تفيد الدّراسات الأوّليّة أنّ التّطعيم ضدّ الكورونا يُقلّل من المرض وانتشار الجائحة. يبدو أنّ لقاحات الـ RNA مِرسال هي أكثر نجاعةً من اللّقاحات الأخرى في التّصدّي للطّفرات الجديدة.

بدأت حملة التّلقيحات ضدّ فيروس الكورونا في إسرائيل قبل حوالي شهرين، وقد حان الوقت لفحص تأثير اللقاح على الإصابة بالمرض في البلاد ومدى تأثير طفرات الفيروس الجديدة على نجاعة اللقاحات. يجري التطعيم في اسرائيل باستخدام اللّقاحات الّتي تعتمد على تكنولوجيا mRNA (مِرسال) فقط وسنُركّز الحديث عنها في هذا المقال. 

التّأثير الإيجابيّ للّقاح في إسرائيل

شرعت المؤسّسات الصّحّيّة المختلفة في البلاد، وزارة الصّحّة وصناديق المرضى، بجمع معطيات الإصابة بالمرض من بين الّذين تلقَوْا اللّقاح، وذلك بشكلٍ متزامن مع بداية حملة التّطعيم. توجد للدّراسات الّتي تُجرى في العالم الواقعيّ الحقيقيّ أهمّيّة بالغة تعود بالفائدة على البلاد وعلى العالم برمّته. تتمتّع البلاد ببعض الأفضليّات في فحص تأثير اللّقاح على المرض. الأفضليّة الأولى هي وجود ملف رقميّ يحتوي على الأسبقيّة الطّبّيّة لكلّ مواطن، بما فيه الفحوصات والتّطعيمات المختلفة. يمكن رصد نسبة الإصابة بـِ COVID - 19 من موعد تلقّي اللّقاحات بسرعة ونجاعة. الأفضليّة الثّانية هي أنّ حملة التطعيم بدأت بوتيرة عالية فكانت نسبة الّذين تلقّوا اللّقاح، من بين من هم عرضةً للخطر، عالية وتمت خلال وقت قصير. للأسف انتشر الوباء بسرعة في البلاد جنبًا إلى جنب مع بداية حملة التطعيم وما زال خطر الانكشاف للمرض وانتقال العدوى عاليًا. مع ذلك فإنّ فحص تأثير اللّقاح في العالم الواقعيّ أكثر تعقيدًا منه في التّجربة المراقبة الّتي يُقارن فيها بين مجموعةٍ ممّن تلقّوا اللّقاح وبين آخرين تلقّوا لقاحًا وهميًّا (بلاسيبو)- وهوعبارة عن محلول يحتوي على أملاح أو لقاحٍ لمرض آخر-، وقد جرّبَ الخبراء في إسرائيل طرقًا عديدة لفحص تأثير اللّقاح. لا تتطابق المُعطيات الّتي أظهرتها الدّراسات المختلفة، لكنّ أوجه الشبه بينها تكفي للتّوصّل إلى خلاصة واضحة: تقلّل اللّقاحات الإصابة بالمرض بشكل عامّ والحالات البالغة بشكل خاصّ، وذلك بنجاعة قريبة من تلك الّتي أعلنت عنها شركات فايزر ومُديرنا في تجاربها السّريريّة بل وتعلو عليها. 

كانت الدّراسة الأكثر اتّساعًا والّتي أعطت النّتائج الأكثر تشجيعًا، تلك الّتي أجراها معهد كلاليت للأبحاث التّابع لصندوق المرضى العام (كلاليت) بقيادة البروفيسور ران باليتسر باشتراك خبراء من جامعة هارفارد. تمّت المقارنة في هذه الدّراسة بين 600000 شخص تلقوْا اللّقاح (بعد أسبوع من التّطعيم الثّاني) وبين 600000 شخص لم يحصلوا على اللّقاح، بحيث أنّه مقابل كل شخص تلقّى اللّقاح يوجد شخص في المجموعة الثّانية له معطيات سُكّانيّة مشابهة (الجيل، الخلفيّة الصّحّيّة وعوامل الخطر، مكان السّكن والقطاع السّكانيّ وما إلى ذلك). أفادَ الإعلان للصّحافة (لم يتم نشر الدّراسة في مقالة علمية حتّى ساعة كتابة هذه السّطور) أنَّ المرض المصحوب بالأعراض قد انخفض لدى من تلقّوا اللّقاح بنسبة وصلت إلى 94%، وأنَّ الحالات المرضيّة الصّعبة انخفضت بنسبة وصلت إلى 92% بالمقارنة مع من لم يحصلوا على اللّقاح، وتزداد النّجاعة لتصل نسبة 99% مع ازدياد طول المدّة الزّمنيّة من موعد الحصول على الجرعة الثّانية من اللّقاح. 

ونشر صندوق المرضى "مكّابي" إعلانًا للصحافة أفادَ بأنّ نجاعة اللقاح تُقدر بنسبة 94%. أشارت الدّراسة التي أجراها صندوق "مكّابي" إلى أنّ 608 شخصًا فقط (نسبة 0.1%) أصيبوا بالكورونا من بين 602 ألفًا تلقّوا اللّقاح ومضى أسبوعٌ على تلقّيهم الجرعة الثّانية منه، وأنّ سبعة أشخاص فقط من بينهم عانوا من أعراض صعبة. بالمقابل فقد أُصيب بالمرض 3.9% من بين حوالي نصف مليون شخص لم يحصلوا على اللقاح. أجرى صندوق المرضى "مكابي" دراسةً أخرى بالاشتراك مع معهد KI تمّت فيها متابعة ما يقارب 200000 شخص ممّن تلقّوا اللّقاح، أعمارهم من 60 سنة فما فوق، لمدّة بضعة أسابيع من زمن حصولهم على الجرعة الأولى من اللّقاح. عرض الباحثون وثيقة مختصرة تُبيّن انخفاضًا مقداره 67% في نسبة الفحوصات الإيجابيّة للكورونا و78% في نسبة الحالات الّتي استدعت الرّقود في المستشفى وذلك عند الّذين مضى أسبوع واحد على تلقّيهم الجرعة الثّانية من اللّقاح المقارنةً مع الّذين مضى أسبوع واحد على تلقّيهم الجرعة الأولى من اللّقاح. 

قارن الاختصاصي في جهاز المناعة الخبير في الحسابات البيولوجيّة، البروفيسور دفير أرن من معهد التّخنيون للعلوم التّطبيقيّة، بين المرضى الّذين تلقّوا اللّقاح وبين سائر السّكّان وحسبَ نجاعة اللّقاحات في إسرائيل فكانت (حتّى تاريخ 7 شباط/فبراير) 72-81% في تقليل العدوى (أي في نسبة الفحوصات الإيجابيّة) لدى مَن أعمارهم ستّون عامًّا فما فوق و 82-83% في تقليل العدوى لدى مَن أعمارهم دون السّتّين عامًا. وتبيّن له أيضًا أنّ النّجاعة في تقليل نسبة الحالات الّتي تستدعي الرّقود في المستشفى والحالات المرضيّة الصّعبة وصلت إلى نسبة 83-87%. ما يجدر ذكره أنّ هذه الدراسة لم تخضع لرقابة القرناء. 

أخيرًا، نشر الصحفي نداف إيال في تويتر مقالًا شاركت به شركة فايزر ووزارة الصّحّة الإسرائيليّة. يتبيّن من هذا المقال، بعد فحص خمسة مقاسات لنجاعة اللقاح، أنّها، أي النّجاعة، بعد مرور أسبوع على تلقّي الجرعة الثّانية من اللّقاح كانت عالية: 89.4% في منع العدوى و 93.7% في منع المرض المصحوب بالأعراض و 92.9% في تجنّب حالات الوفاة. من الجدير ذكره أنّه لم يُنشر المقال رسميًّا في الشّبكات الرّقميّة، وأنّ ما نشره نداف إيال تنقصه الجداول والرّسومات البيانيّة؛ وعليه يتحتّم علينا توخّي الحذر في أخذ العبرة من هذه النّتائج.

 أسراب من قناني لقاح RNA مِرسال ضد كوفيد - 19 | Shutterstock, CROCOTHERY
أظهرت الدّراسات في إسرائيل أنّ اللقاحات تقلّل المرض بشكل عامّ والحالات الصّعبة بشكل خاصّ. أسراب من قناني لقاح RNA مِرسال ضد كوفيد - 19 | Shutterstock, CROCOTHERY

يقلّل الحالات المرضيّة وقد يقلّل العدوى

تابع البروفيسور عيران سيجال، الباحث في الحسابات البيولوجيّة في قسم علم الحاسوب في معهد وايزمان، والدّكتور أوري شاليط، الباحث في مجال العقل الاصطناعيّ في قسم الطب في معهد التّخنيون للعلوم التّطبيقيّة والطواقم المرافقة، مقاييس الإصابة بالمرض لدى الفئات العمريّة المختلفة منذ بداية حملة التّطعيم باللّقاح، مع الأخذ بالحسبان تأثير الإغلاق المفروض على السّكّان. وجد الباحثون في دراستهم، الّتي لم تخضع لرقابة القرناء بعد، انخفاضًا في الإصابة بالمرض بنسبة 49% وانخفاضًا بنسبة 36% في عدد حالات الرّقود في المستشفيات بسبب الإصابة بالكورونا وانخفاضًا بنسبة 29% في الحالات المرضيّة الصّعبة لدى من تفوّق أعمارهم السّتّين عامًا، وذلك في السّادس من شباط/فبراير المقارنةً مع ثلاثة أسابيع سبقت هذا التّاريخ. وكانت نسبة الانخفاض أقلّ حِدّةً لدى الفئات العمريّة الأصغر، الّذين كانت نسبة من تلقّى اللّقاح منهم في المرحلة الأولى من حملة التّطعيمات منخفضة: انخفاض بنسبة 18% في الإصابة بالمرض و 10.5% في عدد الحالات الّتي استدعت الرّقود في المستشفى. لوحِظ تأثير أعلى للّقاح في المدن الّتي كانت فيها نسبة من تلقّوا اللّقاح أعلى.

قامت البروفيسور ختام محسن، عالمة الأوبئة من جامعة تل أبيب، وأعضاء طاقمها بفحص تأثير جرعة اللّقاح الأولى بعينها وذلك بواسطة مقارنة نسبة الإصابة بالمرض لدى من تلقّوا اللّقاح مقابل سائر السّكّان. توصّلت البروفيسور محسن، في الدّراسة الّتي نشرت قبل الخضوع لرقابة القرناء، إلى أنّ نسبة نجاعة منع العدوى بعد مرور 13 يومًا من تلقي الجرعة الأولى من اللّقاح وصلت إلى 51%. 

تابع البروفيسور دورون جازيت وطاقمه من الجامعة العبريّة ديناميكا انتشار الإصابة بالمرض ونسبة الحالات المرضيّة الصّعبة الجديدة الفعليّة المقارنة مع نموذج يصف حالة بدون لقاح وكذلك بالمقارنة مع نماذج تتعرّض للّقاحات بمستويات نجاعة مختلفة. تُظهر نتائج دراستهم الّتي لم تخضع لرقابة القرناء بعد أنَّ حملة التّطعيم تقلّل من انتشار الوباء وكان تقديرهم أنّ نجاعة اللّقاحات تصل إلى 50% على الأقلّ. 

نَشر طاقما أبحاث إسرائيليّان مشاهدةً مهمّة ومشجّعة أخرى من خلال دراسات لم تخضع لرقابة القرناء بعد. وجدت مجموعة البروفيسور روعي كيشوني الباحث في مجال الحسابات البيولوجيّة في معهد العلوم التّطبيقيّة، التّخنيون، بالمشاركة مع صندوق المرضى "مكابي" أنّ العِبْء الفيروسيّ - أي كمّيّة الفيروسات في مسالك التّنفّس العُليا - كان أقلّ أربعة أضعاف لدى من أصيبوا بالفيروس خلال 12 - 28 يومًا من تلقّي الجرعة الأولى من اللّقاح، بالمقارنة مع الّذين أصيبوا بالفيروس قبل مرور 12 يومًا على تلقّيهم الجرعة الأولى. فحص الدّكتور يانيف إرليخ وباحثون آخرون من مختبر Myheritage لفحوصات الكورونا، والبروفيسور دفير إيرن من معهد العلوم التّطبيقيّة، التّخنيون، وباحثون من مختبر الفيروسات في مركز شيبا الطبي العبْء الفيروسيّ في 16 ألف من النّتائج الإيجابيّة لفحوصات الكورونا التي أجريت خلال الأشهر كانون أول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير وقارنوا بينها. لاحظ الباحثون انخفاضًا في العبء الفيروسي يتراوح مقداره ما بين 1.6 و 20 ضعفًا لدى من بلغوا السّتّين عامًا فما فوق وذلك ابتداءً من منتصف شهر كانون الثاني/يناير، لكن لم يلاحظ هذا القدر من الانخفاض لدى المصابين الأصغر سِنًّا. تتوافق هذه النّتائج مع الحقيقة أنّ أبناء السّتّين عامًا فما فوق كانوا أول من تلقّى اللّقاح، إذ ظهر تأثيره لدى هذه الفئة العمريّة بعد مرور وقتٍ كافٍ من تلقّيهم الجرعة الأولى. تدعم هاتان الدّراستان دراساتٍ أخرى أظهرت أنّ اللّقاح يعمل على تقليص الإصابة بالمرض والحالات المرضيّة الصّعبة إذ يقلّ احتمال نشر الفيروس للآخرين مع انخفاض العبء الفيروسي. 

أشارت دراسة أوّليّة نشرها باحثون من "مايو كلينيك" في الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى أنّ نجاعة لقاحات الـ mRNA في منع العدوى وصلت إلى نسبة 88%. توصّل الباحثون إلى هذه النّتيجة عن طريق المقارنة بين 30 ألفًا من عمّال قطّاع الصّحّة في عدد من الولايات الّذين تلقّوا اللّقاح وبين 30 ألفًا من نفس القطاع لم يتلقّوا اللّقاح. 

يجدر التّنويه إلى أنّ جميع الدراسات الّتي ورد وصفها هي دراسات أوّليّة جدًّا، وأنّ التقييمات العدديّة ستتغيّر توافقًا مع المعطيات المُحَتلة الّتي سترد في الأسابيع والأشهر القادمة. بالرّغم من ذلك تشير جميع الدّراسات التي أجريت حتّى هذه اللّحظة من قبل باحثين مستقلّين استخدموا فيها طرق بحثٍ مختلفة، الواحدة بمعزل عن الأخريات، إلى نفس الاتّجاه: تبلغ نجاعة اللّقاحات في منع العدوى نسبة 50 بالمئة على الأقلّ و 80 بالمئة في منع الإصابة بالمرض. 

صورة محقن على ملصقٍ كتب عليه عبارة "هيا بنا نأخذ اللّقاح"| Shutterstock, Toor Kan
تشير جميع الدّراسات إلى نفس الاتجاه: تصل نسبة نجاعة اللّقاحات 50 بالمئة في منع العدوى و80 بالمئة في منع الإصابة بالمرض. صورة محقن على ملصقٍ كتب عليه عبارة "هيا بنا نأخذ اللّقاح"| Shutterstock, Toor Kan

لا توجد أعراض جانبيّة شديدة أو شاذّة

أعطيت، حتّى ساعة كتابة هذه المقالة، حوالي 181 مليون جرعة من اللّقاحات في أنحاء العالم (نصفها تقريبًا هي لقاحات mRNA) ولم يُبلّغ عن حالات وفاة أو ردود فعل شاذّة مثل التّضخّم المتعلّق بالأجسام المضادّة (ردّ الفعل المناعيّ المُضخّم) أو الإضرار بالنّساء الحوامل. 

نشرت لجنة متابعة لقاحات الكورونا في البلاد معروضة لُخّصت فيها مجمل الأعراض الجانبيّة الّتي تمّ التّبليغ عنها حتّى تاريخ 31 كانون الثّاني/ يناير. لم تكن هناك أيّة أمور غير متوقّعة في هذه التقارير - الأعراض الجانبيّة الّتي ظهرت لدى من تلقّوا اللّقاح وتوزعها بينهم هي نفسها الّتي وُجدت في الدراسة التي أجرتها شركة فايزر قبيل الحصول على المصادقة لتسويق اللّقاح، دون التّطرّق للأعراض الجانبيّة الخفيفة الّتي كانت في الواقع أقلّ منها في تجربة فايزر. يمكن الافتراض أنّ ذلك يعود إلى أنّ من لم تستدع الأعراض الجانبيّة - في حال ظهرت عنده - علاجًا طبّيًّا لم يقم بالتّبليغ عنها. رقدَ 48 ممّن تلقوا اللّقاح في المستشفى بشكل متزامن مع تلقّيهم اللّقاح، وتبيّن بعد فحص هذه الحالات أنّ سبب الحاجة للرّقود في المستشفى يرتبط بخلفيّات مرضيّة ليس لها صلة  بتلقّي اللّقاح. أصيب ستّة أشخاص ممّن تلقّوا اللقاح بردّ فعل مناعيّ شديد. لم يلقَ أحدٌ حتفه بسبب التّطعيم.

كانت الصّورة الّتي ارتسمت  في إنجلترا حتّى تاريخ 31 كانون الثاني / يناير مشابهة. ذلك ما يتّضح من المعطيات في منظومة "البطاقة الصّفراء" التي أُعدّت للتّقرير عن الأعراض الجانبيّة للّقاح. تلقّى حوالي 6.6 مليون شخص الجرعة الأولى من لقاح فايزر وتلقى حوالي 3 ملايين شخص لقاح أسترازينيكا وتلقّى حوالي نصف مليون شخص الجرعة الثّانية من أحد اللّقاحين، ذلك حتّى تاريخ 31 كانون الثاني / يناير. تمّ التّبليغ هنا أيضًا عن عدد قليل من حالات رد الفعل الحساسيّ الشديد بتردّد بلغ حالة حتّى حالتين لكل 100 ألف من اللقاحات.  تمّ التّبليغ، في مجلة JAMA، عن 66 حالة من ردّ الفعل الحساسيّ الشّديد من أصل 18 مليون جرعات من لقاحات mRNA أعطيت في الولايات المتّحدة الأمريكيّة حتّى تاريخ 18 كانون الثّاني يناير. لذا فقد صدرت التّوجيهات للأشخاص المعرضين لردّ الفعل الحساسيّ الدّائم بالامتناع عن تناول اللّقاح، خاصةً إذا عُلِم عن وجود حساسية لأحد مُكوّناته لديهم؛ كما ويتوجّب على كلّ من يتلقّى اللقاح المكوث 15 دقيقة (حيث ظهرت حوالي 80 بالمئة من حالات ردّ الفعل الحساسيّ في الولايات المتّحدة خلال أقلّ من 15 دقيقة من تلقّي اللّقاح). 

تكنولوجيا لقاح mRNA قائمة منذ أكثر من عقدين والتّجارب السّريريّة على هذا النّوع من اللقاح ضدّ الفيروسات المختلفة وضدّ مرض السّرطان جارية وهي في مراحل مختلفة منذ ما يزيد عن عشر سنين إلّا أنّ لقاحات mRNA ضدّ الكورونا لشركات فايزر وموديرنا هي الأولى من نوعها الّتي حصلت على مصادقة لاستخدامها. تشير المعطيات من هذه التّجارب والمعطيات عن عشرات الآلاف من الأشخاص الّذين  شاركوا في الاختبارات الّتي أجرتها الشّركتان وتلقّى قسم منهم اللّقاح في نيسان / أبريل من العام 2020 إلّا أنّه من غير المتوقّع حصول أعراض جانبيّة طويلة المدى لدى من تلقّى اللّقاح.

صورة شخص يتلقى حقنة من اللقاح | Dr P. Marazzi / Science Photo Library
لم يُبلّغ عن حالات وفاة أو ردود فعل شاذة جراء اللقاحات التي تلقاها حوالي 181 مليون شخص في أنحاء العالم | صورة شخص يتلقى حقنة من اللقاح | Dr P. Marazzi / Science Photo Library

تطعيم المتعافين من الكورونا

أشارت بعض الدّراسات الّتي أجريت في أنحاء العالم وفي البلاد أيضًا والتي نُشرت رقميًّا؛ إلى أنّها لم تخضع لرقابة القرناء بعد إلى تعاظم مستوى المضادات الحيوية بعشرة إلى ألف ضعف لدى من تعافوا من الكورونا وتلقوا جرعة واحدة من اللقاح بالمقارنة مع مستوى هذه المضادّات لدى من تعافوا من الكورونا ولم يتلقّوا اللّقاح أو من لم يصابوا بالكورونا وتلقّوا جرعة واحدة من اللّقاح. كما أشارت الدّراسات إلى تكوّن خلايا الذاكرة من الأنواع B و T. كان، وفقًا لهذه الدراسات، مستوى المضادات الحيويّة لدى الّذين تعافوا من الكورونا وتلقّوا جرعة واحدة من اللّقاح مشابهًا أو أعلى من مستوى المضادّات لدى من لم يصابوا بالكورونا وتلقّوا جرعتين من اللّقاح. لا يوجد فرق في ردّ الفعل الحساسيّ، حسب الدّراسة الإسرائيليّة، بين المجموعات العرقيّة المختلفة (اليهود والعرب والدروز). 

نشر مركز مراقبة الأمراض في الولايات المتّحدة الأمريكيّة (CDC) تعليمات محتلة عن لقاحات الـ mRNA. تشير هذه التّعليمات إلى جواز تطعيم المتعافين من مرض COVID - 19 ومنع تطعيم المرضى أو من انكشف لمريض مُحقّق. يقرّ الـ CDC أنّه لا توجد حاجة لعزل من انكشف لمريض مُحقّق ولم تظهر لديه أعراض المرض وهو ممّن تلقّوا اللّقاح كاملًا (أسبوعان بعد الجرعة الثاّنية) وذلك بالاعتماد على الافتراض بأنّ احتمال انتقال الفيروس ممّن تلقّى اللّقاح كاملَا ثمّ أصيب بالفيروس بالعدوى لكنّه لم يعاني من أعراض المرض هو احتمال قليل. لا يُعطى اللّقاح في إسرائيل بعد لمن تعافى من المرض وذلك لاستغلال الاحتياطيّ المحدود من اللّقاح في تطعيم من لا توجد لديهم أيّة حماية. على الرّغم من ذلك، ووفقًا لهذه الدّراسات، يمكن تطعيم المتعافين بجرعة واحدة فقط وبذلك تتوفّر جرعات للتّطعيم.

صورة توضيحية لفيروس الكورونا بجانب جزيء RNA مرسال | Shutterstock, Mike Mareen
تفيد الدراسات المختلفة بأنّ مستوى المضادات الحيوية لدى من تلقّى جرعة واحدة من اللّقاح بعد تعافيه من المرض تشبه أو تفوّق مستوى المضادّات لدى من تلقى جرعتين من اللقاح ولم يصب بالمرض قبلها. صورة توضيحية لفيروس الكورونا بجانب جزيء RNA مرسال | Shutterstock, Mike Mareen

لُقاحات mRNA ناجعة ضدّ الطّفرات المختلفة للفيروس ونجاعة اللّقاحات الأخرى أقلّ

تداولت مسألة نجاعة اللّقاحات ضدّ طفرات الفيروس المختلفة في الآونة الأخيرة.  يمرّ فيروس الكورونا كسائر الكائنات الحيّة بتغيّرات تطوّرية. يزداد احتمال تطوّر صفات تُكسِب الفيروس قدرة متزايدة على العدوى - مثل الطّفرة البريطانيّة - مع ازدياد عدد الأشخاص المصابين كما وقد تتطوّر لدى الفيروس القدرة على التّملّص من المضادّات الحيويّة، خاصّةً تلك الّتي تؤدّي إلى تحييده، والّتي تتكوّن في الجسم عند الإصابة الأولى بالفيروس الأصليّ. المضادّات الحيويّة التي تعمل على تحييد الفيروس هي المضادات الّتي ترتبط ببروتين السّبايك لدى الفيروس بحيث تمنعه من الارتباط بالمستقبلات الموجودة على خلايا الجسم. 

وجد البروفيسور جدعون شرايبر وأعضاء مجموعته من معهد وايزمان للعلوم، بواسطة تجارب "التّطور داخل أنبوب الاختبار"، الطّفرات الّتي تثير الشّكوك والمخاوف لدى العلماء، الطّفرة البريطانيّة وجنوب الإفريقيّة والبرازيليّة. كما اكتشف الطّاقم ذاته طفرة أخرى في نفس موقع الارتباط مع المستقبِل، ولمّا تظهر هذه الطّفرة بين السكان. من شأن هذه الطّفرة تحسين قدرة الفيروس على الارتباط بالمستقبِل وإلحاق الضّرر بقدرة المضادات على تحييد الفيروس. أشارت دراسة أخرى مشابهة، "التّطوّر لدى الفيروس داخل أنبوب الاختبار"، أجراها باحثون من إيطاليا والولايات المتّحدة الأمريكيّة، هي الأخرى إلى أنّه بمقدور مثل هذه الطّفرات الّتي وجدت في المتغيّر الجنوب افريقي إلحاق الضرر  بنجاعة المضادّات الحيوية المُحَيّدة.

يوجد للتخوّف من الإضرار بنجاعة اللقاح ما يبرره في لقاحات نوفا واكس وجونسون أند جونسون وأسترا زينيكا (أكسفورد). طوّرت شركة نوفا - واكس لقاحًا يعتمد على البروتين بينما تعتمد لقاحات جونسون أند جونسون وأسترا زينيكا على ناقل من الفيروسات الغُدّية. أجرت هاتان الشّركتان دراستهما في انجلترا وجنوب إفريقيا وتبين من هذه الدراسة أنّ نجاعة لقاحاتها بلغت حوالي 90 بالمئة ضد الطفرة البريطانية في حين كانت النجاعة منخفضة في الدراسة التي أجريت في جنوب إفريقيا (نوفا - واكس: نجاعة مقدارها 60 بالمئة، وبلغت نجاعة لقاح أسترازينيكا 22 بالمئة فقط ولم تتعدّ عشرة بالمئة إذا ما تم فحص الأشخاص الذين أصيبوا بالطفرة جنوب الافريقية فقط). قرّرت جنوب إفريقيا، على أثر ذلك، عدم استخدام مليون لقاح كانت قد ابتاعتها من شركة أسترا زينيكا. تبدي لقاحات mRNA، بالمقابل، نجاعة جيّدة ضدّ جميع الطّفرات. 

نشرت الشّركات المنتجة للقاحات mRNA دراسات حول نجاعة المضادّات الحيويّة التي تعمل على تحييد الفيروس والموجودة في مصل (سائل) الدّم الّذي أُخذ من المُطعَّمين بعد أسبوع من تلقّيهم الجرعة الثّانية من اللّقاح (موديرنا) أو أسبوعين حتّى شهر (فايزر). وفقًا للدراسة الّتي نشرتها شركة مودرنا في مجلة New England journal of Medicine، تمّ فحص النّجاعة ضدّ الطّفرة البريطانيّة وجنوب الإفريقية وطفرات أوروبيّة مختلفة بما فيها تلك الّتي تمّ اكتشافها لدى حيوان المِنْك. نشرت شركة بيونتك - فايزر دراستين في المجلات New England journal of Medicine و Nature Medicine فُحصت فيهما نجاعة مصل المُطَعمين ضدّ مختلف الطّفرات بما فيها الطّفرة البرازيليّة. وُجد في هذه الدّراسات أنّ لقاحات الشّركتين تُنتج مضادّات حيويّة تعمل على تحييد الفيروس بنجاعة متشابهة ضدّ مختلف الطّفرات عدا عن الطّفرة جنوب الإفريقيّة الّتي كان معدل نجاعة اللّقاحين ضدّها أقلّ ثلاثة أضعاف. بالرّغم من انخفاض النّجاعة فقد كان مستوى المضادّات الحيويّة الّتي تعمل على تحييد الفيروس عاليًا بما يكفي لمنح الوقاية. فُحصت في بعض الدّراسات الّتي لم تخضع لرقابة القرناء بعد نجاعةُ المضادّات الحيويّة الّتي تتكوّن خلال ردّ الفعل على اللّقاحات ضدّ الطّفرة البريطانيّة وتبيّن فيها، من خلال الاستعانة بفحوصات أجريت في خلايا مزروعة، أنّ مصل دم المُطَعَّمين يستطيع تحييد الطّفرة البريطانيّة بنجاعة تشبه تلك الّتي يُحَيّدُ بها الفيروس الأصلي، أو أقل بقليل - لكن ليس إلى حدّ يمنع اللّقاح من أن يكون فعالًا ضدّ الطّفرة. تشهد على ذلك حملة التّطعيمات في البلاد - إذ أنّ الطفرة البريطانيّة هي الطفرة الرّئيسيّة المنتشرة الآن في إسرائيل.

فحصت في هذه الدّراسات وفي دراسات أخرى قدرة المضادّات الحيويّة الّتي تتكوّن نتيجة لتلقّي اللقّاح على تحييد الطّفرة جنوب الإفريقيّة أو البرازيليّة. أظهرَ قسم من هذه الدّراسات، الّتي لم تخضع لرقابة القرناء بعد، أنّ قدرة مصل دم المُطعّمين على تحييد هاتين الطفرتين منخفضة (تشير الأرقام إلى انخفاض النّجاعة بـِ خمسة أضعاف حتّى إثني عشر ضعفًا). فُحصت في دراسة أخرى، والّتي لم تخضع هي الأخرى لرقابة القرناء، نجاعة إعطاء جرعة واحدة من لقاح mRNA لأشخاص أصيبوا بالفيروس ومرضوا بـِ COVID19. أظهرت النّتائج، من خلال فحوصات في خلايا مزروعة، ارتفاعًا مقداره ألف ضعف في مستوى المضادّات الحيويّة المُحَيِّدة الناجعة ضدّ فيروس كورونا الأصليّ وضدّ الطّفرة جنوب الإفريقيّة أيضًا - وحتّى ضدّ فيروس سارس الأوّل.

وأخيرًا، فحص باحثون من جامعة أكسفورد في إنجلترا نجاعة المضادّات الحيويّة المُحَيِّدة وفعالية خلايا جهاز المناعة من النوع T. نشر هؤلاء الباحثين دراسة لم تخضع لرقابة القرناء بعد تفيد انخفاض فعاليّة المضادّات الحيويّة المُحَيِّدة ضدّ الطّفرة جنوب الإفريقيّة بعد جرعتين من اللّقاح بـِ 3 - 5 أضعاف بالمقارنة مع الفعاليّة ضدّ الفيروس الأصليّ بحيث لم تتمكّن عيّنتان من أصل خمس وعشرين عيّنة من تحييد الطّفرة. لم تستطع، مقابل ذلك، العيّنات الّتي أخذت من المتعافين أو ممّن تلقّى جرعة واحدة من اللّقاح تحييد الطّفرة. من هنا فإنّه من المهمّ تلقّي جرعتَيْ اللقاح. وجد الباحثون أنّ المضادات الحيويّة الّتي احتوت عليها العيّنات الّتي أخذت من الّذين تلقّوا جرعتين من اللّقاح استطاعت تشخيص بروتينات السّبايك الخاصّة بفيروس سارس و MERS وأربعة فيروسات كورونا تؤدّي إلى نزلة برد، فمن المحتمل إذًا أن يُكسِب اللّقاح حمايةً ما ضدّ هذه الفيروسات أيضًا. النّتيجة ذات الأهمّيّة الأكبر هي تلك المتعلّقة بخلايا T: وجد الباحثون أنّ رد فعل خلايا T لدى من تلقّى جرعتين من اللّقاح كان متشابهًا في أربعة الطّفرات (الأصليّة، البريطانيّة، البرازيليّة وجنوب الإفريقيّة)، ذلك لأنّ خلايا T تُشخِّص المواقع المتطابقة في بروتين سبايك في الطّفرات الأربعة جميعًا. استنتج الباحثون أنّ فعالية خلايا T تساعد في القضاء على المرض بالرّغم من انخفاض فعاليّة المضادّات الحيويّة المُحَيِّدة. تتوافق هذه النّتيجة مع دراسة أخرى فُحصت فيها قدرة التّشخيص لدى خلايا T الخاصّة بالمتعافين من COVID19 (غير المُطَعّمين). تبيّن في هذه الدراسة أيضًا أنّ خلايا T تستطيع تشخيص مقاطع على امتداد بروتين سبايك بأكمله ولذلك لا تؤثر الطفرات المختلفة على فعالية خلايا T. 

تلخيص

أظهرت جميع الدّراسات الّتي أجريت حتّى الآن في البلاد والعالم أنَّ لقاحات mRNA آمنة وناجعة في تقليل العدوى والمرض من الفيروس الأصليّ وكذلك من طفراته المختلفة. تطعّموا إن لم تفعلوا بعد!

0 تعليقات