سيتم منح الجائزة لثلاثة باحثين من بريطانيا والولايات المتحدة على تطوير إمكانيّة تطبيق لمراحل تطور في المختبر. ستمنح نصف الجائزة لفرانس آرنولد من الولايات المتحدة - المرأة الخامسة التي تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء

سيتم منح جائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام لثلاثة باحثين من بريطانيا والولايات المتحدة على نجاحهم في تطويرإمكانيّة لتطبيق مراحل التطور الطبيعية داخل المختبر في وقت قياسي، وتسخيرها في ما قد يعود بالكثير من الإسقاطات والعائدات الإيجابية على الأبحاث والصناعة والطب.

سيمنح نصف الجائزة لفرانسيس آرنولد (Arnold) من الولايات المتحدة على تطويرها طريقة فعالة لإنتاج الإنزيمات من خلال الانتقاء التطوري الطبيعي داخل أنبوب مخبري. آرنولد هي خامس امرأة في التاريخ تفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، والأولى منذ فوز عادا يونات بالجائزة عام 2009.

أما النصف الآخر من الجائزة فسيقسم  بين العالم الأمريكي جورج سميث (Smith) من جامعة ولاية ميسوري والعالم البريطاني سير غريغوري وينتر (Winter)، على تطوير طريقة لفحص الروابط  بين البروتينات، المعروفة باسم "عرض العاثيات" أو "عرض الفاجات" (phage display).

שימוש בתהליכים ביולוגיים לייצור חומרים חדשים לרפואה, לתעשייה ולמחקר. מימין: וינטר, סמית וארנולד | מקור: אתר פרס נובל
الاستعانة بالعمليات البيولوجية لتصنيع مواد جديدة للأدوية والصناعة والأبحاث. من اليمين: وينتر، سميث وأرنولد | المصدر: موقع جائزة نوبل

 

سائقة الأجرة التي ابتكرت بروتينات جديدة

الحياة على الأرض هي نتاج بلايين السنين من التطوّر. أبرز المبادئ الأساسية للتطور هي التغيير والانتقاء. تحدث التغيرات الجينية العشوائية والطفرات طوال الوقت، والكثير منها ضار للحيوان أو الكائن الحي الذي يوجد ضمن نطاقها، وبعضها لا يَزيد أو يَنقص، وهنالك أيضًا في المقابل تغييرات مفيدة. يتم اختيار التغييرات المفيدة عن طريق الانتقاء الطبيعي: الكائن الحي الذي يتمكن من النجاة بعد ضائقة سببها إحدى التغيرات يبقى على قيد الحياة وينتج المزيد من النسل.

وقد وجدت فرانسيس آرنولد، أستاذة الكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، طريقة لتسخير مراحل التطور الطبيعي لإنتاج أكثر كفاءة للإنزيمات - وهي بروتينات تؤدي وظائف حيوية مختلفة. البروتينات هي جزيئات تقوم بالعديد من الوظائف والإجراءات المهمة في كل النباتات والحيوانات. الإنزيمات هي بروتينات تسرّع التفاعلات الكيميائية في الجسم، مثل تحليل الدهون والسكريات، وهي مسؤولة عن جميع الأنشطة الحيوية في الأحياء - من هضم وتحليل الغذاء وحتى تكرار الحمض النووي وانقسام الخلايا. على مدار عقود من الزمن حاول العلماء تصميم الإنزيمات لتسريع التفاعلات الكيميائية وفقًا للحاجة. يمكن استخدام هذه الإنزيمات الاصطناعية في الصناعة، وأبحاث الطب والعديد من المجالات الأخرى. ومع ذلك، فقد تبين أن قدرة العلماء على استخدام المنطق البشري لإنتاج بروتينات مخططة ومصممة مسبقاً محدودة للغاية.

في أوائل التسعينات، كانت آرنولد أول من صممت وأنتجت إنزيمًا معزّز الخصائص بواسطة مبدأ التطور. أخذت الإنزيم سابستيلين إي (Substilin E)، وهو بروتين من النوع "بروتياز" يقطّع البروتينات الأخرى بطريقة خاضعة للرقابة، وأنشأت نسخة منه قادرةً على العمل في بيئة غير طبيعية من المذيبات العضوية المسماة DMF. تم تصميم استخدام البيئة القاسية مثل المذيبات لإثبات إمكانية إنتاج بروتين اصطناعي غير قائم في الطبيعة بواسطة التخطيط المسبق. تحقيقًا لهذه الغاية، أنشأت آرنولد طفرات من البروتينات في المختبر، وانتقت النسخة الأكثر نشاطا من المذيب DMF. بعد عدة جولات من إنشاء الطفرات والانتقاء، تمكنت من إنتاج بروتين فعّال بمقدار 256 مرة داخل المذيب DMF من البروتين الأصلي.

سمحت خلفية آرنولد العلمية الواسعة لها بدمج مجالات البيولوجيا والكيمياء والهندسة. ولدتْ آرنولد عام 1956 في بيتسبرغ، وقد  تلقت تربيةً علميّةً في المنزل: كان والدها ويليام آرنولد، أستاذًا مشهورًا في الفيزياء النووية. في صباها كانت قد هربت من منزل والديها للتظاهر في واشنطن العاصمة ضد حرب فيتنام، وقد عملت كنادلة وسائقة سيارة أجرة لكسب لقمة العيش. عملت بعد ذلك في أمريكا الجنوبية في مشروع للطاقة الشمسية، حيث تعلمت كيفية التعامل مع الظروف المعيشية الصعبة، كما صرّحت في وقت لاحق. درست بعدها الهندسة الميكانيكية والملاحة الجوية في جامعة برينستون، قبل مواصلة دراستها لدرجة الدكتوراة في الهندسة الكيميائية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وفي النهاية حصلت على وظيفة بحثية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.

بعد تحقيقها لهذا الإنجاز الأخير وإثباتها نجاعة تطبيق التطور داخل أنابيب الاختبار، وضعت آرنولد الأساس لطريقة منهجية من خمس خطوات للتطور داخل المختبر لإنشاء بروتين محسّن أو جديد:

  1. تحديد إنزيم ذو فعاليّة مناسبةٍ لهدفٍ معين.

  2. إنشاء مكتبة لتسلسلات الحمض النووي تحوي  أكبر عدد ممكن من متواليات الحمض النووي من نفس الإنزيم (يكاد يكون من المستحيل اختبار أداء كل التسلسلات الممكنة نظرًا لعدد الإمكانيات الهائل).

  3. تحديد معيار يمكن من خلاله تحديد الوظيفة المحسّنة أو الجديدة. مثل مستوى نشاط تفاعل كيميائي معين، أو تحليل بروتين معين.

  4. إعادة خلط تسلسلات الحمض النووي لتغطية جميع المتواليات الممكنة بشكل أفضل.

  5. تحديد معيار اختيار أكثر صرامة، واختبار فعالية البروتين الجديد.

تكرار هذه الخطوات حتى الحصول على إنزيم يمتلك الخصائص المرغوبة.

 
 

 

רתמה את העקרונות של האבולוציה לפיתוח חלבונים מלאכותיים לפי הזמנה. עקרונות השיטה של ארנולד | תרשים: אתר פרס נובל

تم تسخير مبادئ التطور لتطوير البروتينات الاصطناعية بحسب الطلب. مبادئ طريقة آرنولد | الرسم: موقع جائزة نوبل.

 

الفيروسات كوسيلة لإنتاج الأجسام المضادة

أثار جورج سميث أول مرة فكرة "عرض العاثيات - phage display" في المقال الذي نشره عام 1985. سميث، الذي ولد عام 1941 حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة كورنيل في عام 1970، وهو الآن أستاذ فخري (متقاعد) في جامعة ميسوري في الولايات المتحدة.

العاثيات "الباكتيريوفاج"، أو وفق الاختصار المتّبع عالميًا "فاج"، هي الفيروسات التي تهاجم البكتيريا. وتتكون عادة من مادة جينية ملفوفة في "صندوق" مكوّنٍ من البروتينات. اعتقد سميث أنه من الممكن تحفيز العاثيات لإنتاج بروتينات مختلفة ومن ثم عرضها على الصندوق البروتيني الخاص بها حيث يتمكن العلماء حينئذٍ من استخدامها لأغراض مختلفة. في أوائل التسعينيات، تم تطوير أول مكتبات البكتيريا، والتي احتوت على فيروسات تعبر عن ملايين النسخ المختلفة من البروتينات القصيرة على سطحها.

كان أول استخدام لها في دراسات الأجسام المضادة، وهي بروتينات مناعية تملك خاصيّة الارتباط والتشبث بإحكام ببروتينات معينة توجد على السطح الخارجي للبكتيريا والفيروسات. فحص الباحثون أي بروتينات ترتبط بجسم مضاد معين، وما العامل الذي يحدد مدى قوة الارتباط. وبما أنهم كانوا يعرفون بالضبط التسلسل الجيني للبروتين الذي تعبر عنه كل عاثية "phage"، فقد كان بإمكانهم أن يحددوا أي الأحماض الأمينية في تسلسل البروتين مهم وضروري لتحقيق الربط. كانت هذه خطوة مهمة في مجال تطوير الأجسام المضادة المستخدمة في الطب.

نقل وينتر، وهو أستاذ في جامعة كامبريدج في بريطانيا، طريقة عرض العاثيات خطوة كبيرة إلى الأمام، حين تمكن في عام 1990 من تحفيز العاثيات على التعبير عن أحد الأجسام المضادة الفعالة، والذي ارتبط  بإنزيم مستخلص من الدجاج، في حين أنه فشل في الارتباط بإنزيم مستخلص من مصدرٍ بشري أو بإنزيم آخر من من الديك الرومي.

استخدم وينتر وزملاؤه تقنيات متطورة لعزل العاثيات التي عرضت الأجسام المضادة الأكثر تحديدًا وتخصصًا، والتي كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا. في الطريقة المتبعة حتى يومنا هذا، يقوم الباحثون بتوصيل البروتينات التي من المفترض أن ترتبط بها الأجسام المضادة بالسطح، وترتبط الأجسام المضادة، المعروضة على سطح العاثية، بالبروتينات، ثم يقوم الباحثون بغسل العينة وإزالة أي جسم مضاد لا يرتبط بشكل جيد بالبروتين. عادة ما يتم القيام بعملية شطف متكررة، حتى يتم إقصاء البروتينات ضعيفة الارتباط وانتقاء البروتينات قوية الارتباط. وأخيرًا، يقوم الباحثون بفصل الأجسام المضادة والعاثية "phage" عن البروتينات بواسطة مادة حامضية، مما يسمح للعاثيات البكتيرية بالتكاثر. وهكذا يتم إنتاج العديد من النسخ من الأجسام المضادة الناجحة.

في أثناء مرحلة الانقسام والتكاثر، تخضع بعض العاثيات للطفرات التي تغير هيكل الجسم المضاد المعروض عليها - للأفضل أو للأسوأ. يكرر الباحثون مراحل الربط والشطف، وهذه المرة تتم عملية الشطف بمواد أقوى بحيثُ تقصى أيضًا بعض الأجسام المضادة التي علقت في السابق بالبروتين. يتم استنساخ الأجسام المضادة التي نجت من هذه المرحلة مرة أخرى، وهكذا دواليك، حتى يتم استلام الأجسام المضادة القادرة على الارتباط بهدفها بطريقة قوية جدًا ومحددة. وبنفس الطريقة، يمكن عزل كل بروتين يرتبط ببروتين آخر في هذا المختبر.

أنهى وينتر، الذي ولد في ليستر عام 1951، جميع دراساته في جامعة كامبريدج، وحصل في سن السادسة والعشرين على درجة الدكتوراة في الكيمياء الحيوية. استمر في عمله في الأبحاث في كامبريدج، حيث تخصص في مجال الأجسام المضادة، وقد أسس على مدار سنين من العمل العديد من الشركات التجارية المختصة بتطوير الأجسام المضادة المعدّة للاستخدام الطبي، وقد استعان في عمله بطريقة تطوير عرض العاثيات "phage display".

 

 

שימוש בתצןוגת פאג'ים לבחירת החלבונים שאנו מעוניינים בהם | תרשים: אתר פרס נובל
استخدام عرض العاثيات (phage display) لتحديد البروتينات المرغوبة|  الرسم: موقع جائزة نوبل
 

كفاءة مذهلة

تُتّبع طريقة استهداف التطور لإنتاج الأجسام المضادة منذ 25 عامًا، وقد حققت نتائج مذهلة وفعالة: الأجسام المضادة التي أنتجت باتباع هذه الطريقة ترتبط ببروتينات الهدف الخاصة بها بقوّةٍ تعادل ألف إلى مليون مرة من الأجسام المضادة المنتجة وفق الطريقة القديمة،  والتي اعتمدت ببساطة على حقن وريد الحيوان ببروتين وفسح المجال للجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة بشكل تلقائي. الفعالية الكبيرة للأجسام المضادة تجعل من الممكن ضخها تحت الجلد، الأمر الذي سيتيح المجال للمرضى من تطبيق ذلك في المنزل، بدلًا من حقن المضادات مباشرة في الوريد، والذي يُجرى فقط لدى الطبيب.

تم استخدام طريقة عرض العاثيات لإنتاج الأجسام المضادة لسم الكزاز (Tetanus)، والأجسام المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية (HIV). العقار الأول الذي أنتج بواسطة هذه الطريقة وتمت المصادقة عليه كان أداليموماب (Adalimomab )، وهو عبارة عن أجسام مضادة ترتبط بالبروتين TNF-alpha الذي يساهم في حدوث عملية الالتهاب. يستخدم هذا الدواء لعلاج التهاب المفاصل الروماتيزمي (RA) وغيرها من الأمراض الناجمة عن فرط نشاط الجهاز المناعي، مثل مرض كرون ومرض الصدفية (Psoriasis). وتستخدم أجسام مضادة أخرى تم إنتاجها باتّباع طريقة عرض العاثيات في علاج مجموعة متنوعة من الأمراض الالتهابية وعلاج السرطان. ولا شك أن هنالك المزيد من المضادات التي سيتم  تطويرها في المستقبل.

الترجمة للعربية: رقيّة صبّاح أبودعابس

0 تعليقات