طوّر علماء من معهد التّخنيون تقنيّة تتيح تصنيعًا قليل التّكلفة لمُكوّنات بصريّة مُتقنة دون الحاجة لصقلها

 تتميّز المُكوّنات البصريّة الحديثة المتقدّمة من نوعيّة الشّكل الحرّ (Freeform optics) بسطح خارجيّ مُعقّد يمكنه تصميم الضّوء الّذي يمرّ من خلاله والحصول على تأثيرات بصريّة مُركَّبة. طوّر باحثون من معهد العلوم التّطبيقيّة، التّخنيون، طريقة جديدة رخيصة وأنيقة تعتمد على "تصميم السّوائل" لتصنيع مثل هذه المُكوّنات.  

ترتكز هذه الطّريقة على بوليمر- مادّة مكوّنة من سلاسل طويلة مكوّنة من وحدات بناء صغيرة - يتمّ حقنه داخل قالب موجود في حوض ماء. يتمّ تصميم الشّكل المرغوب للبوليمر عن طريق الدّمج بين حدود القالب وبين مجمل القوى الفيزيائيّة العاملة على البوليمر. يُعرَّض البوليمر،  بعد اتّخاذه الشّكل النّهائيّ واستقراره، للأشعّة فوق البنفسجيّة فيصلُبُ ويَنتج منه مُكوّنٌ قاسٍ وأملس جدًّا. تتيح هذه الطّريقة البسيطة، المتطوّرة والمحكمة، تصنيع المكوّنات البصريّة المعقّدة متنوّعة المقاسات بسهولة بالغة، وتغنينا عن الأجهزة المعقّدة وباهظة الثّمن المستخدمة اليوم في التّصنيع الميكانيكيّ للمكوّنات البصريّة المشابهة. 

 

تصميم السّوائل

لم تتغيّر كثيرًا عمليّة تصنيع المكوّنات البصريّة، مثل العدسات المحدّبة العاديّة، خلال المائة عام الأخيرة، وهي تتطلّب استخدام ماكينات التّصنيع الميكانيكيّ المتطوّرة وباهظة الثّمن. يتمّ، أوّلًا، نحت شكل العدسة من كتلة زجاجيّة عالية الجودة يذهب معظمها للنّفايات. ثمّ يتمّ صقل العدسة الخشنة جيّدًا للحصول على مُكوّن بصريّ عالي الجودة، سطحه أملس لا يبعثر الضّوء الّذي يمرّ من خلاله. يصعب تصنيع العدسات ذات الأشكال المركّبة بالطّريقة التّقليديّة الّتي تقتصر على تصنيع العدسات المحدّبة العاديّة المستخدمة خاصّةً في النّظّارات أو العدسات المكبِّرة، ذلك إضافة إلى التّكلفة العالية للأجهزة الميكانيكيّة المستخدمة فيها (مَكْنكة)، وكمّيّات النّفايات الكبيرة النّاتجة في الطريقة التّقليديّة. 

עדשה עם פני שטח מורכבים | צילום: מתוך המאמר
طوّر باحثون من معهد التخنيون طريقة أنيقة ورخيصة لتصنيع مكوّنات الشكل الحرّ. في الصورة عدسة ذات سطح مُعقّد | التصوير: من المقال

 

تتكوّن سطوح المكوّنات البصريّة من الطّراز الجديد من مناطق محدّبة (تلال) متنوّعة ومقعّرة (وهاد) مبعثرة بصورة تبدو عشوائيّة. يسمّى الشّكل النّاتج بـِ "الشّكل الحرّ" ويمكن أن نتصوّره كمجموعة متواصلة من العدسات المختلفة الّتي "تُناور" حركة الضّوء سويّةً بشكل أكثر تعقيدًا ممّا يمكن أن تقوم به العدسات العاديّة. يمكن أن يقوم مُكوّن واحد من مكوّنات الشّكل الحرّ بعمل يقوم به عدد من العدسات التّقليدية، أو أن يُصمِّم تقدّم الضّوء من خلاله بصورة لا يمكن أن تقوم بها العدسات العاديّة بتاتًا. 

طورت مجموعة الباحثين من معهد التّخنيون، بقيادة البروفيسور موران بركوفيتش، طريقة أنيقة وسهلة لتخطّي قيود التّصنيع الميكانيكيّ التّقليديّ وإنتاج مكوّنات الشّكل الحرّ ذات السّطح الخارجيّ المُركّب. تعتمد هذه الطّريقة على تصميم موادّ سائلة بواسطة مبادئ فيزيائيّة بسيطة وسهلة مثل قوّة الجاذبيّة والتّوتّر السّطحيّ للسّائل، بهدف تصميم بوليمر سائليّ بالشّكل المرغوب. كلّ ما يتبقّى فعله بعد ذلك هو تحويل البوليمر إلى الحالة الصّلبة عن طريق تعريضه للأشعّة فوق البنفسجيّة، والحصول على مُكوِّن بصريّ سطحه الخارجيّ أملس للغاية. 

طوّر الباحثون نموذجًا رياضيًّا يوازن بين قوّة الجاذبيّة والتّوتّر السّطحيّ للبوليمر وبين القوى المؤثّرة عليه داخل الوسط السّائليّ، واستخدموه لتنبّؤ الشّكل النّهائيّ الّذي يتّخذه البوليمر داخل قاعدة مقولبة ترسم الحدود الّتي يمكن للبوليمر أن يكتسب تصميمه في نطاقها. بذلك، يمكن أن يتحكّم الباحثون بشكل البوليمر وكثافته وحجمه.

تصنيع مكوّنات الشكل الحرّ بواسطة "تصميم السوائل"

يُتاحُ التّصميم الأنيق للمكوّن ذي الشّكل الحرّ فقط عندما يُحقن البوليمر في قاعدته المقولبة الموجودة فيما يشبه الحوض المليء بالسّائل المائيّ. لا يختلط البوليمر بالماء - مثل الزّيت والماء - وبذلك يعمل الوسط المائيّ على موازنة قوّة الجاذبيّة الّتي تؤثّر على البوليمر عن طريق القوّة المضادّة الّتي يؤثّر بها الماء عليه (القوة الهيدروستاتيكيّة). لا تتعلّق هذه الطّريقة عمليًّا بكبر المكوّن البصريّ المراد تصنيعه، لأنّه يمكن أن يحصل توازن القوى في أحجام سواء كانت صغيرة أو كبيرة. يمكن تصنيع عدسات بأيّ حجم نريد مع الحفاظ على سطح مالس جدًّا دون الحاجة لعمليّة صقل ذلك، لأنّ درجة خشونة سطح العدسة الخارجيّ تنبع من سطح التّلامس المالس جدًّا بين الماء والبوليمر.  

يخطط الباحثون فحص طريقة تصنيع هذه المكوّنات في ظروف الجاذبيّة الصّغرى (Micro-gravity) في الفضاء ضمن التّجارب الّتي سيجريها الفضائيّ الإسرائيليّ إيتان استيفا ضمن مَهمّة "السّماء" في محطّة الفضاء الدّوليّة. قام بركوفيتش وزملاؤه مؤخّرًا بمشاركة وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في الاستعداد للتّجارب المزمع إجراؤها في الفضاء الخارجيّ، وصنعوا عدسات داخل طائرة خاصّة تُكوّن ظروف انعدام الجاذبية لفترة قصيرة. 

من شأن هذه الطّريقة الجديدة لتصنيع العدسات المعقّدة دون الحاجة للماكينات الثّقيلة وباهظة الثّمن ودون تكوين كمّياّت هائلة من النّفايات، أن تؤدّي إلى تغيير عالم المُكوّنات البصريّة مثل ما كان تأثير الطّابعات ثلاثيّة الأبعاد على تصنيع الهياكل المعقّدة. يبدو أنّه سيصبح بمقدور أيّ شخص تقريبًا، في المستقبل القريب، تخطيط العناصر البصريّة وتصنيعها وفحصها بسرعة فائقة، ومن ثمّ استخدامها في تصنيع النّماذج الأوّليّة للمكوّنات البصرية المستقبليّة. 

0 تعليقات