كيف أُقيمت الألعاب الأولمبيّة في العصور القديمة؟ كيف بُعثت إلى الحياة في العصر الحديث؟ وما هي مساهمة العلم في أكبر حدث رياضيّ في العالم؟

الألعاب الأولمبيّة، والّتي تُقام (تقريبًا) كلّ أربع سنوات منذ عام 1896، هي أحد الطّقوس الفخمة و طويلة الأمد، التي تجذب إليها أنظار العالم بأكمله. لكن كيف بدأت هذه الألعاب في العصر الحديث؟ من أين برزت الفكرة الأولمبيّة؟ وكيف أصبحت حدثًا مركزيًّا في الثّقافة الحديثة؟

ظهرت الألعاب في المرّة الأولى كجزء من المُسابقات الرياضيّة التي كانت تُقام على شرف الآلهة في اليونان القديمة. في الثّقافة اليونانيّة،  يُنسب إلى الآلهة تأثير كبير على جميع مجالات الحياة - ابتداءً بالظّواهرالطبيعيّة، وامتدادًا بأعمال البشر أنفسهم كالحُب، الحرب والفن. لطالما سعى البشر إلى إرضاء إرادة الآلهة: فقد بنوا لهم معابد فخمة، قاموا بتقديم الأضاحي لهم على شكل احتفالات شيّ اللّحوم، والتي تخلّلت تناول البشر - وليس الآلهة - لللّحوم المُضَحيّة. بالإضافة إلى ذلك، فقد أقام البشر مسابقات رياضيّة من أجل الآلهة.

كانت بعض هذه المسابقات محليّة: قرويّة أو مدنيّة، في حين أنّ بعضها الآخر كان عالميًّا (للعالم النّاطق لليونانيّة تحديدًا). وهذا هو سبب تسميتها بالألعاب العُموم يونانيّة.

كانت هناك أربع مُسابقات عُموم يونانيّة: الألعاب الناميّة، والتي أقيمت مرّة كلّ عامين في ناما تكريمًا لرئيس الآلهة زيوس؛ الألعاب البرزخيّة، والتي أُقيمت مرّة كلّ عامين تكريمًا لإله  البحر بوسيدون، وسمّيت على اسم البَرزخ، وهو جسر طبيعيّ ضيّق يربط بين بيلوبونيز وبقيّة اليونان؛ الألعاب البايثونيّة، والتي جرت في دلفي مرّة كلّ أربع سنوات تكريمًا للإله أبولو، وسمّيت بهذا الاسم لأنّ دلفي يُعدّ المكان الذي هزم فيه أبولو الأفعى الرّهيبة بايثون؛ والأهمّ من ذلك كلّه: الألعاب الأولمبيّة، والتي كانت تقام مرّة كلّ أربع سنوات، وهي أيضًا تكريمًا لزيوس.

أُقيمت الألعاب الأولمبيّة في أولمبيا، البعيدة عن جبل أوليمبوس، والذي يحتوي -وفقًا للأساطير- مساكن لأكثر اثني عشر آلهة أهمّيّة، والتي تُعرف أيضًا باسم الآلهة الأولمبيّة. أمّا أولمبيا فتضمّ مسكن زيّوس الفخم، والذي يُعتبر إحدى عجائب الدنيا السّبع في العالَم القديم.

אולימפיה: ערש המשחקים | צילום: Sahara Prince, שאטרסטוק
أولمبيا: مهد الألعاب | تصوير: ساهارا برينس, شاطرستوك

مجد وباقة من أغصان الزّيتون

تضمنّت تقاليد الألعاب الأولمبيّة في البداية مسابقة واحدة فقط: الجري لمسافة ملعب (ستاد)، أقلّ بقليل من مائتي متر. تمّ استخدام كلمة ستاد لوصف المكان الذي تقام فيه مسابقات عدْو، ومنذ ذلك الحين أصبحت الكلمة مستخدمة للمُسابقات الرياضيّة بشكل عام. وجد العالِم اليوناني إراتوستينس القيرواني، كبير أمناء مكتبة الإسكندريّة، والذي قام بحساب محيط الكُرة الأرضيّة منذ أكثر من 2000 عام، أنّ مُحيطها يعادل 252,00 ستاد، وهو ليس بعددٍ بعيدٍ عن العدد الحقيقيّ. إنّ سجلّات إراتوستينس التّاريخيّة للفائزين في مسابقات العدو في الستاد تقدّم تقديرًا بأنّ الألعاب الأولمبيّة أقيمت منذ عام 776 قبل الميلاد.

في وقت لاحق، تمّت إضافة العديد من مسافات العدوْ إلى الألعاب الاولمبيّة، إلى جانب سباق الذي كان المُتسابقون فيه مسلّحين بالدّروع والأسلحة. ثمّ أُضيفت المُلاكمة والمُصارعة، سباق العربات، وأخيرًا البنطالون - معركة خُماسيّة - التي تتضمّن بالإضافة إلى العدوْ والمُصارعة، القفز الطّويل، رمي الرّمح، ورمي القرص.

سُمح فقط للرّجال المُشاركة في الألعاب، وكان عليهم أن يكونوا يونانييّن وأحرارًا، أي ليسوا بعبيد. أُجريت المُسابقات بعُري تامّ مرّات عديدة. ومع ذلك، تُوثّق كُتب التّاريخ بعض النساء اللاتي فُزن في المُسابقات الأولمبيّة، لأنّه في مسابقة العربات لم يكن الفائز هو من تنافس بالفعل، بل مالك أو مالكة العربة.

لم يحصل الفائزون على ميداليّات، بل على باقة من أغصان شجرة الزّيتون التي نمت في فناء معبد زيّوس في أولمبيا. لم تكن هنالك جوائز للمركزيْن الثاني والثالث - فقط للفائزين. في الألعاب البايثونيّة، التي أقيمت على شرف أبولو، تلقّى الفائزون إكليلًا من أغصان شجر الغار المقدّسة له.

דגם של אולימפיה הקדומה מהמוזיאון הבריטי | צילום: מוויקיפדיה
وقف القتال الأولمبي في العالم اليوناني خلال الألعاب. نموذج أولمبيا القديم من المتحف البريطاني الصورة: من ويكيبيديا

كما يُطرح موضوع آخر مثير للاهتمام، أنّه كانت هناك اتفاقيّة عامّة لتعليق جميع الحُروب في العالَم اليوناني للسّماح للرياضييّن بالوصول إلى أولمبيا والعودة بأمان. قبل بدء الألعاب بأشهر قليلة، أُرسِلت بعثة من أولمبيا إلى جميع المُدن والقُرى للإعلان عن موعد الألعاب وبداية الهُدنة. لم يستمرّ حلم السّلام الأولمبيّ في العصر الحديث، حيث تمّ إلغاء الألعاب ثلاث مرات خلال الحروب العالميّة (1916، 1940، 1944).

واصل الرّومان، الذين سيطروا على العالم بعد تراجع هيمنة اليونان، العديد من التقّاليد اليونانيّة، بما في ذلك الألعاب الأولمبيّة التي كانت مُتاحة لمواطني روما الأحرار من جميع أنحاء الإمبراطوريّة. في القرن الرابع ميلاديًّا، استولى المسيحيّون تدريجيًّا على مناصب السُّلطة في الإمبراطوريّة الرومانيّة، وفي نهاية القرن قرّر الإمبراطور ثيودوسيوس الأوّل تحريم الدّيانة الهيلينيّة، ومعها العادات "غير الشرعيّة" التي رافقتها، كالمُسابقات الرياضيّة (العارية!)، ووضع حدٍّ للألعاب الأولمبيّة. وهكذا انتهى تقليد طويل وفخم بعد قرابة 1200 عام.
 

إحياء ثقافة قديمة

وهكذا مرّ ما يُقارب ألف عام من الابتعاد عن التّقاليد اليُونانيّة تحت أجنحة المسيحيّة الأوروبيّة. كان أحد براعم التّغيير، اكتشاف الطّباعه، أو بصورة أدقّ، تطوير الاختراع بواسطة يوهان جوتنبرج. في وقت قصير نسبيًّا، أصبحت الكتب منتجًا شائعًا وغير مكلف إلى حدّ كبير، وأصبحت القراءة مُتاحة للكثيرين، وعلى مرّ السنين ظهرت العديد من الكُتب المُترجمة. وهكذا، انكشف المزيد من الناس على كتابات الثقافة اليونانية الفخمة، بما في ذلك فكرة الألعاب الأولمبيّة، التي تُوحّد العالَم لبضعة أشهر.

من بين الأشخاص الذين تأثّروا بشكل خاص بقصص اليونان القديمة كان الصّحفي والشّاعر اليُوناني بانايوتيس سوتسوس، المولود عام 1806. كانت اليونان في القرن التّاسع عشر بلدًا فقيرًا ومُمزّقا من الحرب، وكان سوتسوس يظنّ أنّ فكرة تجديد الألعاب الأولمبيّة هي بمثابة طريقة رائعة لاستعادة مجد الثّقافة اليونانيّة. نشر سوتسوس الفكرة لأول مرّة في قصيدة كتبها، ثمّ في مقال صحفيّ اقترح فيه تجديدها، وأخيرًا في رسالة إلى الملك أوتو، أو أوتون (1867-1815)، أوّل حاكم لليونان بعد استقلالها. لكن الملك، الذي كان أميرا بافاريًّا والذي عُيّن بموافقة السلطات، كان مُنهمكًا في الحُروب والصّراعات، وكان يخشى أيضًا التكلفة العالية لاستئناف الألعاب الأولمبيّة في بلده الفقير، لذلك لم يفعل شيئًا.

هنا دخل إلى الصّورة رجُل العَقارات إيفانجيلوس زاباس، يونانيّ الذي جمع ثروته في رومانيا. عندما سمع زاباس فكرة سوتسوس بتجديد الالعاب الاولمبيّة، قام بتمويل بناء ستاد جديد في أثينا، وفي عام 1859 أُقيمت فيه الألعاب الأولمبيّة الأولى في العصر الحديث، أكثر من 1400 بعد إبطالها على يد القيصر ثيودوسيوس.

כרטיס למשחקים האולימפיים של 1859. הרפתקה ללא המשך | צילום: ויקיפדיה, נחלת הכלל]
تذكرة دخول إلى دورة الألعاب الأولمبية 1859. | الصورة: ويكيبيديا ، المجال العام

في ذلك الوقت، كان يسكن مُعجب آخر بالثّقافة اليونانيّة القديمة في الطرف الآخر من أوروبا، وهو الدكتور ويليام بيني بروكس، الذي كان طبيبًا لمدينة وينلوك في شرق إنجلترا. وكان بروكس أيضًا قاضيًا، صيدلانيًّا، باحث أعشاب هاوٍ ومعلمًّا. وأقام بروكس حركة شبابيّة التي شملت فرق رياضيّة، وأطلق عليها اسم "النّادي الأولمبيّ". في عام 1850 قام بتنظيم مسابقات رياضيّة لشباب من المنطقة، وأطلق عليها اسم "العاب ولنوك الأولمبيّة". أُصيب بالحماس عندما قرأ في الصُّحف عن تجديد الالعاب الأولمبيّة في اليونان، وقام بإرسال مكتوب للقائمين عليها. وهكذا، فإنّ الفائزين في مسابقات 1859 حصلوا إلى جانب باقة الزّيتون التقليديّة، على جائزة قدرها عشرة جنيهات إسترلينيّة، هدية من الجمعيّة الأولمبيّة في ولنوك- إنجلترا.

חזון של אדם אחד | צילום: JJonahJackalope, ויקיפדיה
نصب تذكاري لبيير دي كوبرتان. رؤية شخص واحد| الصورة: JJonahJackalope ، ويكيبيديا

البارون الفرنسيّ

لم تُحقّق أولمبيادة 1859 نجاحًا كبيرًا. حيث لم تحضر أحشاد الجمهور، ولم يكن هناك من يواصل التّقليد: تُوفّي زاباس في عام 1865 وتوفي سوتسوس بعد ثلاث سنوات. كما أنّ جهود بروكس الحثيثة لتحويل ألعاب ولنوك إلى حدث وطنيّ أو دوليّ لم تجدي نفعًا. كان أحد الأسباب هو إصراره على أن تكون الألعاب مُتاحة للجميع، دون اختلافات طبقيّة، وهو مطلب لم يلقَ قبولًا جيّدًا في إنجلترا في عصره.

بعد أربع سنوات من هذه الألعاب، في عام 1863، وُلد في العاصمة الفرنسيّة باريس بيير دي فيردي، المعروف باسمه الأرستقراطيّ: البارون بيير دي كوبرتين. كما يمكن الاستنتاج من لقبه، فإنه ينحدر من عائلة ثريّة للغاية. كان أيضًا طالبًا متميّزًا، ما جعل بإمكانه اختيار المجال المهنيّ الذي يُحبّ: عسكريّ، سياسيّ، تجاريّ والمزيد. لكنّه جُذب إلى مجال التّربية، وخاصّة التربية الرياضيّة.

اعتقد دي كوبرتين أنّ لتعليم النشاط البدنيّ للأطفال أهمّيّة كبيرة لهم وللمُجتمع، وتأثّر كثيرًا بالأنشطة الرياضيّة المُتعدّدة التي كانت تُمارس في المدارس في إنجلترا المُجاورة. خلال زيارته هناك في عام 1890 التقى بالدكتور بروكس الذي كان يبلغ من العمر 81 عامًا، وقد أُعجِب كثيرًا بألعاب ولنوك ومن خُطط بروكس الخفيّة لتحويلها إلى حدث دوليّ على شاكلة الألعاب الأولمبيّة القديمة. عند عودته إلى باريس، استخدم دي كوبرتين أموال وعلاقات عائلته لتشكيل رابطة تشمل ممثّلين من جميع أنحاء العالم. كانت تُسمى اللّجنة الأولمبيّة الدّوليّة، وتولّت مُهمّة استئناف الألعاب.

بعد ستّ سنوات، في عام 1896، افتُتحت الألعاب الأولمبيّة المُتجددة في أثينا. اشترك بالألعاب رياضيّون من 14 دولة، تنافسوا فيما بينهم في أنواع رياضة. كانت الظّروف مُختلفة تمامًا عمّا هو معتاد اليوم. مسابقات الجُمبازعلى سبيل المثال، أقيمت في ملعب مفتوح، وأُقيمت مُسابقات السّباحة في البحر، بين القوارب. كان جميع الرياضيين رجالًا، حيث اعتقد دي كوبرتين أنّ الرّياضة ليست صحيّة للفتيات.

هذه المرّة، على عكس المُحاولة الأولى، كانت هنالك استمراريّة للأولمبيادة. فقد أُقيمت مرّة أخرى بعد أربع سنوات، هذه المرّة في باريس، مع العديد من الفروع الرّياضيّة الأخرى. بعض هذه الفُروع لا تزال في البرنامج الأولمبي حتّى يومنا هذا،  كالإبحار والتّجديف، والبعض الآخر أستثني - مثل شدّ الحبل، الكريكيت والروجبي. كان من غير الممكن وقف التقدّم، حيث تمّ فتح بعد الفُروع الرّياضيّة للنّساء أيضًا. في البداية، اقتصرت مشاركتهن على عدد قليل من الفُروع، ومع مرور السّنين توسّعت أكثر فأكثر.

نقش مُنظّمو ألعاب طوكيو 2020 على رايتهم إقامة ألعاب مُتساوية بين الجنسين: حوالي 49 في المائة من الرياضييّن هنّ نساء، شكل ألعاب الرّجال والنّساء متساوٍ، وعدد الأحداث المُختلطة التي يشارك فيها الرجال والنساء سويًّا تضاعف من تسعة في ريو إلى 18 في طوكيو. من بين أمور أخرى، تمّ إضافة السّباحة الحرّة وسباقات التّتابع للمجموعات المُختلطة، ومسابقات لمجموعات مُشتركة للرجال والنساء في الجودو، النّبالة والرماية.

טקס הפתיחה של משחקי ריו 2016ץ כסף גדול ושואו | צילום: Agência Brasil, מוויקיפדיה
حفل افتتاح ريو 2016 أموال كبيرة وعرض الصورة: Agência Brasil ، من ويكيبيديا

المُحترفون قادمون
على مرّ السّنين، تطوّرت الألعاب الأولمبّية، حتّى وصلت إلى مكانتها الحاليّة باعتبارها أعظم حدث تنافُسيّ في العالم. تبنّت الألعاب رموزًا ثابتة كالشّعلة الأولمبيّة والعلَم خُماسيّ الحلقات، شِعار (أسرع، أعلى، أقوى)، وجدول زمنيّ ثابت الذي يستمرّ لمدّة 16 يومًا بالضبط. تدريجيًّا، تمّ استبدال روح الهُواة الأصليّة بالاحتراف الرّياضي والتّأثير الهائل.

في أوائل خمسينيّات القرن الماضي، وتحديدًا منذ هلسنكي عام 1952، أصبحت الألعاب الأولمبيّة حدثًا أكثر تنظيمًا وذا طابع مؤسّسي، والأهمّ من ذلك - حدثًا اقتصاديًّا كبيرًا. يكمن سبب التغيير في عاملين رئيسييّن: أوّلًا، في العقود الأولى كانت الألعاب الأولمبيّة مُتاحة فقط للهُواة، الذين لم يعتاشوا من الّرياضة. على مر السنين، أصبحت الألعاب حدثًا احترافيًّا، و من النادر جدًّا اليوم رؤية فائزين لا يكرّسون حياتهم كلّها للرّياضة. العامل الثاني هو التّلفاز، الذي دخل الصورة في وقت مبكّر من عام 1936، ولكن فقط في خمسينيّات من القرن الماضي انتشر بما يكفي لإحضار الألعاب إلى كلّ منزل، أوّلًا في الغرب ومن ثمّ في جميع أنحاء العالم.

على مرّ السّنين، وبفضل الاهتمام العامّ الكبير بها، أصبحت الألعاب الأولمبّية عملاً تجاريًّا يدرّ مليارات الدّولارات في حقوق البثّ، الإعلانات التجاريّة، الرّعاية التّجاريّة والاستثمار في البُنية التّحتيّة في المُدن المُستضيفة. وحيث يتواجد المال، الشهرة، الفَخر الوطني والتّأثير، يريد الجميع النّجاح - ولأجل هذه الغاية يسخّرون العلم.

 

العُلوم في الاولمبيادة
ألعاب طوكيو 2020 هي الأولى في التّاريخ الحديث التي يتمّ تأجيلها بسبب وباء عالميّ. منذ اندلاع وباء COVID-19 منذ حوالي العام ونصف، كان هناك من طالب بإلغاء الألعاب تمامًا. بعد أن تقرّر تأجيلها لمدة عام، تمّ طرح العديد من الخُطوط العريضة بشأن حضور الجّمهور للألعاب، وفي النّهاية تقرّر أن تُقام الألعاب الأولمبيّة بدون جمهور على الإطلاق لأوّل مرّة في التاريخ.

لكن هذه ليست المرّة الأولى التي يعطّل فيها وباء الألعاب الاولمبيّة. قبل خمس سنوات فقط، تزامنت ألعاب ريو دي جانيرو 2016  مع حمى الزّيكا، وهو مرض تُسبّبه الفيروسات التي ينقلها البعوض. لا ينتقل المرض من شخص لآخر عن طريق التّنفس (ولكنه ينتقل أثناء العلاقات الجّنسيّة)، ولا يسبّب أعراضًا لدى الغالبيّة العُظمى من المصابين به. الخطر الرّئيسي هو على الأجنّة: عند إصابة المرأة الحامل بالفيروس، قد يعاني المولود من تأخّر في نُمو الّدماغ، ممّا يُؤدّي في بعض الحالات إلى تشوّهات شديدة لدرجة قد تؤدّي إلى موت الجنين. قبل أولمبيادة 2016 كانت هناك دعوات من خبراء لتأجيل المباريات، وألغى بعض الرياضيّين مشاركتهم بالمُسابقات بسبب الخوف من الوباء.

لم تكن ألعاب ريو أوّل من وقف في ظل وباء. أقيمت الألعاب الأولمبية في أنتويرب عام 1920، عشيّة الحرب العالميّة الأولى، وبالتّزامن مع وباء الإنفلونزا الإسبانيّة، الذي أودى بحياة عشرات الملايين من الناس. على الرغم من أنّ الوباء لم يؤثّر على ما يبدو بشكل مباشر على المسابقات، إلا أنّه أخّر استعادة المدينة من الحرب، وبناء المرافق الأولمبّية. نتيجةً لذلك، كانت المَسابح على سبيل المثال، امتدادًا مرتجلًا للخنادق التي خلّفتها الحرب.

 

تحسين الأداء
يمكن أن يقود استخدام المبادئ العلميّة الرياضييّن إلى إنجازات أفضل. مثال على ذلك هو فرع القفز: في بعض الأحيان، أفضل تقنيّة للقفز بديهّية للغاية. على سبيل المثال، في نهاية القفز لبُعد، من المُفضّل مدّ السّاقين والذّراعين إلى الأمام قدر المُستطاع، لسحب مركز ثقل الجّسم للأمام. عند مقارنة رياضيّ حديث برسمة موجودة على جرّة يونانيّة قديمة، يمكن للمرء أن يرى أنّ التّقنية مُتشابهة جدًّا. في اليونان القديمة لم يفهموا هذا المبدأ فحسب، بل استخدموه أيضًا لتحسين النتائج: كان اللاعبون يمسكون بأوزان معدنيّة في أيديهم لزيادة شدّ أجسامهم للأمام.

טכניקת הקפיצה לרוחק כמעט לא השתנתה. | צילומים: Denis Kuvaev, שאטרסטוק; מתוך חרס יווני עתיק
تقنيّة القفز لمسافات لم تتغيّر تقريبا. | تصوير: دنيس كوايف، شاطرستوك، من فخّار اغريقي قديم.

في حالات أخرى، فإنّ أفضل طريقة للقفز أقلّ بداهة. حتّى قبل ما يُقارب الخمسين عام، كانت الأساليب الشّائعة في القفز العالي هي دحرجة البطن أو القفز المَقصّي، حيث يقفز الرّياضي ووجهه باتّجاه العارضة، محرّكًا إحدى ساقيه متبوعة بالأخرى. لكن في السّتينيات، طوّر القافز ديك فوسبيري من الولايات المتحدة أسلوبًا جديدًا - القفز إلى الوراء الذي جعل من الممكن الاستفادة بشكل أفضل من قوّة العضلات، والقفز إلى المُرتفعات دون تحريك مركز ثقل الجسم باستمرار. ساعدته هذه القفزة الغريبة في الفوز بالميداليّة الذهبيّة في ألعاب مكسيكو سيتي عام 1968، وسرعان ما تبنّى العالم بأسره هذا الأسلوب. في الواقع، منذ سنوات عديدة هذا هو أسلوب القفز الوحيد المُعتمد في مسابقات القفز العالي.

قفزة إلى الأمام بفضل القفز للوراء: علوم القفز حسب فوسبري (بالإنجليزية):

في مجال قفز آخر - القفز بالزّانة، يُستخدم العِلم على نطاق واسع لحساب المكان الدّقيق الذي يجب أن يحمل فيه الرّياضي الزّانة، وفي أي زاوية تثبيتها، ومكان لصقها في الأرض وأكثر من ذلك. وتُعتبر مجالات القفز مجرّد مثال واحد: في مجموعة متنوّعة من المجالات، بما في ذلك العدو، السّباحة، الجُمباز وغير ذلك، يستخدم الرّياضيّون نماذج مُحوسبة لتخطيط وممارسة حَرَكاتهم والاستفادة إلى أقصى حدّ من قوّتهم العضليّة من خلال الأسلوب الأمثل.

الهندسة والمواد
إلى جانب صقل تقنيّات الرياضييّن أنفسهم، يتمّ استثمار العديد من الجهود العلميّة والتّكنولوجيّة في تحسين معدّاتهم وملابسهم لمساعدتهم على تحسين الأداء. أحد الأمثلة الشّهيرة هو بدلات السّباحة المصنوعة من مادة البولي يوريثان التي دخلت حيّز الاستخدام في اولمبيادة بكين 2008 وساعدت السّباحين على تحطيم ما لا يقلّ عن رقمًا قياسيًا عالميًّا في المَسبح الأولمبي. طوّرت العديد من الشّركات البدلات، بقيادة سبيدو، مُستوحاة من بُنية جلد أسماك القرش وباستخدام أجهزة كالنّفق الهوائيّ. هذه البدلات مصنوعة من مادة كارهة للماء بشكل خاصّ، أي مادّة تُحافظ على الماء بعيدًا عن السّباح وتقلّل من الاحتكاك. كما أنّها صلبة نسبيًّا وناعمة جدًّا، بدون طبقات أو تجاعيد، وهي مصنوعة في الغالب من مادّة رغويّة تحتوي على فُقاعات صغيرة من الغاز تُسهّل على السباحين الطّفو على الماء. قلّلت البدلة بنسبة قليلة من الاحتكاك، السّحب والقوى الإضافية المؤثّرة على السّباحين في الماء، ممّا أدّى إلى تحسّن مُذهل في النتائج لدرجة جعلت الاتّحاد العالمي للسّباحة يُقرّر حظر استخدام مثل هذه البدلات في المُسابقات.

 

تصميم بإلهام جلد اسماك القرش. النّقاش حول البدلات الجّديدة، قبل بداية العاب بيجين:

كما أنّ تصميم وتخطيط المسبح نفسه مهمّ للغاية. من بين أمور أخرى، وُجد أنّ عمق ثلاثة أمتار يضمن أنّ معظم الأمواج التي تتكوّن خلال السّباحة لن تنعكس من القاع. تمّ تصميم الجدران أيضًا لامتصاص معظم الأمواج، لتقليل التيّارات التي من الممكن أن تُسبّب صُعوبة للسّباحين.

בריכת השחייה האולימפית בריו 2016 | צילום: Leonard Zhukovsky, שאטרסטוק
نسبح اسرع في المياه السّاكنة. لتخطيط البركة دور كبير في ضمان إنجازات افضل. بركة السّباحة الاولمبيّة في ريو 2016 | تصوير: ليونارد زوكوفسكي، شاطرستارك.

مجال السّباحة هو مجرّد مثال واحد. تلعب هندسة المواد والتّقنيات المُتقدمة دورًا رئيسيًّا في العديد من الصّناعات. فهي تُساهم في كلّ شيء تقريبًا، من الملابس المُبخِّرة للعرق، إلى القوارب وألواح التزلّج على الماء، من مسارات العدو الفعّالة والمُريحة إلى الأعمدة القويّة للقفز، ومن الدرّاجات الخفيفة والقويّة إلى النظارات الشمسيّة.

مكان خاصّ في التّكنولوجيا مخصّص للأحذية، وخاصّة أحذية العدو لمسافات متنوّعة. في السّنوات الأخيرة، تطوّر نقاش ساخن حول أحذية الجري الجديدة من شركة نايكي (Nike)، والتي يتميّز نعلها الفريد من نوعه بنابض خاصّ الذي من المُفترض أن يقلّل من فقدان الطّاقة عند مُلامسة الحذاء الأرض. يدّعي معارضو استخدام هذه الأحذية أنّها تعطي ميزة غير عادلة للعدّائين الذين يرتدونها، وأنّ المنافسة في هذه الحالة هي ليست بين الرياضيّين، إنّما بين مصنّعي الأحذية. حتّى أنّ البعض يسمّي هذه التقنيات "المنشّطات الميكانيكيّة"، حيث يدّعون بأنّ لا فرق بين استخدامها وتعاطي عقاقير تحسين الأداء.

تحسين أداء شرعي؟ مقال لجريدة وول ستريت حيال جدال الأحذية المُحسّنة للاداء:

المواد المحظورة
إنّ الأموال الكثيرة، الرّغبة في الشّهرة، والرّغبة القوية في الفوز في الأولمبيادة تُغري عددًا لا بأس به من الرياضيين لاستخدام المواد غير المشروعة أو علاجات تحسين الأداء. وتنقسم هذه المواد إلى عدّة مجموعات عامّة: المُنبّهات التي تعمل على الجهاز العصبي وتقلّل من الشعور بالإرهاق والألم. المواد المُعزّزة للنموّ، مثل الستيرويدات الابتنائيّة التي تُحاكي نشاط الهرمونات الطبيعيّة وتُساعد الرياضييّن على زيادة كتلة العضلات وكتلة العظام؛ والمواد المعزّزة للدم التي تسمح للجسم بضخّ المزيد من الأكسجين للعضلات وتحسين وظائفها.

أحد المواد التي تقوم بذلك هو هرمون إرثروبويتين أو باختصار ايبو، والذي يُشجّع على إنتاج خلايا الدم الحمراء. واحدة من أشهر الرياضيّين الذين وقعوا في فخّ الايبو، كانت اللّاعبة الأمريكيّة ماريون جونز التي فازت بثلاث ميداليات ذهبيّة واثنتين برونزيّة في دورة ألعاب سيدني 2000. لم تفشل جونز في اختبار المخدّرات أبدًا، لكن  قام الأشخاص الذين عملوا معها بالاعتراف بعد بضع سنوات بتقديم الايبو لها. تمّ استجواب جونز، حيث نفت كلّ شيء في البداية، ولكن في عام 2007 قامت أخيرًا بالاعتراف. تمّ سحب جميع الميداليات منها، وحُكم عليها بالسجن ستّة أشهر - ليس بسبب استخدام المواد المحظورة، ولكن بسبب كذبها في التّحقيق الفدرالي.

خسرت جميع ميدالياتها بسبب مواد ممنوعة. مريون جونس باكية، تعترف باستخدامها لـ EPO

من السهل نسبيًا اكتشاف معظم مواد تحسين الأداء لأنّها تتحلّل إلى مواد تبقى في الدم أو تُفرز في البول. طريقة محظورة التي يُصعب اكتشافها هي تبرّع الدم الذاتيّ: فالرياضيّ "يتبرّع بالدم"، ويتلقّى قبل المنافسة وجبة من دمّه مع تركيز عالٍ من الخلايا الحمراء. بهذه الطريقة يمكن تحسين تدفّق الدم إلى العضلات بشكل اصطناعيّ، دون إشراك مواد خارجيّة. يمكن أيضًا اكتشاف عمليّات الاحتيال هذه في بعض الاختبارات، على سبيل المثال عند قياس نسبة انبعاث الأكسجين وثاني أكسيد الكربون عند التنفّس.

بقدر ما هو معروف، فإنّ أشهر رياضيّ استخدم هذه الطريقة هو الدرّاج لانس أرمسترونج، الذي اشتهر بشكل أساسيّ بانتصاراته السّبعة في سباق فرنسا للدراجات، لكنّه فاز أيضًا بميداليّة برونزية أولمبيّة في سيدني 2000. في النهاية، مثل جونز، تمّ القبض عليه أيضًا بعد أن أبلغ شركاؤه عنه بالفعل، وتمّ سحب جميع ألقابه.

לאנס ארמסטרונג (בחולצה הצהובה) מנצח בטור דה פרנס ב-2004 | צילום: Marc-Pagani Photography, שאטרסטוק
التبرّع بالدّم الشّخصي ساهم ببناء مهنة فخمة، وادّى الى تدميرها. لانس ارمسترونج (القميص الأصفر)، يفوز بالطور دي فرانس في 2004 | تصوير: مارك بجاني، شاطرستوك

في بعض الأحيان، لا تكون مبادرة استخدام المواد المحظورة قرارًا خاصًّا لرياضي فرديّ، انّما سياسة متعمّدة لدولة تريد تحقيق إنجازات وطنيّة في الساحة الرياضيّة المرموقة. حيث أنّه في عام 2019 قرّرت الوكالة الدوليّة للوقاية من المخدّرات في الرياضة تعليق جميع الرياضييّن الروس من المُسابقات الدوليّة لمدة أربع سنوات، بعد أن كشف تحقيق أن السّلطات في البلاد أخفت عمدًا نتائج اختبارات المواد المحظورة. تمّ التوصّل في النّهاية إلى اتّفاق سمح لنحو 300 رياضيّ روسيّ لم يفشل في اختبار المواد المحظورة بالمنافسة تحت راية اللجنة الأولمبية الروسيّة، بدلًا من راية روسيا نفسها.

في مجال المواد المحظورة، هناك نوع من سباق التسلّح الذي يدور باستمرار بين العُلماء الذين يطوّرون بشكل دائم مواد فعّالة ومراوغِة لتحسين الأداء، والسّلطات التي تبحث عن مواد جديدة للحظر، وعن إيجاد طُرق للتعرّف عليها. التّحدي التّالي في هذا المجال هو ما يُعرف باسم المُنشّطات الجينيّة، أي العلاج الجيني المُصمم لتحسين سمات معيّنة، مثل إنتاج خلايا الدم الحمراء، بناء العضلات، أو نمو الأوعية الدموية الجديدة. هذه علاجات التي يصعب تشخيصها، وتُطرح أسئلة أخلاقيّة وفلسفيّة حول ما هو محظور، ما هو مسموح، وماذا تعني المُساواة في الرّياضة.

التصوير والقياس
لا تساعد التّحسينات التكنولوجيّة على تحسين أداء الرياضيّين فحسب، بل تساعد أيضًا في جعل الألعاب الأولمبيّة - والأحداث الرياضيّة الأخرى بالطبع - أكثر عدلًا. تتيح الكاميرات السّريعة للغاية بواسطة "الفوتو فينش" تحديد من وصل إلى خط النهاية أوّلًا، بدقّة تُقدّر بأجزاء مئويّة من الثّانية. تمّ استبدال أشرطة القياس في القفز الطويل في السنوات الأخيرة بمعدّات بصريّة متطوّرة ودقيقة، بينما تسمح مجموعة من تقنيّات التصوير الفوتوغرافيّ ومعالجة الكمبيوتر للحكّام بفحص القرارات، وحتّى تصحيحها في بعض الأحيان. على سبيل المثال تقنية VAR في ألعاب كرة القدم، أو تقنية عين الصّقر في ملاعب التنس وفي مجالات أخرى.

كما تساعد الجودة العالية للتصوير الفوتوغرافيّ في تحسين تغطية الألعاب. يمكن للمشاهدين في المنزل اليوم رؤية كلّ قطرة عرق على أجساد الرياضيين بواسطة تلفاز عالي الدّقة، والتّفاعل مع الأداء كما لو كانوا يجلسون بالقرب من الرياضيّين، أكثر من المتفرجين في الملعب أو القاعة. وبفضل التقنيات المتقدّمة للهواتف الذكية، لا يتعيّن على المشاهدين التواجد في المنزل، ويمكنهم مشاهدة الأحداث الأولمبية في أيّ مكان تقريبًا.

هل الكُرة في الخارج؟: شرح قصير عن التّكنولوجيا خلف جهاز عينيّ الصّقر

مجال بحث
أخيرًا، يعتمد العِلم بالطبع على الأبحاث، والألعاب الأولمبيّة نفسها هي أرض خصبة للبحث العلميّ. حيث نشرت دراسة في وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، أنّ للأحذية المُتقدّمة المذكورة سابقًا مساهمة حقيقيّة في تحسين الأداء على المدى الطّويل.

بحثت دراسة إسرائيلية نُشرت عام 2017 في المعركة على الميداليّة البرونزيّة في مسابقات الجودو. في هذه المعركة، يواجه الخاسر في الدور نصف النهائيّ الفائز في "بيت العزاء" المُخصّص للّاعبين الذين خسروا في المعارك الأولى. سعى الباحثون بقيادة داني كوهين زاده من جامعة بن غوريون وزئيف ستودينر من جامعة أريئيل، إلى فحص ما إذا كان هناك اختلاف في معدّلات نجاح أولئك الذين يأتون بعد الخسارة مقارنة بمن يأتون بعد الانتصار. ووجدوا أنّه عند الرّجال، في ثلثي المعارك على الميدالية البرونزيّة، فاز من صعد من "بيت العزاء،" أي من كان بعد انتصار، بينما لم يكن هناك فرق في معدّل الانتصارات لدى النساء. السّبب بحسب اعتقادهم هو الاختلافات في مستويات هرمون التستوستيرون الذكريّ بعد الخسارة أو بعد الفوز.

قبل دورة ألعاب ريو دي جانيرو 2016، نشرت مجلة Nature مراجعة للدّراسات التي تتناول الرياضات الأولمبية، والتي تبيّن من خلالها أنّ الاهتمام العلميّ بالألعاب الأولمبيّة قد ازداد على مرّ السنين. ومع ذلك، حتّى في ذروة الاهتمام العلميّ بالرياضات الأولمبية، فإنّ الدّراسات في المجال لا تمثّل سوى حوالي مائتيّ بالمائة من جميع الأبحاث العلميّة في العالم. قد يرتفع هذا الرقم قليلًا في أعقاب ألعاب طوكيو الحاليّة، مع دراسات تبحث في آثار تأجيل المباريات بعام، التّعامل مع المدرجّات الفارغة، العزلة بين المُسابقات، وبالطّبع العدوى بالكورونا في المسابقات الرياضيّة.

 

 

شكرًا لبروفيسور اندريا روطشطين من قسم التّعليم الكلاسيكي في الجامعة العبرية بالقدس، لملاحظاتها المفيدة للمقال.

0 تعليقات