تمتلك الببّغاوات دماغًا كبيرًا جدًّا بالمقارنة مع دماغ الطّيور، وبعض الأنواع منها تعيش عشرات السّنين. تشير دراسة جديدة إلى أنّ الدّماغ الكبير هو الّذي يمنحها العمر المديد.
الببّغاوات طيور شاذّة.
تنفرد الببّغاوات بقدرتها على تقليد كلام البشر والقيام بأعمال كثيرة أخرى. شوهدت الببّغاوات تستخدم الأدوات لأهداف شتّى، وشوهدت تستخدم طقمًا من الأدوات، الواحد تلو الآخر. تتعلّم الببّغاوات من بعضها البعض، وهي مبدعة وتجيد حلّ المشاكل، ويمكنها الرّقص حسب الإيقاع. تُعدُّ الببّغاوات، جنبًا إلى جنب مع عائلة الغربان، الأكثر ذكاءً من بين الطّيور، كما وتملك دماغًا كبيرًا بالنّسبة لجسمها.
عمر الببّغاء طويل جدًّا إذا ما نُسبَ لحجمها. عمر الحيوانات الكبيرة أطول، عادةً، من عمر الحيوانات الصّغيرة. يعيش الكلب أكثر من الهمستر (حيوان قارض)، ويعيش الفيل أكثر من الكلب. تمتاز الببّغاوات بهذه الصّفة أيضًا. مع أنَّ أحجامها تختلف من نوع لآخر إلّا أنَّ أكبر الببّغاوات حجمًا أصغر كثيرًا من الكلب. بالرّغم من ذلك، تعيش أنواع مختلفة من ببّغاء الكوكاتو فارا أربعين، ستّين وسبعين عامًا وأكثر. يقول باحث الطّيور سيمون سميلي (Smeele): "تُعمّر بعض الأفراد منها أكثر من ثمانين عامًا، وهذا عمرٌ طويل جدًّا حتّى لبني البشر"، ويتابع: "إنّه لشيء مذهل، إذ أنّ وزن الشّخص البالغ أكثر من مائة ضعف من وزن الببّغاء".
تمتاز أنواع أخرى من الكائنات الحيّة بهاتين الخاصّتين، ومنها الإنسان والقردة القريبة من الإنسان بشكل خاصّ. دماغ الإنسان كبير، وذكاؤه متطوّر، وعمره أطول ممّا كنّا نتوقّع أن يكون حسب كبر جسمه. اِقترح باحثون، من خلال دراسة نُشرت في العام 2018، أنّ الببّغاوات تخطو نفس طريق التّطور والنّشوء الّتي خطاها الإنسان، الطّريق الّتي تنطوي على متوسّط عمر طويل ونموٌّ بطيء يكون فيها الشّخص متعلّقًا بوالديه، ودماغ كبير وذكاء متطوّر.
ما هي نوعيّة الرّابط بين الحياة الطّويلة وبين الدّماغ الكبير؟ هل يؤدّي أحدهما إلى حصول الآخر أم أنّ هناك عاملًا ثالثًا يؤثّر على كليهما؟ حاول سميلي وزملاؤه الإجابة عن هذا السؤال في مقال نُشِرَ مؤخّرًا. توصّل سميلي وزملاؤه إلى استنتاج يؤكّد على وجود علاقة مباشرة بين هاتين الخاصّتين: يساعد الدّماغ الكبير لدى الببّغاء على إطالة عمرها.
قد تعيش بعض أنواع ببغاء الكوكاتو حوالي ستين عامًا. في الصورة ببغاء الكوكاتو الأسود. | Svetlana NV, Shutterstock
الدّماغ الكبير والسّلوك المَرن
جمع الباحثون معطيات عن أطوال أعمار أكثر من 130 ألفًا من الببّغاوات الّتي تعيش في حدائق الحيوان، وفي مؤسّسات أخرى في أنحاء العالم. اِستطاع الباحثون بذلك تقدير متوسّط أعمار 217 نوعًا مختلفًا من الببّغاوات، أي أكثر من نصف أنواع الببّغاوات المعروفة عالميًّا. قارن الباحثون هذه المعطيات مع حجم دماغ الببّغاوات المختلفة آخذين بالحسبان معطيات أخرى مثل نوعيّة طعامها، وعدد البيضات الّتي تضعها كلّ مرة - وهذا مقياس لما يبذله الوالدان من جهود ورعاية في كلّ فرخ يفقس من البيضة -، وفي أيّ جيل تبدأ بالتّكاثر، وذلك لمعرفة فيما إذا كان نموّها بطيئًا أم سريعًا. اِستخدم الباحثون طرقًا وأساليب إحصائيّة متطوّرة ليفحصوا هل وكيف تؤثّر هذه المعطيات على بعضها البعض.
أظهرت النّتائج وجود علاقة حقيقيّة بين كبر الدّماغ وبين طول العمر، إلّا أنّ هذه العلاقة لم تتأثّر بمعطيات أخرى مثل عدد البيضات أو نوع وكمّيّة الطّعام الّذي تتغذّى عليه الببّغاوات. يقول سميلي:
"تدعم هذه النّتائج الفرضيّة القائلة بأنّه، بشكل عام، يتيح الدّماغ الكبير للمخلوقات التي تتمتّع به المرونة في حياتها وسلوكها فتعيش مدّةً أطول". ويتابع: "تتعلّم هذه المخلوقات، مثلًا، كيف تجد غذاءً جديدًا لتبقى على قيد الحياة في حال نفدَ الطّعام المفضّل عليها".
تدعم نتائج الدّراسة الفرضيّة القائلة إنّ الببّغاوات تعيش طويلًا لأنّه يمكنها ذلك، كما يمكنها أن تعيش مدّةً أطول، لأنّ دماغها الكبير يُمَكِّنها من التّغلّب على المشاكل الّتي إذا أصابت مخلوقات غيرها أقلّ ذكاءً تؤذيها وقد تؤدّي إلى موتها، مثل النّقص في الغذاء، وتجنّب الحيوانات المفترسة، والحاجة للتأقلم لبيئة حياتيّة جديدة.
يضيف سميلي أنّه تفاجأ هو وزملاؤه من عدم ظهور أيّ تأثير للمعايير الأخرى."توقّعنا أن يكون لوتيرة تطوّر الببّغاوات دور أكثر أهمّيّة"، ذلك لأنّ الدّراسات تدعم الفرضيّة القائلة إنّ لدى الرّئيسيّات من الحيوانات، مثل القرود والإنسان، العمر الطّويل هو نتيجةٌ تكاد تكون ظاهرةً مرافقة للتّطوّر البطيء.
يتيح التّطوّر البطيء بناء دماغ كبير مع مرور الزّمن، وأعوامًا من التّعلُّم وكسب المعرفة.
يُمَكّن الدّماغ الكبير الببغاء التغلّب على المشاكل والأخطار والعيش لفترة طويلة. الببغاء الأزرق | تصوير: Michael J Magee, Shutterstock
التّعلّم من الآخرين من أجل البقاء على قيد الحياة
ينوي الباحثون متابعة دراستهم وبحث جوانب أخرى وكيفيّة اندماجها بالعلاقة بين الصّفتين المميّزتين لدى الببّغاوات. يعتقد هؤلاء أنّ صفات أخرى قد تكون ذات أهمّيّة، منها توادّ الببّغاوات وحبّها التّعلّم من بعضها البعض - وهذه خاصّة أخرى تتشارك بها مع الإنسان والقرود. من شأن القدرة على التّعلُّم من تجارب الآخرين أن تلعب دورًا هامًّا في المرونة في سلوك الببّغاوات، والقدرة على التأقلم للظّروف المتغيّرة.
يقول سميلي في مقابلة أجرتها معه مجلة فوربس: "نأمل نشر مقالة ثانية نتطرّق فيها إلى تأثير التّعلّم الاجتماعيّ". تمرُّ بعض الببّغاوات بفترة طويلة من 'الصّبا' بعد أن تترك العشّ ولمّا تبدأ بالتّكاثر، تمامًا كما يحدث لدى الرّئيسيّات، والإنسان بشكل خاصّ. يتابع سميلي ويقول: "سيكون من الأهمّيّة بمكان أن نرى فيما إذا كان هذا مرتبطًا بالتّعلّم الاجتماعيّ والحياة الطّويلة".