تشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الحاجة لإلصاق مواد مختلفة ببعضها قد تولّدت لدى الإنسان منذ 200 ألف سنة. مع مرور السنين تزايدت الحاجة لإلصاق مواد ببعضها ورافق ذلك تطوير مواد جديدة فأدرك الكثيرون الإمكانيات العظيمة الكامنة في ربط مواد مختلفة مع بعضها.
تُقدّر صناعة الأصماغ والغراء والإسمنت في أيامنا ببضع عشرات مليارات الدولارات سنوياً وذلك بفضل التنوع الهائل في المواد وكثرة التكنولوجيا التي تُلبي الحاجات المتنوعة في العالم الحديث. لقد توسّع عالم الأصماغ والغراء في أيامنا ليشمل الأصماغ القوية والسريعة مثل صمغ أو لاصق الإيبوكسي إلى جانب الأصماغ الأكثر رِِقّةً كتلك التي تستخدم في الضمادات التي نلصقها على الجلد وحتى الأصماغ التكنولوجية التي يتمكّن الأطباء بفضلها من إلصاق الأنسجة المصابة وجبر العظام المكسورة.
قوى اللصق
تُسمّى المواد المُوطّدة كالاسمنت والغراء مهنياً "أدهى زورات" بمعنى مواد ذات قدرة التصاق عالية. يتطرق المصطلح "أدهيزيا" إلى التجاذب بين مادتين تختلفان فيما بينهما على المستوى الجزيئي وهذه هي صفة ضرورية للمواد اللاصقة. وتتطلب المادة اللاصقة الجيدة صفة أخرى تدعى "قوهزيا" أي التجاذب بين جزيئات المادة ذاتها. وظيفة الأدهيزيا هي ربط المواد المختلفة مع الغراء ووظيفة القوهيزيا هي صمود الغراء ذاته لئلا يتفكك.
قوى الأدهيزيا والكوهيزيا في المادّة اللاصقة (الغراء)
هناك اختلاف في الرأي بين الخبراء حول آلية اللصق. تدّعي المجموعة الأولى من الخبراء والتي يتزعمها الفيزيائيون والكيميائيون أن مصدر الأدهيزيا هو قوى ڤان در ڤالس أو روابط كيميائية أخرى تتكوّن بين الصمغ أو الغراء وبين المادة التي نريد لصقها. وتعتقد المجموعة الأخرى المكونة من المهندسين خاصةً أن الإقفال الميكانيكي هو المصدر لقوى اللصق. يدّعي أصحاب الإقفال الميكانيكي أن السطح الخارجي لكل مُسطّح، حتى وإن بدا أملس للعين المجردة إلّا أنه ميكروسكوبياً يكون مخدوشاً وخشناً. عندما يتغلغل الغراء بين هذه الخدوش ويصلبّ فإنه يُكوّن مراسيَ صغيرة كثيرة جداً تصل
ميكانيكياً ما بين الغراء أو الصمغ وبين المادة الملصقة به.
تشاهدون في المقطع التالي كيف قام العلماء ببحث قدرة الحرباء على الالتصاق بمسطحات ملساء لتتجلى لهم نتائج مذهلة.
العلم الذي يعتمد على الحرباء | إنتاج California Academy of Sciences
أنواع الأصماغ
لقد ذكرنا أعلاه أنه يتم تطبيق الكثير من التكنولوجيا لإنتاج أصماغ ذات ميزات مختلفة تلبي متطلبات متغيرة. على الرغم من ذلك هناك خطوط تشابه كثيرة في طريقة أو كيفية استخدام الأصباغ المختلفة.
يُستخدم في معظم الحالات الغراء السائل شكله الأولي، فيوضع على السطح المراد لصقه، وبعد مرحلة "شفاء" يتحول إلى الحالة الصلبة فيحصل ارتباط متين بينه وبين السطح. يمكن أن تحصل عملية "الشفاء" التي يتحول فيها الغراء من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة لأسباب فيزيائية أو نتيجة لتفاعلات كيميائية. سنعرض هنا عدداً من التقنيات أو الأساليب الشائعة في الصناعة.
الأصماغ الكيميائية - عملية "الشفاء" في هذه العائلة من الأصماغ هي في الواقع تفاعل كيميائي يؤدي إلى تحويل الصمغ من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة. يدور الحديث في بعض الحالات عن تفاعل بلمرة تتصل فيه جزيئات منفردة فيما بينها وتكوّن جزيئات ضخمة أكثر قساوة ومتانة من الجزيئات المفردة بدرجة عالية. يمكن للتفاعل الكيميائي أن يحدث عند تعرض الصمغ للرطوبة في الهواء كما يحصل في صمغ الإيبوكسي، ولكن هناك طرق أخرى لبدء التفاعل الكيميائي كإرسال الأشعة فوق البنفسجية باتجاه الصمغ أو خلطه بمادة كيميائية أخرى.
الأصماغ المنضغطة - أصماغ هذه المجموعة هي مواد حساسة للضغط إذ عند الضغط عليها تتحوّل إلى حالة المتانة والقوة نتيجة تحوّل طَوْرها من الحالة غير المتبلورة التي تكون فيها الذرات غير منتظمة في إطارٍ بعيد المدى إلى حالة متعددة التبلور منتظم تكون فيه الذرات منظمة متكاثفة مما يزيد من درجة متانة المادة. تستثمر صناعة الأصماغ والغراء الواسعة في أيامنا، والتي تتداول مليارات الدولارات سنوياً، كثيراً من الموارد في البحث والتطوير في هذا المجال وذلك على أمل إنتاج أصماغ مُحَسّنة ذات صفات مميزة تناسب تطبيقات خاصة. من يعلم - ربما سيصبح بعد بضع سنين، مع تقدم البحث في هذا المجال، بإمكاننا جميعاً استعمال كفوف أدهيزيا خاصة بإلهام من سبايدرمان أو تكنولوجيا أدهيزيا الحرباء لتسلق الجدران الزجاجية.