هل شرب الكثير من الماء يساعد على إنقاص الوزن؟ قد يبدو هذا منطقيًا، لكن الأبحاث لا تدعم ذلك!
السّمنة هي واحدة من التّحديات الصّحّيّة الجوهريّة في عصرنا. في السّنوات الأخيرة، تظهِر البيانات أنّ أكثر من ثلث المواطنين الإسرائيليّين يعانون من زيادة الوزن، وما يُقارب ربعهم يعانون من السّمنة المفرِطة. وفقًا لتقدير وزارة الصّحّة فإنّ ارتفاع معدّل السُّمنة يكلّف البلاد حوالي 20 مليار شاقلًا في السنة - أكثر من 1% من النّاتج القوميّ الإجماليّ. الأضرار الصّحّيّة للسّمنة راسخة في الأبحاث والتّقارير الطّبّيّة، وتتضمّن زيادة الخطورة للإصابة بأمراض عديدة، من ضمنها مرض السّكّريّ وأمراض القلب، وأنواع مختلفة من السّرطان.
إنّ السّبب الرّئيس للسّمنة هو عدم التّوازن بين استهلاك الطّاقة وحرقها. أظهرت الدّراسات أنّ العديد من العوامل المرتبطة بالسّمنة، تصعّب على الأشخاص تحقيق فقدان بالوزن ذي قيمةٍ صحّيّة والحفاظ عليه، مثلًا: العادات الثّقافيّة، وفرة الطعام وخاصّة الطعام قليل الجودة، قلة النّشاط البدنيّ وحتّى تلوّث الهواء.
العديد من العوامل المرتبطة بالسّمنة تجعل من الصعّب على الأشخاص تحقيق فقدان وزن ذي قيمة صحية والحفاظ عليه. امرأة وطبيبتها تجلسن مع البيانات الصّحّيّة | Shutterstock, Peakstock
وعود كاذبة بفقدان الوزن
توصف العديد من العلاجات والأدوية المكمّلة بأنّ لها مزايا تحفّز فقدان الوزن، ولكن دون وجود أساس بحثيّ لذلك. في دراسة فحصت ما يقارب الـ- 1700 مقالة عن المكمّلات الغذائية والعلاجات البديلة لفقدان الوزن، وجد الباحثون أنّ 16 منها فقط أدّت إلى تغيير في أنماط فقدان الوزن. يعتمد تسويق العديد من المكمّلات الغذائيّة على الدّراسات الّتي فحصت العمليّات الكيميائيّة الحيويّة في الخلايا المعزولة في المختبر وليس على كائن حي كامل، أو في دراسات على الحيوانات، أو في دراسات تعتمد على التوثيق الذاتيّ لسلوك المشتركين أنفسهم، ممّا يزيد من احتمالية عدم الدقّة في المعطيات والبيانات المُدرجة وقد ويؤدّي إلى انخفاض اليقين فيما يتعلّق بالسّببيّة في النّتائج.
قد يقع أولئك الّذين لا تغريهم المكمّلات الغذائيّة في شبكة العديد من الأساطير، التي لا أساسًا علميًّا لها، حول السّلوكيات الّتي من شأنها أن تؤدّي إلى فقدان الوزن. من ضمنها شرب الكثير من الماء. الماء، بالطبع، هو عنصر غذائيّ ضروريّ لعمل الجسم الطبيعيّ. قد يؤدّي نقصه إلى مجموعة واسعة من المشاكل، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بضربة الشّمس وحصى الكلى، ومشاكل أخرى في الكلى، وحتّى صدمة نقص الدّم، نتيجة الانخفاض الحادّ في حجم الدّم. مع ذلك، فإنّ الادّعاء القائل إن زيادة استهلاك المياه يؤدّي إلى فقدان الوزن قد يمثّل إشكاليّة ما. فهو قائم بالفعل على منطق بيولوجيّ، لكنّه قائم أيضًا على أنصاف الحقائق، ويعاني من نقص في الأدلّة العلميّة والسريريّة. لشرح ذلك، نبدأ بالمنطق الّذي يقف من وراء ذلك.
التّمثيل الغذائيّ بمساعدة الماء؟
العمليّة الرّئيسيّة المستخدمة لتوليد الطّاقة في الخليّة هي دورة كريبس. في هذه العمليّة، هناك حاجة إلى استعمال الماء لإنتاج الطّاقة من الغذاء، وقد يكون هذا هو أصل فكرة أنّ استهلاك الماء، سيؤدّي إلى صرف المزيد من الطّاقة، وبالتّالي إلى فقدان الوزن.
هناك أيضًا دراسات تدعم هذه الفرضيّة، لكنّها لا تخلو من الإشكاليّات. مثلًا، أظهرت دراسة أُجريت عام 2007 أنّ استهلاك نصف لتر من الماء، يؤدّي إلى زيادة استهلاك الطّاقة بنسبة 24%، خلال السّاعة الّتي تلي الشّرب. ويعتقد الباحثون أنّ هذه النّتيجة مرتبطة بتنشيط الجهاز العصبيّ، وتنظيم درجة حرارة الجسم. فحصت هذه الدّراسة عيّنة صغيرة جدًّا من المشتركين متكوّنة من 16 شخصًا فقط، وبالتّالي فهي معرّضة بشكل كبير لعدم مصداقيّة النّتائج. حتّى لو افترضنا أنّ النّتائج دقيقة، يبدو أنّ استهلاك نصف لتر من الماء يؤدّي إلى إضافة حوالي 25 سعرة حراريّة فقط، لصرف الطاقة. وهذا ليس الرّقم الّذي من المتوقّع أن يؤدّي إلى فقدان الوزن.
وجدت دراسة أخرى أنّ لاستهلاك الماء تأثير يشجّع على استخدام الدّهون على الجلوكوز، لكنّ هذه الدّراسة استندت أيضًا إلى عيّنة من عشرة رجال فقط، ولم تقدم دعمًا اكلينيكيًا، لفرضيّة أنّ استهلاك الماء يؤدّي إلى فقدان الوزن. هناك منطق ميكانيكيّ وبيولوجيّ في هذه الفرضيّة، لكن هل يحدث هذا أيضًا في ظلّ ظروف حقيقيّة، على أرض الواقع المعقّد، أي خارج حدود المختبر؟ لهذا، يجب فحص الدّراسات الاكلينيكيّة في هذا المجال.
الادعاء بأن زيادة استهلاك المياه يؤدي إلى فقدان الوزن يمثل إشكاليّة ما. امرأة تشرب من وعاء ماء كبير| Shutterstock, Pilith
أين النّتائج الاكلينيكيّة؟
من الصّعب إجراء دراسات عالية الجودة، لفحص تأثير الماء على وزن الجسم. أحد أسباب ذلك، هو أنّ العديد من العوامل يمكنها أن تؤدّي إلى عدم دقّة نتائج هذه الدّراسات، ويجب أخذها بعين الاعتبار وتحييدها. على سبيل المثال، يعدّ الإبلاغ الشّخصيّ عن استهلاك السّعرات الحراريّة أداة شائعة في البحث، لأنّها بسيطة ومتاحة نسبيًّا، لكن وفقًا لمراجعات البحث، يميل الأشخاص إلى التّقليل من الإبلاغ عن كمّيّة السّعرات الحراريّة الّتي يستهلكونها. هناك عدّة طرق موثوقة أكثر، لكنّها أيضًا أكثر تكلفةً وتتطلّب المزيد من الموارد، من ضمنها، المياه ذات العلامة المزدوجة. بهذه الطّريقة، يشرب الأشخاص جزءًا مُقاسًا من الماء بهيكل جزيئيّ فريد، وبالتّالي يُمكن متابعة معدّل خروج ثاني أكسيد الكربون من الجسم بدقة كبيرة - وهو رقم يعكس متوسّط صرف الطّاقة. عند مقارنة طرق البحث المختلفة، ينّضح أنّ موثوقيّة التقارير الذاتية ودقّتها منخفضة للغاية - حتّى في فترة قصيرة من 24 ساعةً. قد يكون الانحراف في التّقرير أكبر بعد ثلاثة أيّام أو أسبوع أو أكثر.
يشيع التّصور أنّ شرب الماء يزيد من الشّعور بالشّبع، وبالتّالي يمكن أن يساعد في اتّباع نظام غذائيّ. في دراسة اكلينيكيّة، وجد أنّ هذا يحدث عند الأشخاص ذوي الوزن الصّحّيّ، ولكن ليس لدى الأشخاص الّذين يعانون من زيادة الوزن أو السّمنة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الشّعور بالشّبع لا يزداد إلّا في ظلّ ظروف غير محتملة، مثل شرب لتر ونصف من الماء قبل الغداء مباشرة، ودون التّحكّم في كمّيّة السّعرات الحراريّة المتناولة. يوضّح هذا الاكتشاف التّعقيد الكبير في علاج السّمنة، الّذي ينطوي على تعطيل آليّة الجوع. في التّجربة التّالية في نفس الدّراسة، طلب الباحثون من المشاركين شرب لتريْن من الماء، للحثّ على الشّعور بالشّبع. ولدهشة الباحثين، اختفى التّأثير الّذي حدّدوه سابقًا على الأشخاص ذوي الوزن الصّحّيّ، ولم يتمّ العثور على أيّ تأثير على أيّ من المجموعات - لا على الّذين لديهم وزن صحّيّ، ولا على الذين يعانون من زيادة الوزن. ولعلّ السّبب في ذلك هو أنّه في التّجربة الأولى شارك الباحثون الغرض من التّجربة مع الأشخاص، ممّا أدّى إلى رغبة الأشخاص في إرضاء الباحثين، بينما في التّجربة الثّانية، أخفى الباحثون الغرض من الدّراسة عن المشتركين.
وجدت دراسة أخرى أنّ زيادة تناول الماء، كان مرتبطًا بفقدان الوزن على المدى الطّويل، لكنّها شملت فقط النّساء اللّاتي أبلغن عن شرب أقلّ من لتر واحدٍ من الماء يوميًا قبل بدء التّعليم. قد تأتي زيادة استهلاك المياه، على حساب استهلاك المشروبات المحلّاة بالسّعرات الحراريّة العالية، وهي نقطة أُثيرت بالفعل في المراجعات السّابقة، كعامل محتمل في الارتباط بين زيادة استهلاك المياه وفقدان الوزن. فحصت مراجعة أُجريت عام 2019 للدّراسات، حول تأثير استهلاك الماء على فقدان الوزن خلال دراسات اكلينيكيّة فقط، للأشخاص الّذين تزيد أعمارهم عن 12 عامًا، مع متابعة لأكثر من ثلاثة أشهر، واقترح ثلاثة أنواع من التّدخّلات: زيادة استهلاك المياه، استبدال المشروبات ذات السّعرات الحراريّة مع الماء، وزيادة شرب الماء قبل الوجبات.
أدّت هذه التّدخّلات إلى إنقاص الوزن بمتوسط 5%، وهي خسارة تعتبر ذات قيمة اكلينيكيّة، لكن مع نطاق واسع - فقدان الوزن بنسبة تتراوح بين 0.46% إلى 9.41%. بالإضافة إلى ذلك، حتّى الدّراسات الأعلى جودة الّتي وجدها المراجعون، والّتي تمّ تضمينها في المراجعة تعتبر ذات مخاطر تحيّز عالية، وبالتّالي تعتبر جودتها منخفضة.
ربما لن يؤدّي شرب الماء إلى فقدان الوزن، لكن المشروبات المحلّاة تزيد من استهلاك السّعرات الحراريّة. أكواب مع المشروبات السّكرية ومشروبات الحمية | Shutterstock, Yusak_P
ماذا نشرب إذًا؟
في دراسة أجريت على 303 شخصًا لمدّة عام، وجد أنّ هناك فائدة أكبر في تناول المزيد من المشروبات السّكّريّة بدون سعرات حراريّة، مقارنة باستهلاك الماء. هناك مشكلتان محتملتان في هذه الدّراسة: أوّلًا، لم يُقاس توازن الطّاقة بواسطة المياه ذات العلامة المزدوجة؛ ثانيًا، لم يُسمح لمستهلكي المياه في الدّراسة بشرب مشروبات سكّريّة خالية من السّعرات الحراريّة، وبالتّالي بحثوا عن حلويّات بديلة، ممّا دفعهم إلى تناول المشروبات المحلّاة بالسّكّر - التي لم تُستهلك من قبل - أو المزيد من الأطعمة الحلوة الصّلبة. وفقًا للمراجعات في هذا المجال، يبدو أنّ استبدال المشروبات السّكّريّة باستهلاك الماء، هو التّدخّل الأكثر فاعليّة لفقدان الوزن. قد تشير النّتيجتان الأخيرتان إلى أنّه لم يكن استهلاك الماء هو المؤدّي إلى فقدان الوزن، ولكن بالأحرى انخفاض تناول السّعرات الحراريّة من السّوائل عالية السّعرات الحراريّة، مثل المشروبات السّكّريّة.
على ما يبدو، فإنّ شرب الماء وحده لن يجعلك تفقد الوزن بشكل كبير، لكنّ شرب المشروبات السّكّريّة يزيد من استهلاك السّعرات الحراريّة، وبالتّالي يزيد من خطر الإصابة بالسمّنة. في الوقت نفسه، إذا كنت بالفعل من محبّي مشروبات الحمية، فمن الممكن أن يؤدّي تقليل استهلاكها بشكل غير مباشر إلى زيادة تناول السّعرات الحراريّة من مصادر أخرى.
باختصار - اشربوا الماء.