سنكتشف من خلال تجربة بسيطة، ولكنّها مذهلة، مركبّات اللون في القلم اللّبديّ الأسود

في هذه التّجربة سنقوم بفصل اللّون الأسود للقلم إلى الألوان الّتي يتكوّن منها،  ونرى أنّه نتاج خليط عدّة ألوان.

المعدّات اللّازمة

  • ورق جريدة بسيط بدون طلاء الورنيش (الإمكانيّة الأمثل)، أو فلتر القهوة الورقيّ أو ورق ماصّ أو بريستول من عبوات الطّعام (بالأولويّة الأخيرة). لا تستخدم ورق الدّفاتر أو الطّباعة - لن تنجح التّجربة.
  • كوب شفّاف
  • مقصّ
  • قلم أسود يعتمد على الماء (لا تنجح التّجربة عند استعمال الأقلام غير القابلة للمحو والّتي تعتمد على الأسيتون)
  • ماء
  • قلم رصاص
  •  لُصّيق - سيلوتِب (sellotape)

 

مجرى التّجربة

يمكن مشاهدة مجرى التّجربة في الفيديو التّالي:

 

بدأ في النّباتات وانتشر

التّفريق اللّونيّ (الكروماتوغرافيا)  طريقة ناجعة جدًّا لفصل خليط من الموادّ عن بعضها: أي عدّة موادّ مخلوطة معًا. الكروماتوغرافيا مكوّنة من دمج كلمتين باليونانيّة: الكرومو ومعناها "اللّون" والغرافيا ومعناها " الكتابة". أي أنّ المعنى الحرفيّ للكروماتوغرافيا هو "كتابة ألوان". أُطلق هذا الاسم على هذه الطّريقة على يد العالِم الرّوسيّ- الإيطاليّ الّذي طوّرها:  ميخائيل تسويت.

لم يكن تسويت كيميائيًّا، وإنّما عالِم نبات - أي باحث  في علم النّباتات، وقد أثارت اهتمامه الصّبغات (pigments) الموجودة في النّباتات. بما أنّ الألوان في النّباتات عبارة عن خليط من الموادّ، وبما أنّه عند مزج عدّة ألوان نحصل على لون جديد، والّذي قد يكون مضلّلًا، حاول تسويت إيجاد طريقة لفصل الموادّ الصّابغة المختلفة عن بعضها. تشمل الطّريقة الّتي اخترعها  عام 1901: ملء أنبوب زجاجيّ عموديّ طويل (يُعرف باسم "العمود") بمسحوق من حجر الجير الّذي قام بطحنه ناعمًا، ومن ثمّ سكب محلول أخضر في الطّرف العلويّ من الأنبوب حصل عليه من أوراق النّبات المفتّتة، متدفقًّا حتّى أسفل الأنبوب.

أثناء تدفّق المحلول في الأنبوب، تمّ فصل مركبّاته إلى ثلاثة أجزاء: أخضر، برتقاليّ وأصفر. كلّ من الألوان يمثّل مجموعة من الموادّ الموجودة في أوراق النّباتات: الكلوروفيل، الكاروتين والزّانثان (Xanthan). تخرج كلّ مادّة من أسفل الأنبوب في توقيت مختلف.

 

אירו כרומטוגרפיה מויקיפדיה

فصل خليط من الموادّ (أحمر وأزرق) بواسطة  سكبها وتدفّقها في العمود - كلّ لون يخرج في توقيت مختلف | المصدر: ويكيبيديا

 

نظرًا لأنّ طريقة الفصل هذه تعتمد على الألوان، أطلق عليها تسويت كروماتوغرافيا. لسوء حظّه، نشر ابتكار هذه الطريقة في مجلّة علميّة غير معروفة في بولندا، واستغرق الأمر عقدًا قبل الاعتراف به كمخترع  هذه الطّريقة. توفّي تسويت  عام 1919، ولم يحظَ  بمشاهدة تطوّر الطّريقة الّتي اخترعها.  عام 1952 مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء للكيميائيّين آرتشر مارتن وريتشارد سينج على تطوير الكروماتوجرافيا،  والّتي تعتبر اليوم واحدة من أكثر الطّرق المستعملة لفصل الموادّ وربّما الأكثر استعمالًا.

فصل الموادّ بالاعتماد على الامتزاز 

كيف تعمل الكروماتوغرافيا ؟ أجرى بعض الكيميائيّين قبل تسويت تجارب  مشابهة إلى حدّ ما لتجاربه.  اِعتقدوا أنّ الكروماتوغرافيا تفصل بين الموادّ من خلال آليّة  شبيهة بالتّرشيح أو بالشّعيرات (من خلال الخاصّيّة الشّعريّة يتمّ امتصاص السّوائل إلى الأنابيب الدّقيقة) لكن من خلال مبدأ عمل مختلف، يعتمد على خاصّيّة كيميائيّة تسمّى "الامتزاز أو الادمصاص" أي التصاق مادّة بمادّة أخرى. يمكن أن تلتصق الموادّ ببعضها البعض نتيجة قوى الجاذبيّة الكهربائيّة الموجودة بين الجسيمات الصّغيرة الّتي تركّب الموادّ.

مثال على مادّة شديدة الامتزاز: الكربون النّشط (الفحم المنشّط)، الّذي يمتص الألوان من الماء وينقّيها، وقد تمّ عرض الظّاهرة على الموقع في تجربة علميّة يمكن إجراؤها في المنزل 

في الكروماتوغرافيا، يكون الامتزاز ضعيفًا،  أي أنّ الموادّ الّتي تتدفّق  وتمرّ على أسطح موادّ أخرى،  مثل الورقة في تجربتنا أو مسحوق الجير في التّجربة الأصلية لـتسويت،  تلتصق لفترة قصيرة على سطح الموادّ. بما أنّه توجد قوى جاذبيّة بين الموادّ والمذيب (مثل الماء)، فإنّها تنجذب عكسيًّا من السّطح إلى المحلول. نتيجة هذه الجاذبيّة الضّعيفة هي تباطؤ أو تعطيل تدفّق المادّة. كلّ مادة تتفاعل مع المذيب ومع المادّة الّتي تتدفّق عليها، وبالتّالي وتيرة تدفّقها مختلفة. ولذلك يمكن فصل خليط الموادّ عن بعضه  بسبب كون كلّ مادّة تتعوّق وتتدفّق  بوتيرة مختلفة. يمكن تشبيه الأمر لمجموعة من الأشخاص الّذين بدأوا الرّكض معًا في المسار، ويقف حول المسار جمهور يمدّ أياديه ويمسك بالعدّائين للحظات قصيرة. يتأخّر كلّ عدّاء لفترة زمنيّة مختلفة، فتتفرّق مجموعة العدّائين وتصل إلى خطّ النّهاية في أوقات مختلفة.

كما ذكرت أعلاه، مرّت الكروماتوغرافيا بعمليّات تطوّر، وتوجد اليوم أعمدة فصل مطليّة/مكسوّة  بموادّ معيّنة تساهم في فصل الموادّ بالصّورة الأمثل، وهناك كاشفات تحدّد متى تخرج الموادّ المختلفة من العمود (حتّى لو كانت عديمة اللّون)، هناك أعمدة طويلة جدًّا  (حتّى عشرات الأمتار!).  كروماتوغرافيا  تفصل بين الغازات، وخلائط من المذيبات والمضخّات الّتي تسرّع من عمليّة التّدفّق وتوفّر الوقت.  يمكن اليوم فصل أيّ خليط من الموادّ تقريبًا من خلال الكروماتوغرافيا. تكمن أهمّيّة  الفصل، أيضًا، في تمييز وتحديد كمّيّات الموادّ (مجال تخصّص الكيمياء التّحليليّة) وفي عمليّة إنتاجها.

ملاحظة علميّة أخرى يجب التّطرّق إليها في تجربتنا: في تجربة تسويت، كان المحلول يتدفّق بتأثير قوّة الجاذبيّة - من الأعلى إلى الأسفل. في التّجربة الحاليّة، تسري الموادّ من خلال القوّة الشّعريّة للورقة - يتمّ امتصاص الماء وارتفاعه إلى الأعلى نتيجة  القوى بين الماء والورق، المسامات في الورقة، وبين جزيئات الماء نفسها.


في الصورة: كروماتوغرافيا من خلال الورق الفاصل للألوان - اِرتفاع السّائل بواسطة الخاصّيّة الشّعريّة.

 
 
الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف العلمي والتحرير: رقيّة صبّاح أبو دعابس

استجابة واحدة

  • Shams

    This is so bad and it didn’t

    This is so bad and it didn’t help,me with a single thing