قام باحثون من السُّويد بزراعة الفطر على النّفايات العُضويّة، صنعوا منه هلامًا، ثمّ جفّفوا الهلام ونسجوا منه خُيوطًا. هل ستزدهر صناعة النّسيج من الفطر؟
تُعتبَر صناعة الأزياء واحدةً من أكثر الصّناعات تلويثًا للبيئة في العالم، وتزداد أكثر فأكثر أهمّيّة وجود حلول مستدامة من شأنها تقليل الضّرر البيئيّ النّاجم عنها. إنّ المشاكل الرّئيسيّة في هذه الصّناعة تكمنُ في استخدام الموادّ الاصطناعيّة من البترول، الملوّثة للمياه، والّتي تستهلك كمّيّات كبيرة من المياه، ويصعب إعادة تدويرها، كما ويُطلَق منها البلاستيك المجهريّ إلى البيئة البحريّة. وفي الوقت ذاته، فإنّ مشكلة هدر الغذاء العالميّة آخذة كذلك في التّفاقم. فالكثير من الطّعام، وخاصّة الخبز، ينتهي به الحال في مكبّات النّفايات. كما أنّ عمليّة معالجة النّفايات الغذائيّة قد تكون ملوِّثة أيضًا، وينتُج عنها الكثير من غاز الميثان، وهو أحد أهمّ غازات الدّفيئة (غازات الاحتباس الحراريّ). على خلفيّة هذا الوضع، اقترحت دراسة نُشرت مؤخّرًا نهجًا مُبتكرًا لاستخدام نفايات الطّعام من أجل إنشاء موادّ نسيجيّة مُستدامة.
تتكوّن الأقمشة في صناعة النّسيج من ألياف البوليمر الّتي يتمّ نسجها في رقعة متّصلة. يمكن استخلاص هذه البوليمرات من الطّبيعة، كما هو الحال في الأقمشة القُطنيّة أو أقمشة الكتّان، ويمكن إنتاجها بطرق صناعيّة، على سبيل المثال: في أقمشة البوليستر الماصّة للعرق. في الدّراسة الحاليّة، يقترح الباحثون من جامعة بوراس في السُّويد نَسْج الألياف من فطريّات العفن، فطريّات من نوع Rhizopus delemar.
الموادّ الموجودة في جدار الخليّة الفطريّة مناسبة لإنتاج هلام ثابت وقويّ. صورة بالمجهر الإلكترونيّ الماسح، للهلام الّذي أنتجه الباحثون من العفن | من مقالة الدّراسة
نسيج- اللّبن
قام الباحثون بزراعة الفطر على بقايا الطّعام، بالأساس على نفايات الخبز، ثمّ بعد ذلك حوّلوه إلى هُلام. الهلام عبارة عن خليط سميك يتشكّل عندما تنتشر جزيئات صغيرة، مثل البوليمرات أو الجسيمات النّانويّة (Nanoparticles) في سائل، وتُشكّل بُنية ثلاثيّة الأبعاد تعمل على ثبات السّائل، مثلما نفعل في المطبخ مع نشا الذّرة أو الجيلاتين. تُستخدم الموادّ الهُلاميّة على نطاق واسع أيضًا في الطّبّ، مستحضرات التّجميل، صناعة الأغذية وغيرها من المجالات، لأنّها مرنة ولها بنية مستقرّة ويمكنها امتصاص السّوائل. في هذه الدّراسة، تمّ إنتاج الهلام من الكيتين والكيتوزان، وهي موادّ موجودة في جدار الخليّة في الفطريّات، ومعروفة بقدرتها على إنتاج هلام قويّ وثابت عند تعرّضها للأحماض. استخدم الباحثون حمض اللّاكتيك، الموجود أيضًا في اللّبن والجبن، غَزلوا خيوطًا من الهلام ثمّ جفّفوها. هكذا تمّ إنتاج الألياف.
تمكّن الباحثون من تطوير العمليّة إلى أبعاد صناعيّة، وإنتاج ألياف أطول وأقوى وأكثر متانةً ومرونة، بخواصّ ميكانيكيّة كتلك الّتي للألياف الطّبيعيّة، مثل الحرير أو الصّوف.
أحرزت الدّراسة تقدُّمًا في تطوير الألياف النّسيجيّة من الفطر، لكنّ الباحثين يوضّحون أنّ هناك حاجة إلى الكثير من العمل قبل أن يتمّ تطبيق الطّريقة على نطاق واسع في الصّناعة.إذ لا بدّ من تحسين مرونة الألياف لضمان ملاءمتها لمجموعة واسعة من التّطبيقات النّسيجيّة، واختبار متانة الألياف في مجموعة متنوّعة من الظّروف البيئيّة، مثل: الرّطوبة والأشعّة فوق البنفسجيّة، لضمان ملاءمتها للاستخدامات الصِّناعيّة المستقبليّة.
يقترح الباحثون مواصلة دراسة خصائص الهلام، واختبار أساليب جديدة لمعالجة الألياف وتعديلها، من أجل تحسين مرونتها دون المساس بقوّتها وخصائصها الأخرى.
يجب تحسين مرونة الألياف واختبار متانتها، ولكن هذه هي الخطوة الأولى. صورة لليف قام الباحثون بغزله من هلام الفطر. | من مقالة الدراسة
زراعة الملابس على النّفايات
يقترح الباحثون أيضًا استكشاف إمكانيّة استخدام وسائط أخرى أو نفايات الطّعام لزراعة الفطر. حيث أنّهم وبهذه الطّريقة، يسعون إلى تحسين كفاءة العمليّة وتوسيع إمكانيّات إعادة تدوير النّفايات، بالتّوازي مع إنتاج موادّ خام مُستدامة للمنسوجات. كما يؤكّدون في المقال على أهمّيّة تطوير التّعاون مع الصّناعات النّسيجيّة لتسريع الانتقال إلى تكنولوجيّات إنتاج مُستدامة، ودمج الألياف الجديدة في عمليّات الإنتاج الحاليّة.
إنّ هذا النّهج الّذي تمّ عرضه في المقال، المتمثّل في تطوير موادّ جديدة وإعادة تدوير النّفايات، يساهم في مكافحة تأثير صناعة الأزياء على البيئة، كما يقدّم طريقة مُستدامة لإعادة تدوير نفايات الطّعام. وهكذا، تساهِم هذه الدّراسة في تقدّم التّكنولوجيّات الّتي تقود إلى مستقبلٍ أكثر خضرةً، وتحسين استدامة صناعة الأزياء، كما تساعد على تقليل النّفايات في صناعات الأغذية.