اِكتشفت دراسة أنّ أولئك الّذين يمشون كثيرًا تتحّسن صحتهم، ويسهم المشي بشكل أكبر عند أولئك الّذين يميلون إلى الجلوس أكثر

يُعدّ النّشاط البدنيّ واحدًا من الطّرق المعروفة والفعّالة في تحسين الصّحّة، خاصّة إذا صاحبه في ذلك تحسّن كبير في اللّياقة البدنيّة. لهذا السّبب تُوصي العديد من المنظّمات الصّحّيّة، بما في ذلك منظّمة الصّحّة العالميّة، الجميع - صغارًا وكبارًا، أصحّاء ومرضى - بممارسة نشاط بدنيّ منتظم. يسهم النّشاط البدنيّ في تحسين الصّحّة، لكن قلّة النّشاط أو نمط الحياة الخامل - الّذي يتضمّن الكثير من الجلوس - يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض، العلاج في المستشفيات والوفيات. لتقييم صحّة مجموعة معيّنة من السّكّان، من المهمّ معرفة مدى نشاط الأشخاص فيها، ولكن كيف نستطيع قياس الخمول أو النّشاط عند مجموعة كبيرة من النّاس؟


نمط الحياة مع كثير من الجلوس مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض، المكوث بالمستشفيات والوفيات. اِمرأة تجلس وتعمل على جهاز الحاسوب | Shutterstock, Andrey_Popov

إحدى الطّرق الشّائعة والسّهلة لقياس النّشاط البدنيّ والجلوس هي توزيع الاستبيانات على الأشخاص الّذين يتمّ فحصهم. الطّريقة بسيطة، ولكن يوجد بها عدد لا يستهان من المشاكل. في كثير من الحالات، تتجاهل الاستبيانات معلومات قيّمة تتعلّق بكثافة النّشاط أو طبيعته، وهناك دائمًا خطر وهو عدم دقّة المشاركين في الإبلاغ عن لياقتهم البدنيّة. إضافة إلى ذلك، قد تؤثّر بعض المتغيّرات، على سبيل المثال الخلفيّة العرقيّة، الجنس أو الحالة الصّحّيّة للأشخاص، على التّقارير.

تتأثّر العلاقة بين النّشاط البدنيّ والصّحّة، أيضًا، بالسّلوك المستمرّ والمتعدّد السّنوات، ولا تعكس الاستبيانات دائمًا السّلوك السّابق بأمانة. في الواقع، تُظهر الدّراسات أنّه نظرًا لارتباط هذه الاستبيانات بالماضي البعيد، فإنّ مستوى الدّقّة في إعداد التّقارير يكون معرّضًا للتّأثير. وهناك عامل آخر وحاسم يجب قياسه، ويصعب تقييمه في بعض الأحيان، وهو قلّة الحركة والنّشاط، أي الجلوس. قلّة النّشاط تؤدّي إلى تقصير متوسّط ​​العمر المتوقّع، وترتبط بمجموعة متنوّعة من المشاكل الطّبّيّة والأمراض المزمنة، بما في ذلك مرض السّكّري، سرطان القولون والثّدي.

إنّ العلاقة بين درجة النّشاط البدنيّ وبين الصّحّة والمرض راسخة في الأبحاث، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الكثير من النّشاط البدنيّ اليوميّ يمكن أن يعوّض عن ساعات طويلة من الجلوس، وهو ما يميّز نمط الحياة الحديث. أظهرت دراسة جديدة أنّه من الممكن، جزئيًّا على الأقلّ، التّعويض عن الجلوس بالمشي الكثير.


لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الكثير من النّشاط البدنيّ اليوميّ يمكن أن يعوّض عن ساعات طويلة من الجلوس. أناس يمشون في المتنزّه | Shutterstock, Bignai

تأثير زمن الجلوس 

شملت الدّراسة أكثر من 72 ألف شخص، ولم يكتف الباحثون بتوزيع الاستبيانات: لقد أعطوا الأشخاص مقياس تسارع، وطلبوا منهم ارتداءه على معصمهم مدّة 24 ساعة يوميًّا مدّة أسبوع. كانت أعمار المشاركين تتراوح بين 40 إلى 69 عامًا، ولم يعانوا أمراضًا في القلب، أمراضًا في الرّئة أو السّرطان عندما انضمّوا إلى الدّراسة وفي العام السّابق لذلك. تمّ تقسيمهم إلى مجموعتين وفقًا لمدّة الجلوس - مقدار الوقت الّذي جلسوا فيه كلّ يوم - أكثر أو أقلّ من 10.5 ساعة يوميًّا. أعضاء المجموعة الّذين قاموا بالجلوس مدّة أطول، ناموا أقلّ بحوالي 45 دقيقة في المتوسّط ​​كلّ ليلة، مشوا أقلّ بكثير كلّ يوم - حوالي 4800 خطوة مقارنة بحوالي 8400 خطوة في المتوسّط ​​قام بها كلّ عضو في المجموعة الّتي جلسوا فيها أقلّ - وقد كانت صحّتهم أسوأ.

في المجموعة الّتي جلس فيها الأشخاص مدّة أطول، تمّ العثور على معدّل وفيات أقلّ بنسبة 20% بين أولئك الّذين مشوا أكثر من 4000 خطوة في اليوم، مقارنة بأولئك الّذين مشوا أقلّ. أولئك الّذين ساروا حوالي 9000 خطوة يوميًّا كانوا في أفضل حالة: كان خطر الوفاة لديهم أقلّ بنحو 39 بالمائة. من ناحية أخرى، اِحتاج الأشخاص الموجودون في مجموعة الأشخاص الّذين جلسوا فترة أقلّ إلى المشي حوالي 4400 خطوة لبدء رؤية انخفاض في خطر الوفاة. وكان الانخفاض الأكبر في المخاطر، حوالي 31%، بين أولئك الّذين مشوا 10300 خطوة يوميًّا أو أكثر، مقارنة بأولئك في نفس المجموعة الّذين مشوا قليلًا.


أعطى الباحثون للمشاركين مقياس تسارع وطلبوا منهم ارتداءه على معصمهم مدّة 24 ساعة يوميًّا مدّة أسبوع. جهاز يعدّ الخطوات | Shutterstock, Wachiwit

 جالسين، واقفين - اِمشوا

أخذ الباحثون في الاعتبار المتغيّرات الرّئيسيّة المرتبطة بمخاطر الوفاة، مثل نقص الوزن، أو سوء الحالة الصّحّيّة المبلّغ عنها ذاتيًّا، أو حدث صحّيّ في أوّل عامين من المتابعة. لم تتغيّر النّتائج بشكل ملحوظ حتّى بعد أخذ هذه المتغيّرات في الاعتبار، وأولئك الّذين ساروا كثيرًا، سواء في المجموعة الجالسة أو في مجموعة الأشخاص الّذين يجلسون فترة أطول قليلًا، كان لديهم خطر أقلّ للوفاة. 

لم يكتفِ الباحثون بفحص معدّلات الوفيات. بحثوا، أيضًا، التّأثير المحتمل على تطوّر أمراض القلب والرّئة، ووجدوا أنّ الحدّ الأدنى لعدد الخطوات الّتي قلّلت من المخاطر كان هو نفسه في كلا المجموعتين – 4300 خطوة في اليوم – لكنّه كان أكثر حماية بقليل لأولئك الّذين يجلسون كثيرًا. كانت عدد الخطوات الّتي قلّلت من المخاطر هي نفسها في كلا المجموعتين - 9700 إلى 9800 خطوة - ولكن هذه المرّة كان التّأثير الوقائيّ لصالح أولئك الّذين جلسوا قليلًا، فالمشي يحميهم أكثر بقليل مقارنة بأولئك الّذين جلسوا أكثر. 

في المشاركين الّذين تقلّ أعمارهم عن 60 عامًا والّذين جلسوا كثيرًا ولكن مشوا كثيرًا، اِنخفض خطر الإصابة بأمراض القلب وأمراض الرّئة، ولم يتمّ العثور على حدّ لمدى تأثير تراكم الخطوات: كلّما مشوا أكثر يوميًّا، قلّت المخاطر. ووفقًا لهذه النّتائج، من أجل منع الإصابة بالأمراض في هذه الفئة العمريّة، يُعدّ المشي قدر الإمكان أمرًا جيّدًا، خاصّة إذا كنّا نميل إلى الجلوس لجزء كبير من اليوم. تمّ تقليل الخطر إلى أقصى حدّ بين الأشخاص الّذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر لدى أولئك الّذين ساروا حوالي 8500 خطوة يوميًّا.


أولئك الّذين مشوا كثيرًا، سواء في المجموعة الجالسة أو في مجموعة الأشخاص الّذين يجلسون أقلّ، كان لديهم خطر أقلّ للوفاة. اِمرأة تمشي مع كلب| Shutterstock, DejanDundjerski

عندما لا تكون المعطيات معطيات بالفعل 

شملت الدّراسة الطّوليّة طويلة المدى عددًا مثيرًا للإعجاب من المشاركين، لكن بها العديد من التّقييدات. في البداية، طُلب من الأشخاص ارتداء سوار الاختبار مدّة أسبوع كامل، لكنّ الباحثين أدرجوا أيضًا في بيانات البحث أشخاصًا ارتدوا السّوار مدّة ثلاثة أيّام فقط، أحدهم في عطلة نهاية الأسبوع، ولم يحدّد الباحثون توقيت القياس: هل تمّ ارتداء السّوار في أيّام العُطل؟ أثناء أيّام الإجازة؟ أم في أيّام عالية النّشاط؟ كما لم يأخذ الباحثون في الاعتبار المدّة القصيرة للنّشاط: فليس من الممكن معرفة ما إذا كان هذا القياس القصير يمثّل بأمانة سلوك الأشخاص على مدى فترة طويلة من الزّمن. أجريت القياسات بين عامي 2013 و2015، ولكن تمّ تضمين بعض الأشخاص في الدّراسة في وقتٍ مبكر من عام 2006، ولم يأخذ الباحثون في الاعتبار إمكانية تغيّر السّلوك على مرّ السّنين.

وجدت الأبحاث السّابقة أنّ أحداث الحياة قد تؤدّي إلى تغيير في السّلوك، مثل ممارسة المزيد من الرّياضة أو الإقلاع عن التّدخين. من الممكن أنّ بعض الأشخاص الّذين يجلسون أقلّ أصيبوا بالمرض وبالتّالي تغيّر سلوكهم، وكان بإمكان الباحثين أن يأخذوا هذا التّغيير في الاعتبار لو أنّهم أدرجوا في البحث استبيانات متعلّقة بهذا التّغيير في سلوك الأشخاص المشاركين في البحث، أو إذا قاموا بقياس وتيرة مشي الأشخاص على مدى فترة زمنيّة أطول.

أخيرًا، ليس من الواضح مدى دقّة وموثوقيّة البيانات الّتي تمّ جمعها في مقاييس التّسارع. اِنحرف مقياس التّسارع الّذي استخدمه الباحثون بشكل كبير عن المعيار الذّهبيّ - وهو استخدام مقاييس التّسارع الّتي يتمّ ارتداؤها على الحوض، والّتي تعتبر الأكثر دقّة، خاصّة في الأنشطة ذات المستوى العالي من الجهد. وفي هذه الدّراسة، أيضًا، يبدو أنّ مقياس التّسارع انحرف عند قياس النّشاط المعتدل الشّدّة - على سبيل المثال الجري - انحرافًا يبلغ حوالي 10 بالمائة، ويصل إلى حوالي 25 بالمائة في المتوسّط. هذه النّتيجة، بالإضافة إلى قيود القياس المذكورة سابقًا، تثير الشّكوك حول موثوقيّة البيانات.


لم يُفصّل الباحثون توقيت القياس: هل تمّ ارتداء السّوار في أيّام العطل؟ أثناء أيّام الإجازة؟ أم في الأيّام عالية النّشاط؟ رجل يمشي في الغابة | Shutterstock, avtk

إضافة إلى ذلك، يتوجّب علينا توخّي الحذر في تفسير البيانات، وتجنّب التّوصّل إلى استنتاجات خاطئة فيما يتعلّق بالحدّ من المخاطر. لاحظ الباحثون أنّ خطر الوفاة كان مماثلًا في كلا المجموعتين بين أولئك الّذين ساروا من 6000 إلى 9500 خطوة يوميًّا، لكن هذا ليس عرضًا دقيقًا وكاملًا للبيانات. في البداية، كان الخطر أعلى بشكل ملحوظ بين الأشخاص في المجموعة الجالسة، لذلك، حتّى لو كان الانخفاض النّسبيّ في الخطر مشابهًا، فإنّ الخطر لا يزال أعلى بالنّسبة لأعضاء هذه المجموعة. والرّسالة الصّحيحة هي أنّه لا يزال من الأفضل الجلوس مدّة تقل عن 10.5 ساعة يوميًّا، بغضّ النّظر عن مقدار المشي اليوميّ.

من حيث خطر الإصابة بالمرض، حقّقت المجموعة الأقلّ جلوسًا مكاسب صحّيّة أكبر لنفس عدد الخطوات، ما يُشير إلى أنّه ينصح بالمشي قدر الإمكان كلّ يوم، حتّى لو كنت تجلس قليلًا نسبيًّا وتتمتّع بصحّة جيّدة. رسالة أخرى مهمّة هي أنّه بين المجموعة الجالسة، انخفض خطر الوفاة مع زيادة عدد الخطوات، ممّا يشير إلى أنّه حتّى الشّخص الّذي يجلس كثيرًا سوف يستفيد بشكل كبير من المشي كثيرًا.

تعزّز الدّراسة الحجّة القائلة إنّ هناك علاقة بين النّشاط البدنيّ والصّحّة، وتبيّن أنّ التّحرّك كثيرًا كلّ يوم هو، بالمعنى الحرفيّ للكلمة، خطوة ذكيّة من النّاحية الصّحّيّة، خاصّة - ولكن ليس فقط - إذا كانت عادتك الجلوس كثيرًا يوميًّا.

استجابة واحدة

  • 🦂

    🦂

    مش نافع لا مشي ولا رياضع، النفسيع والاكل
    للتطبيع اشكال ،،!!! وهذا منهن .. والعاقل يفهم ،