على مدار سنواتٍ عديدةٍ، أُجريت معظم الأبحاث الطبّيّة على الذكور، وبهذا تأسّست العلاجات دون مراعاة للاختلافات الفسيولوجيّة بين الجنسين. يكمن الحلّ في الطبّ "الواعي" للتفاوت الجنسيّ

اعتاد الرجال على الذهاب إلى الخيّاط لملاءمة بدلة، حيث يختارون القماش المفضّل لديهم، تؤخذ قياساتهم ومن ثمّ يهنؤون بالمنتج النهائيّ. والآن، تخيّلوا أنّ شريكة حياة هذا الرجل بحاجة إلى بدلة أيضًا. هل سيقوم الخيّاط باستخدام نفس القياسات، وتقليلها بنسبة 30 في المائة لخياطة البدلة دون تعديل إضافيّ؟ هل من المقبول أن تتمّ خياطة معظم البدلات النسائية بناءً على قياسات الرجل؟ هذا أمرٌ مثير للسخرية، لكنّه  بالضبط ما يحدث في الطبّ الحديث. تُجرى معظم الدراسات حول الأدوية والأمراض على الذكور، بينما تُطبّق النتائج أيضًا على الإناث.

لو اقتصرت الاختلافات بين الجنسين على الجهاز التناسليّ ووزن الجسم لما ظهرت مشكلة كبيرة، لكن الحقيقة مختلفة. في الواقع، توجد اختلافات وظيفيّة بين الذكور والإناث في جميع أجهزة الجسم تقريبًا. قد تكون الاختلافات صغيرة في بعض الأحيان، لكنّها مهمّة وتؤثّر على الصحّة والمرض. يمكن أن تظهر نفس الأمراض بوتيرة متفاوتة وأعراض مختلفة بين الذكور والإناث؛ من الممكن أن تكون نجاعة نفس العلاج المخصّص لمرض معيّن مختلفة بين الذكور والإناث، كما وقد تختلف أيضًا شدّة الآثارالجانبيّة.

يتمّ الخوض في هذه القضايا من خلال مجال "التفاوت الجنسيّ في الطبّ"، والذي يُعرف أيضًا بالطبّ "الواعي" للاختلافات الجنسيّة. يعمل هذا المجال بطبيعته على تحسين جودة الطبّ لكلا الجنسين، ولكن سنركّز في هذا المقال بشكل أساسيّ على تداعياته على العلاج الطبّيّ المقدّم للإناث.

רישום של גבר ואישה | איור: ProStockStudio, Shutterstock
تؤثّر الاختلافات بين الجنسين على الصحّة و العلاجات| رسم توضيحي: ProStockStudio, Shutterstock
 

اختلافات عديدة 

يرتكز تحديد الجنس بيولوجيًّا على الكروموسومات الجنسيّة لدينا، والتي عادةً ما تتبع المعايير الثنائيّة، والتي تحصر الهويّة جنسيّة  إلى ذكورية أو أنثوية فقط. على النقيض من ذلك، فإنّ الهويّة الجنسيّة غير-الثنائيّة هي مسألة ذاتيّة أو اجتماعيّة، والتي تتحرّك على نطاق واسع من الاختلافات. يتشابك الجنس البيولوجيّ (ثنائيّ) والجنس الاجتماعيّ (غير-ثنائيّ) ولا ينفصلان، ولهذا أهمّيّة كبيرة لكيفيّة عمل أجسامنا في الصحّة والمرض. 

تختلف الإناث عن الذكور ليس فقط بيولوجيًّا وجينيًّا، لكن غالبًا في الطول والوزن أيضًا، وتقريبًا دائمًا في النسبة بين مكوّنات الجسم. تؤثّر الهرمونات بشكلٍ مختلفٍ على الذكور والإناث، ابتداءً من المراحل الجنينيّة وطوال الحياة. تمرّ الإناث بالدورة الشهريّة، ومن الممكن أن تخضعن للحمل والرضاعة، وأن تعاني من انقطاع الطمث في سنّ اليأس - يعاني الذكور أيضًا من سنّ اليأس ولكن بشكلٍ مختلفٍ. كما أنّ هناك العديد من الأعراض والأمراض الجسديّة والعقليّة التي تتأثّر بالدورة الشهريّة. مثلًا، تلتئم الجروح الناتجة عن العمليّات الجراحيّة بشكل أفضل عند النساء في النصف الأول من الدورة الشهرية، بينما في النصف الثاني تنخفض قدرتهنّ على احتمال الألم.

في العموم، تشعر الإناث بالألم بشكل مختلف عن الذكور. غالبًا، تكون قدرتهنّ على احتمال الألم منخفضة، لكنّهنّ يعرفن التعامل مع الألم بشكل أفضل، والاستجابة بشكل مختلف لمسكّنات الألم المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أمراض الألم المزمن أكثر شيوعًا عند الإناث. على سبيل المثال، تعاني حوالي 17 في المائة من الإناث من الصداع النصفيّ، مقارنةً بـ 6 في المائة فقط من الذكور. إضافةً إلى ذلك، يُعدّ الألم العضليّ الليفيّ المتفشّي (Fibromyalgia)- مرض يتّسم بألم في العضلات والعظام- أكثر شيوعًا عند الإناث بحوالي تسع مراتٍ منه عند الذكور. توجد أيضًا اختلافات في الجانب الجنسانيّ الاجتماعيّ؛ تتواصل الإناث في بعض الأحيان مع الألم بشكل مختلف عن الذكور، ويميل المجتمع، بما في ذلك المؤسّسة الطبّيّة، في كثير من الأحيان إلى التعامل مع آلام الأنثى بشكل مختلف عن آلام الذكر.

תופעות ומחלות רבות, גופניות ונפשיות, מושפעות מהמחזור החודשי | תרשים: PegasuStudio, Shutterstock
تتأثّر العديد من الأعراض والأمراض الجسديّة والنفسيّة من الدورة الشهريّة عند الإناث| الرسم البياني: PegasuStudio, Shutterstock
 

أدوية "للرجال فقط" 

 تُعثبر الاختلافات في تأثير الأدوية عند الذكور والإناث من القضايا المهمّة بشكل خاصّ. يعتمد نشاط الأدوية في أجسامنا بشكل كبير على كيفيّة ذوبانها وتوزّعها في أنسجة الجسم (أي في الماء، الدهون أو العضلات)، وكذلك على نجاعة عمليّات الأيض لدينا في معالجتها والتخلّص منها. 

في هذا المجال، الذي يسمّى حركيّة الدواء (Pharmacokinetics)، تمّ العثور على العديد من الاختلافات بين الذكور والإناث. كمثال، إذا قارننا بين أنثى وذكر ذوي حالة بدنيّة ممتازة، ووزن جسم مشابه بحيث يبلغ 75 كغم، فإنّ الكتلة العضليّة للذكر ستكون أكبر بنحو 20 في المائة، في حين أنّ الأنثى سيكون لديها ضعف الأنسجة الدهنيّة. على الرغم من ذلك، تُباع معظم الأدوية في يومنا بنفس الجرعة لكلا الجنسين، وفي الغالبيّة العظمى لا يؤخذ وزن الجسم بعين الاعتبار. من أين ينبع هذا التوجّه؟

قامت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بالموافقة على حوالي 1500 مكوّن دوائي جديد منذ إنشائها. تمّت الموافقة على ثلثهم فقط بعد عام 2000، حيث بدأت الإدارة باشتراط التمويل الذي تقدمه للتجارب السريرية، حيث يتم اختبار الدواء على الإناث أيضًا. بكلماتٍ أخرى، لم يتمّ اختبار معظم الأدوية المستخدمة اليوم على الإناث، على الإطلاق.

استثناء النساء من التجارب السريريّة، لم ينبع بالضرورة عن التمييز المتعمّد. فقد ارتبط ارتباطًا وثيقًا في كارثتين طبيّتين وقعتا في منتصف القرن الماضي. في سنوات ال-50 من القرن الماضي، ازدادت حالات الإصابة بالأورام الخبيثة، التي تطوّرت في الأعضاء التناسليّة لنسل النساء اللواتي تناولن دواء مضادًّا للنزيف (DES) أثناء الحمل – وهو صيغة اصطناعيّة من هرمون الاستروجين الأنثويّ. حدثت كارثة أخرى بعد حوالي عشر سنواتٍ، حيث أنجبت النساء اللواتي تناولن دواءً لعلاج الغثيان (Thalidomide) أثناء الحمل، أطفالًا يعانون من تشوّهات شديدة في الأطراف، وبلغ معدّل وفيّات الرضّع حوالي 40 في المائة.

قام الـ - FDA  بعد هذه الأحداث بإصدار توجيه يقضي باستثناء الإناث من التجارب السريريّة، لمنع الضرر المحتمل للأجنّة. على الرغم من أنّ التعليمات تطرّقت فقط للإناث في سنّ الخصوبة، إلّا أنّ مصنّعي الأدوية والعديد من الباحثين المستقلّين قد تخلّوا تمامًا عن مشاركة الإناث في أبحاثهم. إضافة إلى كون الأبحاث على الإناث تميل إلى أن تكون أكثر تعقيدًا وتكلفة، بسبب الجهاز الهرمونيّ الأكثر تعقيدًا. على الرغم من الجهود العديدة التي بُذلت منذ ذلك الحين، من صنّاع القرارات والمؤسّسات الطبيّة والبحثيّة، لم يتمّ تصحيح هذا الإشكال  بشكلٍ كافٍ حتّى الآن. وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فإنّ العديد من الإناث اليوم يترددن في المشاركة في التجارب السريريّة. 

בקבוקון של התרופה DES | צילום: FDA / Science Photo Library
تناولتها النساء الحوامل فسبّب الضرر في نسلها. قارورة دواء DES | تصوير: FDA / Science Photo Library
 

الهضم وعمليّات الأيْض

تؤخذ معظم الأدوية عن طريق الفم، ويتمّ امتصاصها في الجهاز الهضميّ. يُعتبر الجهاز الهضميّ المكان الأوّل الذي يبدأ فيه الاختلاف بين الجنسين، حيث أنّ الوقت اللازم لامتصاص المواد يكون أطول، بشكل ملحوظ عند الإناث. لهذا الاختلاف أهميّة لا تكمن فقط بهضم الطعام، بل بامتصاص الأدوية أيضًا. لهذا، سنقدّم لكم نصيحة صغيرة: عندما تنصّ التعليمات على تناول الدواء على معدة فارغة، من المستحسن للإناث بعدم الاكتفاء بالصيام لمدّة ساعتين كما هو مألوف، بل الانتظار نصف ساعة إلى ساعة إضافيّة بين الوجبة الأخيرة وابتلاع الدواء.

يتجلّى الاختلاف في الجهاز الهضميّ بعدّة طرق. على سبيل المثال، فإنّ متلازمة القولون العصبيّ (IBS) 4 مراتٍ أكثر شيوعًا عند الإناث، وتؤثّر بعض الأدوية المستخدمة للعلاج بشكل مختلف قليلًا على الذكور والإناث. كما وتتطوّر حصوات المرارة 4 مراتٍ أكثر عند الإناث، خاصّةً خلال بعض الفترات كفترة الحمل، حيث يرتفع مستوى هرمون الاستروجين. في المقابل، تُعدّ القرحة الاثنا-عشرية أكثر شيوعًا بشكل مضاعف عند الذكور، في حين أنّ أمراض الأمعاء الالتهابيّة (IBD) كمرض كرون والتهاب القولون، أكثر شيوعًا عند الإناث بمقدار 1.5 مرّة. 

يختلف تكوين عصائر المعدة أيضًا عند الذكور والإناث. على سبيل المثال، تكون مستويات الأنزيم المسؤول عن تحليل الكحول أعلى بـ- 5 مرات عند الذكور، حتّى قبل أن يدخل مجرى الدم، لذلك تثمل الإناث أسرع من نفس كميّة الكحول. على غرار الكحول، يتمّ تفكيك بعض الأدوية بسرعة أكبر في معدة الذكور - مثل المهدّئات ديازيبام (Diazepam) و إيميبرامين (Imipramin) - المستخدمة لعلاج الاكتئاب، وبروبرانولول (Propranolol) لخفض ضغط الدم. في الواقع، هذا يعني أنّه من أجل الوصول لنفس المستوى من هذه الأدوية في الدم، تحتاج الإناث إلى جرعة أقل، أو أنّها ستعاني من آثار جانبيّة أقوى.

تُعتبر أهمّ عمليّات الأيض للأدوية هي تلك التي تحدث في الكبد. وُجِدَ في التجارب المخبريّة أنّ خلايا الكبد لدى الإناث أكثر عرضةً للتلف نتيجةً لاستهلاك أدوية الباراسيتامول (Paracetamol) وبعض الأدوية الأخرى مقارنةً بخلايا الكبد لدى الذكور. كما تكون المرحلة الأولى من عملية الأيض أكثر نجاعةً بنسبة 50 في المائة عند الإناث، كمعالجة دواء الهالوبيريدول (haloperidol) مضادّ الذهان. في المقابل، تكون المرحلة الثانية من عملية الأيض، والتي تحدث أيضًا في الكبد، أكثر نجاعة عند الذكور، على سبيل المثال، دواء البرتسماتول.

بالإضافة إلى ذلك، يختلف الجنسان بنجاعة عمليّة التخلّص من بعض الأدوية عن طريق الكلى: تكون هذه العمليّة أبطأ عند الإناث بنحو 10 في المائة من الذكور. هذا على سبيل المثال ما يحدث عند التخلّص من دواء الديجوكسين (Digoxin) المخصّص لعلاج أمراض القلب.

תסמונת המעי הרגיז | איור: John Bavosi / Science Photo Library
تُعتبر 4 مراتٍ أكثر شيوعًا عند الإناث. متلازمة القولون العصبيّ (IBS)| رسم توضيحي:  John Bavosi / Science Photo Library
 

ما هي الجرعة؟

 نشأت حالة قاتمة إلى حدٍ ما، بما أنّ التحقيق في معظم الأدوية تم، وما زالت قيد التحقيق على الذكور فقط. فمن الواضح أنّه يتمّ إعطاء الإناث أدوية بجرعات غير مناسبة، حتى لو أُخِذَت أوزان أجسامهنّ بعين الاعتبار. وجدت مراجعة لحوالي 5000 دراسة حول خصائص الأدوية، أنّ 76 من 86 دواءً تسبّب بآثار جانبيّة ضارّة على الإناث. وجدوا أن عند الأخذ بعين الاعتبار الفروق الدوائيّة بين الجنسين، فإنّ الإناث تتوافق مع احتمال تطوير الآثار الجانبيّة بنسبة 96 في المائة، مقارنةً بنسبة 29 في المائة فقط عند الذكور. لا يتمّ تفسير هذه الاختلافات بفرق وزن الجسم.

في الوقت الراهن، حيث من المعتاد إعطاء الإناث والذكور ذات الأدوية وبنفس الجرعة، والتي لا تتم ملاءمتها حتّى لوزن الجسم، هي غير معقولة. قد يكون هذا أحد الأسباب الذي يجعل الإناث اللواتي يتناولن الدواء يعانين من الآثار الجانبيّة بشكلٍ مضاعف من الذكور.

لا ينبغي التقليل من الآثار الجانبية. ترتبط حوالي 5 بالمائة من حالات الاستشفاء غير المخطّط لها بالآثار الجانبيّة للأدوية. بالإضافة الى المعاناة الجسديّة والنفسيّة التي تسببها. غالبًا، يدفع ظهور الآثار الجانبية إلى توقّف المرضى مؤقّتًا أو كلّيًّا عن تناول الأدوية. تضعف هذه الحالة من نجاعة العلاج، وتخلق مخاطر صحّيّة.

تمّ اتخاذ الخطوة الثوريّة الأولى في حلّ المشكلة في عام 2013، عندما أوصى الـ FDA بتخفيض جرعة دواء الأرق زولبيدم (Zolpidem) بنسبة 50 في المائة عند إعطائه للإناث، بغضّ النظر عن وزن الجسم. تمّ إعطاء إرشادات مماثلة بعد عام فيما يتعلّق في دواء فلورازيبام (flurazepam)، والذي يستخدم أيضًا كعلاج للأرق.

 ה-FDA המליץ להפחית את המינון לנשים של חלק מהתרופות לנדודי שינה | צילום: SCIMAT / Science Photo Library
أوصى الـ FDA بتقليل جرعة بعض أدوية الأرق للإناث | تصوير: SCIMAT / Science Photo Library
 

نفس العضو، وظيفة مختلفة

لكي نفهم بشكل أفضل تداعيات الفروق بين الجنسين على الحالات الطبّيّة، سننتقل إلى الدماغ: تتأسّس الفروق بين الذكور والإناث على وجود كروموسومات جنسيّة أخرى في خلاياهم. يتحدّد جنس كلّ خليّة في الجسم -ذكر أو أنثى، اعتمادًا على كروموسومين الجنسيين فيها. نظرًا لأنّ التركيب الجينيّ يساهم في تحديد عمل خلايا الجسم، فإنّ الاختلاف في التركيب الجينيّ ينعكس أيضًا في الاختلافات الوظيفيّة للخلايا والأنظمة الموجودة فيها. بالإضافة إلى ذلك، يتطوّر دماغ الذكر والأنثى تحت ظروف بيئيّة هرمونيّة مختلفة تمامًا في الرحم. لذلك، تكون الفروق بين الجنسين واضحة في حجم الدماغ، في بنية خلايا الدماغ وتنظيمها، في الاتّصال بين الخلايا وكذلك في وظيفة مجموعات خلايا معينة .

يستمرّ الدماغ في التطوّر حتّى بعد الولادة، إذ يتأثّر من الجنس والبيئة التي تتضمّن التوقّعات والتعريفات التي يمتلكها المجتمع لكلّ جنس. تنتج من هذه العوامل عواقب تنمويّة تؤدّي إلى اختلافات في الإدراك والسلوك والأداء. فمثلًا، يتحكّم الوطاء (Hypothalamus) - منطقة في الدماغ - بالعديد من الوظائف الأساسيّة كالأكل والنوم، وكذلك عمل المبايض والخصيتين. يتمّ تحفيز المبايض هرمونيًّا،على شكل دقّات، ولهذا تخضع الإناث للدورة الشهرية. بينما يكون إفراز الهرمونات لتحفيز الخصيتين ثابتًا تقريبًا، لذلك تستمرّ عملية إنتاج الحيوانات المنويّة دون توقّف تقريبًا. قد يبدو الوطاء الذكريّ والأنثويّ متشابهًا فهو يفرز نفس الهرمونات تمامًا - لكنّ نمط نشاطه مختلف بين الجنسين، وبالتالي أداء الغدد التناسليّة.

مثال آخر هو الرئتين: تُعدّ الإناث أكثر عرضةً للإصابة مقارنةً بالذكور، لدرجة أنّ الأنثى المُدَخِّنة معرضة للإصابة بسرطان الرئة بمرّتين أكثر من الذكر الذي يدخّن كمّيّة مماثلة من السجائر.

قد تظهر أيضًا أمراض القلب والأوعية الدموية بشكل مختلف بين الجنسين. العلامات الكلاسيكيّة للنوبة القلبيّة معروفة جدًّا، ولكن حوالي خُمس النساء المصابات بنوبة قلبيّة تُظهرن أعراض مختلفة جدًّا، بما في ذلك آلام البطن والصدر التي تتطوّر بشكل بطيء، ولا تمتدّ للكتف والذراع الأيسر، بل بالأحرى للعنق والذقن. إذا كانت الأنثى وبيئتها أو الطاقم الطبّيّ، لا يعرفون ربط هذه العلامات بنوبة قلبيّة، قد يتأخّر تشخيصها وعلاجها.

قد تكون العواقب مميتة. في العالم الغربيّ، تموت النساء كلّ عام بسبب أمراض القلب والأوعية الدمويّة أكثر من جميع أنواع السرطان مجتمعة. علاوة على ذلك، حتّى بعد تشخيص النوبة القلبيّة، غالبًا ما تتلقى الإناث علاجًا أقل جودة مقارنة بالذكور. ليس هناك تفسيرًا منطقيًا لهذا التوجّه المشين سوى أنّه تمييز ضدّ الإناث. تظهر المعطيات في إسرائيل نتائج مشجعة كثيرًا، سواء من حيث نتائج العلاج أو من حيث المساواة في العلاج المقدّم للمرضى

סריקת גלי מוח | צילום: DC Studio, Shutterstock
يختلف دماغ الذكر والأنثى من حيث الحجم، البنية والوظيفة. مسح موجات الدماغ| تصوير: DC Studio, Shutterstock
 

برمجة جنينيّة 

تتطوّر الفروق بين الجنسين قبل وقت طويل من الولادة. إلى جانب الاختلاف في التركيب الجينيّ لخلايا الجسم لكلا الجنسين، فإنّ البيئة الهرمونيّة في الرحم مختلفة تمامًا أيضًا. نتيجةً لذلك، يكون تطوّرهم مختلفًا. أكثر من ذلك، فإنّ الأشياء التي تؤثّر على المرأة الحامل قد تصل أيضًا إلى الجنين، أحيانًا بدرجات متزايدة مرتبطة بجنس الجنين. هذا صحيح بالنسبة لتغذية الأم، السموم البيئيّة، الكحول والتدخين والإجهاد النفسي (القلق). هذا هو الأساس لعمليّة تطوّر الثدييات الّتي تسمى "البرمجة الجنينيّة".

يتوجّب هنا ذكر جائحة الكورونا، بحيث أدّت إلى ارتفاع مقلق في حالات الاكتئاب، حيث تضاعف ثلاثة مرّات ووصل إلى حوالي 22 في المائة لدى الرجال و 33 في المائة لدى النساء. كما زاد اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ولكن دون فروق بين الجنسين.

قد يؤثّر الإجهاد النفسيّ والاكتئاب أثناء الحمل أيضًا على الجنين. يظهر هذا عند التحقيق في الكوارث الكبرى التي حدثت في الماضي: تبيّن لاحقًا أنّ نسل النساء الحوامل اللاتي خضن حالات من الإجهاد النفسيّ المستمرّ أو الشديد، معرّض بشكل كبير لخطر الإصابة بمجموعة واسعة من الاضطرابات، بما في ذلك الأمراض النفسيّة. يُلاحظ هذا المعطى بشكلٍ بارزٍ لدى الإناث.

شملت دراسة مهمّة أُجريت في القدس حوالي 90 ألف شخص، كان من بينهم أشخاص كانوا في رحم أمّهاتهم خلال حرب الأيام الستّة عام 1967، أو حرب يوم الغفران 1973 أو فترات السلم. وُجد أنّ لنسل النساء اللواتي كنّ حوامل أثناء الحرب نسبة أعلى بكثير من الإصابة بالفصام مقارنةً بأولئك الذين ولدوا لنساء حوامل خلال فترة السلم. تبيّن أنّ الإناث اللواتي ولدن لأمهات حوامل أثناء الحرب أكثر عرضةً للإصابة بالفصام بنسبة 4.3 مرّة مقارنة بالذكور، الذين ازدادت نسبة إصابتهم بـ 1.2 مرّة فقط.

قامت تامار فينشتوك وزملاؤها من جامعة بن غوريون بدراسة مجموعتين من النساء الحوامل من خلفيّات اجتماعية واقتصاديّة متشابهة، اللواتي أنجبن في نفس الوقت، وفي نفس المركز الطبّي. ضمّت المجموعة الأولى 1846 إمرأة يعشن في منطقة "غلاف غزّة" وتعرّضن بشكل متكرّر وغير متوقّع لإطلاق الصواريخ وأجهزة الأنذار أثناء الحمل. بينما ضمّت المجموعة الثانية  2275 أمًّا، اللواتي عشن على مسافة جوّيّة 5-25 كم من حدود غزّة ولم تتعرّضن لأجهزة الإنذار. وُلد أطفال المجموعة الأولى بعد فترة حمل أقصر، بحيث كانت أوزانهم أقلّ عند الولادة، ومحيط رؤوسهم أصغر. كانت الفروق ذات دلالة إحصائيّة للإناث، ولكن ليس للذكور.

אישה הרה וגבר עוטים מסכות נגד קורונה | איור: MOONG H, Shutterstock

أدّت جائحة الكورونا، الحجر المنزليّ والمعلومات الكاذبة إلى ارتفاع حالات الاكتئاب والتوتر، وهو ما يمكن أن يؤثّر أيضًا على الجنين| رسم توضيحي:  MOONG H, Shutterstock
 

للكوارث الطبيعيّة تأثيراتٍ مماثلةٍ. أدّت جائحة الكورونا، الحجر المنزليّ، البُعد الاجتماعيّ، ونشر الأخبار الكاذبة وازديادها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، إلى رفع نسبة الاكتئاب والإجهاد النفسيّ الذي تتعرّض له المرأة الحامل، والأجنّة أيضًا. بالطبع لا تتعرّض كلّ الأجنّة لمثل هذه الظروف في رحم أمهاتها أثناء جائحة الكورونا، ولا حتى معظمها، لكن فقط بنسبة أعلى من المعدّل الطبيعيّ.

هذه النسبة الصغيرة كافية لكي تجبرنا على الاستعداد للعواقب النفسيّة المحتملة، كتلك التي ظهرت للأطفال الذين ولدوا أثناء الجائحة العالميّة. تحتاج الأمّهات إلى الحماية والدعم الكلّيّ، لمصلحتهنّ الخاصّة ومصلحة أجنّتهنّ، لمنع الضرر النفسي المحتمل - أو عالأقل التخفيف منه. لا يعتبر هذا قضاءً وقدرًا، فهناك العديد من الأمور التي يمكن القيام بها لتسهيل تعامل الأمّهات مع الأزمة. فقط عندما ندرك الحقائق والمخاطر، يمكننا أن نستعدّ لها وأن نأخذ الإجراءات الوقائيّة للحماية منها.

تشمل هذه الإجراءات، من بين الأمور الأخرى، نشر المعلومات الصحيحة، نظامًا غذائيًّا متوازنًا للأم، النشاط البدني، الدعم الاجتماعي للمرأة الحامل وإنشاء مجموعات دعم، تسهيلات في العمل والبيت، وتجنّب السموم ومراقبة العلاجات الدوائيّة. بالإضافة إلى ذلك، يجب التركيز على البيئة التي تتعرّض لها الأمهات والأطفال بعد الولادة.

على الرغم من أنّ خدمات الرعاية ما قبل الولادة ومتابعة ما بعد الولادة في إسرائيل جيّدة جدًّا، إلّا أنّها تحتاج لمزيد من التطوير، والذي يشمل زيادة الوعي العام ووعي الأنظمة الطبّيّة للبرمجة الجنينيّة. فقط إذا اعتبرنا أنّ رعاية المرأة الحامل تؤثّر على شخصين على الأقلّ- المرأة في الحاضر، والجنين/ الأجنّة في المستقبل - سنكتشف مقدار المسؤوليّة التي تقع علينا لتوفير الحماية، الدعم والمساعدة للأم والجنين. لهذا الأمر أهميّة أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أثناء الأزمات الاقتصاديّة والأمنيّة والطبّيّة التي نعيشها كما في جائحة الكورونا.

 

0 تعليقات