دخل تحليل الصّور والتّعلّم الآليّ مجال الطّبّ منذ عقود. يمكن لمثل هذه الأدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعيّ الأخرى تحليل كمّيّات كبيرة من المعلومات والمساعدة في تشخيص الأمراض وحتّى في الأبحاث - ولكن لها محدوديّة أيضًا

بدأ استخدام الذّكاء الاصطناعيّ في مجالات الطّبّ عندما كان مجال الذّكاء الاصطناعيّ في مهده، أو على الأقلّ في "فترة بلوغه". بدأ الباحثون في دمج التّعلّم الآليّ فعليًّا في السّبعينات - وهو حقل فرعيّ من الذّكاء الاصطناعيّ - في بحث المشكلات الطّبّيّة. تمّ استخدام المعالجة الآليّة للصّور، المشتقّة من عالم الذّكاء الاصطناعيّ، في تشخيصات الحواسيب منذ الثّمانينات. أصبحت هذه التّقنيّات والتّطبيقات الأخرى للذّكاء الاصطناعيّ، الّتي تمّ تطويرها وإتقانها على مدى العقود الماضية، اليوم جزءًا لا يتجزّأ من مختلف مجالات العلوم الطّبّيّة.


الذّكاء الاصطناعيّ هو أداة فعّالة في العديد من المهام. روبوت ورجل يتبادلان السّلام | ndrey_Popov, Shutterstock

ماذا تخفي الصّورة؟

تعتمد العديد من التّشخيصات الطّبّيّة على تفكيك صور التّصوير التّشخيصيّ الطّبّيّ وتفسيرها مثل الأشعة السّينيّة، التّصوير المقطعيّ (CT) والتّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI). يتمّ التّشخيص من قبل أطباء متخصّصين في تفسير صور التّصوير التّشخيصيّ، وتحديد التّشخيص الطّبّيّ المحدّد. أيّ، لفكّ رموز صور التّصوير التّشخيصيّ، وتحديد التّشخيص الطّبّيّ بناءً عليها، هناك حاجة إلى رجل أو امرأة محترفين خضعوا لتدريب مكثّف.

في السّنوات الأخيرة، بدأ استخدام التّطوّرات التّكنولوجيّة في مجال التّعلّم الآليّ، لتحليل صور التّصوير الطّبّيّ - بنجاح باهر. يتمّ إجراء التّشخيص المبكّر لسرطان الثّدي، على سبيل المثال، بمساعدة الأشعة السّينيّة لأنسجة الثّدي، والتي تسمى تصوير الثّدي الشّعاعيّ (Mammography). نجحت خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ  في تحديد المناطق المشبوهة في صور تصوير الثّدي الشّعاعيّ، ممّا ساعد الأطباء على إجراء تشخيصات دقيقة. في التّجارب الّتي استعان الأطباء بالذّكاء الاصطناعيّ لتشخيص سرطان الرّئة، حقّقوا معدّل خطأ أقلّ عندما أشار الذّكاء الاصطناعيّ إلى مناطق مشبوهة في الصّور الشعاعيّة.

في مجال علم الأمراض أيضًا، حيث يقوم الأطباء بفحص عيّنات من أنسجة جسم المرضى، وجد أنَّ التّحليل المحوسب يمكنه تحقيق فائدة كبيرة. في الماضي، نظر الأطبّاء إلى عيّنات الأنسجة من خلال المجهر. اليوم، يتمّ فحص الأنسجة باستخدام الوسائل الرّقميّة، ويمكن أن تساعد المعالجة الحاسوبيّة للمعلومات الموجودة في الصّور في عمليّة التّشخيص.

يتمّ تشخيص الأمراض ليس فقط على أساس صور عاديّة، إنّما أيضًا على أساس مقاطع الفيديو: يتمّ تشخيص أمراض القلب والأوعية الدّمويّة، على سبيل المثال، بمساعدة مقاطع فيديو تخطيط صدى القلب الّتي تسجل نشاط القلب. تستطيع خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ الّتي تحلّل مقاطع فيديو مخطّط صدى القلب، اكتشاف الفروق الدّقيقة بين دورات ضربات القلب وقياس وظائف القلب، والتّحذير من حالات قصور القلب.

يمكن أن يساعد الذّكاء الاصطناعيّ أيضًا أثناء الاختبار نفسه.على سبيل المثال، تنظير القولون، هو اختبار حسّاس يتمّ فيه إدخال كاميرا صغيرة في الجزء السّفليّ من الجهاز الهضميّ، ويتمّ فحص جدرانها لتحديد مكان الآفّات. أثناء الاختبار نفسه، يمكن أخذ عيّنة من أنسجة الأمعاء في المناطق المشتبه بها، واختبار هذه العيّنات لاحقًا. تعمل أنظمة المساعدة المحوسبة أثناء الفحص على تحديد الآفّات الصّغيرة للغاية، والّتي يصعب على الأطباء تمييزها.

كان جيفري هينتون (Hinton)، أحد آباء الذكاء الاصطناعيّ الحديث، سابقًا لعصره في ثقته بقدرات هذه الآليّة. في مؤتمر عقد في عام 2016، دعا هينتون إلى إنهاء تدريب أطباء الأشعة. من الواضح - كما زعم - أنَّ الذكاء الاصطناعيّ سيتفوّق على قدرات أخصائيّي الأشعة، في غضون 5 إلى 10 سنوات. في وقت لاحق، راجع هينتون توصيته: ليس من المجديِّ الاستسلام لأخصائيّي الأشعة، ولكن المضيّ قدمًا نحو وضع يقرأ فيه الذّكاء الاصطناعي صور التّصوير لأخصائيّي الأشعة.


يمكن أن يساعد الذّكاء الاصطناعيّ الأطباء في تشخيص الأمراض بناءً على صور التّصوير الطّبّيّ. صورة تصوير لمريض الرئة | Egor_Kulinich, Shutterstock

ليس بهذه السرعة

لكي يتعلّم النّظام القائم على الذّكاء الاصطناعيّ كيفيّة تحديد المناطق الهامّة في صورة طبية ما بشكل صحيح، يجب أن يتعلّم النّظام من العديد من الصّور، الّتي سبق وعالجها وصنّفها البشر هذه العمليّة التّعليميّة تسمّى "التّدريب". تستخدم خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ قواعد بيانات للصّور المصنّفة، لتحديد الأنماط أو القواعد الّتي يمكن تعميمها على الصّور الجديدة.

تختلف المراكز الطّبّيّة المختلفة عن بعضها البعض في المعدّات الّتي يستخدمونها لإنشاء الصّور التّصويريّة، وفي الظّروف البيئيّة الّتي يتمّ فيها التقاط الصّورة، وفي الطّريقة الّتي يميّز بها الأطباء الصّورة بعد تصنيفها، وأيضًا في خصائص السّكّان المُعالجة. أيّ اختلاف من هذا القبيل يمكنه أن يضرّ بقدرة التّعميم للخوارزميّة. قد لا تعرف بالضرورة الخوارزميّات المدرّبة على الصّور الّتي تنتج مستشفى ما كيفيّة التّعميم بشكل صحيح، على الصّور الّتي أُنتجت في مستشفى آخر. عندما يتمّ تدريب الخوارزميّة على مجموعات سكّانيّة معيّنة، فقد لا تكون بالضّرورة قادرة على التّعميم لفئات سكّانيّة أخرى، كانت قد عولجت في مؤسّسة طبّيّة أخرى.

حتّى العلامات المستخدمة في المؤسّسة الطّبّيّة قد تضرّ بأداء الخوارزميّات: على سبيل المثال، تعلّمت خوارزميّة معيّنة التّعرّف على صور سرطان الجلد، بمساعدة شريط موجود في الصّور حيث الورم فيها خبيثًا. يُعرّف هذا التّعلّم باسم التّعلّم "وفق الاختصارات المتبعة"، ويجعل الخوارزميّة أقلّ كفاءة عندما تواجه معلومات ذات طبيعة مختلفة قليلًا. لإدخال أدوات الذّكاء الاصطناعيّ في مركز طبّيّ ما، من الضّروريّ إعادة تدريب أو تكييف تدريب الخوارزميّة لهذه المؤسّسة بالذّات. لذلك، على المؤسّسة توفير مجموعة كبيرة من البيانات المصنّفة، مع تمييزها بدقّة ووضوح قدر الإمكان من الإضافات الزّائدة.

نؤكّد أنّه في مهام التّصنيف هذه، لا ينتج التّعلّم الآليّ معرفة جديدة لنا: إنّه يصنّف فقط وفقًا للأنماط الّتي حدّدها الأطباء في العيّنات مسبقًا. إضافة إلى ذلك، يمكن للأطباء تفسير سبب اتّخاذهم لقرار معيّن؛ بالمقابل، يعمل الذّكاء الاصطناعيّ في كثير من الحالات كنوع من الصّندوق الأسود، ومن الصّعب تفسير سبب اتّخاذ الخوارزميّات قرارًا معيّنًا.


خلال عمليّة التّدريب، يعتمد الذّكاء الاصطناعيّ على مجموعة كبيرة من التّصنيفات القائمة لتعلّم التّعميم على الحالات الجديدة. روبوت على كومة من الكتب يقوم بقراءة كتاب |  Vasilyev Alexandr, Shutterstock

أداة مساعدة، ولكن…

افترض الباحث وجراح الأعصاب أنطونيو دي ليفا (Di leva) قبل بضع سنوات، أنَّ الآلات لن تحلّ محلّ الأطباء، لكنّ الأطباء الّذين يستخدمون الذّكاء الاصطناعيّ سيحلّون محلّ الأطباء الّذين يتجنّبون استخدامه. حتّى إذا لم نرجِئ مهمّة التّشخيص للذّكاء الاصطناعيّ بالكامل، فهناك مهامّ فرعيّة يمكن إسنادها للذّكاء الاصطناعيّ، وتكون بمثابة أداة مساعدة فعّالة.

تشمل عمليّات معالجة صور التّصوير الطّبّيّ عدّة مراحل مختلفة من معالجة الصّور، بمستويات مختلفة من التّعقيد. تتضمّن معالجة الصور أيضًا تنظيف المعلومات الموجودة فيها من ضوضاء الخلفيّة، الّتي لا يمكن تجنّبها. من خلال إزالة ضوضاء الخلفيّة، يمكن لخوارزميّات التّعلّم الآليّ تحسين دقّة صور التّصوير الطّبّيّ وزيادتها. عندما تكون الصّورة جاهزة للتّشخيص، فإنَّ إحدى المهام الّتي يمكن القيام بها هي تحديد مجالات المهمّة.

تسمّى عمليّة تقسيم الصّورة إلى مناطق اهتمام بالتّجزئة (segmentation). يتطلّب تخطيط حركات القلب، على سبيل المثال، ترسيم أجزاء القلب، مثل البطينين والأذينين، لتقييم طبيعة نشاطهم. تتيح التّجزئة باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ التّرسيم ليس فقط على المستوى التّشريحيّ - للأعضاء، مثل غرف القلب - ولكن أيضًا على مستوى الأنسجة المرئيّة في صورة المجهر. تستطيع تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ، على سبيل المثال، تحليل صورة مجهريّة، وتحديد مناطق الأنسجة السّرطانيّة داخلها.

بعد عمليّة ترسيم الآفات وتحديدها، تأتي مهام التّصنيف (classification). يتمّ تدريب الخوارزميّات على تصنيف الآفّة، وتحديد ما إذا كانت حميدة أو سرطانيّة، وإذا كانت سرطانيّة، فما نوع السرطان. اليوم، يتمّ تدريب الخوارزميّات فعليًّا على تحليل صور الآفّات الجلديّة، وتصنيفها إلى أنواع مختلفة من سرطان الجلد، ذات مستويات الخطر المختلفة.


أيّ علامة إضافيّة في الصّورة بخلاف العيّنة أو الصّورة الطّبّيّة نفسها - قد تؤدّي إلى تدريب مغالط للخوارزميّة. صورة تصويريّة لمرض القلب التّاجيّ | kalewa, Shutterstock

التّنبّؤ بالمستقبل

تعتبر مهمّة التّنبّؤ، معقّدة وهامّة بشكلٍ خاصّ - على سبيل المثال، ما هو مستوى الخطر للمريض في ضوء التّشخيص، أو ما هو معدل تطوّر المرض. يحاول الباحثون تطوير ذكاء اصطناعيّ يمكنه التّنبّؤ بهذه الأمور. على سبيل المثال، استطاع الباحثون خلال دراسة معيّنة، تدريب الذّكاء الاصطناعيّ على تحليل صور التّصوير المقطعيّ المحوسب، وتحديد الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة بسرطان الرّئة مسبقًا، قبل عام إلى ستّ سنوات من ظهور المرض. وجد الباحثون أنَّ الخوارزميّة تكتشف الخصائص المعروفة بأنّها علامات مبكّرة لسرطان الرّئة. حتّى في حالة سرطان الثّدي، هناك علامات أوّليّة يمكنها أن تساعد في توقّع ارتفاع مخاطر الإصابة بسرطان الثّدي في المستقبل.

من الواضح، أنَّ المعلومات الطّبّيّة لا تقوم على صور التّشخيص فقط، إنّما أيضًا على مؤشّرات فحوصات الدّم، مثل مستوى السّكّر وعدد خلايا الدّم الحمراء؛ معلومات جينيّة من اختبارات الحمض النّوويّ DNA؛ أنواع البكتيريا المختلفة في أمعائنا وكمّيّاتها بواسطة اختبارات الميكروبيوم، وأكثر من ذلك. في دراسة أجرتها منظّمة الصّحّة الإسرائيليّة "كلاليت"، طوّر الباحثون نموذجًا تنبئيًّا ينبّه المرضى المعرّضين بشكل متزايد لخطر الإصابة بالفشل الكلويّ المزمن، في غضون بضع سنوات. تعمل الأبحاث على تطوير تنبّؤات لأمراض إضافيّة، مثل أمراض القلب، الأوعية الدّمويّة والسّكّريّ.

تعتبر هذه الأدوات ذات أهمّيّة كبيرة: فهي قد تزوّدنا بتحذير مسبق من الأمراض الّتي قد يعاني منها مريض معيّن، وتتيح تحضير وقاية وعلاج أفضل. مع ذلك، من المهم ملاحظة أنَّ التّنبّؤ المسبق يرتبط بالأمراض الّتي تتطوّر ببطء وبشكل تدريجيّ. هذا القيد يضيّق نطاق الأمراض الّتي تكون هذه الأدوات ناجعة له.


آلة ألعاب آليّة، تحوي مجموعة متنوعة من "التّنبّؤات" للمستقبل، تختار إحداها بشكل عشوائيّ عند تشغيلها، بينما يوفّر لنا النّموذج التّنبؤ الناجح تنبّؤًا أفضل بكثير من التّخمين العشوائيّ. آلة زولتار للتّنبّؤ في المستقبل  | Darryl Brooks, Shutterstock

صورة معقّدة

مع تطوّر التّكنولوجيا، أصبحنا قادرين على قياس المزيد من العوامل في الجسم، الّتي يتمّ علاجها بدرجة أكبر من الدّقّة. يصعب على البشر إدراك وجود علاقة بين متغيّرات متعدّدة؛ بالمقابل، لا تتأثّر الآلة بعدد المتغيّرات المختلفة الّتي تتلقّاها. تستعين دراسات مختلفة بقدرات الحاسوب، على تحليل كمّيّات كبيرة من المعلومات المتنوّعة، وتحديد العلاقات المعقّدة الّتي تشير إلى ظروف صحّيّة مختلفة. وهكذا، على سبيل المثال، وجدت دراسات مختلفة صلة بين خصائص شبكيّة العين، والّتي يمكن تحديدها بالصّور، وبين أمراض الكلى، أمراض القلب ومرض الزهايمر.

لكن من المهمّ الفهم أنَّ العثور على علاقة معقّدة لا يوفّر لنا فهمًا حقيقيًّا للنّظام البيولوجيّ، ناهيك عن حلّ أو علاج للمرض. يتيح لنا استخدام التّعلّم الآليّ مراعاة المتغيّرات المتعدّدة، وتحليل كمّيّات كبيرة من المعلومات، ولكن لتطوير طريقة للشّفاء، نحتاج إلى فهم مصدر المشكلة.

 

ما هو مصدر المعلومات؟

لكي يتعلّم نموذج الذّكاء الاصطناعيّ كيفيّة تصنيف المعلومات الطّبّيّة، وتقديم تنبّؤ موثوق بتطوّر الأمراض لدى المريض، يجب أن يتلقّى معلومات دقيقة وغير متحيّزة. كما ذكرنا، فإنَّ مسبّبات التّحيّز موجودة في كلّ مكان، من المعدّات المستخدمة لأخذ العيّنة، من خلال الشّخص الّذي يقوم بمعالجة العيّنة، وصولًا للمجموعة السّكّانيّة الّتي تمّ أخذ العيّنة منها. أحد التّحيّزات الكبيرة الّذي تميّز المعلومات الطّبّيّة الصّادرة عن المستشفيات والمراكز الطّبّيّة، أنَّ أولئك الذين يذهبون أصلًا إلى الطبيب، ربّما لم يعودوا في الخطّ الصّحّيّ. معظمنا لا يذهب لإجراء الفحوصات الطّبّيّة بدون سبب، خاصّة في حالات الأمراض النّادرة.

هناك أمراض يزداد الوعي اتّجاهها، مثل سرطان الثّدي، من خلال حملات سنويّة تحثّ الجمهور على فحصه. ولكن حتّى في هذه الحالة الاستثنائيّة، من الواضح أنَّ الأشخاص الّذين لديهم إمكانية وصول أقلّ للفحوصات سيفحصون أقلّ. قد يؤدّي هذا إلى تقليص العيّنات المأخوذة من هذه المجموعات. يتفاقم ضرر نقص المعلومات عند التّطرّق إلى الأمراض النّادرة. لسدّ هذه الفجوة، تقوم العديد من المشاريع بتخزين المعلومات الطّبّيّة على مدى طويل، لأكبر عدد ممكن من المجموعات العشوائيّة من المتطوّعين. تحوي قاعدة البيانات البريطانية UK Biobank معلومات من نصف مليون متطوّع، ابتداءً من عام 2006. في إسرائيل، يتمّ جمع البيانات الطّبّيّة في قواعد بيانات مختلفة، مثل قاعدة البيانات الوطنيّة "الفسيفساء" ومشروع 10K.


تتيح مجموعة من المؤشّرات المختلفة من العديد من الأشخاص، البحث عن العلاقات المعقّدة في الظّواهر الصّحّيّة. رسم توضيحيّ لتكامل التّكنولوجيا وتحليل البيانات لصالح الطّبّ | ArtemisDiana, Shutterstock

اختلافات صغيرة لكنّها نموذجيّة

لا يكفي جمع البيانات من عامّة السّكّان وتحليلها، وبناءً عليها التّعامل مع الأفراد من المرضى. كلّ واحد منّا لديه مؤشّرات نموذجيّة تقع ضمن النّطاق الطّبيعيّ لنا، عندما نكون بصحّة جيّدة. يمكن أن يشير الانحراف عن هذه الحالة الطبيعيّة إلى مرض أو حالة طبّيّة غير طبيعيّة. يمكن أن يكون التّباين في السّكّان، أي الفرق في المؤشّرات بين شخص وآخر، كبيرًا جدًّا.

 قد تظهر قيمة غير عادية في فحص دم المريض نسبةً لباقي السّكّان، ولكنّها ليست غير عادية نسبةً للحالة الصّحّيّة للمريض؛ على العكس من ذلك، من الممكن أن تظهر فيه قيمة ضمن النّطاق الطّبيعيّ، بالنّسبة إلى متوسّط ​​جميع السّكّان، ولكنّها غير عاديّة جدًّا بالنّسبة للمريض. أي أنّ التّباين الكبير في عدد السّكّان قد يخفي علامات الانحرافات، في الحالة الصّحّيّة لمريض معيّن.

للكشف عن تغيير غير عاديّ في مؤشّرات المريض، يجب متابعة الشّخص لفترة متواصلة، وتحديد الانحراف عن مؤشّراته الخاصّة به. يعدّ جمع المعلومات الشّخصيّة بشكل متواصل تحدّيًا بحدّ ذاته، في إسرائيل مثلًا، حيث ينتمي كلّ مواطن تقريبًا إلى صندوق صحّيّ منذ يوم ولادته، يتمّ تخزين سجلّاتهم الطّبّيّة بمرور الوقت؛ لكن هذا ليس هو الحال في معظم البلدان. تتيح التّكنولوجيا القابلة للارتداء مثل السّاعات الذّكيّة، اكتشاف الانحرافات في الحالة الطّبّيّة لمن يرتديها؛ تتيح السّاعات الذّكيّة التّجاريّة إمكانيّة مراقبة المؤشّرات المختلفة، بمساعدة جهاز مراقبة معدّل ضربات القلب، ومقياس التّشبّع (مستوى الأكسجين في الدم) وغير ذلك، وهكذا نبّهت مرتديها في الماضي بالمؤشّرات غير الطبيعيّة، وبالتّالي بتشخيص طبّيّ منقذ للحياة.


لا يشير الاختلاف الكبير في عدد السّكّان إلى خصائص مريض معين. تسليط الضّوء على عدد من الناس ضمن حشد | alphaspirit.it, Shutterstock

الإنسان مقابل الآلة

بالإضافة إلى تشخيص الحالات الطّبّيّة، يُستخدم الذّكاء الاصطناعيّ في العديد من المجالات الّتي تلامس فيها العلوم الطّبّيّة التّكنولوجيا. بعض هذه المجالات هي تطوير المعدّات الطّبّيّة، البحث عن الأدوية وتطويرها، القضايا النّظريّة مثل التّنبّؤ ببنية البروتينات والمزيد.

إلى جانب مزايا التّعلّم الآليّ، من المهمّ أيضًا تذكّر حدوده. إذا كانت عمليّة التّعلّم للذّكاء الاصطناعيّ تستخدم المعرفة الطّبّيّة الموجودة - على سبيل المثال، إذا كان من المعروف أنَّ بنية معينة من الأنسجة تشير إلى آفّة سرطانيّة - فإنَّ التّصنيف الّذي تقوم به الآلة يوفّر وقتًا ثمينًا للطّاقم الطّبّيّ، ولكنّه لا ينتج معرفة طبّيّة جديدة.

أكثر من ذلك: إنّ دمج أدوات الذّكاء الاصطناعيّ في النّظام الطّبّيّ ليس بالأمر السهل، كما أنّه يتطلّب استثمارًا للجهد والموارد. وأخيرًا، كما رأينا، على الرّغم من أنَّ التّعلّم الآليّ يسمح لنا بتحليل كمّيّات كبيرة من المعلومات، تتبّع العديد من المتغيّرات، تحديد العلاقات المعقّدة بينها والتّنبّؤ بالحالة الطّبّيّة للمرضى في المستقبل، إلّا أنّه لا يقدّم تفسيرًا لآليّة وراء هذه العلاقات.

للعثور على علاج للمشكلة الطّبّيّة نفسها، تحتاج إلى فهم الآليّة الّتي تسبّبها. يعدّ الذّكاء الاصطناعيّ أداةً ممتازةً، لتحسين قدرتنا على التّنبّؤ والتّشخيص والبحث، ولكنّه ليس بديلًا عن البحث والفكر البشريّ.

 

0 تعليقات