كثيرًا ما نسمع عن الموت من جرعة زائدة من المُخدّرات. لكن ليست أقلّ خطورة - وربّما أكثر- هي الآثار طويلة الأمد.

الإدمان على المخدّرات، يعني الاتّكال، إمّا جسديًا أو نفسيًّا على المُخدّرات إلى الحدّ الّذي يصعب فيه تسيير أمور الفرد بدون المُخدّر. في هذه المقالة، سنصف التأثيرات الأخرى للمُخدّرات إلى جانب الإدمان، بما في ذلك الآثار طويلة الأمد الّتي تضُرّ بجودة حياة المُستخدِم وتسبّب ضررًا للمُجتمع عامّة. 
 

تصنيف المُخدّرات بحسب أضرارها

في دراسة أجريت عام 2010، صنّفت مجموعة من الخبراء في المملكة المتّحدة 20 مُخدّرًا، بما في ذلك الموادّ المشروعه للاستعمال، وفقًا لـ 16 معيارًا. تسعة من المعايير الّتي اُختيرت تُعبِّر عن ضرر للمُستخدِم، كالوفيات، الاتّكال، وضرر بالوظائف الدّماغيّة، فيما تُعبّر المعايير السبعة الأخرى عن ضرر لأشخاص آخرين، بما في ذلك الجريمة، العنف وتكلفة أيّام الاستشفاء. يُعتبَر الكُحول الأكثر ضررًا على المجتمع من بين المُخدّرات، وهو اكتشاف غير مفاجئ باعتبار أنّه المُخدّر الأكثر شيوعًا، يليه الهيروين والكراك (الكوكايين المُستهلَك بواسطة التّدخين). تمّ تصنيف الهيروين، الكراك، الميثامفيتامين والكُحول (بهذا الترتيب) في أعلى المراتب من حيث ضرر المُستخدِم. عند استعراض الضّرر المُجتمِع (الضّرر الكُلّيّ للمُستخدِم نفسه وللمجتمع كافّة)، يحصل الكُحول على أعلى الدّرجات، فيما يتخلّف القنب خلفه في المركز الثّامن.
 

تثيرهذه النتائج السؤال التّالي: ما هي تلك الأضرار طويلة الأمد للمُخدّرات؟
 

الكُحول

تُؤثّر الكحول بشكل رئيسيّ على مُستقبِل معيّن في الدّماغ: مستقبِل النّاقل العصبيّ GABA (حمض غاما -أمينوبيوتيريك). وهو ناقل عصبيّ شائع جدًّا في الدّماغ، وظيفته ليست تنشيط الخلايا العصبيّة، بل قمع نشاطها. يُؤدّي تناول الكُحول بجرعات منخفضة إلى إطلاق الموانع الاجتماعيّة، ولكن بجرعات عالية يمكن أن يسبّب ضررًا للوظائف الدّماغيّة، وأن يُثبّط الأنظمة الحيويّة في الجسم، بل وقد يؤدّي إلى الوفاة. وجدت دراسة أُجريت في عام 2015 أنّ الكُحول هو أحد أكثر الموادّ فتكًا بالإنسان: فوجبات قليلة منه (أقلّ من عشر) تكفي للقتل، مقارنة بحوالي مائة وجبة من القنب على سبيل المثال. تُعرَّف "الوجبة" على أنّها الكميّة النّموذجيّة للعقار المُخدّرالمُستهلَك في يوم واحد، وفقًا لتحليل إحصائيّ لبيانات استهلاك عدد كبير من الأشخاص.

يُعدّ الجهاز العصبيّ إحدى الضّحايا الرئيسيّة لتناول الكُحول المُفرط والمُزمن؛ حيث يُؤدّي إلى ضعف في امتصاص الأمعاء لفيتامين B1 (الثيامين)، وهو ضروريّ - من بين أمور أخرى - لتفكيك الجلوكوز في الدّماغ، والّتي هي عمليّة مهمّة؛ لأنّ الجلوكوز هو المصدر الرئيسيّ للطاقة بهذا العُضو. وبِلا طاقة تموت الخلايا في الدّماغ؛ ممّا يتسبّب في ضعف الوظيفة العقليّة المُسمّاة بمُتلازمة كورساكوف (Korsakoff)، والّتي تتمثَّل أعراضها في الارتباك، النّسيان واللامبالاة. اعتلال الأعصاب المُتعدّد هو مُتلازمة أخرى ناتجة عن نقص الطّاقة، والّتي تتمثّل بضرر لغلاف الميالين (المادّة الدُّهنيّة البيضاء) للأعصاب الطّرفيّة. أعراض هذه المُتلازمة هي بالأساس حركيّة وحسيّة -على سبيل المثال، ضعف العضلات وفقدان حاسّة الّلمس. من المُمكن أن تكون أضرار تلف الكبد؛ بسبب تراكم مُنتجات تحلّل الكُحول السّامّة، قاتلةً أيضًا. أمراض الكبد الكحوليّ الرئيسيّة هي الكبد الدّهنيّ، التهاب الكبد (Hepatitis) وتليّف الكبد (Cirrhosis)، والطّريقة الوحيدة لعلاجها هي زرع الكبد.

وفقًا للدّراسة الأكثر شمولًا حتّى الآن والّتي تمّ إجراؤها حول مخاطر الكُحول، فإنّ الكُحول هي السبب الرئيسيّ لوفاة الأشخاص الّذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 49 عامًا: يُعزى ما يقارب ال 12 في المئة من الوفيات في الرجال وما يقارب ال 4 في المئة من الوفيات بين النساء في هذه الأعمار إلى الكُحول. السّبب الأكثر شيوعًا للوفاة في الأعمار الشّابّة نسبيًّا نتيجة استهلاك الكحول هو مرض السّلّ، حيث قام باحثون بتقييم نتائج 36 دراسة من 2007 إلى 2016 والّتي شملت جميع مناطق العالم تقريبًا باستثناء الشرق الأوسط (أي الدّول المتقدّمة والنامية معًا)، وأظهرت نتائج الدّراسة أنّ الكحول يُضاعف من خطر الإصابة بالسّلّ ب 3.3 مرّة. بعد مرض السّلّ، كان السّبب الأكثر شيوعًا للوفاة بسبب الكُحول هو حوادث السّير. بين الأشخاص الّذين تبلغ أعمارهم 50 عامًا وأكثر، كان السبب الأكثر شيوعًا للوفاة المنسوبة إلى استهلاك الكحول هو السرطان بأنواعه المختلفة.

وجدت دراسة أخرى أنّ الكُحول يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب التّاجيّة (الأمراض الّتي تنتج عن ضعف إمدادات الدّم،  كاحتشاء عضلة القلب). لعلّ الاكتشاف الأكثر أهميّة هو أنّه عند وزن جميع التّأثيرات الصحيّة للكحول معًا، فإنّ مخاطرها تزداد أيضًا مع تناول الكُحول باعتدال - بكلمات أخرى، من أجل تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض قدر الإمكان، يجب تجنّب تناول الكحول تمامًا. علاوة على ذلك، وجدت دراسة أجريت عام 2016 أنّه لا أساس للاعتقاد الشّائع بأنّ الاستهلاك المُعتدل للكحول يُطيل العمر.

בובת עץ מעל כוס ויסקי | Shutterstock
يُعدّ الجهاز العصبيّ إحدى الضّحايا الرئيسيّة للإفراط في تناول الكحول المزمن | تصوير: Shutterstock.
 

الأدوية الأفيونيّة

مصدر المواد الأفيونيّة هو الأفيون: نِتاج نبات الخشخاش. وهي تشمل الأفيون نفسه، والمورفين والهيروين، وجميعها أدوية ذات تأثير نفسيّ وعقليّ  تُؤدّي إلى تغييرات دماغيّة مُتعلّقة بالمزاج، العاطفة والسّلوك. يتمّ أيضًا شمل العديد من مُسكّنات الألم في هذه المجموعة، كالأوكسيكودون والفنتانيل.

تعمل الموادّ الأفيونيّة على نظام تخفيف الآلام الطبيعيّ في الجسم، ولكنّها بالإضافة إلى ذلك تسبّب أيضًا شعورًا عامًّا  جيّدًا ونشوة. بالإضافة إلى تأثيرها على نظام المكافأة في الدّماغ، وهذا ما يُؤدّي إلى قابليّة الإدمان عليها، هناك أدلّة من دراسات التّصوير المغناطيسيّ على أنّ الاستخدام طويل الأمد لهذه الأدوية من شأنه أن يُلحق ضررًا بغلاف الميالين في الخلايا العصبيّة. قد يكون لهذا الضرر آثارعلى نقل الإشارات الكهربائيّة إلى الدّماغ، وبالتّالي على الوظائف الذّهنيّة. تشمل المخاطر الصّحّيّة الأخرى انتقال فيروس الإيدز (HIV) نتيجة لمشاركة الحُقن بين متعاطي الهيروين. لتجنّب هذا الخطر، تُقدّم العديد من الدّول محاقن نظيفة أُحاديّة الاستعمال لمُدمني المخدّرات. في البرتغال، ساهمت هذه السياسة في خفض معدّل الوفيات نسبة للإيدز بشكل كبير.

خطر آخر يُرافق استخدام الموادّ الأفيونيّة، أيضًا على المدى القصير، هو الموت بجرعة زائدة. تتزايد الوفيات النّاجمة عن هذه الأدوية عامًا بعد عام، وفي عام 2017 كان هناك أكثر من 70000 حالة في الولايات المتّحدة وحدها. المشكلة خطيرة لدرجة أنّ الرّئيس ترامب أعلن أنّها وباء يجب مكافحته.

אנשים בתוך גלולות | Shutterstock
تعمل الموادّ الأفيونيّة على نظام تخفيف الآلام الطبيعيّ في الجسم | تصوير: Shutterstock.
 

الكوكايين

يُعتبَر الكوكايين عقارًا منشّطًا مصدره شجيرة الكوكا الّتي تنمو في جبال الأنديز. يميل سكّان هذه المناطق إلى مضغ أوراق الشجيرة للتغلّب على مرض خوف المُرتفعات، ولكن من المُعتاد في العالم الغربيّ تناول الكوكايين كمسحوق أبيض - مُستخلَص مُركّز من أوراق الكوكا - والّذي "يتمّ تعاطيه" عن طريق الأنف (الاستنشاق)، ممّا يُسرّع عمليّة وصوله إلى الدّماغ.

يمنع الكوكايين الخلايا العصبيّة من "إطفاء" إشارة النّاقل العصبيّ دوبامين، وهو أحد أهمّ الهرمونات في جهاز المكافأة، والّذي يلعب أيضًا دورًا في أنظمة أخرى في الدّماغ. وهكذا يتسبّب الكوكايين في تنشيط متزايد لمسارات المكافأة في الدّماغ، ويمكن أن تؤدّي جرعات كبيرة إلى الوفاة نتيجة للتّسارع الشّديد لمعدّل ضربات القلب والارتفاع الحادّ في ضغط الدّم. يتسبّب الكوكايين أيضًا في انقباض الأوعية الدّمويّة؛ ممّا يؤدّي جنبًا إلى جنب مع التأثيرات الإضافيّة للدواء إلى زيادة خطر الإصابة بمضاعفات أمراض القلب والأوعية الدّمويّة، كالنّوبات القلبيّة، عدم انتظام ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدّم. يتضاعف مرّتين وأكثر أيضًا خطر الإصابة بالسكتة الدّماغيّة - تلف إمداد الدّماغ بالدّم بسبب التّسرّب من الأوعية الدّمويّة أو انسدادها - بسبب الاستهلاك المنتظم للكوكايين.

גורם להפעלה מוגברת של מסלולי הגמול במוח. אבקת קוקאין ועלי צמח הקוקה | צילום: Shutterstock

يتسبّب في زيادة تنشيط مسارات المكافأة في الدّماغ. مسحوق الكوكايين وأوراق نبات الكوكا | تصوير: Shutterstock.
 

القنب

استعرضنا في مقال سابق آثار القنب على المدى القصير والطويل. تُلقي الدّراسات المنشورة منذ ذلك الحين الضوء على بعض القضايا الّتي نوقشت في المقالة بخصوص الآثار طويلة المدى للقنب. حتّى كتابة هذه السطور، لم تتمكّن أيّة دراسة من إثبات وجود صلة سببيّة بين استخدام القنب وتفشّي مرض الفِصام، ووجدت دراسة نُشرت في أيلول 2018، والّتي شملت ما يقارب ال 185000 شخصٍ اختلافات في تسلسل قواعد معدودة في الحمض النوويّ بين الأشخاص الّذين استخدموا القنب وأولئك الّذين لم يستخدموه. من المعروف أنّ التّسلسلات الوراثيّة الموجودة لدى المُستخدِمين تشكّل عوامل خَطَر لكلّ من الفصام واستخدام القنب والعقاقير ذات التّأثير النّفسيّ بشكلٍ عامّ. تُضعف هذه النتائج الادّعاء بأنّ تعاطي القنب يسبّب الفِصام، حيث يبدو أنّ الارتباط بين تعاطي القنب والفِصام يمرّ بعامل ثالث، ربّما يكون وراثيًّا، يؤثّر على كليهما. أكدّ ذلك تحليلٌ إحصائيّمُعقَّد، وأثبتَ عدم وجود علاقة سببيّة بارزة بين تدخين القنب والفِصام.

فحصت دراسة من عام 2012 الأداء الذّهنيّ لأكثر من ألف شخص، مع اختبار كلّ مشارك مرّة واحدة في سنّ 13 ومرّة ​​ثانية في سنّ ال 38. بدأ بعض الأشخاص في تناول القنب خلال الفترة الواقعة بين الاختبارين. عند أولئك الّذين بدؤوا في تدخين القنب قبل سنّ 18 واستمرّوا في استخدامه لسنوات، كان هناك تدهور لا رجعة فيه في الوظيفة الذّهنيّة، في حين أنّ الامتناع عن تعاطي القنب لم يُعِد هذه الوظائف إلى حالتها السّابقة. تعرّضت هذه الدّراسة لانتقادات كبيرة، بما في ذلك حقيقة أنّ أولئك الّذين تناولوا القنب في سنّ مبكرة ينتمون إلى طبقة اجتماعيّة واقتصاديّة مُتدنّية، وهي حقيقة قد يكون لها تأثير على مُعدّل الذّكاء. وجدت دراسة أخرى أنّ البالغين الّذين امتنعوا عن القنب بعد الاستخدام المُطوّل قد نجحوا في تحسين وظائفهم الذّهنيّة مقارنة بما كانوا عليه من قبل. بافتراض أنّ نتائج الدّراسة الأولى تعكس الواقع، فإنّ الرّسالة واضحة: كلّما كانت بداية التّدخين أكثر تأخُّرًا (وهذا غير مُستحسَن على الإطلاق!) - كلّما كان الضّرر الّذي يلحق بالوظيفة الذّهنيّة أقلّ شدّة وكان إصلاحه أسهل.

إذا كان الأمر كذلك، فقد رأينا أنّه بخلاف الأخطار قصيرة المدى النّاتجة عن الاستخدام العرضيّ للأدوية، فإنّ كلّ عقار ينطوي أيضًا على أخطار ناتجة عن الاستخدام الدّائم. حتّى العقاقير المشروعة تمامًا - سواء تمّ تعريفها على أنّها ذات تأثير نفسيّ مثل الكحول، أو "عقاقير مع وصفة طبيّة"، كالموادّ الأفيونيّة - تحمل معها مخاطر مختلفة على الصّحّة والوظيفة الذّهنيّة، ومن المُهمّ تذكّر ذلك.

 

0 تعليقات