ما هي العلاقة بين الحليب وبين حبر الطابعة؟ وبين الضباب و الستايروفوم (بالعبرية كالكار)؟ وهل توجد علاقة بين الدم وبين المايونيز؟ 
قد يبدو أنّ إيجاد علاقةِ بين هذه المواد هي مهمة مستحيلة، ولكن سنرى لاحقًا أنَّ هناك قاسمٌ مشترك بينها - تُعرّف هذه المواد بأنها منظومات تشتُّت غروية (قولوئيد).

محلول أم منظومة غروية؟ 

منظومة التشتّت هي منظومة تكون فيها مادةٌ معينة مبعثرةً داخل مادةٍ أخرى. يمكن تقسيم منظومات التشتّت إلى نوعين: إمّا محلول وإمّا منظومة غروية. 

مُقارنة بين المحلول وبين المنظومة الغروية | الرسم التوضيحي للمؤلّف

مُقارنة بين المحلول وبين المنظومة الغروية | الرسم التوضيحي للمؤلّف

المحلول هو منظومة تكون فيها مادةٌ مُعيّنة (المُذاب) أو عِدّة مواد مختلفة مبعثرةً بشكل مُتجانس (هومو جيني) في مادةٍ أخرى (المُذيب). مثلًا، إذا خلطنا السُكّر (المُذاب) مع الماء (المُذيب)، يذوب السكر في الماء بشكلٍ متجانس ويُكَوِّنان محلولًا شفافًا، كما يظهر في الرسم التوضيحي أعلاه. يتفكّك السُّكّر الصلب في هذه الحالة إلى جزيئات منفردة ويُصبح كل جزيءٍ منها محاطًا بجزيئات الماء.

نحن نقوم يوميًّا بتحضير المحاليل في المنزل، وقد لا نعي ذلك. يحدث ذلك مثلًا عندما نخلط الملح بالماء خلال الطبخ. من الناحية العملية، فإنّ غالبية المواد المستهلكة في المنزل هي منظومات تشتُّت غروية  وليست محاليلًا.

منظومة التشتُّت الغروية هي منظومة تكون فيه مادةٌ معينة غير ذائبةٍ بشكل متجانس في مادة أخرى كما في المحلول، ولكنها تتبعثر فيها ولا ترسب في أسفلها ولا تطفو على سطحها. إذا خلطنا مثلًا حبيبات صغيرة من الرمل بالماء سنرى أنها لا تذوب وإنما تتبعثر وتتشتت وتصبح "مُعلّقةً" داخل الماء.

يمكن القول، بناءً على ذلك، إنَّ المنظومة الغروية، بخلاف المحلول، مُكوّنةٌ من طَوْرَيْن (وسطين)، طَوْرٌ متواصل وطَوْرٌ مُشَتّت. نشاهد في الرسم التوضيحي أعلاه أن الطّوْر المُشتت يختلط بالطور المتواصل ولكنه لا يذوب فيه، فلا تكون المنظومة الغروية عادةً شفافةً وصافيةً كالمحلول. تُشكّل حبيبات الرمل الصلبة في المثال الذي أوردناه الطورَ المُشتّت ويُشكّل الماء الطور المتواصل (يصف مُصطلح الطّوْر في هذا المثال الحالة الركامية للمادة - غازية أو سائلة أو صلبة).

يمكن تقسيم منظومات التشتت إلى عدة أنواع رئيسية، حسب الأطوار التي يتم خلطها:

أ. طُوْرٌ في الحالة الركامية الصلبة ("مُعلَّقٌ") داخل الطّوْر السائل وتسمى هذه الحالة المحلول المُعلّق (suspention). نجد المحاليل المعلقة مثلًا في صناعة الأدوية حيث يكون الدواء الصلب مُشتتًا داخل الماء.

ب. طور في الحالة الركامية السائلة في طور سائل آخر، ويسمى المُستحلب (emulsion). الحليب الذي نشربه هو مثال معروف لهذا النوع من المنظومات الغروية. يتكون الحليب من قطرات دهنية صغيرة (الفوسفوليبيدات) مبعثرة داخل الماء. كريمات التجميل هي مثال آخر فهي تحتوي على قطرات زيتية مبعثرة في الماء (عندما يكون المستحلب مائيَّا) أو قطرات من الماء مبعثرة داخل الزيت (عندما يكون المستحلب زيتيًّا). 

ج. طُوْرٌ سائل داخل طُوْرٍ في الحالة الركامية الغازية. تكوّن قطرات الماء المبعثرة في الهواء الضباب.

د. طورٌ في الحالة الركامية الغازية داخل طور في الحالة الركامية الصلبة. المثال المعروف لهذه الحالة هو البوليستايرين أو الستايروفورم (المعروف بالعبرية بالكال=الخفيف - قار=البارد).

تحضير المنظومة الغروية وتثبيتها

المنظومات الغروية واسعة الانتشار في حياتنا اليومية. غالبية الغذاء الذي نأكله والأدوية ومستحضرات التجميل حتى السائل الذي يجري في عروقنا هي جميعًا منظومات غروية دون أن نكون على علمٍ بذلك. توجد للمنظومات الغروية مثل المحاليل المعلقة والمستحلبات أهميةٌ بالغة لأنها تمِكّن الخلط بين مواد غير قابلة للاختلاط فيما بينها بشكلٍ طبيعي، مثل الزيت والماء. 

لقد تعلمنا منذ الصِّغر أنَّ الزيت والماء لا يختلطان. لكن يؤسفني أن أخذلكم - من الممكن بالتأكيد خلط الزيت مع الماء وتكوين مستحلب منها.

إذا قمتم بصب الزيت داخل كأس من الماء ثم خلطتم بسرعة ترون سريعًا أنّ قطرات الزيت قد اتحدت فيما بينها ثمّ يطفو الزيت على سطح الماء فيما يسمى عملية انفصال الأطوار. يمكن أن نستنتج من ذلك أنه يتحتم علينا إضافة مواد أخرى تعيق اتحاد قطرات الزيت معًا من جديد وأنّ عملية خلط المواد لا تكفي لتكوين منظومة غروية مستقرة. 

تسمى هذه المواد بشكل عام بالمواد الفعالة سطحيًا  (surfactants)، وهي تُحيط بالقطرات أو الجسيمات وتعيق اندماجها وتكوينها لوحدة متواصلة وتنفصل عن الطور المتواصل المستخدّم - غالبًا  ما يكون هذا الطور هو الماء. يمكن، بهذه الطريقة، أن نجعل الجسيمات الصلبة تتعلق في الماء ونمنع ترسبها.  

يحتوي الصابون الذي نغتسل به أو الذي نشطف به أواني المطبخ على مواد فعالة سطحيًّا. تمكّنُ المواد الفعالة سطحيَّا اختلاط الزيوت أو الدهنيات المتكدسة على الأيدي بماء الحنفية عندما نغسل أيدينا فتتم بذلك إزالتها عن الأيدي. تزول الأوساخ القابلة للذوبان في الماء ولا تزول الأوساخ الدهنية عن الأيدي إذا غسلناها بدون استخدام الصابون.  يمكنكم فحص تأثير المواد الفعالة سطحيًا عن طريق إضافة قطرة زيت إلى كأس من الماء ثم القليل من الصابون وخلطها معها خلطًا جيدا وسريعًا. إذا أضفتم كمية كافية من الصابون سترَوْن تكوّن قطرات زيتية صغيرة في الماء  تبقى مستقرةً لبضع دقائق على الأقل ولا تتحد و تتجمع من جديد. إذا نجحتم في هذه المهمة فقد حصلتم على مستحلب - مرحى مرحى!

المنظومات الغروية في الحياة اليومية

توجد لمنظومات التشتت، كما ذكر سابقًا، أهمية وضرورة بالغة في الحياة اليومية. الحليب مثلًا هو مستحلب ثابت ذو لون أبيض متجانس. إذا وضعنا الحليب خارج البراد لفترة كافية أو إذا أضفنا إليه الخل نلاحظ تكوّن تكتلات بيضاء. هذه التكتلات هي في الواقع القطرات الزيتية أو الدهنية الصغيرة التي كانت مبعثرة في الماء عندما كان المستحلب (الحليب) مستقرَّا. يضرُّ التسخين البطيء أو الخل بثبات المستحلب ويؤدي إلى اندماج قطرات الزيت أو الدهن وتكوين الكتل الزيتية أو الدهنية. لكن لا تقلقوا - لا يدل ذلك على تلف الحليب فهذه هي الدهنيات ذاتها التي نأكلها عندما نتناول الجبنة. تحضير الجبنة هو في الواقع عملية يختل فيها ثبات المنظومة الغروية - الحليب السائل. 

لا يقتصر استخدام المنظومات الغروية على صناعة المواد الغذائية. توجد أهمية كبيرة لإمكانية خلط وسطين مختلفين والمحافظة على ثباتها في صناعة الأدوية أيضًا. غالبية المواد الفعّالة في الأدوية (أي الجزيئات ذات التأثير العلاجي) لا تذوب في الماء. يجب الحصول على محلول معلق أم مستحلب "يُحَلِّق" فيه الدواء على شكل جسيمات أو قطرات ليعطي النجاعة المرجوة منه عند استخدامه. 

نرى إذًا أنّه من المهم للغاية الحفاظ على ثبات المنظومة لفترة زمنية طويلة قدر الإمكان. إننا لن نقدر على استخدام الدواء إذا اندمجت الجسيمات أو القطرات خلال أيامٍ قليلة  مكوّنةً تكتلاتٍ تطفو على سطح السائل أو ترسب فيه. إذا حدث ذلك ستتكبّد شركات الأدوية خسائر مالية فادحة ويُشكّلُ الأمر خطرًا على صحة من يتعاطى الدواء. تبذل الشركات المختلفة والجامعات لهذا السبب  جهودًا كثيرة في الأبحاث وتطوير منظومات غروية مستدامة وثابتة إلى أقصى حد ممكن.

نظرًا لاهميتها والحاجة الملحة لها، هاكم عدد من الأمثلة لمنظومات التشتت الغروي والتي تلعب دورًا مركزيًّا في الحياة اليومية: حبر الطابعات، دهانات الحيطان، الكريمات، المرجرينا، الشوكولاطة، وأهمها - الدم الذي يجري في عروقنا والذي يحتوي على مُركِّبات كثيرة جدَّا تُحلّق في الماء.


ملاحظة للمتصفحين
إذا كانت هناك حاجة للمزيد من الإيضاحات أو إذا كانت لديكم أسئلة تتعلق بالموضوع أخبرونا بذلك عبر إضافة تعليق. سنقوم بالتطرق لجميع ملاحظاتكم. نحن نرحب بالنقد والاقتراحات البناءة.

استجابة واحدة

  • ابراهيم

    يرجى اضافة مثال لكل بند

    يرجى اضافة مثال لكل بند ذكرتموه