حاول الإنسان، منذ فجر التاريخ، مجابهة الأمراض. لم يكن النجاح حليفه في كثير من الحالات - بدءًا  من طب الدَّجَل وانتهاءً بالطب الحديث خلال الأعوام المائة الأخيرة. منذ أن أقر الإنسان بأهمية عملية تطوير الأدوية وضبط ومراقبة الجودة والنجاعة اللازمة فيها، صيغت تعليمات واضحة للطريقة الصحيحة التي تؤدي إلى المصادقة على دواء أو علاج طبي معين. مقطع الفيديو التالي يصف  العملية الطويلة والمُكلِفة لتطوير الأدوية، بدءًا من تشخيص الجزيء الذي يؤثر على الزلال (البروتين) حتى وصول الدواء المناسب إلى رفوف الأدوية في الصيدليات.  

 
 

تم  إنتاج الفيديو لصالح J&J Health channel التابعة لشركة Johnson & Johnson وتمت ترجمته من قبل طاقم دافيدسون أون لاين. الترجمة للعربية: خالد مصالحة.
 

تبدأ العملية الطويلة والمُكلِفة لتطوير الأدوية في مختبرات الأبحاث في الجامعات ومعاهد الأبحاث وشركات الأدوية. تستمر العملية في المراحِل الثَّلاث للتَّجارب  السريرية وتنتهي بمصادقة هيئة إدارة الغذاء والأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية (FDA) أو هيئة تنظيمية أوروبية، ثم التَّسويق إلى الصيدليات بإشراف ورقابة شديدَيْن ومتابعةٍ متواصلةٍ لأعراض جانبية نادرة.
مقطع الفيديو الذي شاهدناه يصف  العملية بشكل مقتضب، لكنه لا يوضح طبيعة المراحل الثلاث للتجارب السريرية  بشكل جوهري. هذه المراحل تبدأ بعد أن يتبيّن أن الدواء كان ناجعًا وآمنًا لدى نموذجَيْن من الحيوانات (قوارض وثديِيَّات  أكثر تفوقًا، مثل الخنازير والقرود). 

 

المراحل الثلاث

 المراحل الثّلاث، قبل المصادقة على الدواء، هي تجارب تُجرى على الإنسان. كما قرأتم وسمعتم - تجارب على الإنسان. ليس الحديث هنا عن سجناء في دول دكتاتورية، بل أشخاص تطوعوا بإرادة حرة لفحص نجاعة الدواء وأعراضه الجانبية - الأمر الذي لا يقل أهمية عن نجاعته.

لفحص مدى موثوقية النتائج، كما في كل بحث صحيح، يجب أن تكون هنا، أيضًا،مجموعة ضابطة. يحصل الأشخاص في هذه المجموعة على مادة وهمية لا تحتوي على المُركِّب العلاجي الفعّال (بلاسيبو)، وكل شخص من الأشخاص المشاركين في التجربة يكون على علمٍ بأنه قد يحصل على الدواء الحقيقي قيد البحث، أو على الدواء الوهمي، وفقاً لمعيارٍ إحصائيٍّ مُعيَّن، يتم تحديده مسبقًا لهذا البحث . كُلٌّ من الطبيب المعالِج والشخص المُشارك في البحث، لا يعرفان، عادةً، ما هو العلاج الذي حصل عليه كل واحد من المشاركين. تُسمّى هذه العملية بـِ "التَّعمية". عند إجراء البحث، تحصل المجموعة الضابطة على العلاج المتداول في الأسواق - هذه المجموعة تسمى  مجموعة ضابطة إيجابية.

الهدف من هذه الضوابط هو التيقن من أن العلاج الذي قيد الفحص هو أكثر نجاعةً من أنواع العلاج الحالية السائدة، آمنٌ مثلها على الأقل و نجاعته أكبر من عامل تأثير الدواء الوهمي (Placebo).الإخفاق في أيّ واحد  من المراحل - حتى لو كان في المرحلة الثالثة - يُؤَدِّي إلى وقف عملية المصادقة على الدواء والعودة إلى مرحلة التطوير. تستمر هذه العملية مدة تتراوح بين سبع وعشر سنين وقد تبلغ تكاليفها ملايين الدولارات. في كل مرحلة من مراحل البحث،  يتم فحص الأمان في تناول الدواء، كما يتم تسجيل جميع أعراضه الجانبية وتوثيقها. تُسجّل هذه المعلومات - عندما يحين الوقت - في النشرة الخاصة بالمستهلك الموجودة في علب الأدوية التي تباع للناس. 

 

المرحلة الأولى مُصَمّمةٌ  لفحص الجرعة المثلى من الدواء، مع أقل  ما يمكن من الأعراض الجانبية ولتحديد المدة الزمنية المطلوبة للجسم للتخلص من الدواء. لكونها المرحلة الأكثر خطورة،  يشارك فيها بضع عشرات من المتطوعين الأصحاء، فقط. 

عندما يتعلق الأمر بالدواء الذي يحتمل أن يكون سامًّا، يكون المشاركون مصابين بأمراض قاتلة و"ليس لديهم ما يخسرونه". في جميع الحالات، تكون الجرعات التي تم اختبارها في هذه المرحلة أقل من تلك التي تبيّنَ أنها سامة في التجارب على الحيوانات. من المهم أن ننتبه إلى أن الغرض من هذه المرحلة ليس اختبار نجاعة الدواء، بل  فحص مدى سلامته في الاستخدام البشري، والجرعة التي يمكن تُعطى ووتيرة تخلّص الجسم منها. 

في المرحلة الثانية يتم فحص  نجاعة العلاج. يشارك مئات المتطوعين في هذه المرحلة التي قد تستغرق عامَيْن. بسبب طول التجربة قد ينضم إليها مُشارِكون جُدد أثناء إجرائِها، وقد يتركها مشاركون آخرون، الأمر الذي  يزيد من صعوبة تحليل النتائج واستخلاص الاستنتاجات. في هذه المرحلة، أيضًا، ينصب الاهتمام على جمع المعطيات حول جميع الأعراض الجانبية للدواء. 

في المرحلة الثالثة  يشارك المئات، وحتّى  الآلاف من المتطوعين في العديد من المراكز الطبية.  في هذه المرحلة، أيضًا، يتم استخدام مجموعات ضابطة مع الالتزام بمبدأ التعمية المزدوجة، ولا يعرفُ  المتطوعون والأطباء المعالِجون من يُشارك في مجموعة العلاج ومن يُشارك في المجموعة الضابطة. إن استخدام هذا المبدأ ضروري  لضمان عدم كون نتائج العلاج نفسية جسدية (سايكوسوماتك) ولضمان حصول جميع المرضى على نفس المعاملة. تُجرى التجربة في ظروف خاضعة للرقابة ويتم توزيع المتطوعين بشكل عشوائي بين مجموعات العلاج والضبط. في هذه المرحلة  يتم تحديد مدى نجاعة العلاج بشكل عام، وبالنِّسبة للعلاجات  الأخرى.

يتم تقديم طلب الموافقة على الدواء بعد المرحلة الثالثة فقط، وإذا تم اعتماده  يدخل المرحلة الرابعة، التي يتم فيها تسويق  الدواء مع الاستمرار في جمع المعلومات عن أعراضه الجانبية النادرة، أو طويلة الأمد.  في هذه المرحلة، أيضًا، لا يُعتبر الدواء "آمنًا"، وإذا تبيّنَ وجود أضرار يُسَبِّبُها استعمال الدّواء مع مرور الوقت ، أو تبيَّنت  أعراض جانبية خطيرة، تتم إزالة الدواء من الرفوف. أحد الأمثلة البارزة على ذلك، هو عَقَّارVioxx المُسَكِّن للأوجاع، الذي تمت إزالته من الرفوف بعد أن تبيّنَ أنه يزيد من خطر الإصابة بأمراض في الأوعية الدموية.

تُوجَد  بعض الاستثناءات، أو الطرق المختصرة، للموافقة على الأدوية. الأوّل هو المسار السريع - الأدوية المنقذة للحياة يُصادَقُ عليها بعد المرحلة الثانية، شريطةَ أن تلتزم شركة الأدوية بإجراء تجارب بالغة الدّقة، وفقًا لمعايير المرحلة الثالثة، بعد بدء تسويق الدواء. هناك حالة أخرى تتعلق بالعقاقير اليتيمة - التي تخدم جمهورًا مستهدفًا محدودًا، ولهذا السبب، لا يمكن اختبارها على عينة كبيرة من المرضى. تحظى هذه العقاقير بمُدَّة براءة اختراع مُطَوّلة وبتمويل جزئي من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

الاستثناءات الأخرى هي الأدوية غير مُسجّلة المُلْكية أو العامة - وهي أدوية  مشابهة لأدويةٍ قيد الاستعمال انتهت صلاحية براءة الاختراع الخاصَّة بها.  ما يحتاجه صانع الدواء، في هذه الحالة، هو إثبات أن التركيب الكيميائي للعقَّار وسلوكه في جسم الإنسان مطابقان للدواء الأصلي، أي أن وتيرة امتصاصه في الجسم ووتيرة تفريغه منه مطابقان للدواء الأصلي.

أخيرًا، الإجراء المُعَجَّل يكون مُمكِنًا، أيضًا،  عند اقتراح علاج جديد لدواء مصادق عليه. الدواء الذي تمت المصادقة عليه سابقًا و اجتاز المراحل الثلاث، ولكن يجري فحص احتمال كونه ناجعًا في علاج  ظاهرة أخرى، أيضًا،لا يجب أن يمر في الخطوات الثلاث مرَّة أخرى، ويمكن الاكتفاء بإجراء مختصر.

كما رأينا، تعتبرمرحلة التجارب السريرية مرحلة طويلة وغالية الثَّمن، وفي نهايتها   يتوفَّرُ لدى الشركة ما يُقارِب ست سنوات لبيع الدواء بدون منافسة، حتى انتهاء صلاحية براءة الاختراع. في هذه الفترة القصيرة من الزمن، يتعين على الشركة استرداد الاستثمار وكسب ما يكفي لتطوير المزيد من الأدوية. بعد  انتهاء صلاحية براءة الاختراع، تستطيع الشَّرِكات المنافسة أن تبدأ في بيع الأدوية غير مسجلة الملكية.
 

إيريز غارتي

قسم الكيمياء البيولوجية
معهد وايزمان للعلوم

الترجمة للعربيّة: خالد مصالحة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح


 

ملاحظة للمتصفحين

إذا كنتم تعتقدون أن الشرح ليس واضحًا بشكلٍ كافٍ، أو إذا كانت لديكم أسئلة تتعلق بالموضوع، ندعوكم للكتابة ضمن الردود على هذه المقالة، وسوف نتطرَّقُ  لملاحظاتكم. نحن نرحِّبُ، دائِمًا، بالاقتراحات من أجل التَّحسين والنقد البناء.

 

2 تعليقات

  • אנונימי

    طريقة انتاج ادوية اخرى عن

    طريقة انتاج ادوية اخرى عن طريق "الادوية غير مسجلة الملكية" لها الكثير من التشويشات ٫ اذ ان هذا المقال قد يثير الى ان جميع الادوية هي آمنه وفعالة لكن ذلك ليس بالكامل صحيح. انصح وبشدة مشاهدة الفيديو التالي https://youtu.be/Nuzi7LlSDVo

  • مختص من طاقم دافيدسونארז גרטי

    رد

    عملية البحث السريري لا تخلو من الأخطاء. في بعض الأحيان ، قد نرى آثارًا وأعراضًا جانبية طويلة الأمد وقد تطرأ أعراضٌ أخرى نادرة بعد فترة من الزمن، وفي حال حدوث ذلك، يتم سحبُ الدواء من على رفوف البيع. لا شك بأنه من الممكن تمديد الاختبارات السريرية وتوسيعها أكثر فأكثر ، لكن في النهاية نحتاج لأن تصل هذه الأدوية للجمهور ، كما أنها بذلك فقط ستؤتي ثمارها للشركات المطوّرة والمصنّعة. هذا الأمر ليس مثاليًا ولكنه القائم حاليًا ، وتقع على عاتق السلطات الصحية مسؤولية مراقبة الشركات بحيثُ تلتزم الأخيرة بالبروتوكولات ولا تقوم بعمل اختصاراتٍ لتقليص مدّة التطوير والتصنيع والتي من شأنها أن تؤثر على جودة الأدوية بطريقة كارثية.