء أبلغن عن عن تجربة عرضٍ واحدٍ على الأقلّ من أعراض متلازمة ما قبل الحيض. 64 بالمائة عانين من تغيّرات في المزاج أو القلق. نسبة النّساء اللّاتي يعانين من هذه الأعراض في دول مختلفة | من مقالة بحثيّة، Hantsoo et al., 2022

عندما تصبح المرأة حاملاً، ترتفع مستويات الهرمونات الجنسيّة في دمها. وبعد الولادة، تنخفض مستويات تلك الهرمونات، ممّا يؤدّي إلى تغيّرات بُنيويّة في دماغ المرأة، كما ويؤثّر ذلك على سلوكها. من بين هذه التّأثيرات، تحدِثُ التّغيّرات في دماغ الأمّ تأثيرًا على استجابة دماغها عند رؤية الأطفال.

عندما تقترب النّساء من انقطاع الطّمث، تقلّ مستويات الهرمونات الجنسيّة في أجسامهنّ، وفي النّهاية تتوقّف الدّورة الشّهريّة. يؤدّي انخفاض مستويات الهرمون إلى حدوث تغييرات كبيرة في عمليّة الايض في الجسم، وفي نشاط الجهاز المناعيّ وأكثر من ذلك. هذا التّغيير الهرمونيّ، الّذي ليس له نظير لدى الرّجال، يمكن أن يؤثّر إلى حدّ ما على وظائف الدّماغ لدى النّساء. يمكن العثور على أدلّة على تأثير انقطاع الطّمث على دماغ المرأة في دراسة قام فيها الباحثون، باستخدام مسح الدّماغ، بملاحظة تغييرات في حجم مناطق مختلفة ونشاطها طوال هذه الفترة.


عندما تصبح المرأة حاملاً، ترتفع مستويات الهرمونات الجنسيّة في دمها. بعد الولادة، تنخفض مستويات تلك الهرمونات، ممّا يؤدّي إلى تغيّرات بُنيويّة في دماغ المرأة. مناطق الدّماغ الّتي يتغيّر حجمها بعد الحمل | Oscar Vilarroya

دراسة متحيّزة

على الرّغم من أنّ النّساء يخضعن لعمليّات فسيولوجيّة فريدة من نوعها -الدّّورة الشّهريّة، الحمل وانقطاع الطّمث- فإنّ الأبحاث الّتي تُجرى اليوم على الرّجال فقط تُعرف بأنّها محايدة، ويمكن تطبيقها على النّساء أيضًا. ينبع هذا التّعريف من افتراض مسبَق خاطئ مفاده أنّ الرّجال يمثِّلون القاعدة، وبصرف النّظر عن أعضاء التّكاثر المختلفة، فإنّ النّساء -بزعمهم- يشبهن الرّجال في كلّ جانب آخر. وهذا التّصوّر ليس خاطئًا فحسب، بل إنّه خطير أيضًا، ويؤثّر سلبًا على صحّة العديد من النّساء.

أظهرت الدّراسات أنّ الجُرعات المُوصى بها لتناول الأدوية لا تتناسب في كثيرٍ من الأحيان مع جسم المرأة. وجدت دراسة بحثت في هذا الأمر أنّه بالنّسبة لعشرات الأدوية، بل أغلب الأدوية الّتي تمّ اختبارها، كان تركيز الدّواء في الدّم أعلى لدى النّساء منه لدى الرّجال، وأنّ الوقت المطلوب لإخراج الدّواء من الجسم لدى النّساء كان أطول. وفي العديد من الأدوية الّتي تمّ اختبارها، كان احتمال حدوث الآثار الجانبيّة أعلى لدى النّساء منه لدى الرّجال. ولسوء الحظّ، فإنّ الاختلافات الفسيولوجيّة والهرمونيّة المذكورة حتّى الآن ربما أدّت إلى تشخيص خاطئ لدى النّساء أكثر من الرجال وإلى تلقّيهن علاجات أقل ملاءمة.

بما أنّ التّمييز بين النّساء والرّجال لا يتمّ تناوله في مجال تطوير الأدوية، فإنّ عالَم الأبحاث يعاني أيضًا من مشكلة مماثلة: مرض ألزهايمر والاكتئاب السّريريّ أكثر شيوعًا بين النّساء. ومع ذلك، فإنّ معظم الدّراسات لا تأخذ في الاعتبار الاختلافات بين أجناس الأشخاص الّذين يتمّ فحصهم، ويذهب البعض إلى مدًى أكثر تطرّفًا بحيث لا تشمل أبحاثهم تجنيد النّساء على الإطلاق. هناكعدد كبير من الأمراض النّفسيّة، بما في ذلك: الاكتئاب، القلق، اضطرابات الطّعام واضطراب ما بعد الصدمة، الّتي تنتشر أكثر لدى النّساء، في حين يتمّ تشخيص الإدمان، الفصام واضطراب الشّخصيّة المعادية للمجتمع بشكل أكثر شيوعًا لدى الرّجال. ومع ذلك، فإنّ 5 في المائة فقط من الدّراسات الّتي أُجريت في مجال الأمراض العقليّة في عام 2019 بحثت في تأثير جنس الشّخص على نتائج الدّراسة. بالإضافة إلى ذلك، كشفت دراسة استعرضت عشرات المقالات الّتي تبحث في استجابة الدّماغ للأدوية النّفسيّة أنّ الجنس قد أثّر بالفعل على النّتائج في 72% من الحالات الّتي أخذ فيها الباحثون هذا المتغيّر في الاعتبار.


إنّ الجرعات الّتي يُوصى بها لتناول الأدوية في كثير من الأحيان لا تتناسب مع جسم المرأة. طبيب ومتعالِجة | Shutterstock, Minerva Studio

التّقلّبات الهرمونيّة وأمراض الدّماغ- الأسباب والنّتائج؟

يبدو أنّ النّتائج الموصوفة لدى النّساء يمكن أن تُعزى إلى حدٍّ ما إلى تغيَُر مستويات الهرمونات الجنسيّة في أجسادهنّ. على سبيل المثال، يزداد خطر إصابة النّساء بمرض ألزهايمر بشكلٍ كبير بعد وصولهنّ إلى سنّ انقطاع الطّمث. يرتبط الخطر المتزايد بالانخفاض الحادّ في مستويات هرمون الأستراديول الّذي يميّز مرحلة الشّيخوخة، والّذي قد يصل معدّله إلى نحو 90 في المئة.

قد يؤدّي انخفاض الهرمونات إلى عواقب بعيدة المدى على دماغ المرأة، كما أنّ انقطاع الطّمث المبكّر، على سبيل المثال نتيجة لإزالة المبايض، يصاحبه أيضًا زيادة خطر التّدهور المعرفيّ والاكتئاب. وهناك لاعب مهمٌّ آخر في هذا السياق، وهو الحُصيْن، وهي منطقة من الدّماغ تؤثّر بشكلٍ كبير على الذّاكرة، ويرتبط ضعف وظيفتها بالاكتئاب ومرض ألزهايمر. يحتوي الحُصيْن على عددٍ كبير من مستقبلات الهرمونات الجنسيّة الأنثويّة، ولذلك قد يتأثّر بالارتفاعات والانخفاضات الدّيناميكية في مستوياتها. ومن الأمثلة على ذلك، حجم الحُصين ومستوى نشاط الخلايا العصبيّة داخله، والّذي يختلف طوال الدّورة الشّهريّة.

قد يكون للعمر الّذي يبدأ فيه التّطوّر الجنسيّ أيضًا تأثيرٌ بعيد المدى. على سبيل المثال، وجدت الدّراسات أنّ التأخّر في بدء الدّورة الشّهريّة (في سنّ 16 عامًا أو أكثر) يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر في مرحلة البلوغ. ومع ذلك، فمن الممكن ألا يكون هذا تأثيرًا مباشرًا للهرمونات على الدّماغ؛ بل هو تأثير غير مباشر لحالات، مثل: السُّمنة، السّكّري وأمراض الأوعية الدّمويّة، والّتي ترتبط في حدّ ذاتها بالنّشاط الهرمونيّ، ويمكن أن تساهم في تطوّر الدّماغ في وقتٍ لاحقٍ من الحياة.

هناك عامل فريد آخر ربما يؤثّر على النّساء دون الرّجال، وهو الحمل. خلال هذه الفترة، ترتفع مستويات الهرمونات الجنسيّة في جسم المرأة، ويمكن أن يكون لهذا أيضًا تأثير كبير على قابليّة الإصابة بأمراض الدّماغ. في دراسة فحصت أدمغة الأشخاص بعد وفاتهم، تمّ قياس التّدابير المرتبطة بمرض ألزهايمر، وتبيّن أنّه لدى النّساء،  دون الرّجال، كان المرض أكثر شِدّة كلّما زاد عدد الأطفال الّذين أنجبتهم المرأة. ومع ذلك، لا يزال الارتباط بعيدًا عن الوضوح. توصّلت دراسة أخرى إلى وجود رابطٍ بين عدد الأطفال واحتمال الإصابة بالخرف لدى كلٍّ من النّساء والرّجال، وبالتّالي فمن الممكن أن تنبع التّأثيرات الموثّقة أيضًا من عوامل بيئيّة، مثل الإجهاد، وليس فقط من تأثير الهرمونات الجنسيّة على أدمغة النّساء.


أثناء الحمل ترتفع مستويات الهرمونات الجنسيّة في جسم المرأة، ويمكن أن يكون لذلك أيضًا تأثير كبير على قابليّة الإصابة بأمراض الدّماغ. امرأة حامل مع رسم بيانيّ لمستويات هرمون البروجسترون لديها أثناء الحمل | Shutterstock, BLACKDAY

علاج دوائيّ بواسطة الهرمونات

هناك مسألة أخرى مهمّة يجب مراعاتها، وهي التّأثير الهرمونيّ لحبوب منع الحمل. تحظى هذه الأدوية بشعبيّة كبيرة، وتتناولها حاليًّا حوالي 151 مليون امرأة في جميع أنحاء العالم، أي ما يقارب من 16 في المائة من النّساء في سنّ الخصوبة. أظهر استطلاع أجرته صحيفة هآرتس في عام 2019 أنّ إسرائيل لا تملك بيانات محدثة عن معدّل النّساء اللّواتي يتناولن حبوب منع الحمل. اعتبارًا من عام 2006، وجدت دراسة استقصائيّة أنّ حوالي 67 في المائة من النّساء تناولن حبوب منع الحمل في مرحلة ما من حياتهنّ، وأفادت حوالي 31 في المائة من النّساء في الفئة العمريّة بين 25 و34 عامًا باستخدام حبوب منع الحمل في ذلك الوقت.

تحتوي حبوب منع الحمل على مجموعة من الهرمونات الجنسيّة الأُنثويّة، والّتي تعمل، من بين أمور أخرى، على منع الإباضة. قد يؤدّي استخدامها إلى تغيير مستويات الهرمونات وأنماط ارتفاعها وانخفاضها الطّبيعيّة بشكلٍ كبير. قد  يكون لتناول الحبوب الّذي قد يستمرّ لعقود من الزّمن تأثير على بُنية الدّماغ ونشاطه. تكشف مراجعة للدّراسات في هذا المجال عن نتائج متضاربة فيما يتعلّق بتأثير الحبوب على وظائف المخِّ والصّحّة العقليّة. ووفقا لمؤلّفات المقال، فإنّ النّتائج المتضاربة قد تكون مرتبطة، من بين أمور أخرى، بالتّباين الكبير بين حبوب منع الحمل من مختلَف الشَركات المصنِّعة. لذلك، لفهم تأثيرات هذه الحبوب بشكلٍ أفضل، يجب علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار التّركيزات المختلفة للهرمونات الّتي تتلقّاها المشاركات في التّجربة.

توصّلت بعض الدّراسات إلى وجود رابط بين الاستخدام المُطوّل للأدوية وتحسّن الوظيفة الإدراكيّة في سنّ الشّيخوخة. من الصّعب تحديد العلاقة بين هذه الحبوب والحماية من الخرف على وجه التّحديد، ولكن من المرجّح أن يكون لها تأثير معتدل ودائم على نشاط الدّماغ. على سبيل المثال، أظهرت الدّراسات أنّ حبوب منع الحمل أثّرت على حجم مناطق معيّنة من الدّماغ، ممّا تسبّب في نشاطٍ دماغيّ مختلف قليلاً أثناء المهامّ المتعلّقة بالذّاكرة العاملة، وهي الذّاكرة الّتي نستخدمها للاحتفاظ بكمّيّات صغيرة من المعلومات لفترة قصيرة  لأداء مهامّ أكثر تعقيدًا. على سبيل المثال، الاتّصال برقم هاتف جديد.

قد يؤثّر العلاج الهرمونيّ البديل الّذي تتناوله العديد من النّساء أثناء انقطاع الطّمث أيضًا على نشاط الدّماغ. أظهرت دراسة أُجريت في البرازيل أنّ حوالي 20 بالمائة من النّساء في مرحلة انقطاع الطّمث تلقيْن علاجًا هرمونيًّا. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأدوية تساعد أو تضرّ بصحّة الدّماغ، ويبدو أنّ القصّة معقّدة. وفي حين أنّها في بعض الحالات قد توفِّر للدّماغ حمايةً من التّدهور وتساعد في محاربة الاكتئاب؛ إلّا أنّ دراسات أخرى تُظهِر بأنّ استخدامها في وقت لاحق من الحياة قد يزيد من خطر الإصابة بأعراض الخرف.


تكشف مراجعة للدّراسات في هذا المجال عن نتائج متضاربة فيما يتعلّق بتأثير الحبوب على وظائف الدّماغ والصِّحّة العقليّة. حبوب منع الحمل | Shutterstock, areeya_ann

التّخطيط للمستقبل

يتشابه الرّجال والنّساء في كثير من النّواحي، والعديد من الاستنتاجات الّتي توصّلت إليها الدّراسات الّتي أُجريت على دماغ أحدهما ستكون ذات صلة أيضًا بالآخر. ولكن يجب علينا ألا ننسى الفرق، ومن الضّروريّ أن نأخذه في الاعتبار عند التّخطيط للأبحاث والعلاجات الطِّبّيّة. نحن بحاجة إلى أبحاث في الدّماغ تضع قضيّة الاختلافات بين الجنسيْن في الصّدارة، وتميّز أيضًا الظّروف الفريدة للنّساء والعلاجات الّتي ستفيدهنّ أكثر. علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى قواعد بيانات ضخمة،  تحتوي على معلومات من دراسات مختلفة، وتسمح بإجراء فحص دقيق ومعمّق لأدمغة النّساء بشكل منفصل عن أدمغة الرّجال. ومن المؤكّد أنّه من المهمّ مواصلة زيادة الوعي بهذه القضيّة، وجمع الأموال لتعزيز الأبحاث الّتي من شأنها تحسين الفهم في هذا المجال.

استجابة واحدة

  • 🦂

    🦂

    رائع ومقال واقعي..حبيت