على الرّغم من التّقدّم الكبير في فهم هذا المرض الخبيث وعلاجه، إلّا أنّه لا يزال يتسبّب بخسائر فادحة لملايين المرضى سنويًّا – ومعظم هؤلاء المرضى هم من النساء. ما الّذي يخبّئه لنا المستقبل في الحرب ضدّ سرطان الثّدي؟

أوّل توثيق مؤكّد لدينا حول سرطان الثّدي جاء من مصر القديمة، قبل حوالي 3,600 سنة من عصرنا. وقد تمّ وصف مراحل المرض بتفصيل كبير بالخطّ الهيروغليفيّ، على وثيقة باسم بردية إدوين سميث، والّتي يصل طولها إلى حوالي أربعة أمتار ونصف. يكشف النّصّ القديم عن المعلومات الّتي كانت لدى الأطبّاء في ذلك الوقت، عن طرق علاج مجموعة أمراض مختلفة، وكذلك كدمات الجنود في المعارك وإصاباتهم، مثل إصابات الرّأس والرّقبة. وتصاحب التّفسيرات اللّفظية رسومات توضيحيّة في التّشريح، وكذلك توصيفات للعمليّات الجراحيّة.

وصف الأطبّاء القدماء الّذين صنعوا البرديّة الأورامَ الّتي وُجدت في أثداء النّساء، أي سرطان الثّدي، وأعلنوا عنه أنّه "مرض عضال". الوضع اليوم مختلفٌ تمامًا، فالنّصوص الهيروغليفيّة استبدلت بوَأسمات (بتات) في أجهزة الكمبيوتر، والتّقدّم في برامج الذّكاء الاصطناعيّ، بدراسة المرض وعلاجه يتزايد بشكل دائم. ومن المحتمل أن تعمل خوارزميّات الكمبيوتر على تحسين قدرات الأطبّاء بشكل كبير جدًّا، وأن تسمح بعلاج أكثر كفاءة ودقّة.  


التّوثيق الأوّل المؤكّد لسرطان الثّدي منذ حوالي 3,600 عام. بردية إدوين سميث | المصدر: ويكيبيديا، معلومات مُشاعة

فرص شفاء كبيرة

سرطان الثّدي هو أكثر أنواع السّرطانات شيوعًا لدى النّساء. يمكن أن يُصاب به الرّجال أيضًا ولكن بمعدّل أقلّ بكثير، بنسبة رجل واحد لكلّ مائة امرأة مصابة. وفقًا لتقديرات منظّمة الصّحّة العالميّة، ففي عام 2020 وحدِهِ، شُخِّص أكثر من مليوني مصاب ومصابة جدد بسرطان الثّدي، في جميع أنحاء العالم. عند تشخيص المرض، من المهمّ التّذكّر أنّ كلّ كتلة في الثّدي ليست بالضّرورة كتلةً سرطانيّةً، ففي بعض الأحيان تكون مجرّد حويصلة، أي كيس مملوء بالسّوائل داخل الثّدي، أو ورمًا حميدًا غير خبيث، ولا يتخطّى أنسجة الثّدي أو يتلفها.

فرص الكشف المبكّر عن سرطان الثّدي عالية بشكل خاصّ. أكثر من 90٪ من المصابات في البلدان المتطوّرة يتم تشخيصهنّ في مراحل مبكّرة من المرض، قبل أن يطوّر السرطان نقائل وينتشر إلى أنسجة أخرى. بفضل هذا الأمر، فإنّ فرص شفاء المصابات إلى حدّ الشّفاء التّامّ، مرتفعة جدًّا. إنّ الحُكم المتشائم للأطبّاء المصريّين القدماء، ليس ملزمًا اليوم على الإطلاق.

حقيقة أنّه غالبًا ما يكون هذا السّرطان خادعًا وغامضًا، ولا يمكن التّنبّؤ بسلوكه، هي أمر غير مشجّع كثيرًا. على عكس سرطان الرِّئة مثلًا، الّذي سيعاود الظّهور خلال عدّة أشهر، في حال فشل العلاج في القضاء على جميع الخلايا السّرطانيّة في جسم المريض، فإنّ نقائل سرطان الثّدي يمكنها أن تعود إلى الظّهور من جديد، حتّى ولو بعد عقود من إزالة الورم الأوّل. ومن هنا تأتي أهمّيّة العلاج الملاءَم بشكل شخصيّ، منذ المراحل المبكّرة من التّشخيص، بهدف تدمير الخلايا السّرطانيّة، والتّقليل من خطر عودة المرض.


نمط حياة نَشِط ورياضيّ من شأنه أن يقلّل من خطر الإصابة بسرطان الثّدي. امرأة أثناء جري رياضي | William Perugini, Shutterstock

عوامل زيادة الخطر

السّرطان في أنسجة الثّدي هو ورمٌ لا تتوقّف فيه الخلايا عن الانقسام. يؤدّي الانقسام غير المراقَب إلى تكوّن كتلة، والّتي قد تنتشر الخلايا منها إلى الأنسجة المجاورة، مثل العقد اللّيمفاويّة في منطقة الإبط، في حال عدم الخضوع للعلاج. وفيما بعد، من الممكن أن يرسل أيضًا نقائل إلى أعضاء أبعد، مثل الرّئتين والعظام والكبد والدّماغ.

لا نعلم على وجه اليقين ما الّذي يسبّب الخلل، في آليّات المراقبة عند انقسام الخلايا. مع ذلك، هناك بعض عوامل الخطر المعروفة الّتي قد تشجّع بدء المرض. يزداد خطر الإصابة بالمرض مع التّقدّم في السّنّ، ويزداد أيضًا بسبب تدخين السّجائر، أو الإفراط في شرب الكحول أو السّمنة. كما أنّ احتماليّة الإصابة بالمرض تكون أعلى لدى النّساء اللّواتي بدأ حيضهنّ الأوّل في سنّ مبكّرة، أو اللّواتي تجاوزت فترة انقطاع الدّورة الشّهريّة لديهنّ العمر المتوسّط. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاستعداد الوراثيّ يزيد من خطر الإصابة بالمرض، لذا فإنّ كانت إحدى قريبات العائلة لديكنّ قد أصيبت بسرطان الثدي، فاحرصْنَ على إجراء الفحوصات بشكل منتظم.

إنّ نسبة كبيرة من حالات سرطان الثّدي الوراثيّ، تنجم عن نِسَخٍ معيبة (طفرات) في جينات معيّنة، تُدعى BRCA1 و- BRCA2. وهما جينان يحتويان على تعليمات لإنتاج البروتين، الّذي يحافظ على الشّفرة الوراثيّة، ويصحّح الأخطاء في تكرارها. عندما يُنتَج البروتين بشكل غير صحيح، يتراكم المزيد والمزيد من العيوب في الحمض النّوويّ (الـ DNA) في الخلايا الموجودة في أنسجة الثّدي، وعندها فإنّ خطر الإصابة بسرطان الثّدي يزداد بشكل كبير. إنّ هذه الطّفرات مرتبطة أيضًا بزيادة خطر الإصابة بسرطان المبيض. تصل نسبة الإصابة بسرطان المبيض إلى 54٪، لدى النّساء اللّواتي لديهنّ طفرة في جين BRCA1 وإلى 23٪ إذا كانت الطّفرة لديهنّ في جين BRCA2. كما أنّ هذه الطّفرات مرتبطة أيضًا بزيادة خطر الإصابة بسرطان البنكرياس.

وفقًا لجمعيّة محاربة السّرطان، فإنّ نسبة شيوع هذه الطّفرات في البلاد مرتفعة للغاية، خصوصًا لدى السّكّان اليهود الأشكناز: فواحد/ة من بين 40 امرأة ورجل يهوديّ من أصل أشكنازيّ يحمل نسخة معيبة من الجين. في محاولة لزيادة فرص الكشف المبكّر، عن الميل الوراثيّ للإصابة بسرطان الثّدي والمبيض، قامت جمعيّة السّرطان بنشر استبيان للتّاريخ العائليّ، بأربع لغات على موقعها الإلكترونيّ، بهدف الكشف عن النّساء ذوات الميل الوراثيّ للإصابة بسرطان الثّدي. في إسرائيل، يحقّ للنّساء اليهوديّات من أصل أشكنازيّ كامل أو جزئي، إجراء فحص جينيّ مجّانيّ لمرّة واحدة، لمعرفة إن كنّ يحملن هذه الطّفرات أم لا - حتّى لو لم يكن لديهن علمٌ عن مصابات سرطان في أُسَرِهنّ.

هنالك أيضًا عوامل معروفة توجد علاقة إحصائيّة بينها وبين تقليل خطر الإصابة بسرطان الثّدي. مثلًا، في مراجعة واسعة لأبحاث سابقة (التّحليل البعديّ)، حدّد الباحثون أنّ معدل الإصابة بسرطان الثّدي لدى النّساء اللّواتي أرضعن أطفالهنّ لفترة طويلة، كان أقلّ بنحو أربعة في المائة من النّساء، اللّواتي لم يرضعن رضاعة طبيعيّة لفترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، وكما هو الحال مع مجموعة كبيرة من الأمراض الأخرى، فإنّ أسلوب حياة نشط ورياضيّ يُعَد أيضًا عنصرًا مهمًّا، في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي.


عندما يتم إنتاج البروتين بشكل غير صحيح، تزداد نسبة حدوث عيوب في الحمض النّوويّ (الـ DNA) في خلايا أنسجة الثدي، وتزداد خطورة الإصابة بسرطان الثّدي بشكل أكبر. على اليمين: بروتين BRCA1, على اليسار: بروتين BRCA2 | المصدر: StudioMolekuul, Shutterstock

كيف يتمّ التّشخيص؟

يبدأ تشخيص سرطان الثّدي في كثير من الحالات، عندما تكتشف المريضة بنفسها عن طريق اللّمس وجود كتلة في أنسجة الثّدي، أو عندما تلاحظ تغيّرات أخرى في بنية الثّدي نفسها. تُفعِّل العديد من الدّول، ومن بينها إسرائيل، برامج فحص وطنيّة للكشف عن سرطان الثّدي لدى النّساء فوق سنّ معيّنة. التّوصية الرّسميّة للنّساء في إسرائيل هي إجراء تصوير شعاعيّ للثّدي (Mammography) مرّةً كلّ عاميْن بدءًا من سنّ الخمسين أو أكثر.

التّصوير الشّعاعي للثّدي (الماموغرام) هو فحص غير جراحيّ بالأشعة السّينيّة، بجرعة منخفضة من الإشعاع، وهو يعطي صورة لأنسجة الثّدي. وهكذا وفي كثير من الحالات، يمكن اكتشاف كتل صغيرة في مرحلة مبكّرة، قبل أن تصل إلى الحجم الّذي يُمكِّن من تمييزها عن طريق اللّمس. إنّ هذه الطّريقة تُعدّ اليوم الطّريقة الأكثر فعاليّة لتشخيص سرطان الثّدي، حتّى لو لم تكن هناك علامات سابقة تثير الشّكّ حول وجود ورم سرطانيّ. أمّا النّساء المعرّضات لخطر الإصابة بشكل متزايد، لأسباب وراثيّة أو عائليّة بالأساس، فيُوصى بالبدء في إجراء فحص التّصوير الشّعاعيّ، مرة واحدة سنويًا عند سنّ الأربعين أو قبل ذلك.


 فحص أشعة سينيّة غير جراحيّ بجرعة منخفضة من الإشعاع، تعطي صورة لأنسجة الثّدي. فنيّة أشعة وامرأة تقوم بالفحص خلال التّصوير الشّعاعي للثّديّ | Juice Flair, Shutterstock

من أجل إكمال الصّورة الّتي يقدّمها التّصوير الشّعاعيّ للثّدي، من المعتاد في بعض الأحيان إجراء فحص بالموجات فوق الصّوتيّة لكلا الثّديين، وهو فحص يستند إلى موجات صوتيّة تقع خارج نطاق قدرة السّمع البشريّة. الفحص مهمّ بشكل خاصّ للنّساء ذوات الأنسجة الكثيفة في الثّدي. عادةً تُقسم كثافة الثّدي إلى أربعة مستويات، وهي تمثّل النّسبة الكمّيّة بين العدد الإجماليّ لخلايا الغدّة اللبنيّة، والنّسيج الضّامّ والأنسجة الدّهنيّة - كلّما انخفضت نسبة الأنسجة الدّهنيّة، زادت كثافة أنسجة الثّدي.

الأنسجة ذات الكثافة العالية تجعل من الصّعب على الأشعة السّينيّة أن تخترق الثّدي عميقًا، ولذلك فهي تحدّ من فعاليّة التّصوير الشّعاعيّ للثّدي، حيث قد تبدو الأنسجة السّليمة عند الفحص مشابهة، لما يكون متوقّعًا العثور عليه في ورم سرطانيّ. وهكذا فقد يتمّ الحصول على نتائج إيجابيّة كاذبة، من شأنها أن تثير مخاوف لا داعٍ لها. في حالات معيّنة، قد تكون الموجات فوق الصّوتيّة أكثر حساسيّةً ودقّةً، للفرق بين الكتلة المشبوهة والأنسجة الكثيفة السّليمة.

عادةً ما تنخفض كثافة أنسجة الثّدي مع التّقدّم في العمر، وهذا هو السبب في أنّ فحص التّصوير الشّعاعيّ للثّدي (الماموغرام) أقلّ فعاليّة لدى النّساء الشّابات، ويكون من الصّعب تشخيص السّرطان لديهنّ. تعتبر أنسجة الثّدي الكثيفة في حدّ ذاتها عاملَ خطر، لتطوّر سرطان الثّدي في جميع الأعمار. مع ذلك، فإنّ فحص الثّدي بالموجات فوق الصّوتيّة ليس بديلًا عن التّصوير الشّعاعيّ للثّدي (الماموغرام)، حيث أنّ هناك نتائج لا يمكن اكتشافها إلا عبر التّصوير الشّعاعيّ للثّدي (الماموغرام)، ولا يمكن رؤيتها على الإطلاق عبر فحص الموجات فوق الصّوتيّة (الاولتراساوند). لكن بما أنّ فحص الماموغرام يستخدم الأشعّة السّينيّة، الّتي قد تشكّل خطرًا على الأجنّة، فإنّه لا يُجرى للنّساء الحوامل عادةً، ويتمّ الاكتفاء بالموجات فوق الصّوتيّة فقط.

فحص تكميليّ آخر، يتمّ اقتراحه للنّساء المعرّضات لخطر كبير للإصابة بسرطان الثّدي على أساس وراثيّ، هو التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ للثّدي (MRI). يستخدم جهاز الـ MRI حقلًا مغناطيسيًّا قويًّا للكشف عن حالة الأنسجة، بناءً على اهتزاز جزيئات الماء في الجسم. يُوصى بإجراء الفحص بشكل خاصّ للنّساء اللّواتي لديهنّ طفرة في الجين BRCA1 أو BRCA2، اللّذان يزيدان من خطر الإصابة بالمرض، وللنّساء اللّواتي توجد في أُسرِهنّ عدّة نساء قد أصبن بسرطان الثّدي أو سرطان المبيض. كما أنّه يُوصى به أيضًا للنّساء اللّواتي تعرّضن في طفولتهنّ للإشعاع، في منطقة جدار الصّدر.

إذا كشفت هذه الفحوصات عن نتيجة مشكوك بها، فمن الممكن في حالات معيّنة أن يقرّر الأطبّاء أخذ عيّنة من أنسجة الثّدي (خزعة)، لفحصها في المختبر ومعرفة ما إذا كانت تحوي خلايا سرطانيّة أم لا. الخزعة هي فحص جراحيّ، يتمّ إجراؤه عادةً تحت التّخدير الموضعيّ، بمساعدة إبرة تُدخل إلى منطقة الكتلة المشبوهة.


فحص تكميلي للتصوير الشعاعي للثدي (الماموغرام)، مناسب للنساء ذوات أنسجة الثدي الكثيفة. فحص ثدي بالموجات فوق الصوتية (اولتراساوند) | Kzenon, Shutterstock

الذّكاء الاصطناعيّ في الحرب ضدّ السرطان

في السّنوات الأخيرة، يتزايد استخدام نماذج الذّكاء الاصطناعيّ في الطّبّ. هذه النّماذج هي برامج متطوّرة تحاول دراسة ظواهر معيّنة، بناءً على كمّيّات هائلة من المعلومات الّتي يتمّ إدخالها إليها، وتحديد الاتّجاهات والرّوابط المفيدة من خلالها. هذه الطّريقة تُدعى "تعلُّم الآلة"، لأنّ البرنامج يستخلص النّتائج بنفسه من البيانات الّتي يتلقّاها، دون تدخّلٍ بشريّ مباشر. أحد الإنجازات الرّئيسيّة الّتي يُتيحها الذّكاء الاصطناعيّ، هي تطوير أدوات تشخيص للأمراض بناءً على صور الأنسجة.

بحث في عام 2022، اختبر ما إذا كان بالإمكان استخدام التّعلّم الآليّ لتسهيل عمل أطبّاء الأشعّة - الأطبّاء المتخصّصين في تحليل نتائج فحوصات التّصوير مثل فحص الأشعة السّينيّة والتّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI) والتّصوير المقطعيّ المحوسب (CT). تمّ إدخال 13,306 صورة مأخوذة ممّا يقارب العشرة آلاف امرأة إلى نموذج الكمبيوتر. تمّ استخدام حوالي ثلثيْ الصّور لتدريب النموذج، واستُخدم الباقي - أكثر من 4,000 صورة - لفحص التّنبّؤات الّتي أنتجها النّموذج.

طريقة التّصوير الّتي فحصها البحث تُدعى التّصوير الشّعاعيّ الرّقميّ المقطعيّ للثّدي بتقنيّة التّوموسينسيز (DBT) - وهي تقنية تُخرِج صورة ثلاثيّة الأبعاد للثّدي باستخدام الأشعّة السّينيّة، بشكل أكثر دقّة من تصوير الثّدي بفحص الماموغرام العاديّ. نجح النّموذج في تحديد 90 بالمائة من الفحوصات الّتي عرضت عليه - وهي نسبة نجاح لا تقلّ عن نسبة نجاح أطبّاء من لحم ودم. وبشكل إجماليّ، وُجد أنّ دمج الذّكاء الاصطناعيّ في تحليل فحوصات الكشف عن سرطان الثّدي، يمكنه أن يقلّل من ضغط العمل، الملقى على عاتق الأطباء بنحو 40 في المئة، من خلال تصفية الصّور الّتي تُظهر أنسجة سليمة بشكل مؤكّد للغاية. وهكذا يتبقى لديهم وقت أكبر لفحص صور الأنسجة، الّتي يُشتبه في وجود ورم سرطانيّ فيها.


القيام بأخذ عيّنة من كتلة مشكوك بها، من أجل تحديد فيما إذا كانت كتلة خبيثة أم حميدة. خزعة من نسيج ثدي، تُظهر سرطانًا غير اجتياحي | David A Litman, Shutterstock

طرق العلاج

يركّز علاج سرطان الثّدي على القضاء على الورم، ومنع عودته مجددًا. يُحدّد نوع العلاج وفقًا لحجم الورم ومستوى امتداده للأنسجة الأخرى. من السّائغ تقسيم أورام سرطان الثّدي إلى أربعة أنواع رئيسيّة، ويُحدّد التّقسيم بينها حسب أنواع المستقبلات الموجودة على الخلايا السرطانية. قد تختلف طرق العلاج وتقييم احتمالات نجاحها اختلافًا كبيرًا، لدى المصابات اللّواتي توجد على خلاياهنّ السّرطانيّة مستقبلات للهرمونات الأنثويّة الأستروجين والبروجستيرون، أو مستقبل يسمى HER2، مقارنةً بالمصابات اللواتي لا توجد مثل هذه المستقبلات لديهنّ.

في كثير من الحالات، يجب إزالة نسيج الورم بالكامل بواسطة عمليّة جراحيّة، ممّا يعني استئصالًا كاملًا أو جزئيًا للثّدي المصاب. إذا تمّت إزالة الورم بالكامل، ولم ينتشر بعد إلى أعضاء أخرى، فإنّ فرص شفاء المصابات تكون عالية جدًّا، ولن تعاني سوى نسبة قليلة منهنّ فقط، من عودة السّرطان مرة أخرى. أمّا إذا وصلت الخلايا السّرطانيّة إلى العقد اللّيمفاويّة المجاورة، فإنّ خطر عودة السّرطان سيرتفع إلى 25 بالمائة - وهو يبقى معدّل شفاءٍ جيّد، ولكن أقلّ من لو أنّ الخلايا السّرطانيّة لم تصل إلى العقد اللّيمفاويّة.

يتمّ تقديم العلاج الإشعاعيّ بعد الجراحة وفقًا للحاجة - أي استخدام الإشعاع عالي الطاقة (الإشعاع المؤين)، لتدمير الخلايا السّرطانيّة الّتي تكون قد بقيت خارج الأنسجة الّتي أُزيلت بالجراحة، ولتقليل خطر تطوّر ورم جديد منها. عادةً يتمّ استخدام الأشعة إذا كان الورم الّذي تمّت إزالته كبيرًا جدًا، أو إذا انتشر أيضًا إلى العقد اللّيمفاويّة.

تحديد العلاج الدّوائيّ المصاحب لهذه الخطوات يتمّ حسب نوع سرطان الثّدي. مثلًا، وجود مستقبلات هرمون الأستروجين والبروجستيرون يتطلّب عادةً علاجًا هرمونيًّا. في حالات أخرى، قد تتلقّى المصابات علاجًا مناعيًّا إذا كان مناسبًا لهنّ - وهو علاج بيولوجيّ يستهدف جزيّئًا محدّدًا من الورم، والغرض منه هو تحفيز خلايا الجهاز المناعيّ، على التّعرّف على الخلايا السّرطانية ومهاجمتها. أمّا بقيّة المصابات، يتمّ اقتراح العلاج الكيميائيّ لهنّ - وهو علاج دوائيّ يكون أقلّ تحديدًا، ويدمّر بشكل خاصّ الخلايا الّتي تنقسم بسرعة كبيرة وبطريقة غير مراقَبَة، أي الخلايا السّرطانيّة.


استئصال جراحي كامل للورم، يزيد بشكل كبير من فرص الشفاء. على اليمين: استئصال كامل للثدي. على اليسار: استئصال جزئي للثدي. | Pradit.Ph, Shutterstock

علاج ملاءم بشكل شخصيّ

إنّ الخبرة الّتي تمّ اكتسابها على مدار سنوات عديدة، في أبحاث وعلاجات السّرطان تُعلِّمنا أنّ خصائص الأورام تختلف من شخص إلى آخر، ومن مريض إلى آخر. لذلك فإنّ استخدام الطبّ الملاءَم بشكل شخصيّ، آخذ بالانتشار في السّنوات الأخيرة - علاجات تأخذ بالحسبان الخصائص الشّخصيّة للمريض أو المريضة ومرضهما.

"العلاج الملاءَم بشكل شخصيّ موجود منذ ما يقارب العشرين عامًا، ونحن نلائِم العلاج مع خصائص ورم المريضة". هذا ما تقوله طبيبة الأورام كيرِن ليفانون، الّتي ترأس مختبر أبحاث سرطان المبيض، في مستشفى شيبا في تل هشومير. "في كثير من الحالات، يعتمد اتّخاذ القرار لدينا على الاختبارات الجينيّة، إلى جانب اختبار مستوى البروتينات مثل HER2، أو استخدام العلاج الهرمونيّ، في حال وجود مستقبلات لهرمونات الأستروجين والبروجستيرون في الخلايا السّرطانيّة. مع ذلك، فإنّنا ما زلنا نجد صعوبة بالتّنبّؤ بالعلاج الكيميائيّ المناسب، الّذي قد يستجيب له ورم معيّن بأفضل طريقة ممكنة".

يدرك الباحثون اليوم أنّ الورم السّرطانيّ هو عمليّة معقّدة، وهو أكثر بكثير من مجرّد مجموعة من الخلايا السّرطانيّة، من مصدر متماثل تنقسم بشكل غير مراقَب. تُضيف ليفانون: "لدينا قدرة محدودة للغاية على التّنبّؤ عند مَن مِن النساء اللّواتي تمّ تشخيص إصابتهنّ بسرطان موضعيّ، سيظهر سرطان نُقيّلي في المستقبل، وكيف بالإمكان تقليل خطر حدوث ذلك. حاليًّا، مجموعة الأدوات المتاحة لنا محدودة جدًّا".

توضّح الباحثة تامي جيجر من معهد وايزمان للعلوم، أنّ بيئة الورم تحتوي أيضًا على خلايا من الجهاز المناعيّ، وعلى أنسجة ضامة وأوعية دمويّة، ووجود كلّ ذلك يؤثّر على تطوّر السّرطان، وتقول: "نحن نحاول فهم كيفيّة تأثير هذه الخلايا على الورم وكيف تزيد من تعقيده، حيث يكون كلّ ورم مكوَّنًا عمليًا من عدة مجموعات مختلفة من الخلايا السّرطانيّة. إنّ التّكنولوجيا المعاصرة لعلم الجينوم (دراسة الطّفرات) وعلم البروتينات (دراسة البروتينات)، تسمح لنا بفحص آلاف الجينات وآلاف البروتينات، وتحديد آليّات جديدة لمقاومة العلاجات".


علاج ملائَم بشكل شخصيّ: عقار تراستوزوماب يرتبط ببروتينات HER2 الموجود على سطح الخلايا السرطانية، ويُعطى فقط للمصابات اللواتي يحتوي ورمهنّ على هذه البروتينات. تركيب عقار تراستوزوماب (هيرسبتين) | المصدر: Molekuul / Science Photo Library

ورم ثلاثيّ الأبعاد في المختبر

تطوّر إضافيّ في العلاج الملاءَم بشكل شخصيّ، والّذي من شأنه أيضًا أن يساعد مريضات سرطان الثّدي، هو القدرة على الاحتفاظ بالأورام السّرطانيّة في طبق المختبر لفترة طويلة، لدراستها وهي خارج الجسم. إحدى الشركات الرّائدة اليوم في هذا المجال الجديد هي شركة Curesponse، الّتي يعتمد عملها على التّطوير الّذي تمّ إجراؤه في مختبر رافيد شتراوسمان في معهد وايزمان للعلوم.

تتيح هذه التّقنية اختبار مجموعة متنوّعة من العلاجات الممكنة على نسيج أصليّ، تمّت إزالته من جسم المريض أو المريضة، بواسطة أخذ خزعة أو عمل عمليّة جراحيّة. يتمّ تقسيم هذا النّسيج إلى عيّنات منفصلة، ​​وعلى كلٍّ منها يمكن استخدام نوع علاج واحد أو مجموعة أنواع من العلاجات الكيميائيّة أو البيولوجيّة، ومن ثمّ مقارنة درجة نجاح كلّ علاج في تدمير الخلايا السّرطانيّة. بالإضافة إلى ذلك، تخضع العيّنة للفحص الجينيّ، للكشف عن 57 جينًا ذا أهمّيّة طبّيّة.

التّحدّي الكبير هنا هو الإبقاء على عيّنة الورم حيّة، بشكلها ثلاثيّ الأبعاد، طوال الأيام اللّازمة لاختبار تأثير الأدوية عليها. تحاول الشّركة حلّ هذا التّحدّي من خلال تطوير بروتوكولات ملائِمة. يشمل الورم الموجود خارج الجسم على خلايا الجهاز المناعيّ للمريضة، وهي الخلايا الّتي كانت موجودة في بيئة الورم عند أخذ العيّنة، ولذلك فإنّ الورم يستطيع تمثيل البيئة الّتي تعمل فيها الأدوية بصورة أفضل، وبشكل حقيقيّ في الجسم الحي للمريضة.


مُصمّم لتدمير الخلايا السرطانية التي تكون قد بقيت على حواف الأنسجة التي أُزيلت جراحيًا، لتقليل خطر ظهور ورمٍ جديد منها. علاج بواسطة الأشعة | Mark_Kostich, Shutterstoock

شركاء الورم الأحياء

تعيش أعداد كبيرة من البكتيريا في أجزاء كبيرة من أجسامنا، خاصّة في الأمعاء وعلى الجلد، ولكن على مدار سنوات عديدة، اعتقد معظم الباحثين في مجال السّرطان أنّ الأورام تشمل خلايا بشريّة فقط. خلال العقد الماضي تغيّرت الصّورة بشكل جذريّ، عندما أظهرت عدّة مجموعات بحثيّة، أنّ الورم الواحد قد يحتوي على ملايين البكتيريا من عشرات الأنواع. أكبر مجموعة بكتيريّة وأكثرها تنوّعًا، تم اكتشافها تحديدًا لدى المصابات بسرطان الثّدي. أظهر الباحثون أنّ المجموعة المتنوّعة من البكتيريا الموجودة في أنسجة الورم، أكثر بكثير من تلك الموجودة في أنسجة ثدي سليمة.

بالإضافة إلى البكتيريا، تمّ العثور أيضًا على عدة أنواع من الفطريّات داخل الأورام السّرطانيّة. يُظهر البحث أنّ هويّة أنواع الفطريّات الموجودة في الأورام ليست من قبيل الصّدفة، وأنّ هناك فطريّات معيّنة تكون مرتبطة بأنواع معيّنة من السّرطانات، بل وتؤثّر على فرص شفاء المرضى. لدى مصابات سرطان الثّدي، وُجد مثلًا أنّه عندما يتمّ العثور على فطر مالاسيزيا جلوبوزا (Malassezia globosa) - الموجود بشكل عاديّ على جلدنا - داخل الورم، فإنّ معدّل وفاة المصابات يكون أعلى بشكل أكبر.

يُعدّ سرطان الثّدي أحد أكثر الأمراض الّتي يتمّ بحثها في العالم، لكن وإلى اليوم، فإنّ العديد من الأسئلة حوله تنتظر الإجابات عليها - مثلًا، ما الّذي يميّز المصابات اللّواتي عاد مرض السّرطان الموضعيّ لديهنّ لاحقًا كسرطان نُقيّلي، وكيف يمكن حمايتهنّ من ذلك؟ أمّا في مجال العلاج المناعيّ، فقد بدأنا للتوّ في فهم كيفيّة تسخير الجهاز المناعيّ، لمحاربة الورم السّرطانيّ بشكل أفضل. لذا ما يزال هناك الكثير ممّا يجب البحث فيه وفهمه.

 

0 تعليقات