تنثُر نبتة الدخف (Arisaema) رائحةً تشبه الرائحة التي تنبعث من إناث بعض الحشرات وتوقِعُ في الفخّ مُلَقِّحاتها - الذكور التي تبحث عن التزاوج
تُشكّلُ عملية التلقيح مجموعةً من العلاقات المتبادلة بين الحشرات وبين النباتات المزهرة: تَنقل الحشرة حبوب اللقاح الذكريّة العالقة بجسمها من زهرة إلى أخرى، وتُخصِب بذلك أعضاء التكاثر الأنثويّة في النّبتة الأخرى. تمنح النبتةُ الحشرةَ المُلقِّحة جائزةً - الرحيق الغنيّ بالسكّر مثلًا. هذه ليست علاقة متبادلة دائمًا، إذ تنثر بعض النباتات إشاراتٍ مُضلِّلة لجذب المُلقِّحات.
تبيَّنَ من مراجعة أدبية جديدة أجريت على نبتة الدخف (Arisaema) أنّ غالبية أصناف هذه النبتة تنثر الروائح التي تتميّز بها الإناث من نوع معيّن من الذبابيات طويلة المحسّس، وذلك لإغراء مُلقِّحاتها الرئيسية وهي ذكور الذبابياّت. عُرفت حتّى الآن ثلاث عائلات من النباتات التي تستخدم طريقة مشابهة من الخداع - السوسنيّات والأوركيد والفصيلة المركّبة أو النجميّة - إلّا أنّ نبتة الدّخف تختلف عنها بأنّها تقضي على الحشرات المُلقِّحة بعد إغوائها وقيامها بالتلقيح.
تنثر نبتة الدّخف (في الصورة) رائحة تُغري الحشرة المُلقّحة لتدخل إليها، وتقع الحشرة في فخّ الزهرة الأنثوية | PHOTOZON, Shutterstock
في أعقاب الرَّائحة دائمًا
قد تحوي الزهرة التي تُشكّل عضو النبتة التكاثريّ أعضاء تكاثر ذكريّة أو أعضاء تكاثر أنثويّة أو كلاهما معًا. يبدأ تطوّر الثمرة بعد أن تصل حبوب اللقاح التي تحتوي على الأعضاء الذكريّة إلى البويضة، ويحدث الإخصاب. يحتاج توصيل حبوب اللقاح الذكريّة إلى البويضة، في كثير من الحالات، المساعدة من عامل خارجيّ - الطيور والحشرات بشكل خاصّ. تسمّى الكائنات التي تجلب حبوب اللقاح إلى الزهرة بالمُلقِّحات، وتستخدم النباتات استراتيجيّات متنوّعة لجذب الملقِّحات إليها، الألوان والمذاقات والروائح مثلًا.
لا تُفوّت الحشرات الروائح التي تنثرها غالبية أنواع الدّخف، إلّا أنّها -الروائح- لا تُبقي تقريبًا أيّ انطباعٍ يُذكر على حاسة الشمّ المحدودة الموجودة عند الإنسان.
تنجذب ذكور الحشرات الملقِّحة للرائحة، وتدخل إلى الزهرة عبر الفتحة الموجودة في رأسها، ثم تنزل نحو الزهيرات الصغيرة التي تكون في انتظارها أسفل الزهرة. ألوان الجزء السفليّ من الزهرة أقلّ غمقًا من الأجزاء الأخرى، ويتكوّن الوهم بأنّ هذه هي فتحة للخروج.
تجويف المصيدة الداخليّ، كما هو الحال في نبات النابنط المفترس، مكسوٌّ بالشمع الأملس لمنع تسلّق الحشرة إلى الخارج. يكتسي جسم الحشرة المُلقّحة بِحبيبات اللقاح خلال محاولتها الخروج من زهرة الدخف الذكريّة وتخرج الحشرة، في نهاية الأمر، من فتحة صغيرة في أسفل الزهرة. أمّا في زهرة الدخف الأنثويّة فلا يوجد ملاذ أو مخرج. تنقلُ الحشرة المُلقّحة حبيبات اللقاح إلى الأعضاء الأنثويّة وتموت في النهاية.
يكتسي جسم الحشرة المُلقِّحة داخل الزهرة الذكريّة بحبيبات اللقاح ثمّ تخرج الحشرة بعد ذلك من الزهرة، أمّا في الزهرة الأنثويّة فلا توجد فتحة للخروج، وتُحبس الحشرة الملقّحة داخل الزهرة وتموت بعد نقلها لحبيبات اللقاح الذكريّة. في الصورة: زهرة الدخف الذكريّة (في جهة اليسار) و الزهرة الأنثويّة (في جهة اليمين)| الرسم التوضيحي: Hiroki Nishigaki, مأخوذ من مقال البحث
اقتُرحت فرضياتٌ كثيرة في محاولةٍ للإجابة عن السؤال: لماذا تقتل الزهرة مُلَقِّحاتها؟ ساد الاعتقاد في الماضي بأنّ افتقار الزهرة الأنثويّة لفتحة الهروب يُطيل مدّة مكوث الحشرة داخل الزهرة، الأمر الذي يزيد من إمكانيّة حدوث الإخصاب، لكن التجربة التي أجريت على الخدف من النوع Arisaema triphyllum، لم تنجح في التصديق على أنّ عدم وجود فتحة الهروب يزيد فعلًا من محصول ثمار النبتة. هناك حاجة، إذًا، لدراسات أخرى تفحص سبب "نكران الجميل" من قبل النبتة تجاه الحشرات التي تُسهم في تكاثرها.
يصعب فهم حقيقة انجذاب الحشرات إلى النباتات فهمًا تامًّا، خاصةً لأنّ حاسة الشمّ عندنا ليست كافية من أجل تمييز الروائح التي تنثرها هذه النباتات. ساد الاعتقاد في الماضي أنّ أنواع الدخف المختلفة، بما فيها تلك التي يشبه شكلها شكلَ الفطر، تنثر الروائح الشبيهة بروائح الفطر لتجذب الحشرات، الذكور والإناث، إلى البيئة المحيطة المعروفة لها، بهدف التكاثر. لكن الشكّ الذي راود الباحثين في الآونة الأخيرة هو أنّ انجذاب الحشرات إلى أزهار هذه النباتات هو انجذاب "تكاثريّ"، إذ اتّضح أنّ الغالبية العظمى من الحشرات التي وقعت في فخّ النبتة هي ذكور من نوع واحد من الحشرات أو نوعين على الأكثر. لذلك، الاعتقاد الآن هو أنّ غالبية أنواع الدخف تنثر رائحة شبيهة برائحة إناث الحشرات. يأتي ذَكَر الحشرة إلى النبتة، منجذبًا للرائحة الشبيهة برائحة الأنثى، للتزاوج، أمّا النبتة فلها مآرب أخرى. إنّه انجذاب قاتل فعلًا.